المكي گنوز، باحث في الفن والأغنية الأمازيغية بإقليمخنيفرة والأطلس المتوسط، ل «الاتحاد الاشتراكي»: من توابع أزمة الأغنية الأمازيغية هو التشويه الفظيع الذي لحق بهذا التراث الموسيقي والغنائي بدعوى تجديده، إضافة إلى هيمنة المتطفلين والأصوات الرديئة التي يتم تجميلها بالآلات على عكس عمل الرواد الذي سيظل خالدا بعض أغاني الفنان اليوسفي بن موحى تعرضت للسطو، وتم توظيفها من طرف مجموعات غنائية بينها ناس الغيوان والمشاهب أسماء أعطت الكثير للأغنية الأمازيغية بإقليمخنيفرة ومنطقة الأطلس المتوسط هي الآن تعاني في صمت من الفقر والوهن والشعور بالغبن والاحتقار < ما واقع الأغنية الأمازيغية بمنطقة الأطلس المتوسط الذي تنتمي إليه؟ > الأغنية الأمازيغية بمنطقة الأطلس المتوسط في أزمة، إذ تتراكم أسماء الفنانين وتتناسل الأشرطة دون أن تضيف جديدا إلا فيما ندر، كما يتم ترويج وتمرير المضامين والمعاني الساقطة وكلمات تفتقر لسياق توظيفها إلى أي جمالية وضمن قوالب سطحية ومشوهة، ولعل من أخطر توابع هذه الأزمة التشويه الفظيع الذي يلحق تراثنا الموسيقي والغنائي بدعوى تجديده، ولكن مع افتقار إلى أي وعي أو حس جمالي يمكن أن يشكل إضافة نوعية لهذا التراث، لقد هيمن المتطفلون وأصحاب الأصوات الخشنة والرديئة التي يتم تجميلها بالآلات على عكس عمل الرواد الذي يظل تراثا خالدا لا يموت. هنا تتضح الهيمنة الكبرى التي لا يزال يفرضها عمالقة الرواد على الأسماع كالمرحوم حمو اليازيد، الغازي بناصر، ثنائي حادة وعكي وبناصر أوخويا، موحى أموزون، موحى أبابا، أملال قدور، ميمون أوتهام، بعيزة، أوعالي، علي اوشيبان، واللائحة طويلة، وكذلك حمل الجيل الموالي المشعل وهيمن بدوره من أمثال لحسن أعشوش، محمد رويشة، محمد مغني، بوعزة العربي، بوزكري عمران، محمد ستيتو، محمد عروب، عبد النبي الكاس، جنان حسن، المرحوم العكري مصطفى، ولا يمكن لأحد أن يدعي أن هذه الأصوات قد استنفدت طاقاتها وقدرتها على العطاء والإمتاع، وأن الركب قد تجاوزها، بل إنها شاهدة على كل العصور بتمعن وتبصر ودائمة علاج التصدع الذي يصيب الأغنية الأمازيغية من جراء المتطفلين. < كيف تنظر إلى ظروف وأحوال الفنان الأمازيغي؟ > كل الأسماء التي ذكرت أعطت الكثير للأغنية الأمازيغية بمنطقة الأطلس المتوسط، والعديد منها الآن يسحقها الفقر والوهن والشعور بالغبن والاحتقار، لقد جعلتها مواقف النكران في مهب النسيان، وأذكر مثلا الغازي بناصر الذي يعرض سلعة «الببوش» (الحلزون) على زبنائه كل مساء بمريرت، إقليمخنيفرة، وكل من يقصده ويتذوق المرق الحلزوني لا بد أن يتحسر على حاله من حيث يعرف أن من هيأ هذا المرق ليس إلا أحد كبار رجالات الأغنية الأمازيغية، وقد أذاعت له الإذاعة الوطنية (القسم الأمازيغي) أزيد من 50 أغنية دونما أي حقوق، شأنه شأن يامنة الويرة التي انزوت في حياة يلفها البؤس والعوز بقرية سيدي عدي، حيث تنعي بشيخوختها أمجادها الفنية، وكذلك الفنان الكبير عروب الذي ألقت به الأيام الماكرة هو أيضا في وضعية لا نظير لها من العوز والفاقة، ويراه الجميع منكبا على طاولته ب»زنقة وهران»بخنيفرة ينسج «الطاقيات» لزبائنه. < عرف تاريخ الأغنية الأمازيغية عدة فنانين كبار، إلى أي حد يمكنك تقريبنا من بعضهم؟ > حمو اليازيد هو الأب الروحي لكل الفنانين الأمازيغيين بمنطقة الأطلس المتوسط، كان عزفه لا يطرب الأذن فحسب، وإنما يلمس أوتار القلب ويخاطب أعماق الروح، إنه لم يسلك مسلك المتطفلين الذين تغريهم الهواية الطارئة والشهرة الزائلة لأنه متشبث بأصالته في بعدها الثابت، ثم عائشة تغزافت، وهي امرأة أمازيغية غنت للحياة وللحب والمعاناة، ذاقت مرارة سنوات الرصاص، تعرضت للتعذيب لا لشيء إلا أنها غنت بحنجرتها الذهبية رثاء لمن حكم عليهم آنذاك بالإعدام فأخرستها أيدي الجلاد كما أخرست غيرها، وروائعها مازالت خالدة، وهناك حادة وعكي التي ولدت للفن الأمازيغي وفي فمها ملعقة من ذهب، صوتها كان صافيا، نديا، قويا، مؤدبا، لا يعتريه غنة ولا حبسة ولا ضيق، لقد قدمت خدمات جليلة لهذا الفن منذ صباها لتظل الأجيال تذكرها بكل امتنان واعتزاز، وهي التي كرست حياتها لخدمة الأغنية، وفعلت ذلك في صمت وتواضع ونكران الذات وفضلها على الأغنية الأمازيغية عظيم لا ينكره إلا جاحد، ليأتي الفنان الكبير والشهير محمد رويشة الذي طبع عصره وانطلق بفنه الذي سيظل الوفي لروح التراث المنطقة وبه عانقته الشهرة. وبحسه المرهف وذكائه النافذ، ظل حريصا على تجذير شعبيته وتلميع صورته في وجدان الجميع، خاصة بعد أغنيته المشهورة «أبى بوسغوي» وقطعة «عفام الكية» سنة 1964، حيث بدأ نجمه ساطعا في سماء الفن إلى أن صار قدوة للعديد من الوجوه الجديدة، إن هؤلاء الرواد الذين ذكرتهم شكلوا خزانا حقيقيا للإبداع وشكلوا أعمدة صلبة قام عليها صرح الإذاعة الوطنية بقسمها الأمازيغي. < لا يمكن الحديث عن الفن الأمازيغي دون استحضار فن أحيدوس؟ ما تعليقك؟ > يمكن أن نجازف بتسمية فرجة أحيدوس بتمسرح مفتوح، ولعل ما يثمن زعمنا هذا، هو أن هذه الفرجة الضاربة في القدم، تتوفر على جل مقومات وخصائص المسرح المتعارف عليه ، فأحيدوس يقام أولا في فضاء معين، سواء كان مفتوحا أو مغلقا ويتوفر على نصوص شعرية مغناة تكون ميتة في ذهنية المشاركين، لكنها تحيي وتنتعش عند انطلاقه هذه الفرجة كما أن هناك أيضا ممثلين شعراء، وجمهور مندمج ومشارك بتلقائية في العرض علاوة على وجود لغة جسدية وأزياء، ومكياج وإيقاع، ناهيك عن الإنارة التي قد تكون طبيعية، حيث يتم اختيار الاحتفال في الليالي المقمرة، وفرجة رقصة أحيدوس باعتبارها طقسيا احتفاليا يجب أن تستثمر وتتطور لأنها تمثل ذاكرة جماعية وثقافة انثروبولوجية أمازيغية عميقة ، وألا تبقى مجرد فلكلور جامد يتسلى به أهل الحل والعقد عند الطلب. < ما دمنا في موضوع الأغنية الأمازيغية، ماذا تشكل لك آفة القرصنة؟ > القرصنة شر لا بد منه، وأذكر هنا مثلا كيف أن الفنان الكبير اليوسفي بن موحى المعروف ب»رويشة عين اللوح» سجل عدة قطع بدار الإذاعة عام 1964 ولقيت إقبالا كبيرا من طرف الجمهور، مما أدى ببعض المجموعات الغنائية المشهورة بالسطو، وتوظيف بعض ألحانه في بعض إنتاجاتها بل ونسبتها إليها، ونخص بالذكر مجموعة ناس الغيوان ومجموعة المشاهب، ومن بين هذه الأغاني لحن أغنية «أثاياغن إدا وسمون» التي استعملتها مجموعة ناس الغيوان في إحدى أغانيها، ولحن أغنية «حاولات حاولات»، ثم في أغنية «يومك جاك» بالنسبة لمجموعة المشاهب، وهناك فرق أخرى سطت على بعض الأغاني ولا داعي لذكر أسمائها ما دام اسمها الفني صغيرا. انتهى