إثر النتائج المخجلة التي حصلها تجمع اليسار الديمقراطي في الانتخابات التشريعية بالمغرب الصدمة كانت قوية رغم الرجة التي أحدثتها أحزاب اليسار المعارض والزوبعة الاحتجاجية التي قادتها ضد مشروع القانون الانتخابي الحكومي الذي كان يهدف إقصائها ودفاعها المستميت لأجل ضمان حقها بالمشاركة في الاستحقاقات التشريعية ل (2007) إلا أن النتائج التي حصلتها كانت مخيبة للآمال على جميع المستويات،إذ لم تتجاوز 6 مقاعد من أصل 325 مع أنها خاضت المنافسات الانتخابية بلوائح مشتركة، بتمثيلية ثلاثة أحزاب، فهل هي إشارة أفرزتها الصناديق الانتخابية العامة، تفيد أن الأحزاب إياها، لا تستند إلى امتدادات شعبية تمكنها من الحضور الذي يليق بمستوى تضحياتها وحضورها السياسي؟ أم أنها بداية العدد العكس لقوى اليسار بالمغرب زكتها الاستشارة الشعبية الأخيرة؟ وهل يمكن إرجاع ملامح الضعف التي باتت واضحة على الحضور اليساري إلى الاكتساح الذي سجله المد الإسلامي وسط الشرائح الاجتماعية التي كان يتغذى عليها هذا اليسار؟ النتائج التي جاءت بها حصة تجمع اليسار الديمقراطي من كعكة الإنتاجات التشريعية الأخيرة (2007) شكلت صفعة قوية لجميع مكونات هذا التحالف، خاصة وأن مطامعه السياسية كانت تطمح إلى تحقيق أرقام محترمة من المقاعد التي يقرر فيها الشعب المغربي من خلال صناديق الاقتراع المباشر. النتائج المحصلة أبانت بالواضع والمرموز أن تقديرات اليسار السياسية والتدبيرية لم تبنى على أسس واقعية تمكنه من الحضور الوازن من خلال الصناديق الانتخابية العامة، كما كشفت من جهة أخرى أن الطريقة التي يفكر بها هذا اليسار في خوض معاركه السياسية في الانتخابات أبعد ما تكون عن واقع هذه الانتخابات، الشيء الذي وضعه في موقع حرج أمام نتائجه المخجلة. وبحسب القراءات السياسية للمشهد الانتخابي المغربي أكدت فعاليات من الطبقة السياسية أن الظروف التي مرت منها المراحل الانتخابية بدءا من الحملات المسبوقة مرورا بالأجواء المسمومة التي رافقت الحملة الانتخابية والتجاوزات التي عرفتها، وصولا إلى الحياد السلبي للإدارة المغربية والعزوف الكاسح الذي اجتاح المشاركة الانتخابية لهذه المحطة، ساهمت إلى حد كبير في تعميق الحظ العاثر الذي صاحب النتائج التي حصلها تجمع اليسار الديمقراطي من ثمار العملية الانتخابية الأخيرة، وعملت على تقزيم أرقام مقاعده النيابية، فهل يمكن القول بأن تحالف اليسار المغربي الذي شكل حدثا سياسيا نوعيا في المشهد السياسي الوطني باختياره خوض المنافسة الانتخابية التشريعية بلوائح مشتركة، قد أخطأ التقدير في حساباته التدبيرية، وفي كيفية إدارته للمعركة الانتخابية؟ أم أن الأمر يرتبط في عمقه بدهشة البداية؟ وهل يمكن إرجاع هذه النتائج المخجلة التي جناها اليسار في معركته الانتخابية، إلى كونه عدم الوسيلة في التغلغل بين الأوساط الشعبية لخلق امتدادات شعبية تمكنه من حضور يوازي حجمه التاريخي ونضالاته السياسية؟ أم أنه وقف عاجزا أمام الأحزاب الأخرى التي مكنتها الممارسات الانتخابية السابقة من اكتساب حرفية كبيرة ومهارات عالية في الوصول إلى أصوات الهيئة الناخبة. أرجع لطفي علي عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي عدم حصول حزبه على مقاعد محترمة خلال الانتخابات الأخيرة، لأسباب متعددة ومختلفة، أبرزها أن الحزب الاشتراكي لم يعقد مؤتمره التأسيسي إلا سنة قبل الآن، الشيء الذي جعله يهتم بشكل طبيعي بهياكله التنظيمية على امتداد المملكة نظرا لأولوية هذا الجانب في تثبيت قوائم الحزب وإرسائها بما يليق وحجم مشروعه السياسي الحداثي، إضافة إلى أن نمط الاقتراع المعتمد بالمغرب جعل من الصعوبة الترشيح بجميع الدوائر على الصعيد الوطني، لذلك اكتفى الحزب حسب لطيفي بالتواجد في بعضها حسب الإمكانات المتوفرة، هذا بالإضافة إلى أسباب أخرى ذات طبيعة عامة، مؤكدا على أن عدم حصول حزبه على مقاعد مهمة ليس معناها أنه لا يتوفر على امتدادات شعبية، على العكس من ذلك، فمناضلو الحزب زحفوا بداية من الاتحاد الاشتراكي ثم المؤتمر الوطني الاتحادي، حقيقة أن المجال التنظيمي بالنسبة للحزب لا يزال في بدايته قياسا مع المدة الزمنية التي تفصلنا عن تاريخ التأسيس، لكن قواعده تغطي جميع أطراف المملكة، العائق الذي واجهناه وهو استعمال المال لشراء الضمائر واستمالة الكتلة الناخبة والتأثير على إدارتها، وتدخل الإدارة في مجموعة من جهات المملكة، وحيادها السلبي في غالبية الجهات الأخرى، كلها أسباب كان لها الأثر الواضح في تشويه الملامح الحقيقية للخريطة السياسية الحقيقية، وكان لها انعكاس سلبي على الأحزاب التي التزمت بشروط المنافسة الشريفة، وأضاف لطفي "الغالب أن اليسار في المغرب يعيش أزمة، أسبابها متعددة، في مقدمتها تشتت فصائله وأحيانا التناطح بين مكوناته لاعتبارات في الغالب ليست موضوعية، بحيث أنه كان من الممكن لو اعتبرنا الاتحاد الاشتراكي طرفا في صف اليسار، أن تكون نتائج فصائل اليسار مجتمعة تشكل أغلبية في عدد المقاعد المحصلة، للأسف اليسار المغربي يعيش مخاضا، وقد يكون مستقبله مشرقا إذا ما استخلص العبر من هذه التجارب الغنية بدلالاتها والعميقة بدروسها على عدة مستويات، وإذا ما تخلت كذلك مكوناته الأساسية عن فكرة الزعامة والهرولة وراء المقاعد والمناصب، وإذا ما قررت أيضا وهي مجتمعة، الدفاع عن برنامج مشروع مجتمعي متفق عليه من قبلها. ""