الخطابة فن عريق من الفنون النثرية عرف فترات من القوة والضعف حسب الحضارات المتعاقبة في التاريخ لكن الوجه المشترك يبقى هو عدم اٍنقراض هذا الفن اٍلى حد اليوم والسبب في ذالك يعود اٍلى الغرض من هذا الشكل الكلامي والذي يتمثل في طريقة الاٍلقاء والتحدث واٍستمالة الناس واٍيصال الأفكار والمقاصد والأهداف عبر وسائل متنوعة من لغة ونحو وأساليب وبلاغة وبديع ومعان ولسانيات ومؤهلات فيزيولوجية وجسمية مناسبة ووسائل لوجيستيكية لائقة وفضاء مناسب ... الخطابة يتحكم فيهاالجمهوروجهارة الصوت وعنصر الاقناع و عنصر الاستمالة والخطبة لها عناصر ثلاثة تتمثل في الخطيب والخطاب والمخاطب وهذا الأخير هو المعني بالخطاب والمستقبل له والمرغوب من الخطيب اٍقناعه واٍستمالته وذالك رهين بقوة الخطاب وشكله ومضمونه وأسلوبه وكل ما يحمله من حمولة لغوية وفكرية وصوتية يتفنن الخطيب في الغوص فيها وجمعها وترصيصها واٍختيار الأنسب للمخاطب المقصود ..ولعل فشل الخطيب دائما لا يكون بفشل صوته بالضرورة أو شكله الفيزيولوجي بل في ضعف مؤهلاته العلمية والأدبية ومنهجيته وغياب مراعاة مقتضى الحال وعدم مراعاة هوية المخاطب أو المرسل اٍليه ودرجة تقافته ودرجة اٍستيعابه للغة والأفكار والمعاني وكل الخطاب الملقى في حضرته ..وهنا أستحضر خطباء صلاة الجمعة اٍذ كثيرا ما أديت الصلاة في بوادي ومدن أو أحياء اٍما أغلب سكانها أمازيغا أومعربين بالدارجة أو عربا بلهجات خاصة لا درجات علمية ودراسية لديهم تؤهلهم لفهم غير لغتهم الأم أو الدارجة المغربية ويخطب الاٍمام بلغة عربية فصحى أكاد أنا أحيانا الدارس للغة العربية أحتار في شرح بعض كلماته والتي كثيرا ما ينقلها من الكتب ومجلدات الحديث أو الخطب القديمة لينثرها مباشرة على المصلين والمتلقيين دون شرح ولا تفسير ...وقد تحضرني على سبل المثال كلمات وجمل يكررها خطيب مسجد 99في المائة من المصلين ريفيون أمازيغ خاصة الشيوخ فيقول مثلا تجلى ذالك كما تتجلى الشمس في رابعة النهار '' وحتى يلج الجمل في سم الخياط '' وما اٍنفك ''اٍحتار ''وتقاعس ''مهترئا ...وكثير من ذالك بل وكل خطابه عربي فصيح حينما تتجول عيناي بين الحاضرين فأجد الأغلبية تتمايل في نوم يراود الأجسام م ومطأطئي الرؤوس وكأنه موقف لعدم الرضى لما يقال ونتيجة لخطاب غير مفهوم ومضيعة للوقت اللهم الأجر من الله عز وجل عن نياتهم وحضورهم وما تكتسب قلوبهم واٍنتظار نهاية الخطبة فقط والصلاة والعودة نحو المنزل لتناول الكسكس بالخضر واللبن وعوض أن يراعي الخطيب مقتضى الحال والمخاطب ولغته ودرجة علمه ومستواه الدراسي وظروفه التاريخية والاٍجتماعية والجسمانية القاهرة والمغزى من اٍلقاء الخطبة المتمثلة في الوعظ والاٍرشاد والتوعية ونشر الدين و شرح العبادات وتصحيح الأخلاق وتفسير السنة النبوية بما يفهمه الناس وفي أشكال وخطاب يناسبهم واٍثارة مواضيع تمث صلة بالواقع المعاش قصد قياسها بحياة النبي والصحابة والتابعين والأنبياء والرسل على مر التاريخ كما جاء في القرآن الكريم ...وجعل الحاضرين في الصلاة ينقلون ما اٍستوعبوه اٍلى أسرهم وعائلاتهم ومعارفهم والغائبين عن الخطبة عوض كل ذالك وغيره من أهداف الخطابة يتمادى الخطيب في اٍستعراض عضلاته في تنميق الكلام وتلحينه بلغة العصر الجاهلي وفجر الاٍسلام وأيام زهو اللغة والأدب في العصور اللاحقة في غياب تام لحقوق المخاطب وعدم مراعاة للغته الأم .. لقد آن الأوان اٍلى مراجعة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مسألة تكوين الخطباء تكوينا يلائم هذا الفن المهم لأن فن الخطابة والخطبة فن موسوعي لا يهتم فقط بحفظ القرآن والحديث والوقوف على المنبر لاٍلقاء المنقول عبر صوت الحجاج بن يوسف التقفي أو عنترة بن شداتد أو حتى بصوت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وفصاحته وبلاغته أو كما يلقيها زياد بن أبيه أو القاضي عياض أو طارق اٍبن زياد أو شيشرون أو غيرهم وبلغة عربية فصحى فقط يكون فيها الاٍجهاد والاٍعجاز أكثر من الوضوح والبساطة بل آن الأوان لاٍختار الفقهاء كذالك حسب الجهات والمناطق وتوفير فقهاء يتحدثون اللهجات المختلفة المغربية وعدم ربط أداء الخطبة والخطابة بحفظ القرآن كاملا كشرط لأداء هذه المهمة أو لمخاطبة الناس بل فتح المجال للمتطوعين من مدرسين ومتقفين في الشأن الديني طبعا لأن هناك مجازين ومدرسين سواء في اللغة العربية أو الدراسات الاٍسلامية أو المهتمين يتقنون فن الخطابة ومتمكنون من اللهجات المغربية ويتمتعون بكل مواصفاة الخطيب الناجح سواء عبر التوظيف بالعقدة أو العمل مقابل الأجرة أو اٍدماجهم في الوظيفة ذالك حسب تصور الوزارة واٍمكانياتها دون اٍهمال التكوين المستمر للأئمة والخطباء من أجل ملائمة الخطيب ومؤهلاته مع مهمته أحسن ملائمة ..