قال الشاعر العربي سعدي يوسف:»إن مدينة فاس مدينة علم وتاريخ،وعاصمة في ضمير الأمة،وأنا سعيد لأنني لم ألتق بهذه الكوكبة من كتاب المغرب وشعرائه مثلما التقيت بفاس..» ، مضيفا أن «واقع الشعر العربي ليس في أسوأ حال،لدينا ما نفخر به ولدينا ما نأخذ عليه مثل أي نتاج آخر. ولا نصيحة في الشعر إلا الموهبة كما قال محمود درويش،والناس أصيبوا بخيبة أمل في الخطاب السياسي، فالكثيرون يثقون بالشعر أكثر من السياسة التي يخافون الخوض فيها والبشر ما زالوا يرسفون في أغلالهم التي لم يصنعها الشعر.وأنا أكتب بدون أرض حيث المكان لدي شرط أول للكتابة..». تلك كانت تعبيرات سعدي يوسف حين حل ضيفا على المكتبة الوسائطية بفاس مساء يوم الخميس الأخير رفقة الشاعرة البريطانية جوان ماريا ماكنالي . هذا اللقاء أشرف على تنظيمه فرع تحاد كتاب المغرب بفاس. وبلكنته البغدادية ــ حيث رأى النور بالبصرة العراقية منذ حوالي اثنين وسبعين عاما،وجاب العديد من العواصم والمدن في العالم حاملا على صدره سلسلة ذهبية تنتهي بخارطة للعراق حيث الوطن يتحول إلى رمز وأيقونة أينما حل وارتحل ، قرأ إحدى عشر قصيدة شعرية تمتح من حقول دلالية متنوعة حيث تيمة المكان والطبيعة والموسيقى شكلت تمفصلات فنية بليغة صدح بها عاليا،كانت أهمها: «تنويع صعب»، «الماندولين»،»مشارف الربع الخالي»،»قصيدة مديح»،»حفيد امرئ القيس»،»قارات الآلهة»، «الأعمى»،»السباحة في خليج عدن».. وبصوت شاعري قادم من عاصمة الضباب،قرأت الشاعرة والرسامة البريطانية جوان ماريا ماكنالي ثلاث قصائد،إحداها أهدتها إلى غزة بعنوان: «فقدان البراءة»،والثانية استحضرت فيها روح المناضلة الماركسية روزا لوكسومبورغ التي اغتيلت وتم رمي جثتها في قناة.. لم يكتف الحضور من عشاق الإبداع الشعري بلحظة الإصغاء،بل ساءلت بعض المداخلات التجربة الشعرية لسعدي يوسف الذي أكد أن سفره الفني ارتبط دوما بالأمكنة والبلدان،فإقامته بالجزائر أواسط الستينيات شكلت محطة أساسية في مساره الإبداعي ومقدمة لإعادة النظر في طريقة كتابته التي ظهرت عمليا في ديوانه: «بعيدا عن السماء الأولى»،و»نهاية الشمال الإفريقي» ، كما في ديوانه الذي كتبه ببغداد «الأخضر بن يوسف ومشاغله»وهو الديوان الذي يعتبره من العلامات البارزة التي خلخلت مسيرته الشعرية.والآن حيث يقيم بلندن حاملا الجنسية البريطانية ، بعد أن «شطب»على فكرة العراق والتعامل معه كوطن ، يستعد لإنجاز مجموعة شعرية يطل من خلالها على مشهد الطبيعة اللندني يحاورها ويتفاعل معها..وقال عن مجموعته الأخيرة «الشيوعي الأخير يدخل الجنة»إنها تنويعات ورحلة فنية تستقيم على تيمة واحدة عن الشيوعي في تجاربه الواقعية المختلفة.. هكذا يعتبر أحد فرسان الشعر العربي الحديث،أن دواوينه الشعرية البالغة حوالي خمسين ديوانا ارتبطت إلى حد كبير بالأمكنة التي يسكنها وتسكنه حيث الشعر لا وطن له.واعتبر سعدي يوسف أن تجربة أحمد المجاطي أصيلة في مجال الكتابة الشعرية بل عمل صاحب «الفروسية» على تأصيل الشعر المغربي...