من توابع أزمة الأغنية الأمازيغية هو التشويه الفظيع الذي لحق بهذا التراث الموسيقي والغنائي بدعوى تجديده، إضافة إلى هيمنة المتطفلين والأصوات الرديئة التي يتم تجميلها بالآلات على عكس عمل الرواد الذي سيظل خالدا. بعض أغاني الفنان اليوسفي بن موحى تعرضت للسطو، وتم توظيفها من طرف مجموعات غنائية ،من بينها ناس الغيوان والمشاهب أسماء أعطت الكثير للأغنية الأمازيغية بإقليم خنيفرة ومنطقة الأطلس المتوسط هي الآن تعاني في صمت من الفقر والوهن والشعور بالغبن والاحتقار باعتبارك باحثا في التراث الفني الأمازيغي، هل من صعوبات على مستوى التوثيق؟ لا ينكر أحد غنى وتنوع الثقافة والتراث الأمازيغي بمنطقة الأطلس المتوسط ، إلا أن الباحث فيهما والمتتبع لتطورهما ستواجهه صعوبة كبيرة، ومن أهمها كون المتن الثقافي الأمازيغي شفاهي، إذ من النادر أن تعثر مثلا على قصيدة «تمديازت» مدونة، إضافة إلى غياب وثائق وأبحاث مكتوبة تساعد المتتبع على التدقيق في بعض جوانب هذه الثقافة اللهم إذا استثنينا بعض الكتابات الأجنبية التي لا يمكن التغاضي عن الحس الكولونيالي فيها، وبالتالي أذكر أن النص الغنائي الأمازيغي بحكم انتسابه إلى الثقافة الشعبية الشفوية، فهو ممتلك جماعي في سوق الممتلكات والثمينات الرمزية والثقافية، وبالتالي أشير إلى غياب المؤلف الحقيقي لهذا النص تماما مثلما هو الشأن بالنسبة للحكاية، إذ بمجرد ما يتم نشر هذا النص، فإنه يصبح ملكا يردده الجميع، ومن هنا نلمس فيه هذه المفارقة العجيبة ليتم التبني الجماعي. أريد منك أن تفسر لي بعض المكونات الأساسية في النص الغنائي؟ المكون الأساسي في النص الغنائي الأمازيغي بمنطقة الأطلس المتوسط يتجلى أولا في»اللغة»، وهي اللازمة (إيزلي) ثم «أفرادي» كبيت شعري، فأما «اللغة» فهي التي تشكل الثابت المتواتر بينما المقطع «إيزلي» فهو الذي يتخللها ويتصف بالتغير، والذي يتكون من شطرين لا يكتمل معناه إلا بارتباطه مع الآخر، ويلاحظ أن «اللغة» لازمة ذات وحدة دلالية مكثفة، بينما يشكل «إيزلي» تنويعا، والعلاقة بينها وبين «اللغة» ليست بالضرورة تماثلية وعضوية بحيث أن «إيزلي» قد يبدو أحيانا وكأنه حشد من الأفكار المتباينة التي لا يجمعها سوى اللحن، والغناء الأمازيغي ينبغي أن يؤخذ كجانب جمالي، وهذا الموروث الثقافي الذي يشكل ذلك الفسيفساء التي ظلت صادمة لنوائب الدهر بصورة تلقائية منذ آلاف السنين، ومن هنا هو ملكنا الجماعي المشترك إلينا يعود أمر رعايته وصيانته من الضياع، وأول خطوة لتحقيق ذلك هو التصالح معه وإعادته إلى مكانه الأثير في ذاكرتنا ووجداننا. ما معنى موروث آلاف السنين ودعوتك للتصالح معه؟ موروث عن فترة تاريخية لعبت فيها المكاتب السيكولوجية الاستعمارية دورا من حيث تحريف العديد من عناصر هذه الفرق، كما أن هناك مفهوم «عربي « خاطئ يرجع إلى تاريخ الذين مارسوا الغناء في تاريخ الأمم العربية، فالذين مارسوا الغناء في العصر الأموي والعصر العباسي هم الرقيق وحتى في عصر الانحطاط جاءتنا الأغنية من تاريخنا العربي ملتصقة بالجمهرة وبالطبقة الاجتماعية التي تمارسها، وحين نقول رقيقا فلأنه يفعل (بضم الياء) به ما يشاء، أي أن المغني سواء كان مملوكا أو جارية يفعل به السيد ما يشاء علما أن الرجال الذين كانوا يغنون، كانوا في الغالب خصيانا، وفي عهدنا ظلت عائلات وأسر تمنع بناتها وأبناءها من الغناء وتستهجع أن يمارس أبناؤها هذا الفن. إلى ماذا يعود هذا في رأيك؟ الفنانة الأمازيغية ليس في ترديدها للغناء أو في رقصها مثلا أي نوع من الميوعة أو الانحلال الخلقي كما تدعي بعض الفئات، إذ غالبا ما ينادى على الفنانة الأمازيغية باسم «الشيخة»، والكلمة تحمل في طياتها كل أنواع التحقير والتهجين، وعندما يتم استدعاء هؤلاء الفنانات يتصور البعض أنهن يأتين للغناء والرقص وأشياء أخرى، تماما كما هو حال الفنانين ممن لا زال البعض يصفهم بأصحاب «النشاط»، ليس هنا النشاط بمعناه الإيجابي بل بمعناه التحقيري والقدحي، والأغنية الحقيقية تكمن في مدى تفاعل المتلقي معها نفسيا وعقليا ومدى إدراكه الواعي بمكوناتها الفنية والفكرية وما تتركه أوما تخلفه من صدى وأثر جمالي في الشعور الوجداني. ما دمنا في إطار الفن الأمازيغي، نود معرفة وجهة نظرك حول الرقص الأمازيغي؟ في ما يخص الرقص الأمازيغي فهذا لغة حية تتحدث عن الإنسان، ورسالة فنية تقذف بعيدا عن الواقع الملموس في بعض الأحيان، ذلك من أجل التكلم بالصور والأليغوريات عن انفعالات أكثر حميمية، وأكثر اتصالا وتواصلا، وهو بهذا يكون فعلا ثقافيا منتميا إلى نظام الدلالات، بحيث يمكن ترجمة نسق العلامات البصرية إلى نسق العلامات اللسانية، مما يدخله في خانة الرقص التعبيري، وإن المتتبع للرقص الأمازيغي بالأطلس المتوسط يجد أن «الربيرتوار» الحركي والإيمائي جد متنوع بحيث يمزج في لغته بين الحركة والإيماءات ذات الأصل البيولوجي واللعبي وذات البعد الاجتماعي والثقافي فسيختار الجسد الراقص منها ما يساعده على توصيل رسالته إلى المتفرج. نعلم بأنك من المهتمين بالأغنية الأمازيغية، هل لك دراية بأرشيف دار الإذاعة؟ تعتبر الأغنية الأمازيغية من أعرق الفنون الأدبية في الثقافة الأمازيغية وهي الأكثر انتشارا في المجتمع الأمازيغي، كما هي امتزاج بين اللغة والموسيقى، بل هي لغة مفعمة بالرموز والمعاني كما ذكرت سابقا، فبالأطلس المتوسط تسمى ب»إزلي» و»الغنجوج» بالريف و»امارك» بالأطلس الكبير والصغير، وتعتبر الأغنية بالأطلس المتوسط العمود الفقري في برمجة للبث بدار الإذاعة (القسم الأمازيغي)، وتنفرد خزانة هذه الأخيرة بالمحفوظات الصوتية، بكونها الأرشيف الوطني الوحيد لهذا اللون الغنائي بمقياس ومعايير توثيقية علمية، إذ ترجع أقدم أغنية بالأمازيغية إلى تاريخ 06/03/1959 وهي بعنوان «ايمدروس» لشيوخ اميدار ويتوزع مخزون الأغاني على تريفيت (1253 أغنية)، تمزيغت (1521 أغنية) تشلحيت (4295 أغنية).