فن العيطة بين التوهج والتمييع.. العيطة مكون أساسي من مكونات تراثنا الموسيقي ودليل هويتنا الثقافية والفنية والتاريخية، أنواع العيوط تعكس طبيعة وأنماط الحياة الاجتماعية لمناطق وجهات وتجمعات سكنية من المغرب الحقيقي المغرب العميق..العيطة هي موروثنا الشعبي وسجل للوقائع والأحداث، ساهم في إبرازه شيوخ هذا الفن ورواده. "" الشيخة خربوعة، بوشعيب البيضاوي، المارشال قيبو، فاطمة الباردية، الشيخ الدعباجي، فطنة بنت الحسين، عبد الله البيضاوي، الحاجة الحامونية، الشيخة عايدة، و آخرون.. شيخات، حفاظات وعياطات لمختلف أنماط العيطة المعروفة والشائعة، أسماء كبيرة لازالت على قيد الحياة وأخرى انتقلت إلى دار البقاء، ومن الأحياء عديدون وعديدات يقاصون التهميش ويعيشون التنكر والجحود. لم يشفع لهؤلاء الرواد والشيوخ ما عانوه من قساوة الحياة وشدف العيش، حتى بنوا ملاحم هذا الفن، على امتداد مسيرتهم الفنية النضالية الطويلة، وفي مختلف مناطق المغرب، في بواديه وحواضره، حملوا على أكتافهم هذا التراث، وصدحت بعيوطه وبراوله أصواتهم وحناجرهم ذات زمن جميل نقي، في السهل وفي الجبل، في القرية وفي المدينة، ومع ذلك، تزحف اليوم على هذا اللون الغنائي الأصيل موجات متتالية من التمييع والتشويه، لأصوله وتوابثه رغم ما يعرفه من ركود وانحصار، تعددت مظاهر وألوان المساس بالقيمة الفنية للعيطة، واتسعت رقعة المسخ والتمييع، بدعوى التجديد والتحديث والركوب على مقولة تحبيب هذا الفن الأصيل، الضارب في عمق التربة المغربية وأحد الهياكل القوية والصلبة للموروث الموسيقي الوطني، لجيل الشباب وتعريفهم به والعمل على نشره خارج الحدود. لكن.. هل هذه المسوغات صحيحة ولها ما يدعمها في ظل ارتفاع أصوات لباحثين ومهتمين بفن العيطة تحذر من مغبة السقوط في منزل التشويه والتمييع. ونحن بدورنا في هيئة التحرير، تساءلنا عن حدود هذا التشويه والتمييع الذي يراد لفن العيطة اليوم، وعن أسبابه وتمظهراته، من خلال طرحنا للأسئلة جوهرية، وهي تساؤلات مطروحة على القراء والباحثين في فن العيطة والمهتمين والممارسين، وعلى رواد العيطة انفسهم. هل يساهم التجديد الذي أدخل على الآلات المصاحبة لغناء العيطة في المساس بالقيمة الفنية للعيطة؟ أم تشوه العيطة الأوركسترات التي حاولت أن تكون جوقا متكاملا تستجيب لكل الطلبات والأذواق العصرية والشرقية والشعبية في الحفلات والأعراس والمناسبات؟ هل يؤثر تنامي الموجة الجديدة من موسيقى الشباب على هذا الموروث الشعبي؟ أم لتجاهل المجموعات الغنائية الشعبية بمعالم النمط العيطي على مستوى المضمون وعلى مستوى الآلات المصاحبة لعزفه؟ يقول الدكتور حسن نجمي المهتم والباحث في فن العيطة، في هذا الموضوع، لا يمكننا أن نصادر حق الأجيال الجديدة في التعامل مع المدخرات التراثية الموسيقية والشعرية والشفوية، لكن هناك مستويات وأنواع، من هؤلاء الموسيقيين والفنانين الشباب. وأضاف في نفس السياق، أن هناك خلط كثير في غناء العيطة، عندما يتم تشويهه من بعض الأفراد الجدد الذين لا يستوعبون المغزى، فيغيرون في المخزون الشعري لغناء العيطة، فيصبح هناك نوع من الخلط لدى المستمعين، وشدد على أن العيطة في حاجة ماسة إلى تدخل الدولة لصيانتها وتدوينها وإعادة الاعتبار لشيوخها وشيخاتها، اجتماعيا وماديا وأدبيا. بينما يؤكد رائد العيطة المرساوية عبد الله البيضاوي، على ضرورة أن يحفظ الشباب العيوط، إذا كانوا يرغبون في أداء العيطة على أصولها، وأشار على أن هناك بعض الشباب يبدلون مجهودات، فقط عليهم أن يحافظوا على التراث الموسيقي المغربي ولا يتركوه يموت.. ومن جانبه يوضح الفنان الشعبي حجيب أنه ليس هناك أي مشكل أو تأثير على العيطة بتغيير آلات العزف، أو إدخال الذبذبات في الصوت، مؤكدا على أن المشكل موجود في النص، أي في الكلمات، "الكلام" الذي يجب الاحتفاظ عليه كما هو. واقترح حجيب إنشاء قناة خاصة بالأغنية المغربية والشعبية، وقال أنه من خلال تلك القناة يمكن تجديد وتطوير الأغنية المغربية بشكل عام وانتشار أوسع لفن العيطة. بدورها قالت "الطبايعية" الحاجة الحامونية، بحديثها العفوي وتعبيرها التلقائي: "آخويا آحنا بدينا واعر.. ودبا زوين تبارك الله الشباب كاد عليها.. احنا أبدينا شوية ذاك الشي صعيب.. في الأول ديال العيطة كان صعيب.. ما كنتعلموش دغيا.. خاصك شحال تطول وشحال تعذب وشحال تجري.." وتظل العيطة تراث غنائي مغربي أصيل، ارتبط صيته بامتداد السهول الوسطى للساحل الأطلسي "الشاوية وعبدة ودكالة بالأساس"، ومرورا على بعض المناطق المجاورة كالحوز وزعير بالخصوص.. فن العيطة في مفهومه الأصلي القديم يعني النداء، أي نداء القبيلة والاستنجاد بالسلف لتحريك واستنهاض همم الرجال واستحضار واستدعاء ملكة الشعر والغناء، وتعتبر اصطلاحا مجموعة من المقاطع الغنائية والفواصل الموسيقية الإيقاعية في منظومة تختلف عناصرها باختلاف أنواع وأنماط العيطة نفسها . وغير بعيد ، صنف العارفون والمهتمون هذا الفن إلى ثلاثة أشكال : المرساوي، الحوزي والملالي.. إلا أن الأبحاث الحديثة أقرت بوجود فروع أخرى منها ما هو أساسي كالحصباوي والزعري، ومنها ما هو فرعي كالخريبكي والورديغي والجيلالي والساكن.. يستقي شيوخ ونظام العيطة مواضيعهم من الحياة الاجتماعية للإنسان المغربي وغالبا ما تتناول مواضيعهم وقصائدهم العشق والمتعة والذم والتغني بالجمال وبالطبيعة.