ظل مشروع إصلاح القضاء حلما يراود التصريحات الحكومية منذ مجئ حكومة التناوب سنة 1998. واعتبره المراقبون والمهتمون أهم مداخل العهد الجديد، عهد دولة الحق والقانون، غير أن المشاكل والقضايا التي عرفها هذا القطاع لم تسمح سوى بإصلاحات محدودة طيلة هذه العشرية، كإلغاء محكمة العدل الخاصة، وتعديل قانون المسطرة الجنائية فضلا عن إخراج مدونة الأسرة إلى حيز الوجود. لكن الإصلاح كان يحتاج دائما إلى معالجة شمولية للنظام القضائي المغربي، من حيث بنياته المؤسسية، كما كان يحتاج بإلحاح إلى بلورة رؤية واضحة للإصلاح. وقد تأكدت تلك الإرادة عند استقبال جلالة الملك لوزير العدل عبد الواحد الراضي منذ ما يقارب السنة وتكليفه بالسهر على ملف إصلاح القضاء. إذن، كيف بدأ العد العكسي ليرى إصلاح القضاء النور من خلال خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة ثورة الملك والشعب؟. إن إصلاح قطاع حيوي مثل القضاء لابد أن يتم بمنطق وفضيلة التشاور مع المهتمين وكل المؤسسات التي لها علاقة مباشرة بالقضاء، وهكذا فتح باب التشاور مع أزيد من ثمانين (80) جمعية ومنظمة ومؤسسة، بدءا بالمجلس الأعلى للقضاء والودادية الحسنية للقضاة، وجمعية المحامين بالمغرب، والأحزاب السياسية والنقابات، وكذا المنظمات الحقوقية ونقابة موظفي العدل والشرطة القضائية وغيرهم. إذ راسلت الوزارة كل هذه المؤسسات، ليتم عقب ذلك عقد جلسات معهم، كما تم الاجتماع مع لجنتي العدل والتشريع بمجلسي النواب و المستشارين! لكن ما هي المنهجية المتبعة في بلورة التصور الذي رفع إلى جلالة الملك؟ يؤكد مصدر مقرب من هذا المسار الاستثنائي في حياة وزارة العدل، أن المنهجية اعتمدت في البداية، على تشخيص أوضاع قطاع العدل، لرصد مكامن الخلل، ومسالك التعثر داخل النظام القضائي ببلادنا، وهو تشخيص تم أولا من قبل الوزارة المعنية، ثم تم اشراك البرلمان في عملية التشخيص هذه أيضا، لينتقل هذا المسار إلى المرحلة الثالثة من المنهجية المتبعة، وهو جمع الاقتراحات والمقاربات، لتتم بعد ذلك بلورة ملف كامل حول وضع قطاع العدل في المغرب، رفع الى جلالة الملك محمد السادس الذي أعلن عن قرارات حاسمة في هذا اتجاه هذا الإصلاح.