اختتمت، مساء أول أمس الاثنين، بالفضاء الأثري شالة، في الرباط، فعاليات الدورة الخامسة عشرة من مهرجان "جاز شالة"، بحضور جماهير غفيرة، فاقت توقعات المنظمين..إذ استمر الحفل الختامي من الثامنة مساء إلى الثانية عشرة، دون انقطاع، أحيى جزءه الأول الرباعي الفنلندي "ايلمييلكي"، المكون من عازفين شباب، قدموا عرضهم الموسيقي لأول مرة بالقارة الإفريقية، وأتحفوا الحضور بموسيقى الجاز، التي نجحوا في إخراجها من إطارها التقليدي والضيق إلى آفاق أرحب، من خلال مزجها بألوان موسيقية جديدة، ومصاحبتها بمؤثرات صوتية، زادتها جمالا. وأحيى الجزء الثاني من حفل الاختتام مجيد بقاس، المدير الفني للمهرجان، الذي ترك جانبا الدور التنظيمي، وارتدى عباءة الفنان، وقدم معزوفات رائعة على آلتي الكنبري، والعود، وآلة أخرى صغيرة وعجيبة، وتمكن من أسر الجمهور وشد انتباهه، إلى آخر لحظة من الحفل. وعلى مدى أكثر من ثلاث ساعات أتحف كل من المغربي بقاس، وعازف الساكسوفون الفرنسي، لويس كلافيس، وعازف الطبل، الإسباني رامون لوبيز، وعازف الإيقاع الأرجنتيني، مينينو غاراي، وعازف البلافون المالي، علي كيتا، ومعلمي كناوة من سلا، الجمهور بمعزوفات موسيقية من الألبوم الجديد لبقاس،"ماكينبا"، الذي يجمع فيه بين الجاز، وكناوة، والبلوز، والموسيقى الشرقية، والغناء. وصدح صوت بقاس عاليا في فضاء شالة الأثري، وتغنى بمدح الرسول، وبالحب والعشق، والحنين، والنغم الرقيق، وقدم ألبومه للجمهور قبل أن يطرحه في السوق، في بداية شتنبر المقبل. وكان مسك الختام بعرض فني أمام أزيد من ألف و800 متفرج، حسب إحصائيات أولى للمنظمين، جمع بين هذه المجموعة والفنانين المغاربة المقيمين بالديار الأوروبية، المشاركين في المهرجان، وهم علي علوي على الطبل، ومحمد زفتاري على الكمان، وكميل حشادي على الساكسوفون، وخالد كوهن على الإيقاعات الهندية والإفريقية، وعبد الفتاح الحسيني بالقرقبات، قدموا مزيجا فنيا رائعا، جمع بين الآلات الموسيقية الأوروبية، والإفريقية، والعربية، في تجسيد لروح التعاون الأوروبي المغربي، الذي انخرط فيه مهرجان "جاز شالة" منذ انطلاقه سنة 1996. وأثبتت الدورة حسن اختيار الفرق والفنانين المشاركين، الذين استقطبهم الفنان بقاس، الذي قال ل"المغربية" إن فرقا موسيقية مغربية تعمل بالخارج ستشارك في المهرجان السنة المقبلة، مشيرا إلى أن "الفنانين المغاربة استطاعوا، بموهبتهم العالية واجتهادهم المستمر، أن يفرضوا أنفسهم على الساحة الأوروبية". أما الموسيقي الفرنسي، لويس كلافيس، الذي تربطه علاقة صداقة ببقاس وبالمهرجان، فلم يجد الكلمات المناسبة ليعبر عن إعجابه بهذا المهرجان وبهذا العمل الفني المشترك، وقال إنه "قمة الحلم والإبداع بالنسبة إلي، وتعبير صريح عن القدرة الهائلة للموسيقى، التي يمكن أن تصنع العجائب". وبهذا الحفل الفني الرائع، والحب المتبادل بين الفنانين والجماهير الغفيرة، التي لم يحل بينها وبين حضور فعاليات المهرجان لا الطقس البارد، ولا منافسات المونديال، ولا الوقوف ساعات طوال، اختتم مهرجان "جاز شالة" فعالياته، ليضرب موعدا جديدا لعشاقه السنة المقبلة، مع عروض جديدة، ونفس أعمق. وكان المهرجان، الذي انعقد على مدى خمسة أيام، أتحف عشاق هذا اللون الموسيقي بعشرة حفلات، شارك فيها 37 فنانا من 13 بلدا، من إيطاليا، واليونان، والبرتغال، وإسبانيا، وألمانيا، وبولونيا، والدانمرك، وفرنسا، وفنلندا، وبلجيكا، والسويد، وإنجلترا، وسويسرا. وشارك في هذه الدورة فنانون مغاربة اشتهروا في دول أوروبية، أمثال عازف الإيقاع علي علوي، الذي قدم عرضا مع مجموعة طوم جونسون الإسبانية، وخالد كوهن، المتخصص في الإيقاعات الإفريقية والهندية، مع الثنائي البلجيكي السويدي ماتيلد رونو وجوناس كنوتسن، وعازف الساكسوفون الشاب، كميل حشادي، وعازف الإيقاع، عبد الفتاح الحسيني، رفقة الثلاثي الدانماركي، إبراهيم إلكتريك"، وعازف الكمان المغربي، محمد زفتاري، الذي أحيى، يوم الأحد المنصرم، حفلا إلى جانب الثلاثي الألماني ماتياس شريفل، والعازف البولوني، بوديك جانك. كما شارك الرباعي الإيطالي، لوكا أكينو "لوناريا"، والثلاثي البريطاني، نيكوس أنادوليس، والبرتغالية باولا أوليفرا، التي تمزج بين الجاز والفادو، ومجموعة أكوستيك لاديلاند البريطانية. ويعد مهرجان "جاز شالة"، الذي تنظمه، منذ سنة 1996، المندوبية الأوروبية بالرباط، والسفارات والمعاهد الثقافية التابعة للاتحاد الأوروبي، بتعاون مع وزارة الثقافة، وولاية الرباط، حدثا فنيا متميزا وموعدا سنويا، يهدف إلى خلق التواصل بين الثقافات، كما يعتبر شاهدا على التعاون الثقافي بين المغرب وأوروبا. ويمثل المهرجان رمزا للانفتاح والحوار، وواصل، خلال هذه الدورة، تشجيعه للفنانين الشباب، ودعمه للجمعيات الخيرية وللفئات المحتاجة، التي يخصص لها ريع حفلاته كل سنة.