«الرباط... القنيطرة»، «فاس... مكناس»، «الجديدة... أسفي»... إنها عينة من العبارات التي تخترق آذان كل من ولج المحطة الطرقية أولاد زيان، أو كان مارا بجانبها، كلمات تتردد على ألسنة «الكورتية» وهم في سباق مع الزمن، ل«اصطياد» أكبر عدد من المسافرين، بسبب المنافسة الشديدة فيما بينهم. تقدم «حسن» ، شاب في الخامسة والعشرين من العمر، مجعد الشعر، عيناه محمرتان من شدة الإرهاق، يعمل «كورتي» منذ أن كان عمره 12 سنة «منذ أن كنت طفلا في 12 من العمر وأنا أمارس هذه المهنة ، لا أجيد عملا غيرها»، تقدم نحو إحدى المسافرات، سألها، كعادته، عن الوجهة: «فين غادية لالة؟»، اقتنت التذكرة وأرشدها «حسن» إلى الحافلة. غادرت المرأة وعلامات الرضى تعلو وجهها. تراهم يصولون ويجولون في كل أرجاء المحطة، داخلها وخارجها وأجسادهم لا تعرف الراحة. في زاوية من المحطة، كانت الأصوات تتعالى، صراخ وألفاظ ساقطة. إنها إحدى مشاجرات الكورتية فيما بينهم، حيث ألفها الجميع، يروي «علي» بائع متجول، ضخم البنية عمره 30 سنة، علامات التعب بادية على وجهه من شدة التنقل داخل وخارج المحطة، وهو يحاول فض هذه المشادة «إنها مشاجرة عادية، اعتدنا عليها» والسبب، كما قال، «تحدث هذه الاصطدامات عندما يقتنص أحدهم مسافراً يعتبره الآخر من حقه»، الأمر الذي يتحول، أحيانا، إلى مواجهات يُستعمل فيها السلاح الأبيض (سكاكين وسيوف) إضافة إلى الهراوات! كما حدث في بداية هذا الأسبوع ، حيث انتهى «صراع» باعتقالات في صفوف «الكورتية» وغيرهم، بعد أن زرعوا الرعب بين المسافرين! في لحظة سكون داخل المحطة، والكورتية لا يزالون يمارسون مهامهم المعتادة، اهتزت الجنبات على صراخ شيخ عجوز «تعرضتُ لنصب، فقد باع لي أحدهم تذكرة غير مطابقة للحافلة، التي أنا على متنها، ولا أملك غير ثمن هذه الأخيرة». وعلى متن نفس الحافلة، عبرت فاطمة، سيدة في الأربعينيات من العمر، مثقفة يبدو عليها الوقار، عن مدى سخطها واستيائها من بعض الكورتية: «التقيت أحدهم، أخذ لي تذكرة وأخبرني أن الحافلة ستقلع فوراً، لأجد نفسي مسجونة داخل الحافلة، لأكثر من ساعة مع باقي المسافرين الذين تعرضوا لنفس الموقف، مع العلم أنني في عجلة من أمري»! في ركن من الحافلة، صرح أحمد، طالب باحث، في مقتبل العمر، بأن «مهنة الكورتية لا تحكمها أية قوانين ولا أخلاقيات، وقد حولت المحطات الطرقية إلى غابة يسودها حكم البقاء للأقوى». خارج المحطة، توقفت سيارة أجرة، يحكي السائق وهو رجل في الخمسينيات من العمر، باتزان «ما أن تتوقف قرب المحطة، حتى ينقض الكورتي على الزبون بالأسئلة: فين غادي؟ ويبدأ في سرد أسماء المدن بسرعة قياسية، ولا يرتاح حتى يصطحب المسافر إلى داخل المحطة ويقتني منه التذكرة»! حتى المارة ليسوا في مأمن من المضايقات، فبمجرد العبور من جنبات المحطة، تقول زينب، طالبة جامعية عمرها 22 سنة، تقطن بحي قريب «عندما تمر قرب المحطة ينهالون عليك بالأسئلة، أفضل تغيير الطريق على المرور من القرب منها، تفادياً لأسئلتهم ووقاحة بعضهم».