مؤخرا، اكتشفت مديرة الأرشيف الوطني الفرنسي، إزابيل نوشفاندر، في إحدى علب مصلحتها المكسوة بالغبار، ملفا يضم تقريرا أنجزته المخابرات الفرنسية، سنة 1924، حول شاب يدعى أدولف هتلر، صاحب كتاب «كفاحي» الذي سينشر لاحقا الفظاعة النازية ويقرع طبول الحرب. في الخانة المخصصة للمهنة، كتب المخبرون: صحفي، مشيرين إلى اشتغال الشاب في جريدة صادرة في مونيخ اقتناها النازيون في 1920، وفي خانة الاسم الشخصي، سجلوا «أدولف يعقوب»، مصدقين عبر ذلك إشاعة كذبها المؤرخون فيما بعد، مفادها أن زعيم الرايخ الثالث يهودي الأصل. مثلما أخطأت المخابرات الفرنسية في مكان وتاريخ ازدياد هتلر (1889 بدل 1880). واعتبرت الوثيقة أن هتلر، الذي سيحكم بلاده بالحديد والنار بعد إنجاز التقرير بتسع سنوات (1933)، هو «موسوليني ألمانيا»، وأنه يوجد على رأس الهرم التنظيمي ل «مجوعة شبه عسكرية من الصنف الفاشستي»، «ليس الشاب بليدا، يضيف المخبرون، وهو ديماغوجي جيد». وتذكر الوثيقة، في سطور أخرى، بمسؤولية هتلر عن « المحاولة الانقلابية ليوم 8 نونبر 1923، ضد الحكومة البافارية»، موضحة أن هذه المحاولة «فشلت بشكل يرثى له». ويزعم رجال المخابرات الفرنسية كذلك أن الزعيم النازي ليس سوى «دمية تحركها قوى نافذة»، وهو رأي كان سائدا أيام تحرير التقرير، مفاده خدمة هتلر لمصالح لودندورف، الرجل الثاني في الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، والذي توترت علاقاته مع الزعيم النازي إثر فشل محاولة 1923 الانقلابية. أما بخصوص ممارسات حزب هتلر، فيقول المخبرون الفرنسيون إنه «يصب الزيت باستمرار في نيران الشغب الداخلي»، بينما «أعضاؤه يشاركون في الشجارات الدموية التي أصبحت لا تعد ولا تحصى»، أما موقفه من فرنسا، فهو يتسم ب «العداء الشديد». وليس هتلر الشاب وحده من جذب انتباه المخابرات الفرنسية في عشرينيات القرن الماضي، بل كل قادة الرايخ الثالث لاحقا تقريبا، ومنهم غورينغ «المبحوث عنه من قبل السلطات الألمانية بتهمة الخيانة العظمى»، غوبلس «العضو المؤثر في صفوف التنظيم النازي» وهملر «العنصري»...