المغرب 24 : DW لا تزال آلاف سيارات الأجرة الألمانية القديمة “مرسيدس 240” تجوب الشوارع المغربية، ويصفها المغاربة بقوة التحمل. DW عربية تفتش في المغرب عن سر علاقة هذه السيارة بالناس، رغم تقادم الزمن على صناعتها منذ منتصف الثمانينيات. ارتبط المغاربة ومهنيو سيارات الأجرة الكبيرة ب”مرسيدس 240″ منذ عقود، وأضحت رمزاً لسيارة الأجرة الكبيرة في البلاد. ويوجد في المغرب أكثر من 35000 سيارة أجرة من نوع مرسيدس 240. وفي مدينة الدارالبيضاء لوحدها أكثر من 8000 سيارة، بحسب إحصائيات سابقة للشركة الموزعة للمرسيدس بالمغرب. ولا تزال تجوب المدن والقرى المغربية دون كلل، رغم تقادم الزمن عليها وتوقف صناعة هذا النوع من السيارات منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي. مرسيدس 240 .. “المقاتلة الألمانية” ينهمك علي بتنظيف الزجاجة الأمامية لسيارته المرسيدس 240، أو “المقاتلة الألمانية” كما يحلو للمغاربة تسميتها. علي في نهاية العقد الخامس من عمره، قضى منه 30 عاماً خلف مقود “مقاتلته” الألمانية سائقاً للأجرة، ويقول إنه خلال هذه الأعوام استبدل أكثر من سيارة، لكن الرابط بينها أنها جميعاً من ماركة مرسيدس 240، وقطع بها مئات الآلاف من الكيلومترات. يضيف سائق الأجرة علي أن “هذه السيارة الصبورة لم تخذلني يوماً في عملي.. الله اعمرها الدار” ، وهي عبارة شكر وعرفان باللهجة المغربية. يوضح علي في حوار مع DW عربية أن مرسيدس 240 ليست سيارة فحسب، بل أضحت تراثاً تاريخياً في مهنة سائقي الأجرة بالمغرب، مبدياً أسفه من احتمال اختفاء هذه السيارة في المغرب خلال السنوات المقبلة لعدة أسباب، منها: تعميم الحكومة لبرنامج تحديث هذا القطاع و” تفضيل الركاب للعربات الجديدة لأنها مريحة وهرباً من الزحام الشديد في المرسيدس240 ” . مبيركة .. سائقة في مجتمع محافظ وسط محطة سيارات الأجرة الكبيرة بمدينة طاطا (جنوب شرق المغرب) استطاعت الشابة مبيركة بُشيّ أن تجد لها مكانا وسط الرجال، كأول امرأة تمتهن سياقة سيارة الأجرة في مجتمع محافظ، ورغم أن مبيركة استفادت من الدعم الحكومي لتحديث سيارات الأجرة وتسوق سيارة من نوع جديد، إلا أنها لا تخفي إعجابها بمرسيدس 240. وتقول في حديث لDW عربية إن مرسيدس240 معروفة بقوتها وتحملها للركاب وأمتعتهم والطرق غير المعبدة، عكس السيارات الجديدة التي بدأت تدخل للخدمة والتي لا تتحمل الكثير من المصاعب ولا تحتمل نقل أوزان كبيرة ” . مبيريكة أصبحت السائقة المفضلة لدى النساء في منطقة طاطا ، بعد معاناتهن من الاختلاط بالرجال في سيارات الأجرة الأخرى، وتقول إنها لم تجد أي صعوبات في اقتحام هذه المهنة التي كانت حكرا على الرجال، وتعيل مبيركة عائلتها وتضم والدتها وإخوانها المرضى، وتقضي يومها في التنقل بين المدينة والقرى المجاورة. مرسيدس 240 .. وأجيال من المغاربة في محطة سيارات الأجرة بمدينة كلميم (جنوب المغرب) حركة دائبة للمسافرين من مختلف الأعمار، و صفوف متراصة لسيارات الأجرة التي تنتظر دورها للعمل، أغلبها من نوع مرسيدس 240، من هنا تنطلق حركة المسافرين إلى المدن والقرى المجاورة. عبد السلام الكورتي رجل خمسيني قضى أكثر من خمسة عشرة سنة في مهنة تنظيم حركة سيارات الأجرة بهذه المحطة، يقول لDW عربية إنه ارتبط وجدانيا بسيارة المرسيدس 240، و يصعب عليه فراقها كما يقول، ويضيف أن هذه السيارة الألمانية “قدمت خدمات لا تقدر بثمن لمهنتنا، رغم أن السيارات الجديدة مريحة للركاب إلا أنها لن تقدر أن تعوض مكانة المرسيدس لدى المهنيين خصوصا القدامى منهم”. ويضيف الكورتي أن ” المقاتلة ” في إشارة إلى المرسيدس منها من يقطع أكثر من 500 كلم يوميا وبسبعة ركاب ودون توقف ليل ونهار ومنها من يتناوب عليها سائقين، و تعد مصدر رزق للمئات من الأسر المغربية. أبوبكر (26 سنة ) أحد الركاب الذي تحدث إلينا وهو يستعد للسفر عبر سيارة الأجرة من نوع مرسيدس240 من مدينة كلميم إلى مدينة أغادير (جنوب المغرب )، يقول لDW عربية إنه يفضل السفر عبر مرسيدس 240 رغم الازدحام داخلها لأنها “تشعرني بالأمان أثناء السفر إضافة إلى سرعتها الكبيرة خصوصا في المسافات الطويلة بين المدن المتباعدة “، ويقول أبوبكر إنه عايش مرسيدس في المحطات الطرقية المغربية مع والديه منذ صغره. حسناء طالبة جامعية ( 21 سنة ) بمدينة أغادير أيضاً تقول إنها تستقل سيارة الأجرة من نوع مرسيدس 240 منذ سنوات وتضيف أنه ” لا يمكن لأحد أن ينكر قوة و تاريخ هذه السيارة في عالم سيارات الأجرة بالمغرب “، غير أن المشكل الوحيد الذي تراه حسناء هو عدد الركاب الذي يصل إلى سبعة مما يخلق ازدحاما بين الركاب ويسبب لها كفتاة نوعا من الإحراج والنفور. تاكسي .. بين المرسيدس والسيارات الجديدة أطلقت الحكومة المغربية في السنة الماضية برنامجا لدعم تحديث أسطول سيارات الأجرة في البلاد، وتقول وزارة الداخلية أن هذا المشروع يهدف إلى تشجيع المهنيين على اقتناء سيارات جديدة أقل استهلاكا للوقود وتوفر شروط الراحة اللازمة للمستعملين، ويستهدف هذا البرنامج تجديد أكثر من 45 ألف سيارة أجرة كبيرة بمختلف أنواعها. رشيد محمد سائق سيارة أجرة وعضو المجلس الوطني للنقابة الديمقراطية لمهني النقل بالمغرب، لا يزال يعتني بسيارته من نوع مرسيدس240 ويدللها كإحدى بناته، يقول في حديث لDW عربية إنه وجد ضالته في هذه السيارة لأنها “متينة وتقاوم صعوبات المسالك الغير المعبدة، وقطع غيارها متاح ورخيص، ” ولا يجد صعوبة كبيرة في إصلاح أعطابها لدى أي مكانيكي بأقل تكلفة. وأطلعنا رشيد على عداد سيارته التي قطع بها أكثر من 700 ألف كيلومتر، وتشتغل ليلاً و نهاراً دون توقف رغم أن عمرها تجاوز أكثر من ثلاثين عاما، ويختم حديثه بالقول بالدارجة المغربية: “حديد لألمان ما كاين بحالو” (أي: السيارات الألمانية لا مثيل لها) . بالمقابل يؤكد زميله الطاهر الزفطي (45 سنة) أنه قضى أكثر من عشر سنوات في استخدام سيارة المرسيدس 240 كسيارة أجرة كبيرة، ويتفاخر بين زملائه بأنه عدّادها تجاوز أكثر مليون ونصف كيلومتر، حين قرر تغييرها مؤخرا في إطار برنامج الدعم الحكومي، وأضاف أنه تخلى عن “محبوبته” المرسيدس مكرهاً، رغم أنها كانت تستهلك الكثير من الوقود بعد تقادمها، ليستفيد من الدعم الحكومي لتحديث سيارات الأجرة.