مدير المحطة قال ل"المغربية" إنه يقترح نظام البطاقة الإلكترونية للقضاء على الظاهرة "فين غادي أخويا؟ لفاس، ولاّ مكناس، ولاّ الخميسات، هاو الكار غادي إديماري"، على وقع هذه الكلمات يستقبلك "الكورتي"، من على مشارف طريق أولاد زيان، المحاذية للمحطة الطرقية.و"الكورتي" هو ذلك الشخص الذي يلعب دور الوسيط بين الزبون وأصحاب الحافلات، دون أن يتوفر على رخصة بمزاولة هذا العمل. ورغم المجهودات الأمنية المبذولة، فإن الظاهرة في تفاقم مستمر. بمجرد أن تطأ قدماك المحطة الطرقية "أولاد زيان"، حتى يتهافت عليك عدد من "الكوارتية" يسألونك عن الوجهة، التي ترغب في السفر إليها، وعندما تكشف عن وجهتك، تجد أمتعتك قد سبقتك في طرفة عين، إلى الحافلة، في حين يتسلمك "كورتي" آخر، يتكلف بحجز تذكرتك ومرافقتك حتى الجلوس على مقعدك. بعد ذلك عليك أن تؤدي أجرة "الحمال"، الذي حمل أمتعتك، حتى لو لم تطلب خدماته. يقول المسافر (ع.ت)، حوالي 45 سنة من عمره، وعلامات السخط بادية على ملامحه "لا أستطيع تحمل مضايقات الكورتية لي ولأسرتي، كلما فكرت في السفر من هذه المحطة الطرقية". سخط واستياء أصبحت واجهة المحطة الطرقية أولاد زيان، تشهد هذه الأيام حركة غريبة، تتجاوز الرواج المعتاد، وصارت تعرف ما يشبه سوقا لبيع التذاكر.. رجال يحملون كنانيش ورقية صغيرة، ينادون هنا وهناك، بمدن ومناطق، يستوقفون الزوار، بلباقة في أحيان، وبفظاظة في أحيان أخرى، يقول (ح.س) وصل لتوه للمحطة من أجل السفر، والغرابة تعتري نظراته "من المفترض أن أذهب إلى الشباك لأحجز تذكرتي، لكن أحد الكورتية أخذ مني المال عند الشباك وأعطاني تذكرة أمام أنظار موظف الشباك"، غرابة الموقف الذي تعرض له هذا الشاب، له ما يفسره في الصورة الحقيقية، التي باتت عليها المحطة الطرقية أولاد زيان، حيث استشرت بها ظاهرة "الكورتية"، وصارت تتحكم في عمل المحطة، وفي المسافرين الوافدين عليها. فلم تعد الشبابيك 32 الموجودة، عند مدخل المحطة، هي المكان الطبيعي لحجز تذكرة السفر وأداء مقابلها، بل وحتى الشبابيك 28 التي ظلت صامدة، رضخت هي الأخرى لشروط الظاهرة، وانخرطت فيها، فصار لزاما على كل شباك، أن يستعين ب"الكورتيه". ما يوازي 10 مليارات سنتيم محطة أولاد زيان، التي بنيت على مساحة إجمالية تقدر ب37 ألف متر مربع، 11 ألف متر مربع منها مغطاة، وبغلاف مالي فاق 10 مليارات سنتيم. كان يعول عليها من قبل السلطات، أن تطلع بالدور الذي كانت تقوم به محطة "بنجدية" القديمة، بل وتتجاوزه، على اعتبار الإمكانات المادية والتقنية المتطورة، التي سخرت في إنجازها، لكن العشر سنوات الماضية على بداية عملها، لم تعكس إلا نسخة أخرى عن محطة "بنجدية"، التي أورثت المحطة الجديدة كل مشاكلها وسلبياتها، ومن جملتها مشكل "الكورتية"، يقول (ع.د) يشتغل كورتي بالمحطة "كان عددنا قليلا، وكنا معروفون، حينما انتقلنا من بنجدية إلى المحطة الجديدة، العدد الآن تزايد وصار مقلقا". استياء المسافرين وسخطهم على هذه الظاهرة، مرده بعض السلوكيات، التي يمارسها "الكورتيه"، في اجتذاب المسافرين إلى حافلاتهم، الذي يخرج في أحيان كثيرة عن اللباقة ويسقط في المشاداة الكلامية والسب والشتم. يقول (ب.ر)، حارس سيارات بالمحطة "وقفت على حالات تحولت إلى عراك، فكيف لمسافر مع أسرته أن يتمالك نفسه وسط مضايقات الكورتية“. في ظل هذه الظروف صار عدد كبير من المسافرين، يفضل السفر عبر المحطات الطرقية الخاصة، بسبب سهولة الولوج إليها، والاستفادة من خدماتها، وبالأساس غياب "الكورتية" عنها. يقول (ع.ت)، من زبناء المحطة "صرت أفضل السفر عبر المحطات الخاصة، في ظل استمرار مشكل الكورتية بمحطة أولاد زيان". السخط والاستياء لم يقتصر على المسافرين، إنما تعداه إلى التجار من أصحاب المحلات التجارية داخل المحطة، يقول س.م صاحب مقهى، في عقده الخامس بنبرة من الغضب "الكورتية" لم يتركوا للمسافر الذي هو زبون لنا، فرصة الاستراحة بالمحطة". موقف هذا التاجر يعبر عن ما يعتمل في دواخل أصحاب المحلات الآخرين من سخط واستياء من هذه الظاهرة، التي دفعت ببعضهم إلى التفكير جديا بتصفية مشاريعه، بعد أن اقتصرت الأرباح في أحيان كثيرة على تغطية مصاريف كراء المحلات، التي تتراوح سومتها الكرائية بين 1500 و2000 درهم شهريا. إطار قانوني لا يمكن الوقوف على العدد الحقيقي ل"الكورتية"، ذلك أن أي محاولة لإحصائهم لا يمكن، إلا أن تصب في إضفاء الرسمية على هذه الظاهرة، التي يدينها القانون ويجرمها، وفي هذا، نص الفصل 24 من الظهير 1/63/260 بشأن النقل بواسطة السيارات عبر الطرق، ما معناه "يمنع أي وساطة بين رب النقل والمسافر، وكل من يضبط في هذه الحالة، تطبق عليه عقوبة سجنية تتراوح بين 6 أيام إلى 6 أشهر، وغرامة مالية تتراوح بين 2000 إلى 10000 درهم". إذا كان السبب ليس فراغا تشريعيا، أو تقصيرا في النصوص القانونية، فأين تكمن العلة وراء بقاء هذه الظاهرة، التي تعرقل كل جهد مبذول في سبيل النهوض بقطاع النقل. فالمحطة المسيرة من قبل شركة "الرضا" الخاصة، تخضع للإشراف المباشر لرئيس جماعة الدارالبيضاء، المخول باتخاذ كل القرارات التنظيمية المتعلقة بعمل المحطة، هذه الأخيرة تظهر بشكل جلي في فرق مراقبة الأسعار، التي تبعث بها العمالة أيام الأعياد وفي فترات الصيف، حين يشتد الضغط على المحطة، ويطفوا مشكل ارتفاع ثمن التذكرة على السطح. مبادرات غير كافي بهدف التخلص من ظاهرة "الكورتية"، خرجت إلى الوجود عدة مبادرات من الجهات المعنية بالمحطة، وبهذا الخصوص اقترحت شركة "الرضا" قبل سنتين مشروعا لإعادة تأهيل المحطة الطرقية أولاد زيان، قدم إلى رئيس جماعة الدارالبيضاء، بغلاف مالي يناهز 17 مليون درهم، ترتكز أهم محاوره في إعادة هيكلة واجهة المحطة، والزيادة في مساحة الأرصفة، وتعميم تكنولوجيا المعلومات على الشبابيك، وكذا إعادة النظر في العنصر البشري، عبر دورات تكوينية، تنظم لفائدة أرباب النقل بهدف الرفع من كفاءاتهم وسد المجال أما ظاهرة "الكورتية". واسند هذا المشروع إلى مكتب للدراسات، لكنه لم يخرج إلى حيز الوجود بعد. وفي ظل هذا الجمود، لم يتم إحراز أي تقدم بخصوص المشروع، اللهم إحداث نظام داخلي للمحطة والاستفادة من قرار جماعي لتنظيم المحطة، وقع أخيرا من قبل رئيس جماعة الدارالبيضاء. وفي تصريح ل"المغربية"، قال عبد اللطيف الساف، مدير المحطة الطرقية أولاد زيان إنه "تقدم باسم الشركة المسيرة، أخيرا، بمقترح آخر، يهم توقيع اتفاقية مع وزارة النقل، بهدف الإطلاع بدور المراقبة الإدارية نيابة عنها، عبر شبابيك جديدة ستثبت بالمداخل الثلاث للمحطة، وتعتمد في عملها على نظم البطاقة الإلكترونية"، وأضاف مستطردا، أن هناك "اجتماعات تحضيرية الآن، على مستوى الولاية، تشارك بها مندوبية النقل وجماعة الدارالبيضاء ومصالح الأمن وممثلو أرباب النقل، بغية الخروج باتفاقية واضحة لتدبير المحطة". كل هذه المبادرات الخاصة والرسمية، لم تغير شيئا على أرض الواقع، بسبب افتقادها للمقاربة التشاركية، وغياب التنسيق والفاعلية عنها، ما يكرس بقاء الوضع الراهن، الذي تعيشه المحطة الطرقية أولاد زيان تحت رحمة " الكورتية" والفوضى.