"الوْلفة..الوْلفة، أرا جوج.. جوج.. ها الحي الحسني".. نداءات متتالية يرددها حسن، "كورْتي" في إحدى محطات سيارات الأجرة الكبيرة، بالقرب من المحطة الطرقية "أولاد زيان" في الدارالبيضاء. "الكورْتي" مهنة تكابد شظف العيش في قلب محطات سيارات الأجرة الكبيرة، أرغمتهم الظروف على مزاولة هذه الحرفة، بعدما وجدوا أنفسهم بلا مصدر رزق ولا معيل، فأضحت هذه المحطات حاضنة لهمومهم. يُنظم حسن حركة سيارات الأجرة ذات الصنف الكبير في هذه المحطة، التي تعد منطلقا إلى وجهات كثيرة في المدينة شمالا وجنوبا؛ ما دفع أصدقاءه إلى المناداة عليه ب "مايسترو" المحطة، لأنه يعمل على التنسيق بين أصحاب سيارات الأجرة والمواطنين. قضى الخمسيني أكثر من عشرين سنة في هذه المحطة حتى أَضحت جزءا من حياته، إذ امتهن في البداية حرفة سِياقة سيارات الأجرة الصغيرة؛ لكنه وجد نفسه مفلسا في مرحلة من حياته بلا مصدر رزق ولا معيل، فلم يجد بدّا من العودة إلى محطة سيارات الأجرة، ليشتغل هذه المرة "كورتي" عوض سائق سيارة أجرة. وبخصوص طبيعة الأجرة الشهرية التي يتحصّل عليها، أوضح أن "الكورْتي" في جميع محطات سيارات الأجرة الكبيرة يستخلص نسبة محددة من مداخيل كل سيارة أجرة يشرف على انطلاقها من المحطة، وتختلف هذه النسبة حسب طبيعة الخطوط والاتجاهات. وأضاف أن "المهنة عشوائية وغير مقننة، ما يفتح المجال أمام المجرمين واللصوص لنهب أموال السكان، وتهديد السلامة الجسدية للسائقين في حال لم يسمحوا لهم بالاشتغال في المحطة". توجهت هسبريس إلى إحدى محطات سيارات الأجرة الكبيرة قرب ساحة الأممالمتحدة، حيث عاينت بالصدفة عراكا نشب بين شخصين؛ أحدهما يشتغل في المحطة والآخر حاول أن يُقلّ زبناء بدون استشارة "الكورتي"، الأمر الذي تسبب في حنق هذا الأخير، لتتحول المحطة إلى "حلبة نزال" بينهما. "كيْهدْدونا الكورتية. عندهوم السوابق"، يتحدث هشام، سائق سيارة أجرة صغيرة، بلغة منفعلة، بعدما تأكد أننا لا نسجل أي شيء بالكاميرا. ويُشير السائق إلى أنه ضد فكرة "الكورتي" في المحطات، لأنها "تشكل نوعا من الابتزاز، إذ عوض أن يكون وسيطا معتمدا في تنظيم العمل، فإنه يعمد إلى الاعتداء على السائقين وحتى الزبناء في بعض الأحيان". "وا حسن ملي توصل نوبتي عيط عليا"، هكذا طلب إبراهيم (اسم مستعار)، وهو سائق في المحطة، من "الكورْتي" أن ينادي عليه عندما يصل دوره في نقل الزبناء، تاركا له مفاتيح السيارة. اتجهنا صوب السائق لنسأله عن رأيه بخصوص هذه المهنة. تهرب من الموضوع في البداية؛ لكن بعد تبادل أطراف الحديث، وافق على الإدلاء برأيه، شريطة توظيف اسم مستعار. قال إبراهيم، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "الكورْتية فيهم المزيان والخايب"، قبل أن يضيف: "صحيح، توجد فئة تشتغل في الميدان، ولها سوابق إجرامية من ذي قبل؛ لكن على العموم الكل يُكابد من أجل الحصول على لقمة العيش، فلكل إنسانٍ ماضٍ معين".