مباحثات ثنائية بين بنسعيد وداتي وحفل استقبال على شرف الوفد المغربي المشارك في معرض الكتاب بباريس    كاتب الدولة الأمريكي: "واشنطن تعترف بسيادة المغرب على الصحراء"    لقاءات مغربية-ألمانية في برلين حول فرص الاستثمار في المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    بكين تدعو واشنطن إلى "حل وسط" في الحرب التجارية المتصاعدة وتتعهد ب"القتال حتى النهاية"    "هاكرز" مغاربة يردون باختراق مؤسسات جزائرية وسرقة بيانات حساسة    ماكرون: فرنسا قد تعترف بدولة فلسطينية في يونيو    نهضة بركان يتأهل إلى نصف نهائي كأس الكنفدرالية الإفريقية    فليك سعيد برباعية دورتموند ويحذر لاعبيه من التخاذل إيابا    "أسود الفوتسال" يتغلبون على الصين وديا (8-1)    غمام وأمطار متفرقة بجل مناطق المملكة    القنيطرة.. توقيف المتهم الذي ظهر في فيديو يرتكب السرقة مع الضرب والجرح باستعمال السلاح الأبيض    حزب "فوكس" يدعو لإلغاء تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية بمدارس مدريد    الملك محمد السادس والرئيس الفليبيني يتبادلان التهنئة بمناسبة حلول الذكرى ال 50 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين    الأمير مولاي رشيد يزور ضريح المولى 'إدريس الأزهر' بمناسبة حفل ختان الأميرين مولاي أحمد ومولاي عبد السلام        أشبال الأطلس يواجهون جنوب إفريقيا وعينهم على المربع الذهبي..    مظاهرة حاشدة أمام السفارة الجزائرية في باماكو    مرشح ترامب لرئاسة وكالة "ناسا" يعطي الأولوية للمريخ    روبيو يجدد تأكيد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه ويؤكد "قوة" الشراكة بين الرباط وواشنطن        "الهاكا" تلزم "دوزيم" ببث الأذان صوتيًا    توقيع اتفاقية شراكة بين الجامعة الملكية المغربية للشطرنج والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدرالبيضاء سطات    ليفربول يتقدم في التفاوض مع صلاح    شباب قسنطينة: مواجهة بركان صعبة        بمشاركة 70 بلدا و1500 عارض.. المعرض الدولي للفلاحة بمكناس ما بين 21 و27 أبريل يتوقع أكثر من مليون زائر    المغرب في قائمة أكبر مستوردي زيت الزيتون من إسانيا    النفط يواصل التراجع مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين وأمريكا    تراجع أسعار النفط مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين    كيوسك الخميس | نهاية عهد المديريات والمندوبيات الصحية بالمغرب    تأجيل محاكمة النقيب محمد زيان إلى 23 أبريل الجاري    بلدية باريس تقاضي مجلس مدينة طنجة بسبب "منازعة على مقبرة"    "العدل الدولية" تنظر اليوم في شكوى السودان ضد الإمارات بتهمة "التواطؤ في إبادة جماعية"    مصطفى لغتيري يثري أدب الصحراء    المغرب يحفز نقاشات أكاديميين أفارقة وأمريكيين حول "آداب الاغتراب"    الجزائر بين التصعيد مع فرنسا والصمت أمام واشنطن: ازدواجية دبلوماسية تكشف هشاشة الخطاب الرسمي    1000 جندي احتياط في سلاح الجو الإسرائيلي يطالبون بوقف الحرب على غزة    الجزائر بين مطامح الزعامة وسلوك التصعيد: هل بات دعم الجماعات المتطرفة خيارًا استراتيجيًا؟    الفاطمي يسأل وزير الفلاحة حول تضارب الأرقام وصمت الوزارة حول لائحة مستوردي الأغنام المستفيدين من الدعم الحكومي    جوني تو: تأثير السينما يلامس المجتمع.. والجنوب يحتاج "توافقا ثقافيا"    "جباروت DZ" ترد على بلاغ CNSS بنشر معطيات قالت إنها تخص المدير العام حسن بوبريك    سلطات مليلية تحتجز كلب "مسعور" تسلل من بوابة بني انصار    النظام الجزائري وفرنسا.. وعقدة المغرب    الدولار يتراجع 1,14 بالمائة أمام اليورو    بعد 30 سنة من العطاء.. الدوزي يشارك تجربته الفنية بجامعة هارفارد    فنانون مغاربة يطلقون نداء للتبرع بالكبد لإنقاذ حياة محمد الشوبي    من قال: أزمة السياسة "ليست مغربية"؟    عوامل الركود وموانع الانعتاق بين الماضي والحاضر    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليل الميتافزيقا
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 20 - 03 - 2009

ليس سهلا فقدان أمثال المرحوم عبد الكبير الخطيبي. فالرجل، هذا الإسم - العلم البارز، كان بالفعل علامة مضيئة من علامات الثقافة و الفكر والإبداع والبحث والكتابة البديلة، منذ لحظات التأسيس الأولى لبدائل المغرب الحديث والمعاصر في مناخات ترشح إما بالتقليد والمحافظة أو بالنزعة الفرانكفونية المغلقة. وعلى مدى أربعة عقود، وقبل ذلك بقليل أحيانا، وهو يراكم منجزه المتنوع، كتابة فكرية، كتابة نقدية، كتابة سردية، كتابة شعرية، كتابة مسرحية. مجمل منجزه الفكري النقدي يدور في فلك ما قد نسميه، بمسافة حفرية ما، «النقد المعرفي»، أما نصوصه الإبداعية فلاشك أنها تمثل نموذجا للمغايرة في مغرب كان محكوما، منذ الاستقلال، بالتحول وبتجاوز الذات الوطنية المغلقة بدورها نتيجة إلحاح السياسة والدولة والحركة الوطنية التي غيبت التاريخ وأحلت الأيدلوجيا محل المعاصرة والتكنولوجيا.
الخطيبي عاش مثل هذه اللحظات المتوترة وآمن بضرورة فك الحصار حول القناعات الكبرى مستعملا خياله ومتخيله وذهب غير مرة بعيدا في خلخلة اليقين حسب إيقاع تفرد به، فلا هو العروي ولا هو الجابري بالنسبة إلى مساره الفكري. أما في الإبداع فيوجد بعيدا عن محمد خيرالدين أو الطاهر بنجلون. بمعنى آخر: الخطيبي سليل ميتافزيقاه الخاصة به وحده. الخطيبي لا يشبه أحدا، لا يشبه إلا نفسه. قلق في الكتابة. قلق في الخطاب. قلق في اللغة. قلق في أنساق المقاربة والتحليل، سوسيولوجيا، علم نفس، أنتربولوجيا، سيميولوجيا، تاريخ، سياسة، قانون، دين، وهكذا، هكذا حفر اسمه وظل بالفعل «ذاكرة موشومة»، بعيداعن التصنيف، وهذا، وتماما،ما جعله - يجعله استثنائيا في ممارسة و جوده الأكاديمي. الاستثناء جاء من رهبة السوسيولوجيا في المغرب الستيني، رهبة أشعلت القطيعة بين الدولة والنخب المتنورة، كما أشعلت الهجوم على الفلسفة والماركسية في الجامعة وفي السياسة والمجتمع.
انسحب الخطيبي في صمت، في رفق، في مكر، تبنى أبحاثا وباحثين، فتح الطريق أمام مسارات أخرى لكن جرح السوسيولوجيا لم يندمل. هكذا يكون الخطيبي شهيد مشروع لم ير النور بما كان مفترضا أن يكون عليه، وهكذا يمكن اعتباره سليل ميتافزيقا المؤسسة حين يصيبها الخلل والكثير من التلف الذي حول الجامعة المغربية إلى مقبرة أفكار في ظل تردي العلوم والمناهج والبرامج واللغات ومشاريع البحث ومدلول المفاهيم لولا اشراقات باحثين هنا وهناك بشكل فردي. كان ممكنا أن يكون مسار الخطيبي غير ما هو عليه على قيمته. لأن الرجل كان يحمل بذرة مشروع في كيانه. وحين أحس باللا معنى تحول إلى ذاته الكبرى، الي كونية مغلقة هي بمثابة بوصلة للإبحار بعيدا. خاطب جسده وذاكرته ورمزياته وانخرط في صمت إيجابي بعيد المدى، يستل منه صباباته الآهلة، في اللغة والكتابة، متنقلا بين سجلات متنوعة مدارها والصدى وبين اللغة والكتابة، الكتابة نفسها صمت، وفي هذا يقترب الخطيبي
الشهادة لا تكون إلا في الدين والحكمة، مضاعفها الاسشهاد في المعركة أو في الكلام: الخطيبي يوجد في متاهات كل هذا من خلال نبش المقدس وقلب المحرم وإتلاف الثابت وحصار اللغة ومنح الكتابة حريتها لترتع حيث شاءت بدون طقس أو يقين وثنيين. تلك هي ميتافزيقا الخطيبي، الميتافيزيقا المرتحلة في رحابة تأمل مغرب عرف كل شيء إلا نفسه لأنه مغرب مكرس للغياب ولمزيد من تراجع «النقد المزدوج»، لذلك نشهد، يوما بعد يوم، تراكم الخيبات رغم ما نملكه من احتمالات للخروج من دائرة التراجع، الخطيبي شاهد وشهد واستشهد، في الأخير، في هيكل رؤية استشرافية كان يريد بها أن يرى مغربا آخر، مغرب حداثة بديلة لحداثة اللحظات والأكلة - الأكلات السريعة، في الهندام و الإعلام والمعلوميات، حداثة تقوم على تطوير التعليم ومناهج البحث واحترام التفكير النقدي والرأي السياسي والتخطيط الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي، لكنه مضى، مضى فجأة، ودعنا، غير أن ما خلفه يظل موردا، منه نقتات ونكمل مشروعه، بعض مشروعه. عليك الرحمة يا عبد الكبير، عليك السلام، وإنا لله دائما، وإنا إليه راجعون.
(ناقد وباحث)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.