وبالمقابل فيتامينا صير المعارضة أغلبية..؟نجازف بالرأي : نعم، هذا صحيح. لقد كانت هذه الأغلبية طبيعية ومقبولة، في البداية، بمنطق التوافق الذي يؤهل الى تناوب طبيعي مسنود بتمثيلية انتخابية حزبية متكتلة ..متمايزة. هذا لم يحصل بالأسف خلال الإنتخابات التشريعية ل2002 التي كدر مآلها السياسي : هل إلحاح حزب الإستقلال على«النوبة» على الوزارة الأولى حتى وهو في المرتبة الثانية ؟.هل إستمرار الإتحاد الإشتراكي في الحكومة حتى وهو يحتج بعدم احترام المنهجية الديمقراطية..؟هل إقدام جلالة الملك على تعيين وزير أول غير متحزب درءا لذيول الصراع بين الحزبين (أي الإتحاد والإستقلال)حتى والدستور يمنحه الحق والحرية في التعيين..؟هل كل هذا مجتمعا، متضافرا ؟؟ لست أدري.. إنما مع نتائج الإنتخابات التشريعية ل2007 ، يمكن فهم وتفهم غضب الإتحاد الإشتراكي على مرتبته المتراجعة، وكأنه وحده من يجب أن يؤدي، ذاتيا وموضوعيا وتنظيميا وفكريا..ثمن انتقال استحال معطوبا بفعل هذه الكيمياء المغربية الخاصة..ولعل من العلامات الإيجابية المسجلة لصالح المؤتمر الثامن للحزب هي نجاح الأخير في امتحان هذا الثمن .. ولو أنه نجاح من دون ميزة..لكن ظهور حزب الأصالة والمعاصرة (الوافد الجديد بالقاموس الإتحادي)، ثم الكوابيس السوداء التي صاحبت وتلت الإنتخابات الجماعية ليونيو 2009 أكدت للإتحاد الإشتراكي، كما لغيره من الغيورين على هذا البلد، مظاهر الردة والعبث و الإختناق في الحقل السياسي المغربي ..، ومع ذلك واصلت، النية السياسية الحسنة للحزب، اللعب في التشكيلة الواهنة للحكومة.. (وهناك من يقول، طبعا، بفيروس النية في الإستوزار داخل بعض أطر الحزب .. وهذا رأي أختلف معه ..ومع ذلك أحترم الطوية السياسية النبيلة لأهله داخل الحزب..).وهنا، يجدر بنا أن نتسائل: هل كان من داع جارف لتأسيس حزب الأصالة والمعاصرة (من الناحية السياسية وليس من ناحية أخلاق الحرية)، مع كامل احترامي لجمعية «حركة لكل الديمقراطيين»، غير عدم الثقة في أهلية فاعلي حركية المغرب السياسي اليوم كما بالأمس..؟ هل كان على جلالة الملك وعلى صديقه أن يحولا دون تأسيس حزب قد يدعو (ولقد دعا فعلا) إلى إثارة وبث الشك والتوجس والفرقة في واقع حزبي سياسي لا نحسد على انحساره وتشظيه..؟ وفعلا ماهي القيمة السياسية التي أضافها هذا الحزب للمغرب السياسي عدا تجميع النخب السائدة أصلا بجاذبية المصلحة الخاصة.. وبالتطلع الصادق أو المتملق الى «الإستجابة» لصوت الملكية في شخص صديقها ،حتى مع تسليمنا التام بحياد جلالة الملك، وحسن نية صديقه ؟ ألم يكن من الممكن ترك الحزبية المغربية الكائنة تصنع بحرية لكن بصرامة مراقبة ليست بالعزيزة على إدارتنا الترابية من يوافقها ويمثلها في تدبير المصالح اليومية للمواطن..وأما المصالح الإستراتيجية والمؤسساتية العليا للوطن فهناك ملك يحميها ؟ هذا برأيي هو مربط الخطأ في تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة .. سيما وأن هذا الحزب إنحاز في تكوينه إلى «وضع» أعيان المال والصناعة والبادية وبعض نخب اليسار في نفس القفة.. ضد «خصم» لم نجرب لا فوائده التخليقية التي نتمناها كلنا.. ولامخاطره ومزالقه التي نملك زمام تفاديها..فهل بهذا الصنيع (أي تكوين حزب الأصالة والمعاصرة). يمكن أن نفترض أن دولتنا تضمر عجزا فادحا أمام هذا الخصم الإسلاموي الكائن والمحتمل؟ لا أتمنى أن يصح هذا الإفتراض..حتى مع تسليمنا بالخطاب المحافظ والمهادن للعدالة والتنمية تجاه الملكية.. ومع ذلك، نتساءل هل تتوجس الدولة أكثر من المسكوت التقليداني لهذا المكون الإسلاموي المحافظ ؟إن صح هذا التساؤل، لماذا لا تنحاز دولتنا جهرا وتصميما إلى قوى التحديث والحداثة وهي وحدها (أي الدولة)من يملك السلطة الشرعية والمادية لحماية الوطن من جهالة ومجاهل التطرف الديني ؟ أم أن الأمر، ببساطة، هو سلطة الوضع القائم لدولتنا التي ما يزال يصعب على صيرورتها الفكاك من الإزدواجية البنيوية المتأرجحة بين التقليد والتحديث معا.. أو الأصالة والمعاصرة بصيغة أخرى..؟ ثم من غير الدولة بالقادرة ،فعلا، على درء مضار التقليد..مع جلب وحتى ريادة منافع ومظاهر التحديث..؟دولة مثل هاته لابد لشرعيتها أن تكون قاهرة لإندفاعة التقليد والحداثة معا.. وأن تكون شرعيته قاهرة لابد لها من الجمع بين كاريزما الدين والدنيا..المثال والتاريخ..هذا وضع قائم..كما هو قائم، أيضا، قوى وعلاقات التقليد التي ماتزال عندنا كاسرة كابحة بالرغم من كل مظاهر التحديث.. لهذا، ربما، يتموقع حديث نخبتنا عن الإصلاح الدستوري بين مطلبي التغيير والتأويل..أو بلغة ذ عبد الله العروي بين «صراع على الدستور أم صراع في الدستور»..حيث يميل علمنا الكبير، كما غيره من نخبنا الفكرية والسياسية النزيهة، إلى مطلب التأويل الديمقراطي البرلماني أو الصراع في الدستور. متوخيا أن «يظل الملك مرجعا ضروريا، لا كأمير بل كإمام »...أستطيع أن أعود لأستنتج أن دولتنا لم تكن في حاجة إلى هذا الحزب الجديد.. إلا إذا كانت تنطوي على سوء الظن..أو سوء الفهم والتقدير..