هل فعلا نحن بصدد تجاوز أسس التربية الأولى التي تعرقل الوعي بالمواطنة وما تستلزم من اعتزاز بالنفس واستقلال الرأي والتحرر من عقال الأسرة والعشيرة والقبيلة؟. ولفتح مسالك للبحث للإجابة على هذا السؤال، نضع أمام المتتبعين والباحثين والسياسيين مجموعة من الفرضيات المحتملة لاستشراف تحول المنطق السياسي بالمغرب: الفرضية الأولى: تدخل الدولة سيكون حاسما لإضعاف التفاوض مع النخب المحلية حيث سترجح فرضية تقوية التقليد وتربية الأم عن الحداثة من خلال تقوية آليات إنتاج ودعم نخب الوساطة على أساس الطاعة والانقياد. وبذلك نعود إلى استنتاجات جون ووتربري (J. Watterbury) في كتابه «أمير المؤمنين، الملكية المغربية ونخبها» ((1975 ، وريمي لوفو (Remy LEVAU) في كتابه «الفلاح المغربي المدافع عن العرش» ((1985 . وهذه الفرضية ستزيد من حدة أمية البرلمانيين بالمفهوم الذي حدده العروي. إنه الوضع الذي ستصبح فيه السياسة أشد بأسا من جراء شموليتها. فلا تتكون نخبة سياسية تتأهل وتتجدد باستمرار. الفرضية الثانية: ستبذل الدولة كل إمكانياتها للحفاظ على منطق الازدواجية بخلق التوازن بين التقليد (الأصالة) والعصرنة لكي لا نقول الحداثة لكون هذه الأخيرة فكر لا يحتمل الممازجة. ستستمر في الاعتماد على الأعيان القدامى وورثتهم وخلق آليات جديدة لدعمهم، وخلق آليات لإنتاج نخب جديدة موالية من المجتمع المدني، والاحتكام إلى التفاوض مع النخب المستقلة المشرعنة محليا والرافضة للتقليد بشأن التدبير والتخطيط المحلي مشروطة بعدم تجاوز الخطوط الحمراء مع اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة للتدخل لإرجاع الأمور إلى نصابها في حالة التجاوز. الفرضية الثالثة: ستتمكن المجتمعات المحلية من بناء مقومات استقلال تدبيرها وتخطيطها المحلي بشكل ذاتي ومن ثم تحقيق ديمقراطية محلية حقيقية تتيح إنتاج النخب والقيادات والزعامات باستمرار وتمكن من ارتقاء مهام البرلماني إلى المستويات المتعارف عليها في الدول المتقدمة، ويحقق نظام الولايات التنمية الجهوية من خلال سياسة محكمة لإعداد التراب الوطني، وتحقق الدولة الديمقراطية التي تتكلم عن السياسة قليلا، ولكنها تمارسها كثيرا. الفرضية الرابعة: ستلجأ الدولة إلى تقوية آلية التفاوض والتوافق بشأن التقدم التدريجي في الإصلاحات السياسية وعلى رأسها الإصلاحات الدستورية والحرص على إضفاء المصداقية والمشروعية على مهام كل من البرلماني والعامل والوالي بشكل تنبعث من خلاله ديمقراطية محلية حقيقية تتحمل فيها الحكومة المسؤولية كاملة. وأعتقد أن فحص هذه الفرضيات المتعلقة بالآفاق المحتملة للعمل السياسي بالمغرب يحتاج إلى تدقيق الدراسة باستحضار منطق الفاعلين ومصادر المشروعية السياسية بخصوص الأوراش المفتوحة والتدابير الجديدة المتخذة. ويتطلب الأمر الإجابة على الأسئلة التالية: * هل لازالت الصفقات العمومية تستعمل كآلية لإنتاج النخب المدعمة لمنطق المخزن؟ * منطق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتسخير اعتمادات برامجها الأربعة؟ * منطق برنامج المدن بدون صفيح؟ * منطق برنامج تأهيل المدن؟ * منطق تدبير مؤسسات الرعاية الاجتماعية؟ * منطق برمجة اعتمادات الميزاننيات الإقليمية والجهوية؟ * مآل منطق سياسة الريع والامتيازات؟ ونختم هذا المقال بتحويل ما قاله العروي في الصفحة الأخيرة من غلاف الكتاب إلى الأسئلة التالية والتي يرتبط الجواب عليها بالأجوبة على الأسئلة أعلاه: هل تحمل الإرادة السياسية للدولة في العهد الجديد الشحنة الحماسية والتنظيمية الكافية لإعطاء الانطلاقة لتحقيق الفطام الضروري بين الغريزة والعقل، بين الإتباع والاستقلال؟. هل نحن بصدد الانتقال من التوكل إلى الهمة، من المبالغة إلى المواطنة؟ هل سترقى ديمقراطيتنا يوما إلى مستوى يندثر من خلاله التداخل بين المركزي والمحلي وتحرر السياسة، وتنقذ من كل ما ليس منها، فتصبح الرياضة رياضة، والفن فن، وكذلك العمل والفلسفة؟،