نظم مركز الدراسات التعاونية للتنمية المحلية بالناظور خلال أواخر شهر فبراير من هذه السنة 2009 قافلة للتضامن تحت شعار: »الريف في قلب الاطلس« متجهة الى اقليمخنيفرة، وبالضبط الى جماعة اتزر، وبصرف النظر عن حجم المساعدات المقدمة الى ساكنة المنطقة، فان الهدف الحقيقي من هذه المبادرة هو التعبير عن مشاكر التضامن والتعاطف تجاه جهة من جهات المغرب تعاني من كل الوازن الاقصاء والتهميش و تفتقر الى ابسط الشروط الضرورية لحياة آمنة ومستقرة. وتتعرض خلال كل شتاء لضربات طبيعية موجعة تودي بحياة العشرات من الاطفال والنساء والشيوخ نتيجة زحف الموت الابيض، الذي يبدو لنا ونحن بعيدون عنه، منظرا طبيعيا جميلا يغري بالمشاهدة والملاعبة. واعتبارا لكوني احد المسؤولين عن تنظيم هذه القافلة. فانني ارتأت ان اوجه نداء الى جميع نشطاء المجتمع المدني بمختلف الفعاليات المشتغلة في مجالات متنوعة من جمعيات حقوقية وتنموية ونسائية ورياضية وثقافية ومنظمات مهنية. قصد اعادة النظر وطرح السؤال مجددا حول نظام القيم السائد وكيفية احداث ثورة ثقافية هادئة تحاصر المد الانتهازي والفرداني، و مواجهة رياح العولمة العاتية واكتساح الرأسمالية المتوحشة. ان ما تمت معاينته خلال هذه الزيارة كان كافيا لتحريك العواطف ولامشاعر امام مشاهد درامسة ومآسي انسانية، في زمن تتحدث فيه عن التنمية البشرية المستدامة وولوج مجتمع الاعلام والمعرفة واستخدام التكنولوجيا الحديثة ومقاربة النوع وتكافؤ الفرص والقضاء على الفوارق وجودة الخدمات والحكامة الجيدة!! فهل تعلمون ان نمط الحياة بهذه المناطق المنسية مازال لم يراوح عتبة المستوى البدائي بسبب غياب موارد العيش وانعدام البنيات المادية الضرورية للتمدن وندرة المرافق الاجتماعية والمؤسسات التعليمية والاستشفائية. وهل العطالة والتسول والاستغلال الجنسي قدر منزل على هؤلاء الابرياء الذين لا يقوون على التعبير عن واقعهم المأساوي ويواجهون حصارا من جل الجهات ويطال مختلف المستويات؟ الا يحق لهذه الساكنة ان تستفيد هي الاخرى من خيرات الوطن.وتنعم بما تكتنزه اراضيها من فائض القيمة يحول عادة الى المدن وذويها من اصحاب الامتيازات ومواقع القرار؟ انني من موقع المسؤولية التي اتحملها داخل فيصل من فصائل المجتمع المدني بالريف اوجه نداء الى جميع الجمعويات والجمعويين بالمغرب من اقصاه الى اقصاه للنظر في ما يلي 1- فتح نقاش وطني واسع حول اهمية دعم الاقتصاد الاجتماعي التضامني كآلية اساسية لمواجهة العولمة والرأسمالية المتوحشة، خصوصا في ظل غياب مقاولة وطنية قوية ومواطنة قادرة على هيكلة الاقتصاد والمجتمع و مؤهلة لاحداث طفرة وعية في الانتاج والاستجابة لسوق الشغل وتحديات العصر. ولاشك ان نقاشا من هذا النوع سيفضي الى توزيع المهام وتحديد الاوليات ومجالات الاشتغال. بدء بالحملات التحسيسية والتكوينية الداعمةل هذا التوجه، والتي ينبغي ان تستهدف كل المنتجين للتربية على العمل الجمع وتنمية التعاون واذكاء روح التضامن والتآزر بين مختلف الفئات الاجتماعية. واعتقد جازما ان المجتمع المغربي، رغم ما يحمله من موروث ثقافي ونظام قيمي معبر عن تقاليد التآزر والتلاحم والتعاون، يحتاج الى المزيد من التعبئة وإعادة التوجيه ومحاربة امراض النخبة المتجلية في الانانية الفئوية والتعالي عن هموم المجتمع وعدم الانخراط والمشاركة في القضايا العامة. 2- دعوة مؤسسات الدولة الى اعتماد برنامج وطني للعناية بالمناطق الاكثر تضررا وتنسيق جهود جميع القطاعات في افق خلق بنك وطني للتغذية. على غرار التجارب العالمية الرائدة في هذا المجال. وتساهم في تمويله الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص والنسيج الجمعوي وعامة المواطنين. ويعهد الى لجنة مختلطة للسهر على تنظيم الزيارات وتقديم العون للفئات المعوزة. ويمكن تنظيم حملات للاكتتاب وجمع التبرعات المادية والمالية خلال فترة معينة من السنة، دون انتظار حدوث الكوارث والطوارئ المحتملة، مع اعتماد آليات التدبير الشفاف والنزيه من أجل استرجاع الثقة في نفوس المترددين واذكاء الحماسة الوطنية في صفوف عموم الشعب. 3- تكوين تنسيقيات اقليمية تمثل جميع اطياف وألوان النسيج الجمعوي واتخاذ المبادرات الكفيلة بالمساهمة في تنظيم قوافل التضامن اثناء فصل الشتاء نحو الجهات المنكوبة والمتضررة من قساوة الطبيعة والمجتمع، وتنظيم حملات بعين المكان تستهدف الانسان والمجال من قبيل ما يلي: ا- فتح المسالك والطرقات وفك الحصار مع المناطق المعزولة، ومد الجسور والقيام بكل ما من شأنه ان يحد من عوامل الانجراف. ب - المشاركة بجانب السكان المحليين في توفير المغروسات والعناية بالمجال الاخضر بهدف الحفاظ على البيئة السليمة وتقوية موارد العيش واستثمار الامكانات المتوفرة. ج - المساهمة في التوعية الصحية والوقاية من الامراض عبر تنظيم حملات للتشخيص والتحسيس تستهدف الاطفال بالمؤسسات التعليمية والنساء وعموم السكان بمختلف المراكز الحضرية والقروية، كما يمكن تنظيم دورات تكوينية تتوخى تدريب السكان على امتلاك ثقافة تدبير الكوارث وكيفية التعامل مع الطوارىء. د - دعم النسيج الجمعوي بالمناطق المستهدفة عن طريق تزويده بوسائل العمل وتكوين اطره وقواعده في مجال تدبير الشأن المحلي والتعريف بالمقتضيات القانونية والادارية لتنظيم المجتمع في شكل جمعيات محلية او تعاونيات انتاجية، ومد جسور التواصل معها لتأمين عملية الدعم والمصاحبة. ه - تنظيم قوافل السياحة التضامنية الى مثل هذه المناطق قصد توفير مناصب للشغل تقوية الاقتصاد المحلي وتشجيع السكان المحليين علي الاستقرار بمواطنهم الاصلية واستثمار محصولهم في التنمية المحلي. ز- عرض منتوجات السكان في الميدان الفلاحي والصناعة التقليدية في المدن الرئيسية، عن طريق معارض خاصة تستهدف تشجيع المنتجين (وخصوصا النساء) على المزيد من البذل والعطاء ومنح امتيازات لمنتوج العمل التعاوني لتعزيز قدرته التنافسية وضمان موقع جيد في سوق الاستهلاك. و - دعم المهرجانات الموسمية التي تعقد بالمناطق النائية بهدف الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية للبادية المغربية، واستثمار مثل هذه المناسبات لتعميق التواصل والانفتاح على مظاهر الحياة العصرية ودعم الحركة التجارية. وإضافة الى هذه المبادرات المتنوعة التي يتوقف انجازها على توفر الارادات الحسنة والتخلي عن النزعات الذاتية والتعصبات الاقليمية، بإمكان الجمعيات التنموية المستفيدة من مصادر التمويل الخارجي ان تنقل بعض مشاريع التنمية الاجتماعية الى مثل هذه المناطق، بدل التركيز على الحواضر والمراكز المتمدنة، والتي تنجز بها مشاريع متشابهة ولا تعبر عن جدوى اجتماعية او اقتصادية مهمة، وتهدر بسببها العديد من الامكانات المالية التي تحرم منها باديتنا. ايتها الجمعويات، أيها الجمعويون، تعلمون جيدا ان المدن المغربية اصبحت تعاني آفات وأمراض اجتماعية كثيرة أصبحت تهدد أمن وطمأنينة الساكنة، فمؤشرات الاجرام في تصاعد التمويل الخارجي ان تنقل بعض مشاريع التنمية الاجتماعية الى مثل هذه المناطق، بدل التركيز علي الحواضر والمراكز المتمدنة، والتي تنجز بها مشاريع متشابهة ولا تعبر عن جدوى اجتماعية او اقتصادية مهمة، وتهدر بسببها العديد من الامكانات المالية التي تحرم منها باديتنا. ايتها الجمعويات، أيها الجمعويون، تعلمون جيدا ن المدن المغربية اصبحت تعاني آفات وامراض اجتماعية كثيرة اصبحت تهدد امن وطمأنينة الساكنة، فمؤشرات الاجرام في تصاعد مستمر، وقاعدة المتسولين تتسع يوما بعد يوم، ونزوح مدن الصفيح يحاصر المدن، واطفال الشوار ع يمثلون جيشا عرمرما. اما الدعارة فلم تعد ظاهرة شاذة، بل أصبحت تتنامى وتتخذ اشكالا متعددة بادية للعيان. فهل تعلمون مصدر هذه الظواهر المشينة؟ انها من افرازات الاختلالات البنيوية التي تعرفها البادية المغربية، وهي احدى تجليات التناقضات الاجتماعية العميقة والتفاوتات القائمة بين العالم القروي و الحواضر. ان تحقيق التقدم الاجتماعي وانجاز التنمية البشوية المندمجة مهمات تاريخية كبرى لن يؤمن لها النجاح دون القضاء على الانكسارات المجتمعية العميقة، وأولها ما هو حاصل من تفاوت بين المدينة والبادية وما ينتج عن ذلك من مفارقات اجتماعية والتواءات اخلاقية وادامة البنيات الثقافية التقليدية. وفي ظل استمرار هذا الوضع المختل يستعصي احداث التغييرات الهيكلية الهادفة الى تحديث البنيات وتطوير العقليات وبناء عمارة المجتمع على أسس متينة وقوية، فهل بمقدورنا جميعا تدارك المقوف وكسب الرهان؟ (*) فاعل جمعوي - الناظور