يبدو أنّ الشعور بعدم الرضا عن مضمون خطب بعض الأئمة في مساجد المملكة أيام الجمعة لا يسود فقط وسط المصلّين من العامّة، بلْ، أيضا لدى المتخصّصين؛ إذْ ذهبَ أستاذ بدار الحديث الحسنيّة إلى تشبيه بعض خُطب الجمعة بعصير "بناشي"؛ أي العصير المشكّل من خليط من الفواكه. وقالَ عبد المجيد مجيب، عضو المجلس العلمي المحلي للرباط، في لقاء تواصلي نظمه المجلس مع عدد من الخطباء، إنّ على الخطيب أنْ يُحدّد لخُطبته موضوعا واحدا، حتّى لا يتشتّت مضمون ما يُريد إيصاله إلى المُصلّين، مضيفا: "كايْن شي خُطب بحال البناشي". وأورد أستاذ المقاصد بدار الحديث الحسنية مجموعة من الأسباب التي تؤدّي بالخطيب إلى عدم تبليغ الرسالة المستهدفة من خطبة الجمعة، ومنها عدم التقيّد بمنهج علمي لإيصال المعلومة إلى المتلقّين من المصلين، وقال: "الإشكال لا يرتبط بتملّك المعلومة، بل بطريقة تنزيلها وإيصالها". وفي هذا الإطار، أكّد المتحدث على ضرورة التجويد على مستوى إعداد خطبة الجمعة، ابتداء بالاستعداد النفسي لإلقائها، بما يُمكّن من مد الجسور بين الخطيب والمصلين، ثم التحضير الجيّد للخطبة، موضحا: "الاستعداد الجيد من علامات احترام المستمع، ومن لا يُعدّ خطبته يكون مستخفا بالسامعين". وإذا كان بعض الخطباء يرتجلون خطبهم، ويرى الناس في ذلك مهارة يتميز بها هؤلاء عن غيرهم، فإن عبد المجيد مجيب يرى أنّ الارتجال والاعتماد على الذاكرة قد يؤدي إلى مساوئ، خاصة إذا كان الاضطراب باديا في طريقة إلقاء الخطيب لخُطبته. وتابع أنّ خطبة الجمعة "عبادة وصناعة، لكونها، من جهة، شعيرة من شعائر الإسلام، ومن جهة ثانية صناعة لأنها بناء"، معتبرا أنّ الجانب الشكليَّ في الخُطبة مهمّ؛ ذلك أنّ "عدم إحكام صنعتها قد يحول دون تمكّن الخطيب من تحويل العبَر إلى معاني مقنعة للسامعين". من جهة أخرى، شدد مجيب على ضرورة أن يكون الخطيب عارفا وملمّا بعادات وتقاليد مجتمعه، على المستوى الفكري والثقافي، وأن يعتمد أسلوب التدرّج وتجنب أسلوب التخويف والوعيد، مع مراعاة المستويات الثقافية المتفاوتة للناس، والتركيز على ما هو إيجابي. وأضاف أن خطيب الجمعة عليه أن يلتمس الأمور من حقائقها؛ وذلك بالعودة إلى القرآن وكتب التفسير، واختيار المنهج التفسيري الذي يليق بالخطبة حسب موضوعها، بما يؤدي الى التناسق بين المعنى والمقصد، وتجنّب التأويلات غير القائمة على أساس متين، وقال: "هناك من يبني خطابه على الوهم". ودعا أستاذ المقاصد خطباء الجمعة إلى الاجتهاد والتجديد في إعداد خطب الجمعة، معتبرا أن "الخطب الجاهزة بلّدت العقول"، كما دعا إلى مراعاة الاختصار والتركيز على موضوع واحد، والاستدلال بكتب السيرة النبوية، وتضمين الشقّ الثاني من الخطبة قصة نبوية تكون بمثابة درس تطبيقي مكمِّل للدرس النظري المتضمّن في الشق الأول منها.