تختزل الأغنية الأمازيغية في طياتها فنا ملتزما راقيا، وظل رواد الأغنية الأمازيغية متمسكون بالكلمة الهادفة، واللحن الطروب، والوزن الشعري المتناغم، لدرجة أن الفنانة تباعمرانت نعثت بخنساء الأمازيغ، غير أن موجة الأغنية الشبابية التي فرضت نفسها على الساحة الفنية المغربية، أو ما يعرف بموسيقى الهيب هوب، تطاولت على الأغنية الأمازيغية الأصيلة، وانتشرت أغني شبابية أمازيغية، حرفت الكلمة، وخلخلت التناغم الشعري والغنائي، لدرجة أن المستمع أحيانا لأغنية أمازيغية يجد في طياتها كلمات عربية أو غربية، وفي بعض الحالات تسمع كلمات ساقطة ضمن الأغنية ما نأى كثيرا عن الأغنية الأمازيغية الملتزمة في كلماتها وألحانها، فكيف يرى الفنان والشاعر الأمازيغي مولاي علي شوهاد عن المجموعة الغنائية أرشاش، هذا الغزو للأغنية غير الملتزمة؟ وكيف يؤثر ذلك على الساحة الفنية؟ زخم الألوان الموسيقية اعتبر الفنان الأمازيغي مولاي علي شوهاد في تصريح لـ>التجديد< أن هناك هيمنة وزخما لألوان فنية أخرى، بشكل ملحوظ ولافت للنظر، وأن هذا الطفو لهذا النوع الموسقي على الساحة، لا يعكس تراجع الأغنية الأمازيغية الملتزمة، لأن الأغنية الملتزمة ما تزال فارضة وجودها ومطلوبة عند شريحة كبرى من الجمهور، على اعتبار أن هناك أناسا ملتزمين متمسكون بها. أما ما يروج اليوم من ظهور موجة الأغنية الشبابية والأغنية التجارية، فإن ذلك غطى نوعا ما على ما هو جدي، على اعتبار أن ما هو جدي قليل جدا. وحسب شوهاد فإن هناك فنانين ما يزالون يؤمنون بالالتزام، مثل مجموعة إرشاش، وإزمزارن، وتباعمرانت.... هؤلاء الفنانون ما يزالون متمسكون بالالتزام في الأغنية، لكن المشكل الواقع أنه لم تعد تولد مدارس أو مجموعات غنائية جديدة تصب في هذا الصدد، في حين نلاحظ توالد مدارس أخرى غير ملتزمة وشكلية. والأغنية الأمازيغية شأنها شأن جميع الأغاني في العالم، مثل العربية، والانجليزية، والفرنسية...، لأن موجة الأغنية الشبابية وغير الملتزمة التي اكتسحت الساحة ليست موجة محلية فحسبو بل هي موجة عالمية، بدأت من العالم الخارجي لتصل إلى المغرب، كما أن هناك جمهورا مغربيا عريضا يعشق الكلمة الملتزمة. وبما أن المغرب يعرف نسبة كبيرة من الشباب، فمن الطبيعي أن تنتشر الأغنية الشبابية بشكل كبير. وفي الحقيقة أرشاش وإزمزارن، وناس الغيوان، وجميع المجموعات الغنائية الملتزمة، الأمازيغية والعربية، ما زالت تفرض نفسها بقوة، ولديها جمهورها، حسب شوهاد. رسالة منعدمة اعتبر شوهاد أن الموجة الجديدة للغناء ابتعدت كثيرا عن الكلمات الأمازيغية الأصيلة، والأوزان الشعرية، والنغمة الموسيقية، وسلامة الإيقاع، وسلامة الآلات... بل اختلطت الكلمات ولم يعد هناك التزام بالفن الأصيل، وذلك راجع بالأساس لعدة عوامل: أولها، ضعف التكوين؛ أي أن أغلب متزعمي الموجة الجديدة ، غير مكونين ولا يلتزمون بالكلمة، وهذا هو سبب عدم الالتزام بالكلمات الأمازيغية، واختلاط الأغنية الأمازيغية بكلمات عربية، أو غربية؛ لأن ما يحكم اليوم هو الأغنية التجارية، وذك المغني يتبع ما هو رائج في الأسواق. ثانيا، عدم الرغبة في تحمل الرسالة الفنية؛ أي أن الفنان يغني دون أن تكون لديه رسالة فنية معينة يبلغها، وعندما تحدثه عن الالتزام بالكلمة الأمازيغية، وعدم إدراج كلمات بلغات أخرى في نفس الأغنية، ينعت نفسه بأنه فنان، ومن حقه التعبير عن فنه بكل الوسائل. كما أن هذه الموجة ليست في الأغنية الأمازيغية لوحدها، بل إن الأغنية العربية أيضا تعرف نفس المشكل، والغربية... والمستهلك المغربي غريب، لأنه يستهلك الأغنية التجارية، والملتزمة، غير أن الناس يختلفون في تقيم الأغنية، لأن منهم من يستمع وينتقد ويقيم الأغنية، ومنهم من يستمع فقط دون أن يبدي أي رأي. ضغوطات كما أكد شوهاد أن الأغنية الأمازيغية في يومنا، تواجه مجموعة من الإكراهات التي تعيق تقدمها، وأولها؛ هو التعتيم الإعلامي؛ لأنه لو كان هناك إعلام صالح حسب شوهاد لراجت الأغنية الصالحة، كما أن الأغنية الأمازيعية تعاني من التهميش من طرف وزارة الثقافة، ومن ضغط المنتجين الذين يفرضون اللون الغنائي على الفنان، إذ تبقى الأغنية الأمازيغية عبارة عن سلعة بين المحلات والأزقة أي أنها لم تتعرض يوما لمقياس معين. كما اعتبر فنان مجموعة أرشاش أن أهم مشكل يعترض الأغنية الأمازيغية، هو مشكل أزمة الناقد الأمازيغي؛ لأن الأمازيغية حسب قوله، فيها ممثلين، وشعراء، وفنانين... ما عدا الناقد فهو منعدم، ولهذا فإن الجمهور الأمازيغي ناقد بالفطرة بالدرجة الأولى، غير أن الفنان لا يعترف بانتقاده، لأن الفنان يعترف بانتقاد الناقد المسؤول. ناهيك عن ذلك، فإن الفنان الملتزم يواجه مجموعة من الاكراهات حسب شوهاد، إذ غالبا ما يشترط عليه المنتج، أن يغني ما هو رائج في الأسواق، فالمنتج يتوهم أن الأغنية الملتزمة تخلق مشاكل وليست رائجة، فيعيقها منذ البداية، جاريا وراء الربح المادي، مستعينا بأغنيات بها كلمات ساقطة، ولو كان ذلك على حساب الجمهور، لكن مثل هؤلاء الفنانين موسميين فقط ولا يستمرون طويلا. كما أن الفنان الأمازيغي لم تنصفه الساحة الفنية حسب ما صرح به شوهاد، لأن الساحة الفنية اليوم تعج بالزبونية والمحسوبية، شأنها شأن باقي المجالات الأخرى، وخير مثال على أن الفنان الأمازيغي لم تعطه حقوقه الكاملة، أن هناك فنانين كبارا لهم أسماؤهم على الساحة الفنية ولهم رصيد فني ثري، مثل: إزمزارن، أرشاش، رقية الدمسيرية، احماد أوطالب، أودادن... وغيرهم من كبار الفنانين الذين أعطوا الكثير للأغنية الأمازيغية وما زال عطاؤهم مستمرا، لا يحصلون على أي تشجيع. وضغوطات الفنان الأمازيغي حسب أرشاش حدث ولا حرج، غير أن الفنان الملتزم عليه أن لا ينجرف وراء تيار الأغنية السوقية، وعليه أن يؤمن بفنه ورسالته في الحياة، وبأن الله خلقه من أجل العطاء، وليس من أجل أن يأخذ، والواقع يظهر تناقضا كبيرا بين أناس أخذوا من الفن أشياء كثيرة في حين أنهم لم يعطوه شيئا، وآخرون أعطوه الكثير ولم يأخذوا منه شيئا، وهذه هي الحياة عبارة عن تناقضات. كما اعتبر شوهاد أن المغرب يعاني أزمة جمهور أيضا وليس أزمة فنان انحرف عن الإطار الفني، وذلك على اعتبار أن هناك أزمة الأذن الصاغية والذوق، وأن الرقي بالفن تستلزم القيام بحملة لتربية ذوق الجمهور، الذي تشرب كثيرا من غزو الإعلام الخارجي، والقليل من الجمهور من ما يزال لديهم الحس الفني. دعوة إلى الإلتزام اعتبر أرشاش أنه لا يجب إلقاء اللوم على شباب اليوم، وخاصة من هم في العشرينات، لأنهم متأثرون بكل ما يحيط حولهم، غير أنه يجب توجيههم لثقافة فنية معينة، أما ما يصدر ضدهم من انتقادات في شكل اللباس، والشعر... إلخ، فهذا غير واقعي، لأننا نتحدث عن شاب يعيش في ,2008 وقد تأثر وتشبع بالمحيط الخارجي، كما لم ينكر شوهاد رائد الأغنية الملتزمة، أنه هو أيضا مر من نفس التجربة، غير أن الإلتزام الفني مفروض في جميع الحالات كيفما كان لباس الشاب أو تأثره بما حوله، لأن الفن رسالة يجب أن تحمل في كلماتها وإيقاعاتها، فائدة للمستمع كي لا تنحرف الأغنية الأمازيغية وتفقد أصالتها ونغمتها. كما دعا فنان مجموعة أرشاش شباب اليوم إلى الالتزام الفني الذي لا يعني بالضرورة العودة إلى الماضي، أو الانغلاق، وعدم الاستعانة بباقي الآلات الموسيقية الأخرى، لكن ما دعا إليه شوهاد هو؛ أن يجتهد في الشباب في الفن الأمازيغي، بغض النظر عن طريقة لباسهم أو نوعية الآلات التي يدخلونها في أغانيتهم، كما دعا إلى عدم المبالغة، وإعطاء فن أمازيغي حقيقي، وليس محرف. وقد ضرب شوهاد المثل بشباب استطاعوا إعطاء الكثير للأغنية الأمازيغية والسير بها قدما؛ بفرقة أوسمان سنة 1974 التي بدأت ظاهرة الأغنية الأمازيغية، فبدأت فنها بآلات عالمية، ونمط إيقاعي مخالف لكنه فن راق وأعطى الكثير للأغنية الأمازيغية. وفي 2008 لا يمكن لأي أحد أن يعارض نوعية الآلات المستخدمة كيفما كان نوعها، لكن يجب معارضة الكلمات السوقية التي يستعملها البعض في أغانيهم، ومطالبة الشباب بدراسة الفن والالتزام فيه، وليس الالتزام حسب أرشاش هو أن يكون الفنان فقيها، وإنما أن يكون فنانا شاعرا، بكل ما تحمله كلمة شاعر من معنى، ليكون عند الأغنية الأمازيغية نكهتها الفنية وتطرب كل من يسمعها. كما ناشد شوهاد الفنان المغربي بصفة عامة والأمازيغي بصفة خاصة بمحاربة الانحراف الموسيقي والشعري، ودعا إلى اعتماد الدراسة والموهبة ونكران الذات، لأن استمرارية العطاء تعني النجاح وتعني استمرار الأغنية الأمازيغية. ورغم افتخار شوهاد بعصامية الفنانين السابقين ورواد الأغنية الأمازيغية، إلا أنه دعا إلى إضافة العلم، والدراسة الفنية.