عبدالمجيد مصلح إن عدم الفهم الصحيح و التبصر في عواقب الأمور و انعدام الحكمة و معرفة سد باب الذرائع و الميل الى تكفير الأشخاص بشكل انفعالي دون العمل على أن التوبة كافية لمحو الذنوب كلها، و بث الآراء الشخصية و وجهات النظر الخاصة يشكل خطرا على المتلقي، لأنه يشيع الفوضى و البلبلة بين الناس (ما بين مؤيد و معارض)، فهناك فئة من الخطباء ابتليت بهم المملكة المغربية، أصبحوا يستغلون المنابر لتمرير أفكارهم رغم علمهم و تقيدهم بالمرسوم الملكي، الذي يحذر الأئمة من استغلال المساجد و جعلها مسرحا "للمهاترات" و تحريض أو تهييج الناس، و ممارسة أي نشاط ديني أو سياسي أو نقابي أو القيام بكل ما يمكنه وقف أو عرقلة أداء الشعائر الدينية، أو الإخلال بالطمأنينة و السكينة و التسامح و التحلي بصفات الوقار والإستقامة و المروءة، مع وجوب الالتزام بأصول المذهب المالكي و العقيدة الأشعرية و ثوابت الأمة المغربية، مع مراعاة حرمة الأماكن المخصصة لإقامة شعائر الدين الإسلامي، و واجب "ارتداء اللباس المغربي". فالهدف من مرسوم أمير المؤمنين الملك محمد السادس، هو بناء مجتمع متراص متضامن و متمسك بمقوماته الروحية، و متفتح على روح العصر و مبتعد عن كل تعصب أو غلو أو تطرف … و عودة لموضوع خطبة الجمعة، بمسجد النضال بمدينة البئر جديد فقد كان عنوانها العريض "ظاهرة تنامي حوادث السير و الأسباب"، و من بين الأسباب التي ذكر الخطيب وسط استغراب الحاضرين، نجد وجود العاهرات عاريات في الشوارع و تفشي الرشوة (مصلحة تسليم رخص السياقة و الأمن الوطني و الدرك الملكي) و كان كلما تحدث عن موضوع إلا و أعطى طرق معالجته مستدلا بأحاديث نبوية صحيحة و آيات قرآنية… و نظرا لما للخطباء من قدرة على التأثير على العامة، فقد وجب عليهم في المقابل الالتزام بحدود شرع الله و أحكامه، دون تمرير وجهة نظرهم الشخصية التي لا تستند إلى الشرع، فالفتوى ليست من اختصاصهم إلا فيما يتعلق بمسائل الحياة اليومية التعبدية المعتادة، أما في الأمور الخلافية و الأمور العامة الكبيرة و القضايا التي تعرف حساسية اجتماعية كموضوع العاهرات و الرشوة و فساد الأخلاق و كثرة الحانات و المراقص الليلية و غيرها … فإنه يجب عدم الإثارة و تمرير وجهات النظر الشخصية، لأن هذا سيؤثر بشكل مباشر على الساكنة (المواطن المغربي) . و الملاحظ هو أن بعض الخطباء في المملكة المغربية، يفتقدون لمهارات الاتصال و إن توفرت افتقدوا فقه الواقع الذي أصبح محدودا لديهم، فلا يُعرف ما هو الموضوع الذي يُطرح و الذي يتجنبه أو الذي يسيء أكثر مما يصلح، و الغريب في الأمر أنه لا يوجد مراقبون لمتابعة تقييد الخطباء بالضوابط الشرعية للخطبة، و عدم الخروج عن السياق الحقيقي للخطبة أو عدم التطرق إلى ما يثير المتلقي أو يسبب الفرقة و التناحر، كما يجب على وزارة الداخلية و الأمن الوطني المتابعة، و ضرورة تقيد الخطباء و الأئمة لاتباع التعليمات و عدم مخالفتها، و الحرص على نفع المصلين و عدم إدخالهم في أمور لن تفيدهم لا في دينهم و لا دنياهم . و بخصوص الحالة التي نتحدث عنها فلا بد من الإشارة إلى أن مجموعة من المصلين و أثناء خروجهم من المسجد كانوا يتكلمون عن كثرة الفساد و العاهرات العاريات و الرشوة … فالمسجد أيها الخطيب مكان لتوحيد الكلمة و جمع الصف و ليس مصدرا للفتنة و مكانا للبلبلة و نشر الفرقة و الضغينة بين أفراد المجتمع، و بما أن الخطبة عبادة و العبادة مبنية على النص أي كتاب الله عز و جل أو الأحاديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم، فهي لا تكون محلا لاجتهاد الخطيب، و النبي خطبه موجودة، كما لم تكن خطبه صلى الله عليه وسلم خطب شحن و إثارة للناس بل كانت خطب هدى و إرشاد و موعظة و تسكين للفتنة و تهدئة للنفوس الثائرة. و من خلال ما تم ذكره يبقى ما قاله الخطيب خلال خطبة الجمعة بمثابة حديث لم يكن ليصدر عن شخص مسؤول لا حق له في الحكم الذي فرض رأيه الشخصي على المأمومين و هنا نسأله : "هل يمكن اعتبار شخص لم يأخد قسطه من النوم تسبب في حادثة سير أن السبب هو العاهرات أو الرشوة؟ و هل يمكن اعتبار من لم يقم بإصلاح فرامل سيارته و تسبب هو الآخر في حادثة أن هذا أيضا سببه الرشوة و العاهرات؟