وأنا أستمع إلى خطبة الجمعة 17 فبراير والتي جادت علينا فيها وزارة الأوقاف كما عودتنا بموضوع لا يمت بصلة لدين الإسلام ولا للغرض الذي وجدت له الخطبة، صدق أو لا تصدق فالسيد الخطيب صعد على المنبر بلباسه التقليدي الأبيض ولحيته السوداء الكثيفة التي توحي بالوقار، ليتحدث لجموع المصلين عن اليوم الوطني للسلامة الطرقية الذي يصادف 18 فبراير من كل سنة، وتضمنت الخطبة إحصائيات للقتلى والجرحى وأحاديث وآيات تم تكييفها وتأويلها على مقاس الموضوع المتناول، وحثت على عدم التهور في السياقة، والحفاظ على سلامة أنفسنا وذوينا.. وهذه ليست المرة الأولى ولا الأخيرة التي تقدم فيها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على برمجة مثل هذه الخطب التي يصبح معها الخطيب مجرد ببغاء يردد ما تفرضه الوزارة عليه، وكثير من الخطباء تم إعفاءهم من مهامهم بسبب رفضهم إلقاء ما تلزمهم به الوزارة من خطب أو لأسباب مرتبطة بالسياسة التي تنهجها الوزارة سواء في جانب الشكل أو الموضوع، فالشأن الديني اليوم أصبح اختصاصا حصريا لوزارة الأوقاف وتعمل فيه الوصاية والرقابة الصارمة.. يصف البعض خطب وزارة الأوقاف "بالطريفة" كيف لا وقد ألقيت من منابر المساجد خطب في مواضيع مثل "فوائد الملح باليود" و"أهمية حليب الأم لصحة الطفل" و"ذكرى المسيرة الخضراء" و"ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال" وباقي الأعياد الوطنية الأخرى، بل وأقدم أحد الخطباء بمدينة وجدة على إلقاء خطبة في موضوع "فوائد استعمال الصابون البلدي!" الشيء الذي يجعل المتلقي يقف متسائلا، كيف يمكن للخطبة كموعد أسبوعي للدعوة إلى الله وتلقين دينه وتفسيره وتبسيطه للمتلقي أن توظف بهذا الشكل الذي يشجع على النفور من المساجد؟ لماذا يتم تبخيس الدين إلى هذه الدرجة؟ ولماذا يتم الإجهاز على قدسية المساجد التي لعبت أدوارا هامة تاريخيا في التأطير والتوجيه والتربية بشكل عام؟ ولماذا يتم التقزيم من دور الأئمة وتقييد حريتهم وتكميم أفواههم؟ أطلت علينا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في السنوات الأخيرة بمجموعة من البرامج والمبادرات هدفت بالأساس إلى إعادة هيكلة الشأن الديني بالمغرب عن طريق تكوين الأئمة وتسوية وضعيتهم المادية، لكن السؤال المطروح هو ما هي الأهداف الخفية وراء التوجه إلى المساجد والمنابر بالذات، خصوصا إذا علمنا أن وزير الأوقاف يعين من طرف الملك ولا يدخل ضمن التشكيلة الحكومية الشيء الذي يوحي برغبة في الحفاظ على الاستقرار والإبقاء على أحمد التوفيق لفترة أطول لخدمة مشروع طويل الأمد يروم القيام بتغييرات هيكلية في الشأن الديني بالمغرب.. صحيح أن أحد الأهداف التي وضعتها وزارة الأوقاف نصب أعينها يكمن في التصدي للأفكار المتطرفة التي تجر وراءها الخراب بشتى أشكاله، وهو هدف يتفق جميع المغاربة على أهمية السعي نحو تحقيقه، لكن تحويل خطب الجمعة لتقارير ببغائية تحرفها عن القيام بدورها الحقيقي يجعلنا كمتلقين نذهب للمساجد يوم الجمعة تنفيذا لأمر إلهي فقط، أما الخطب فلا تفيدنا ولا تؤثر فينا بل تجعلنا نتمنى لو كنا مثل بعض كبار السن الذين لا يفهمون شيئا وينتظرون الدعاء لقول "آمين" وأداء الصلاة والخروج من الباب كما دخلوا منها سالمين غانمين..