يكاد معظم قدماء اللاعبين أن يجتمعوا في رأي واحد بخصوص عدم تواجدهم في دكة التسيير الرياضي، حينما يؤكدون أن جهات ما تمنع عنهم المرور لتقلد المسؤولية داخل الأندية، وبالتالي داخل الأجهزة المسيرة الجهوية والمركزية. من هي هاته الجهات، ولمصلحة من يتم وضع علامة قف ممنوع المرور أمام قدماء اللاعبين؟ وهل يملك لاعبونا السابقون المؤهلات التي تجعل منهم قادرين على تحمل مسؤولية التسيير؟ ما هي وجهات نظرهم في الموضوع؟ وما هو رأيهم في غياب اللاعب السابق عن دائرة التسيير الرياضي؟ في الملف التالي، قراءة واستطلاع للرأي في الموضوع! أحمد فرس: «الاحتراف أولا قبل الحديث عن الأشخاص» الطاهر الرعد: «التسيير في المنظومة الكروية الحالية لا مكان فيه للقدماء»! يعتبر أحمد فرس و الطاهر الرعد، من قدماء اللاعبين الذين بادروا إلى ولوج الميدان التسييري، ومزجوا بينه وبين التدبير التقني، فكلاهما مارس التدريب، وكلاهما ترأس مكتبا مسيرا لجمعية رياضية. أحمد فرس عميد المنتخب الوطني الحائز على كأس إفريقيا سنة 1976، وصاحب أول كرة ذهبية إفريقية للمغرب سنة 1975، انخرط مبكرا في مجال التدريب، حيث أشرف على تدريب فريقه الأصلي في مناسبات عديدة، ونجح معه في خلق نواة لفريق قوي مبني أساسا على تركيبة تتشكل من لاعبين شباب من مدينة المحمدية.. كما درب اتحاد المحمدية الفريق الثاني في مدينة الزهور، في الوقت الذي رفض رفضا مطلقا قبول عروض أندية وطنية أخرى للإشراف على تدريبها، إخلاصا منه كعادته دائما تجاه المدينة التي أنجبته، ونتذكر هنا رفضه التوقيع لأندية أوروبية كثيرة حينما كان لايزال ممارسا ومن بينها النادي العالمي ريال مدريد. بعد تجاربه تلك، توجه الأسطورة أحمد فرس إلى ميدان التسيير، حيث أبدع في خلق مدرسة للتكوين في بدايات التسعينيات «مدرسة أشبال الأطلس»، تحولت مع مرور الزمن إلى ناد بمكتب مسير ضخم ومهيكل بطريقة احترافية لا مجال فيها للصدف ولغير الوضوح والعمل المنهجي والإداري المستقيم.. مكتب ظلت رئاسته، حسب رغبة فرس، مشتركة بين جميع أعضاء المكتب المسير! بمعنى أن الجميع مسؤول، والجميع رئيس، وكل واحد بمهمته الخاصة به! أحمد فرس يرفض الحديث عن الأشخاص، ويعتبر أن كل مغربي تطوع لتحمل المسؤولية، يجب أن يشكر على ذلك، حتى ولو أخطأ.. ففي اعتقاده الأهم هو العمل، والعمل ينتج دائما الإيجابي والسلبي. وعوضا عن التركيز على الأشخاص، يؤكد فرس أنه من المفروض فتح النقاش حول النظام الكروي المعمول بع حاليا، والذي لايناسب، حسب رأيه، التطور الذي يعرفه مجال كرة القدم. ويعتبر أن نظام الهواية أصبح متجاوزا ولا يليق بالكرة الحديثة. ويؤمن أحمد فرس بضرورة الاعتماد على نظام الاحتراف، لأنه في نظره السبيل الوحيد الذي سيعيد لكرة القدم الوطنية إشعاعها المفقود. ويرى أن الاحتراف سيفتح أمام الشركات والمؤسسات الاقتصادية ولوج ميدان الكرة، والنتيجة القضاء على كل الإكراهات وكل الصعوبات المرتبطة بنقص الموارد المالية وضعف التجهيزات والبنية التحتية. ويؤكد أحمد فرس، أنه في ظل تطبيق الاحتراف، سيكون بإمكان كل من يحمل غيرة حقيقية ووطنية صادقة العمل في مجال كرة القدم،خصوصا قدماء اللاعبين! وكان أحمد فرس قد ساهم بشكل كبير في المناظرة الوطنية حول الرياضة، بمداخلة تسلمتها نوال المتوكل وزيرة الشباب والرياضة، طرح فيها وجهة نظره التي يركز فيها على اعتماد الاحتراف في تدبير الشأن الرياضي! من جانبه، تسير وجهة الطاهر الرعد في نفس الاتجاه الداعي إلى اعتماد نظام الاحتراف لتجاوز كل الصعوبات. وبدوره، وبعد أن مارس كرة القدم كحارس كبير لفترة طويلة في صفوف فريق شباب المحمدية والمنتخب الوطني، وبعد أن خاض العديد من تجارب التدريب، دخل الطاهر الرعد مغامرة من نوع خاص، وهي خلق مدرسة للتكوين الرياضي.. في منطقة قروية، تكاد تنعدم فيها الأنشطة الرياضية! خلق الطاهر الرعد مدرسة «أشبال بني يخلف»، وبفضل حسن تسييره وتدبيره للأمور، نجحت المدرسة في تحقيق توسع كبير، وأصبحت جمعية لها حضور متميز ليس في جماعة بني يخلف فحسب، بل في كل المناطق بالمغرب. ويوضح الطاهر الرعد، أن اللاعب السابق، يمكن أن ينجح في مجال التسيير إذا توفرت الشروط السليمة في هذا المجال. وألمح الرعد إلى كون مجال كرة القدم الوطنية، حاليا، لايسمح بوجود قدماء اللاعبين في دكة التسيير والتدبير. فالنظام المعمول به حاليا، وهو نظام الهواية، ويعتمد أساسا على «مول الشكارة»، هذا الأخير لايبحث إلا على تحقيق النتائج الآنية بعيدا عن وضع تصور مضبوط يضع برامج للمستقبل البعيد برؤية تحمل لمسة العرفين بالميدان كقدماء اللاعبين. ويرى الرعد أنه يجب العمل على تطبيق نظام الاحتراف بمعناه الواسع، مما سيتيح تشجيع اللاعبين السابقين على خوض تجربة الإشراف التسييري، شريطة أن يهيؤوا أنفسهم عبر التكوين المستمر في هذا المجال. ويشير الرعد، إلى كون الاحتراف سيفرض تعديل العديد من القوانين التي رمت باللاعبين السابقين إلى الخلف وعدم الظهور، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المنخرط الذي تجاهل تماما الدور الذي يمكن أن يلعبه لاعب سابق بما يحمله من تجربة وخبرة في الإسهام في تطوير أداء الأجهزة المسيرة. ودعا الطاهر الرعد في الأخير، أن تتوحد كل الجهود لصالح إعادة الاعتبار لكرة القدم الوطنية، كما دعا إلى اعتماد الرجل المناسب في المكان المناسب. حميد الهزاز (حارس سابق للمنتخب الوطني) «لامكان للاعب السابق في نظام كروي لايزال يعتمد على مول الشكارة» «أقولها من البداية، إذا استمر الوضع على هذا النحو، واستمرت كرة القدم الوطنية خاضعة لنظام الهواية، بما يميز هذا النظام من اعتماده على «مول الشكارة» كمقياس لتحمل مسؤولية التسيير، فلن يكون هناك مكان للاعب السابق في شغل أي منصب مسؤول داخل الأجهزة الكروية المسيرة. فالمعروف أنه، وباستثناء حالات نادرة جدا، فجميع قدماء اللاعبين، اعتزلوا اللعب وودعوا الميادين الكروية، وهم مفلسون بعد أن ألهتم الحياة الكروية عن ضمان «تقاعد» مريح.. معظمهم يعاني من «قلة اليد» فكيف لهم أن يفكروا في تحمل مسؤولية تسيير فريق يتطلب تدبير أموره أن تكون «الشكارة منفوخة جدا» في ظل نظام لايعترف بالطاقات أو بحسن الدراية، بقدر ما يفرض وجود أموال طائلة لتصريف شؤونه! هذا لايمنع كون بعض قدماء اللاعبين دفعهم طموحهم وتشبثهم بمواصلة الارتباط بعالم كرة القدم، إلى مسلك الجانب التقني، وانخرطوا لأجل ذلك في التكوين حتى أصبحوا مدربين، منهم من برهن على كفاءة عالية في هذا الميدان، ومنهم من نجح في قيادة المنتخب الوطني وحقق معه العديد من الإنجازات. أنا أحيي هؤلاء على شجاعتهم لولوج ميدان التدريب، وأعتبر ذلك تحفيزا للاعبين السابقين لمواصلة الدرب.. وأعتقد بأن كرة القدم الوطنية في حاجة كذلك لمثل هؤلاء اللاعبين على المستوى الإداري والتسييري، فالواقع أننا نتوفر على لاعبين سابقين يتوفرون على كل المؤهلات وكل الشروط، علما أن من بينهم من قطع أشواطا كبيرة في تكوين نفسه علميا وثقافيا وأكاديميا، ومنهم الطبيب المحام ورجل القانون الإطار الإداري في المؤسسات الخاصة والعمومية ومنهم أساتذة جامعيون... ما ينقصهم هو أولا الشجاعة لولوج هذا الميدان، وثانيا تغيير عقليات بعض المسؤولين بالأندية الوطنية وبالجامعة، لمنح الفرصة أمام هؤلاء اللاعبين لدخول التجربة. ومن خلال تجربتي المتواضعة بفريق المغرب الفاسي، أؤكد أن هناك عقليات تعمل للتصدي أمام منح قدماء اللاعبين فرصة إثبات الذات في مجال التسيير الرياضي، خاصة في ميدان كرة القدم.. والعديد من المسؤولين يقتحمون عالم التسيير لأهداف غير رياضية إطلاقا، كاستغلاله مطية لتحقيق مآرب انتخابية، أو لأجل أغراض شخصية مرتبطة بمصالح منفعية ومالية، وهم يدركون أنهم سينكشفون أمام الدراية الميدانية التي تتوفر لدى قدماء اللاعبين! وهنا أطرح السؤال كيف نطمح إلى الارتقاء برياضة كرة القدم الوطنية في ظل استحواذ أشخاص بمثل هذه العينة، لا يتوفرون على ماض رياضي ولا يمتلكون أدنى خبرة في المجال؟ أعتقد أنه يتم وضع العديد من العراقيل للحيلولة دون ولوج اللاعب السابق مجال التسيير، بكل بساطة لأن من يملكون مفاتيح التسيير يتخوفون من إمكانية نجاح من هم أصحاب الدراية الميدانية، وفي تلك الحالة، لن ستسقط عنهم أقنعتهم وسينكشف فشلهم أمام المتتبعين! أعتقد أن إدماج قدماء اللاعبين في ميدان التسيير، ومنحهم الفرصة لذلك، يجب أن يستوعبها مسؤولو الأندية الذين عليهم أخذ المبادرة وتشجيع هؤلاء اللاعبين من خلال منحهم فرصة التكوين في المجال، ومنحهم أيضا فرصة العمل الإداري، وبعد ذلك، يمكن أن يلجوا ميدان المسؤولية على مستويات أعلى كالعصب، المجموعة الوطنية أو الجامعة. ولنا في تجارب دول شقيقة كمصر مثلا أو تونس، خير نموذج في هذا الباب، حيث قدماء اللاعبين يعملون في مختلف المستويات وليست التقنية فحسبو بل نجدهم في التسيير الإداري، وفي الإعلام، وفي كل الجوانب المتعلقة بكرة القدم. وعلى نفس المنوال، سارت بعض الدول الإفريقية كغانا والكامرون، حيث منح قدماء اللاعبين كل الثقة في تحمل المسؤولية، والنتيجة، كما يعاينها الجميع.. تقدم وتطور كرة القدم عندهم، وتخلف للأسف عندنا في المغرب! لقد عشت التجربة في التسيير الرياضي، انطلاقا من فريق المغرب الفاسي الذي أنتمي إليه.. فقد دفعني عشقي وارتباطي بهذا الفريق، إلى مواصلة الحضور معه، ولأني كنت أرى في نفسي تلك المؤهلات التي ستساعدني على تقديم خدمات جيدة لفريقي، فإني لم أتردد في الانخراط في المكتب المسير كنائب للرئيس لثلاثة سنوات، وبعدها انتخبت رئيسا. وبمجرد تحملي لمسؤولية الرئاسة، وضعت برنامجا طموحا وواعدا للفريق، وجلبت بعض قدماء لاعبي الفريق لتكوين تلك الخلية لإنجاح المخطط، وكام من أبرز الأسماء الكزار الزهراوي عتيق وغيرهم. للأسف، لم تتعد التجربة ستة أشهر فقط، كانت كافية لكي تنجح بعض المؤامرات هندس لها متدخلون بفاس وببعض الأندية الوطنية الأخرى، بل ومن داخل جهاز الجامعة أيضا، وذلك لتكسير طموحنا وإفشال التجربة برمتها! بعكس ذلك، نجحت تجربتي في مجال التسيير في رياضة ألعاب القوى، لسبب بسيط، هو كون هذه الرياضة يختارها أشخاص يحملون هما رياضيا حقيقيا وغير مزيف، إلى جانب أنها لا تتطلب إمكانيات مالية عالية للإشراف على تدبير أمورها.. لنا كل الأمل في أن يأتي التغيير القادم على مستوى هيكلة الجامعة، بالجديد في هذا الموضوع، عبر منح الفرصة لقدماء اللاعبين لتحمل مسؤولية التسيير.. نتمنى ذلك لما هو في صالح كرة القدم الوطنية»