ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، يومه الجمعة بمراكش خطابا هاما يجسد حرص المملكة المغربية وعاهلها على الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى حماية القدس الشريف من سياسات التهويد، والسعي المتواصل لتغيير وضعها القانوني والديموغرافي والحضاري وفرض واقع جديد على الأرض بالقوة. لقد أشار العاهل المغربي في هذا الخطاب إلى أربع قضايا جوهرية تشكل صلب وعمق القضية الفلسطينية عموما. القضية الأولى٬ تتجلى في أهمية ودور لجنة القدس في تقوية ودعم صمود المقدسيين على أرضهم٬ حيث أشار العاهل المغربي إلى أن المشاريع التنموية والاجتماعية والخدمية والثقافية التي تقوم بها وكالة بيت مال القدس (دعم التمدرس٬ والتطبيب٬ وخلق فرص الشغل)٬ تروم تعزيز صمود المقدسيين على أرض القدس،وتعمل على صيانة الهوية الحضارية للمدينة المقدسة. كما دعا جلالته لمواصلة هذا النهج التضامني، مؤكدا أن وكالة بيت مال القدس الشريف قامت ببلورة مخطط خماسي للفترة الممتدة من 2014 إلى 2018 اعتمادا على دراسة دقيقة لمختلف المشاريع التي تعتزم إنجازها، مع تحديد آجال تنفيذها، ووسائل تمويلها. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف والغايات النبيلة٬ أكد العاهل المغربي على ضرورة تعبئة وتسخير كل الإمكانات للدفاع عن المدينة المقدسة باعتبارها قضية الأمة جمعاء. وفيما يتعلق بالجهود الدبلوماسية٬ فقد أشار جلالته إلى الاتصالات التي أجراها مع كل من الأممالمتحدة والفاتيكان واليونسكو من أجل الحفاظ على مدينة القدس وعدم المساس بطابعها الحضاري ووضعها القانوني. القضية الثانية٬ تتمثل في عملية السلام٬ حيث اعتبر العاهل المغربي أن جوهر القضية الفلسطينية يكمن في القدسالمحتلة. أمر يستدعي تفعيل كل القرارات الأممية ذات الصلة بالقدس والقضية الفلسطينية عموما. وفي هذا السياق دعا العاهل المغربي كل الأطراف إلى الابتعاد عن الممارسات الاستفزازية التي من شأنها عرقلة أو نسف مسار السلام. فالحل السلمي الدائم والعادل بمنطقة الشرق الأوسط بين الأطراف المعنية يقتضي الاعتراف بالقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية والعمل في هذا الاتجاه. منوها جلالته في نفس الوقت بدور الإدارة الأمريكية في تحريك ورعاية عملية السلام في المنطقة٬ وداعيا الجميع إلى استثمار هذا المناخ الدولي الداعم لعملية السلام من أجل تحقيق السلام العادل والشامل. مؤكدا أن تحقيق السلام رهين بتنفيذ إسرائيل لالتزاماتها، ولا سيما منها خارطة الطريق، التي اعتمدها الرباعي الدولي، وأقرها مجلس الأمن فضلا عن الآفاق التي تفتحها مبادرة السلام العربية. ولم يفوت العاهل المغربي الفرصة دون التحذير من الجماعات المتطرفة التي تختبئ وراء القضية الفلسطينية العادلة٬ لتنشر العنف والإرهاب في المنطقة. القضية الثالثة٬ تتمثل في ضرورة المصالحة الفلسطينية. فالانقسام الداخلي الفلسطيني والمتمثل أساسا في حركتي فتح وحماس يضعف القضية الفلسطينية داخليا وخارجيا ويؤثر سلبا على مسارها. فكل الأطراف مطالبة بنبذ كل الخلافات خدمة لمصلحة الشعب. حيث أكد الملك محمد السادس على ضرورة تحقيق المصالحة البناءة على أساس المصالح العليا للشعب الفلسطيني وفي طليعتها إقامة دولته المستقلة، على أرضه المحررة، وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش في أمن وسلام ووئام مع إسرائيل. القضية الرابعة٬ تتعلق بمسألة التضامن العربي٬ حيث تنعقد هذه الدورة في ظل متغيرات جديدة تمر منها المنطقة العربية وخاصة الدول المحيطة بفلسطين المحتلة٬ و في ظل سياق دولي يتسم بتراجع التضامن مع القضية الفلسطينية لاعتبارات عديدة. واقع يؤثر سلبا بدون شك على مكانة القضية الفلسطينية في الأجندات العربية والإقليمية. ووعيا من العاهل المغربي بحساسية الوضع العربي وخطورة المرحلة التي يمر منها٬ فقد دعا إلى ضرورة توحيد الصفوف وبلورة آليات واضحة للعمل العربي والإسلامي المشترك تجاه القضية الفلسطينية. فالمقدسيون، والفلسطينيون عموما، يحتاجون أكثر إلى ترجمة عملية للتضامن العربي والإسلامي المبدئي، ويحتاجون لإنجاز برامج ومشاريع تنموية تمكنهم من الصمود في وجه السياسات الاستيطانية بالإضافة إلى الدعم الدبلوماسي والسياسي المستمر في المحافل الدولية. بالتأكيد٬ أن الخطاب الملكي يشكل خارطة طريق للعمل العربي والإسلامي المشترك في المرحلة المقبلة تجاه نصرة القدس الشريف والقضية الفلسطينية عموما. ودعوة أخوية لجميع الأطراف كي تتحمل مسؤولياتها التاريخية والحضارية والإنسانية في هذه الظرفية الصعبة التي تمر منها القضية الفلسطينية. ذ.رضوان قطبي