كانوا يمنون أنفسهم بقضاء الساعات المتبقية من يوم أول أمس الثلاثاء في مدينة الجديدة، لكن القدر كان له مسار آخر استحالت معه تلك الأماني إلى مأساة أبت إلا أن ترزح على قلوب أهالي الفتيان الستة وأصدقائهم ومعارفهم، وكل الذين تابعوا الحادثة ورأوا هول ما خلفته من ضحايا وأضرار. وقعت الحادثة حوالي الساعة الثالثة من بعد زوال يوم الثلاثاء بالقرب من المجزرة القديمة للصخور السوداء، بمقاطعة عين السبع الحي المحمدي بالدار البيضاء، حيث صدمت سيارة خفيفة من نوع «كليو»، كان على متنها شابان وأربع فتيات، تتراوح أعمارهم بين تسعة عشر وواحد وعشرين عاما، شاحنة من الحجم الكبير كانت راكنة على جانب الشارع. وحسب شهود عيان، فإن السائق، وليد، فقد السيطرة على السيارة وتوجه مباشرة نحو مؤخرة الشاحنة. ورغم نجاة وليد رفقة إحدى رفيقاته، إلا أن نفس الحظ لم يكن ليحالف البقية. خديجة (19 سنة)، التلميذة بثانوية مصطفى المعاني، فارقت الحياة بعين المكان بعد أن اختلطت أطراف جسدها بهيكل السيارة، لتلتحق بها صديقتها نجية عشرين دقيقة بعد وصولها إلى مستشفى محمد الخامس، إذ استحال على الطاقم الطبي للمستشفى إنقاذ حياتها. كانت الساعة تشير إلى حوالي الرابعة وخمس وعشرين دقيقة عندما تم نقل شاب وشابة، كانا أيضا ضمن ركاب السيارة، إلى المستشفى الجامعي ابن رشد من أجل إجراء جراحة على مستوى الرأس، وهو التخصص الذي لا يتوفر بمستشفى محمد الخامس، وحسب الأطباء الذين أشرفوا على المعالجة الأولية للمصابين، فإن هاتين الحالتين تظلان في دائرة الخطر، نظرا لقوة الضربة التي تسببت في كسور على مستوى الرأس والرجل ونزيف داخلي. وحسب آخر الأخبار، فإن الفتاة المصابة قد تتعرض لبتر رجلها اليمنى. حالة من الاستنفار عاشها مستشفى محمد الخامس ذلك الزوال، إذ تم تسخير كافة الأطقم الطبية لإغاثة المصابين، كما توافد على المستشفى أفراد من السلطات الأمنية من أجل رصد تفاصيل ما حدث وتحرير محضر في الموضوع، أما زوار المستشفى، فقد أبدوا تأثرا لما وقع سيما بعد وصول جثة الضحية الأولى، وسماعهم لخبر وفاة الثانية. وكانت فاطمة، الناجية الوحيدة التي ظلت على وعيها رغم آهات الألم التي كانت تصدر منها بين الحين والآخر، هي المصدر الرئيس للمعلومات التي استقتها منها السلطات الأمنية للمنطقة، حيث أخبرتها بكامل أسماء الضحايا وظروف الحادثة. أما وليد (السائق)، فقد ظل واجما ومصدوما، غير مصدق لما حدث. وفي حدود الساعة السابعة مساء، تم نقل وليد وفاطمة لاستكمال الفحوصات في مستشفى 20 غشت تحت حراسة أمنية مشددة، بعد حضور أهالي الضحايا الذين خلقوا جوا من الاحتقان والتشنج، حيث رفضت السلطات الأمنية تسليم فاطمة إلى أهلها الذين كانوا يودون نقل ابنتهم إلى مصحة خاصة.