في تصريح له على الموقع الالكتروني للحرس الثوري الايراني، تم نشره يوم الاربعاء 6 يونيو الجاري أي قبل موعد الانتخابات الرئاسية بيومين، حذر «يد الله جواني» رئيس المكتب السياسي في الحرس الثوري معارضي الرئيس أحمدي نجاد من القيام ب «ثورة مخملية» وقال ان استعمال أحد المرشحين (يقصد مير حسين موسوي) للون الأخضر كشعار له في الانتخابات هو «بداية لمشروع ثورة مخملية». ومنذ ذلك الوقت شاع تعبير «الثورة المخملية» في ايران على ما يجرى من احتجاجات شعبية ضد تزوير الانتخابات الرئاسية وسرقة لأصوات الناخبين من طرف الجناح المحافظ داخل النظام. وإذا ما لم تتمكن «النومنكلاتورا» الايرانية من تدبير التناقضات داخلها التي (وإن كانت دائما حاضرة) تخرج لأول مرة إلى العلن، فإنها قد تنتهي بالعصف بها وتحطيم المعبد فوق رؤوس أصحابه . أين صوتي: ما أن تم اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت الجمعة 12 يونيو الجاري في إيران، والتي فاز بموجبها الرئيس المحافظ محمود احمدي نجاد بنسبة تفوق 63 بالمائة في الدورة الاولى حتى تدافعت أمواج بشرية كبيرة من أنصار المرشح الاصلاحي مير حسين موسوي داعية إلى إلغاء هذه الانتخابات وإعادتها نظرا لما شابها من تزوير. وطيلة أسبوع كامل حتى الآن كانت جموع المتظاهرين تخرج رافعة شعارات متعددة لعل أهمها تعبيرا وأكثرها انتشارا هو شعار «أين صوتي» وهو ما يعكس الإحباط الذي أصيب به المواطنون الذين صوتوا بكثافة من أجل التغيير ليكتشفوا أن أصواتهم تمت سرقتها واستبدالها بأصوات أخرى معاكسة لطموحاتهم وآمالهم. وإذا كانت هذه الفئات الشعبية من المتظاهرين قد خرجت بهذا الشكل فلأنها شعرت بالفعل بأن أصواتها قد سرقت منها ولعلنا لن نجانب الصواب إذا وافقناها الرأي وذلك للأسباب التالية: 1 - حتى إذا افترضنا جدلا ان محمود أحمدي نجاد قد فاز بالمعدل العام في مجموع الأراضي الايرانية فإنه من غير المعقول ان يفوز أيضا في مدن تعتبر قلاعا للمرشحين الآخرين. فقد أعلن مثلا ان احمدي نجاد فاز في تبريز ب 57 بالمائة من الأصوات ، وتبريز هي عاصمة محافظة اذربيجان الايرانية التي ينحدر منها مير حسين موسوي وليس من المعقول أن يصوت الأزيريون (الأذربيجانيون) لمرشح آخر ضد ابن محافظتهم وابن جلدتهم مير حسين موسوي. هذا علاوة على أن استطلاعات للرأي سابقة كانت تؤكد أن موسوي يملك شعبية كبرى في المدن وشعبية أكبر في أذربيجان. 2 ليس من المعقول أن يفوز المرشح الإصلاحي مهدي كروبي في انتخابات 2005 الرئاسية ب 17% من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات، وتنخفض هذه النسبة بعد أربع سنوات كي تصل الى 320 ألف صوت فقط أي أقل من 1%. كما أنه من غير المعقول أيضاً أن يفقد أصوات الناخبين في محافظة «لوريستان» (غرب البلاد) التي ينحدر منها والتي كانت تصوت لصالحه. هي وكردستان وحدهما بأكثر من هذا الرقم بكثير. والغريب أن «محسن رضائي» المرشح الرابع والأقل شعبية من بين جميع المرشحين قد فاز ب 670 ألف صوت، أي ضعف الأصوات التي حصل عليها مهدي كروبي. 3 النتائج الرسمية منحت أحمدي نجاد الفوز بأكثر من 50% في العاصمة طهران، علما أن الجميع ، بمن فيهم هو نفسه ،كان يعلم أن نجاد لا يملك شعبية داخل المدن وخاصة في طهران. كما أن معدلات الأصوات التي حصل عليها في جميع المحافظات كانت متقاربة، مما لا يعكس الفروق الإثنية والجغرافية والاجتماعية الواقعية التي كانت تطبع جميع الانتخابات السابقة ؛ فنجده مثلا في محافظة ما يحظى بشعبية كبرى وفي محافظة أخرى بشعبية أقل... 4 دأبت اللجنة الانتخابية الوطنية انتظار ثلاثة أيام قبل الإعلان عن نتائج الانتخابات، وذلك بعد إبلاغ المرشد الأعلى ومصادقته على النتائج، وتُخَصَّصُ هذه الأيام الثلاثة لتوجيه الطعون إن كانت هناك طعون إلا أن المرشد سارع هذه المرة بالمصادقة على هذه النتيجة واصفاً فوز محمود أحمدي نجاد ب «اليوم العظيم». 5 مع بدء وصول النتائج الأولية عشية يوم الانتخابات إلى مقر وزارة الداخلية، وحين بدا واضحاً أن مير حسين موسوي يتجه نحو الفوز (يقول المخرج الإيراني محسن ماخملباف، الناطق باسم مير موسوي في الخارج ان وزارة الداخلية اتصلت بمعسكر موسوي قائلة إنها ستبدأ بتهييء الرأي العام الإيراني بفوزه) يبدو أن وزارة الداخلية أبلغت المرشد الأعلى، الذي تفصل بينه وبين موسوي عداوة قديمة، والذي يبدو أنه كان مطمئناً لفوز أحمدي نجاد، فأصدر تعليماته بمنع هذا وبتغيير النتائج. وهذا ما يفسر الأخطاء السافرة التي وقع فيها المزورون الذين كانت التعليمات الصادرة لهم هي إنجاح أحمدي نجاد منذ الدورة الأولى كي لا يُفتح المجال في الدورة الثانية لتنسيق بين المرشحين كان سيخلق اصطفافاً كبيراً وراء مير حسين موسوي. لكن ما لم يحسب له المحافظون وعلى رأسهم المرشد الأعلى حساباً هو هذه الأمواج البشرية الهائجة التي خرجت في مسيرات ومظاهرات تذكر بالمسيرات والمظاهرات التي أطاحت بنظام الشاه قبل ثلاثين عاماً، والتي تهدد اليوم ان لم يتم تدارك الأوضاع بإسقاط المعبد على من بداخله. معبد يتهالك: منذ قيام الثورة الايرانية قبل ثلاثين عاما ،لم تخْلُ قمتها من الصراعات القاتلة في كثير من الأحيان. بيد أنها - حتى في أوج حدتها وعنفها - ظلت محافظة على تماسكها الظاهري مع استبعاد باقي المواطنين عن دس أنوفهم في تفاصيلها. إلا أن الذي حصل هذا الاسبوع هو بروز هذه الصراعات إلى العلن بشكل جلي واصطفاف رجال دين كبار مثل هاشمي رفسنجاني وحسين علي منتظري و اية الله عبد الكريم موسوي اردبيلي إلى جانب طرف من اطراف الصراع، اضافة الى دخول المرشد الاعلى (ومعه نظرية ولاية الفقيه المركزية في النظام الايراني) في معمعان الصراع واضطراره الى التذبذب مما سيؤثر على موقعه «المقدس» دون شك في المستقبل. فقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية بقليل، وجه آية الله هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء رسالة مفتوحة الى المرشد الاعلى آية الله على خامنئي ،تعكس قلق الشخصيات الايرانية وأبرز رجال الدين من المصير الذي قد يتعرضون له إذا كرر احمدي نجاد ما قاله - اثناء مناظرة تلفزيونية مع مير حسين موسوي - بشأن رفسنجاني. وناشد رفسنجاني في هذه الرسالة المفتوحة المرشد الاعلى التدخل واتخاذ «إجراء بالطريقة التي يراها صالحة للرد على التصريحات المنافية للحقيقة والاتهامات التي طالت عددا من كبار الشخصيات في ايران، خاصة وان عشرات الملايين داخل و خارج البلاد شاهدوا نشر الاكاذيب والاقاويل المجانبة للانصاف والمخالفة للشرع والقانون والاخلاق». وحذر رفسنجاني في رسالته المثيرة من مغبة اندلاع نار «الفتن الخطيرة» متوقعا استمرارها اذا ما نشبت بعد الانتخابات ، ورأى رفسنجاني في عدم قيام المرشد بمسؤوليته الدستورية «انحرافا عن اسس نظام الجمهورية الاسلامية »ودعاه إلى صيانة اصوات الناخبين. وقد تضمن خطاب رفسنجاني إلى المرشد الاعلى عدة رسائل يطلع عليها الرأي العام لاول مرة منها تحذيره من مغبة انهيار النظام ووصفه لاحمدي نجاد باوصاف مثل «المنافقين» و «مثيري الفتن» رغم علمه بالعلاقة الوطيدة بينه وبين المرشد. مما وضع مؤسس وشخص المرشد الاعلى لاول مرة موضع مساءلة. ولم تمر إلا أيام ثلاثة حتى تحقق ما حذر منه رفسنجاني فخرجت الجموع الغاضبة الى الشارع. وبعد الانتخابات والنتائج التي اعقبتها والاحتجاجات عليها، خرج واحد من كبار رجال الدين الايرانيين عن صمته وهو آية الله حسين على منتظري ، الذي عاش لفترة طويلة ولايزال تحت الاقامة الجبرية بمنزله بمدينة قم، عن صمته ووجه بيانا الى الشعب الايراني «النبيل والمضطهد » قال فيه ان «التلاعب باصوات الناس وتزوير الانتخابات مخالف للشرع، لانه سيؤدي الى اضعاف النظام». وقال منتظري - الذي شارك في هذه الانتخابات لاول مرة بعد مقاطعة لمدة عشرين عاما- ان «مجلس صيانة الدستور الذي كان من المفترض ان يصون حرية الانتخابات بات الآن ينتزع الحريات من الشعب». ومقابل هذه التحذيرات التي تحرم التدخل في أصوات الناخبين دينيا وسياسيا، أصدر أحد آيات الله في قم فتوى تمنح موظفي وزارة الداخلية الحق في تزوير الانتخابات لصالح أحمدي نجاح وتقول مصادر إصلاحية ان صاحب هذه الفتوى هو «آية الله محمد تقي مصباح يزدي» المعروف بتأييده لأحمدي نجاد. أهم ما أفرزته تطورات الاسبوع الاول بعد الانتخابات على الصعيد السياسي الايراني هو أن المرشد - الذي كان يحوز مرتبة التقديس - أصبح محل مساءلة، وعوض أن ينأى بنفسه عن التناقضات والتجاذبات بين التيارات المتصارعة انحاز لأحدها واختار لنفسه خندقا، حيث أكد في خطبة الجمعة ليوم أمس أن «الشعب اختار من يريد» و دعا إلى وقف التظاهرات مؤكدا أنه لن «يرضخ للشارع». و هذا الانحياز إلى جانب دون الآخر يضعه في مرمى القذائف، مثله مثل باقي الفاعلين السياسيين. غير أن هذه القذائف لا توجه الى آية الله على خامنئي كشخص او كرجل سياسة ودين. بل كمؤسسة حاملة لمرجعية مركزية هي «ولاية الفقيه»، مما يهدد النظام الايراني في مقتل ويهدد المعبد بالسقوط فوق أصحابه. ايران الى أين؟ السؤال المطروح اليوم هو ما مصير النظام الايراني، هل ينهار كما انهار الاتحاد السوفياتي في نهاية القرن الماضي نتيجة لتناقضات النظام ول «ثورة مخملية«؟ واذا لم ينهر فهل سيميل إلى التطرف أكثر أم على العكس سينحو نحو الاعتدال؟ معظم المراقبين يؤكدون ان انهيار النظام الايراني ليس واردا، ولكن الصراع قد يمتد و لن تحسمه خطبة أو قرار للولي الفقيه ، و لكن الحسم قد تبدو ملامحه قريبا. فبعد الموقف الواضح للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى جانب أحمدي نجاد، فإن حراس الثورة والباسيدج لن يتوانوا في جهودهم لقمع المظاهرات بكل الوسائل مما يهدد بالمزيد من الدماء على الأسفلت وسيحاولون السيطرة على الوضع في الشارع. فإذا تراجع القادة الإصلاحيون ، حقنا للدماء أو خوفا من الاعتقالات، فإن هذا يعني إيران أكثر تشددا و عزلة أما إذا صمد الإصلاحيون في احتجاجاتهم وانضمت شخصيات معروفة إلى المظاهرات وإذا امتدت هذه المظاهرات إلى خارج طهران وإذا ما رافقت هذه المظاهرات إضرابات كما حصل قبل ثلاثين عاما. فإن المرشد س«يرضخ للشارع» بالرغم منه و قد يتخلى عن أحمدي نجاد ، وهي ليست بتضحية كبرى من «أجل إنقاذ الدولة والثورة» حينها ستدخل إيران مرحلة جديدة تصلح خلالها المعبد من الداخل وتتفادى انهياره على من فيه، لأن جميع الفاعلين الآن هم من داخل النظام و ليسوا ضده. ولعل أبلغ ما يلخص الوضع في ايران هو ما كتبه أحد الايرانيين المقيمين في ألمانيا في رسالة الكترونية معلقا على ما يحدث في بلاده «لا أعرف ماذا يعتريني بالنسبة للاحداث في ايران، أشعر بأمل وغضب، بوطنيتي وانتمائي، بفخري، كما أشعر بالتشاؤم . كل هذه المشاعر تعتريني في و قت واحد ولنأمل الافضل».