حدد رئيس جماعة سيدي عبد الله، بإقليم الرحامنة، عبد الفتاح زكرياء، سنة 2015، آخر أجل لطرد شبح الفقر، الذي يخيم على هذه المنطقة الفلاحية، التي لا تبعد على مدينة مراكش سوى بحوالي 99 كيلومترا.الكرماعي المدير الإقليمي لوزارة الفلاحة (يمين) رفقة مجموعة من القرويات المتوجات في مجال تثمين الصبار وتربية الدجاج (خاص) فما هي دواعي هذا التفاؤل الكبير، خصوصا أن قرية مولاي عبد الله، التي تضم حوالي 12 ألف نسمة، توجد على أراض جافة، لا تكاد نسبة التساقطات المطرية بها تتجاوز 200 ملمتر سنويا؟ عندما حل مجموعة من الصحافيين، بينهم موفد "المغربية"، بداية شهر أكتوبر الجاري، بجماعة مولاي عبد الله، بوابة الرحامنة، لحضور يوم تواصلي استعدادا للموسم الفلاحي الجديد، لفت انتباههم وجود حركة غير عادية داخل حقول الصبار، الممتدة على عشرات الكيلومترات. رئيس الجماعة، عبد الفتاح زكرياء، أوضح أن الأمر يتعلق بمشروع تثمين زراعة الصبار، الذي سيُنجز، خلال الفترة ما بين 2010 و2015، بهدف تحويل قرية مولاي عبد الله إلى منطقة لتحويل وتصنيع الصبار، وتسويق مشتقاته داخل وخارج المغرب. ثلاثة ملايير سنتيم غير بعيد عن مقر الجماعة القروية، حيث نُظم اليوم التواصلي مع الفلاحين، يوجد ورش بناء معمل كبير، بلغت الأشغال به حوالي 80 في المائة. وأوضح عبد الفتاح زكرياء أن الأمر يتعلق بمعمل لتحويل وتصنيع نبتة الصبار، خُصصت له مساحة خمسة هكتارات، بغلاف مالي يُقدر ب 3 ملايير سنتيم. وفي انتظار نهاية الأشغال به، منحت الجماعة بقعة أرضية تبلغ 170 مترا مربعا لتعاونية مفتاح الخير النسائية، لغرس الصبار، وتسويقه، بعد نموه، إلى المعمل المذكور، الذي ينوي المسؤولون عليه، تشغيل حوالي 2000 شخص، أغلبهم نساء، بطريقة مباشرة. وبالموازاة مع ذلك، بادرت الجماعة، بتعاون مع باقي شركائها، بفتح ورشات لتكوين الشباب، والنساء بالخصوص، في مجال زراعة نبتة الصبار والعناية بها، وكيفية تسويقها. أشواك من ذهب تحول اليوم التواصلي حول ترتيبات الموسم الفلاحي الجديد، الذي حضره أزيد من 50 شخصا، من مسؤولين محليين وفلاحين وإعلاميين، إلى ما يشبه ندوة حول زراعة الصبار، إذ تركزت جل المداخلات حول هذا الموضوع، الذي يحظى باهتمام بالغ من طرف السكان والسلطات المحلية، على السواء. محمد الحمامصي، رئيس الشباك الوحيد في غرفة الفلاحة بالرحامنة، قال، في جواب حول عدد الهكتارات المخصصة للصبار بالرحامنة: "إذا كانت سوس هي المنطقة الأولى، التي اهتمت بتجربة تثمين الصبار بالمغرب، فإن الرحامنة هي الأولى وطنيا من حيث المساحة المخصصة لهذه النبتة، إذ تتجاوز 35 ألف هكتار، من مجموع 150 ألف هكتار من زراعة الصبار بالمغرب". أما حميد بولمان، مدير المركز الفلاحي بالرحامنة، فتحدث عن الانعكاسات الإيجابية لغرس الصبار على الأراضي الفلاحية، موضحا أن الأرض المغروسة بنبتة الصبار تزداد بها المواد العضوية بحوالي 40 في المائة، علما أن نمو الصبار لا يتطلب كثيرا من الماء، مما يجعل السقي بالتنقيط وسيلة اقتصادية وناجعة في تطوير هذه الزراعة بمنطقة الرحامنة، التي لا تتجاوز فيها نسبة الأمطار 200 ملمتر في السنة، وهو الاتجاه نفسه الذي سار عليه عبد اللطيف الزعيم، ممثل الغرفة الفلاحية بإقليم الرحامنة، مؤكدا أن انتشار الصبار بكثافة في منطقة معينة يساهم في الزيادة في عدد الوحيش. وتحدث خلال اليوم الدراسي، أيضا، عبد الكريم الحسيني، نائب رئيس الجمعية الوطنية لمربي الماعز والأغنام، الذي خصص مداخلته لدور الصبار في إنتاج مواد العلف، التي تحتاجها المواشي بالرحامنة، خصوصا أغنام الصردي، "المعروفة بجودتها في المنطقة"، حسب وصف الحسيني، مضيفا، حول سؤال يخص الاستعدادات لعيد الأضحى، أن العرض متوفر، وأن الأغنام في "صحة جيدة". من جهته، قال عبد الحفيظ الكرماعي، المدير الإقليمي لوزارة الفلاحة بالرحامنة، في تصريح ل"المغربية"، إن وزارة الفلاحة، بتعاون مع السلطات المحلية، ومؤسسة الرحامنة للتنمية، تُشجع المواطنين من أصحاب الأراضي بالإقليم، على غرس الصبار بنسبة 5 إلى 6 ألاف هكتار في السنة، بتوفير الشروط المطلوبة، من مهندسين فلاحيين، وربط الأراضي المغروسة بتقنية السقي بالتنقيط، والمتابعة الدورية للغرس إلى أن ينمو وينضج، خلال ثلاث إلى خمس سنوات، ليصبح، بالتالي، مؤهلا للتسويق أو التصنيع، موضحا أن المستفيدين من هذه العملية يحصلون، بالموازاة مع ذلك، على مساعدات مادية، حسب عدد الهكتارات المزروعة، تصل، في بعض الأحيان، إلى 6000 درهم في السنة. ولم يفت الكرماعي التذكير بأن تثمين الصبار بالرحامنة يدخل في إطار مشروع متكامل قُدم لجلالة الملك محمد السادس، خلال زيارته إلى المنطقة، في 9 دجنبر 2009، بقيمة 378 مليون درهم (38 مليار سنتيم). فوائد الصبار أبانت مجموعة من الدراسات، المنجزة في المكسيك، باعتبارها أحد أكبر الدول المُصنعة للصبار، أن هذه الفاكهة، التي تسمى في المغرب ب"الكرموص الهندي"، تعتبر من بين المواد الغذائية المتكاملة والغنية بالأملاح المعدنية والفيتامينات المفيدة لصحة الإنسان، وقال عبد الرحمان أيت حمو، مهندس فلاحي ورئيس الجمعية الوطنية لتنمية الصبار، في تصريحات لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن الصبار من النباتات الأكثر مردودية اقتصاديا، إذ يمكن للفلاحين تنويع أنشطته المدرة للدخل، كاستخراج زيوت الصبار، وبيع فاكهته، سواء طرية أو مجففة، فضلا عن مزاياه الغذائية الكبرى . وأضاف أن نبتة الصبار تكتسي أهمية كبرى كذلك في المجال الطبي، حيث تستعمل منتوجاتها في الوقاية من داء السكري، والتقليص من حدة ارتفاع الدهنيات في الدم، وتصفية الجهاز البولي، وقرحة المعدة، والاضطرابات المعدية، فضلا عن شهرته الواسعة في تجميل البشرة، ومقاومة التجاعيد، وفي الصيدلة، وصناعة مستحضرات التجميل كالمرهمات. واكتشفت مزايا هذه النبتة منذ عهود بعيدة بالمكسيك، وشكلت فاكهته، منذ 6500 سنة قبل الميلاد، مصدرا غذائيا للشعوب البدائية. وجرى إدخالها، في القرن 16 إلى شمال وجنوب إفريقيا، وعلى طول الفضاء الأورو- متوسطي. مركز حضري يتوقع المسؤولون بجماعة سيدي عبد الله أن تشهد منطقتهم تطورا ملحوظا، موازاة مع تحسين ظروف عيش السكان بفضل فوائد زراعة الصبار، لذلك وضع المجلس الجماعي خطة لتنمية وعصرنة بلدتهم على صعيدي العمران والتجهيز، وفي هذا الإطار، يوضح عبد الفتاح زكرياء أن جماعته تسعى، بتعاون مع العمالة، وشركة العمران، ومساعدة وزارة الإسكان والتعمير والتنمية المجالية، إلى خلق تجزئة سكنية من 410 شقق، معززة بمرافق حيوية، مثل إنشاء حمام عمومي، وقيسارية، وناد نسوي، وثانوية بمركز إيواء داخلي، وأقسام أولية جديدة، إضافة إلى استكمال عملية كهربة جميع دواوير سيدي عبد الله، وتغطيتها بالماء الصالح للشرب، التي تبلغ نسبتها حاليا 80 في المائة، حسب مصادر مسؤولة من الجماعة. ولا يخفي المسؤولون بسيدي عبد الله، المدعومون من طرف عامل إقليم الرحامنة شخصيا، فريد شوراق، رغبتهم في المطالبة بتحويل مركزهم القروي إلى مركز حضري، والعمل على إيجاد موارد أخرى للرفع من مداخيل الجماعة، عبر غرس الزيتون، وتربية الدجاج، والاهتمام بالسياحة المجالية، واستغلال واد أم الربيع لتشجيع الصيد، وبناء مطاعم ومراكز اصطياف على ضفافه، سيما أن المنطقة تتوفر على محطة لتوقف القطارات القادمة من مراكش والدارالبيضاء، ويمر عبر ترابها الطريق السيار، والطريق الوطنية الرابطة بين المدينتين المذكورتين. عزلة مؤقتة رغم كل هذه المؤهلات الطبيعية والطرقية، التي تتوفر عليها قرية سيدي عبد الله، فإن أبرز المشاكل، التي تعوق تطورها السريع، هو غياب المسالك الطرقية، التي تجعل الدواوير تعيش في شبه عزلة، خاصة في فصل الشتاء، عندما تفيض الوديان وتغرق المنطقة في الأوحال، ويصعُب على السكان التنقل نحو المرافق الأساسية الموجودة بالمنطقة، على رأسها سوق "الأحد" الأسبوعي، والمسجد المجاور لمقر الجماعة، والمدرسة الابتدائية، وملحقة القيادة، ومحطة القطار. وبقدر ما اعتبر رئيس الجماعة غياب هذه المسالك "مشكلا كبيرا يؤرق بال السكان"، بقدر ما عبر عن تفاؤله بإيجاد حل له في القريب العاجل، مؤكدا، في هذا الصدد، أن "الجماعة أنجزت دراسة ميدانية قدمت نتائجها إلى عامل إقليم الرحامنة، الذي يبذل، بدوره، مجهودات كبيرة، لدى الجهات المختصة، لإيجاد حلول ناجعة لمشكل المسالك". وثمن الفلاحون، الكبار منهم والصغار، الذين حضروا اليوم الدراسي، المجهودات التي تقوم بها السلطات المحلية في مجال تثمين الصبار، إلا أنهم طالبوا بتكرار مثل هذا اللقاءات التواصلية، خصوصا أن عددا منهم يجهلون الإجراءات الواجب إتباعها للاستفادة من عروض الدولة في تدعيم وتشجيع غرس الصبار، حسب ما تبين من تدخلاتهم وأسئلتهم الملحة خلال اليوم الدراسي المذكور.