بين التاسع والسادس عشر من مارس2008 ، عاشت فرنسا على إيقاع الانتخابات الجماعية ، والتي رافقها كما في ديمقراطيات العالم جدل / تنافس حضاري راقٍ دافع من خلاله كل مرشح عن أطروحته وتصوره لكيفية «خدمة» الناخبين المنتمين للدائرة المتنافس عليها . طيلة أيام الحملة الانتخابية ، التي غطتها مختلف وسائل الإعلام ، سمعية ، بصرية ، مكتوبة ، إلكترونية، لم يُسجل على مُرشح من كافة المشارب السياسية وكذا الذين لا لون سياسي لهم لجوءه أو استنجاده بأساليب «بدائية» تحتقر ذكاء المواطن أوتعامله باعتباره مجرد رقم من «جوقة» يُرغب في تجييشها ، كما هو متعارف عليه للأسف الشديد بين ظُهرانينا عند كل استحقاق انتخابي، تشريعيا كان أو بلديا ! لم يُسمع أثناء «الجدل» الانتخابي عند «الفرانسيس» مع وعينا التام أنه لامقارنة مع وجود فوارق بحكاية مرشح نظم رحلات جماعية صوب ضريح « سيدي ميشال» أو «مولاي كريستوف»... ، لفائدة عدد من سكان دائرته الانتخابية مقابل التصويت لصالحه ، عكس ما تداولته الألسن ووثّقته الصور في كثير من الأحيان ، خلال أيام وقبل ذلك بشهور! الحملة الممهدة ل «البلديات» التي شهدها المغرب يوم الجمعة 12 يونيو 2009 ، بشأن «الوفود» التي شدت الرحال ، على نفقة بعض المرشحين في مختلف الدوائر البيضاوية، تجاه مولاي يعقوب ل «تَكْميد عْظيمات» كبار السن من الجنسين على أمل استحضار الرمز الانتخابي لصاحب هذه «المكرمة » داخل المعزل! لم تُشر أية صحيفة في بلاد الفرانسيس طبعا أو إذاعة، أو قناة جهوية أو موقع إلكتروني ، إلى أن مرشحا ما، أو أحد «الشنّاقة / السماسرة» أضحى مُقيما دائما بالمقابر ، يحضر الجنازات ، يبحث عن أهل الفقيد / الفقيدة لتقديم التعازي ، يسعى للتدخل لدى المصالح البلدية ، في هذه المقاطعة أو تلك ، من أجل نصب خيمة العزاء في هذا الزقاق أو ذاك ، أو بَلغ به الكرم والجود حد التكفٌُل بمصاريف « عشاء المرحوم » ! على عكس هذه «السلوكات» الشاذة وغير المستساغة ، التي تعد في نظر العديد من المحللين ، من أسباب عزوف المواطنين عن التصويت ، وسيادة عدم الثقة تجاه «العملية السياسية» ، تناقلت مختلف وسائل الإعلام ، بالصورة والصوت ، «قصصا» مليئة بالدروس والعبر ، موضوعها الأساسي الاحترام المتبادل بين الناخب المحتمل والمنتخَب الافتراضي ، بعيدا عن أي تنقيص من درجة ذكاء ومواطنة السكان. وتكفي الإشارة هنا على سبيل المثال لا الحصر ل «حكاية» جان ريتو ، أحد المرشحين بالمقاطعة السادسة الباريسية. ف« جان» هذا من «البِدون» ، أي بدون مأوى قار (SDF )، تقدم أمام سكان الدائرة دون أي عنوان سياسي ، وتمكن من الحصول على عدد من الأصوات أهله لخوض الدور الثاني ، متقدما على مرشحين آخرين من ضمنهم مرشح اليمين المتطرف الممثل للإيديولوجية العنصرية ! الناخبون الذين صوتوا لصالح « ريتو » أجابوا عن أسئلة الصحافة ، التي أثارتها هذه الحكاية ، مفسرين اختيارهم ، بكلمة واحدة : المصداقية ! نعم ، «المصداقية» ، فهذا المرشح «الاستثنائي» ، ذو الشعر الطويل والمصاحب على الدوام لكلبه الصغير ، لم يسجلوا عليه كذبة أو «زلة لسان» في تعامله اليومي معهم ! ترى ، هل يمكن الحديث عن «المصداقية» عند من «يصرف» الملايين ربما أكثر! ويُسخر الميليشيات المدججة بالأسلحة ، الواقعة تحت تأثير الأقراص المهلوسة، ويُهرب «المستشارين»، ويستعمل كل الأساليب «المنحطة»... من أجل «عيون» أو لُعاب المقعد البلدي؟!