اللاعب الدولي الفرنسي السابق، ليليان ثورام، ليس محايدا إزاء الأوضاع المزرية التي تعاني منها منطقته الأصلية، غواديلوب، حيث انطلق إضراب عام منذ 20 يناير الماضي، وهو ما يشرحه في حوار أجرته معه يومية "لوموند" ونشرته في عددها الصادر يوم 4 فبراير الجاري، كما يكشف عن رفضه عرض الرئيس ساركوزي بتولي منصب وزاري وعن فشل فرنسا في إدماج مواطنيها السود، داعيا إلى اعتماد النموذج الأمريكي في هذا المجال. } ما رأيك في الإضراب العام الذي تشهده غواديلوب؟ > يبدو لي أن صدى هذه الحركة المستمرة منذ أسبوعين ليس في المستوى المطلوب. لو حدث مثل هذا الأمر في أية منطقة فرنسية أخرى لكان الاهتمام به أكبر. أما بخصوص المطالب المتعلقة ب "غلاء المعيشة" فأظنها مشروعة، بل إن الدولة نفسها تعترف بهذا الواقع المعيش، هي التي تصرف لموظفيها الذين يلتحقون بالإدارة في غواديلوب منحة عن "غلاء المعيشة" ترفع أجورهم ب 40%. إن هذا دليل جلي عن وعي الدولة بالارتفاع المهول لتكاليف الحياة هناك. لدي أختان تعيشان وتعملان في غواديلوب، وكلما زارتا باريس إلا وعادتا منها محملتين بأكياس مليئة بمختلف أصناف البضائع والسلع، وذلك رغم أنهما لا تعانيان من العوز، لكن كل الغواديلوبيين يتصرفون مثلهما، وهو سلوك يمثل رد فعل ضد غلاء المعيشة هناك. } ألا تتجاوز هذه الحركة الخصوصية المحلية؟ > بالفعل. إنها مندرجة في سياق الأزمة التي اندلعت أولا في الولاياتالمتحدةالأمريكية قبل أن تنتشر في أوربا وفي مناطق أخرى من العالم. هذه الأزمة شاملة وتتميز بكون ضحاياها الأساسيين هم ذوو الدخل المحدود، علما أن الهشاشة تتوسع في مجتمعاتنا منذ سنوات. لقد صارت بلادنا عاجزة عن توفير ما هو مندرج في إطار حقوق المواطنين عليها: مواطنون يموتون بسبب البرد، آخرون ينامون في سياراتهم رغم توفرهم على عمل، والطلب على الوجبات المجانية المقدمة من طرف الجمعيات الخيرية لم يعرف ارتفاعا مثل الذي يعرفه اليوم... هل سننخرط في منحى مجتمع محافظ على القدرة في الاستمرار في التفكير في الأكثر عوزا؟ هو ذا السؤال الذي يطرحه الفرنسيون على نفسهم اليوم، وخاصة الغواديلوبيون. ويمكننا التساؤل كذلك: أليست هذه الحركة الاحتجاجية مؤشرا على ما ستعرفه فرنسا برمتها؟ } ما الذي تقصده؟ > يمكن لوضع مماثل للوضع الذي يعوق الغواديلوب أن يتكرر في مناطق فرنسا القارية، فالجزيرة تتميز دائما بالسبق على مستوى الاحتجاجات الاجتماعية. إذا سألتكم عن دلالة "ماي 67"، فستقولون إنني مخطيء بالنسبة للسنة أو جاهل لتاريخ فرنسا! أناس قليلون يتذكرون أحداث ماي 1967 في غواديلوب: ثلاثة أيام من القلاقل تدخلت خلالها القوات العمومية بقوة، و87 من القتلى، أما سبب تلك الانتفاضة فيكمن في مطالبة العمال برفع الأجور. وإذا أضفت أن الطلبة شاركوا كذلك في هذه الاحتجاجات، أفلا يجعلكم هذا المعطى تتذكرون حدثا آخرا؟ (أحداث ماي 1968 في فرنسا-م). من الخطإ تبخيس ما يجري حاليا في غواديلوب، أو الزعم أن منظمة انفصالية واحدة تحركه. الواقع أن كل النقابات منخرطة في هذه الحركة الاحتجاجية، مثلما حصل بالضبط في فرنسا بمناسبة إضراب يوم الخميس 29 يناير الماضي، حيث تظاهر أزيد من مليون شخص في الشارع. } لكن ألا تكشف هذه الأزمة القلق العميق الذي يسود المجتمع الغواديلوبي؟ > أجل. حين نشرح الوضع الاقتصادي للجزيرة، نكتشف أن معظم الثروات مملوكة من قبل "البيكي" (حفدة أنصار العبودية)، وهم بيض ويمثلون أقل من 1% من السكان. إنهم يملكون جل الأراضي والمتاجر الكبرى والشركات البترولية، وهم الذين يحددون الأسعار كذلك. "البيكي" يحتكرون 90% من اقتصاد الغواديلوب، لنتخيل إذن إحساس الساكنة، وهي سوداء بنسبة 90%، أمام هذا الوضع! لنتخيله والأغلبية الساحقة من السكان تخضع لهيمنة حفدة الذين كانوا يجلدون أجدادها قبل مائة وستين سنة فحسب! ؤإذا أضفنا إلى هذا المعطى كون رؤساء الشركات الكبرى والوالي وكبار المسؤولين وأصحاب القرار في الجزيرة كلهم بيض تقريبا، وذلك في بقعة جغرافية أثرت العبودية عميقا في تاريخها، فإن التمثيلية المتواضعة للسود تخلق عدم التفاهم والإحساس الكبير بالغبن. } ما الذي تقترحه إذن؟ إقرار نمط كوطا إثنية؟ > أبدا، فأنا لا أستسيغ نظام الكوطا. أعتقد أن أهم خطوة يجب القيام بها هي إطلاق مبادرات واسعة بهدف تغيير العقليات. أطلبوا من أي كان أن يذكر لكم مرحلة تاريخية مرتبطة بالسود، الأغلبية الساحقة ستجيبكم بأنها مرحلة العبودية. في الولاياتالمتحدةالأمريكية تم إحداث أسبوع للسود الأمريكيين في سنة 1926، قبل تحويلها، في عام 1975، إلى شهر للأفارقة الأمريكيين. هكذا، وطوال شهر فبراير من كل سنة، يعيد المجتمع الأمريكي اكتشاف السود الذين قاموا بأعمال مهمة: مارتن لوثر كينغ، علماء، فنانون... لقد تغيرت العقلية الأمريكية حول المسألة الزنجية بشكل عميق بفضل هذه المبادرة، بينما تظل العقلية الأوربية سجينة العبودية. وعليه، فإنني أظن أن عدد الأشخاص الذين يستطيعون ذكر اسم عالم أسود في فرنسا جد قليل. } ما الذي يمثله انتخاب باراك أوباما في ظل هذا الوضع؟ > الأمر يتعلق بتغيير عميق وكبير في العقلية الجماعية، خاصة إذا ما استحضرنا أن الزنوج كانوا مكرهين على الجلوس في الكراسي الخلفية لوسائل النقل العمومية في ستينيات القرن الماضي! لقد عرفت الولاياتالمتحدة كيف تواجه تاريخها، رغم أن حربا أهلية قامت هناك من أجل تحرير العبيد، وتعلم البيض والسود سبيل العيش معا. وإذا كانت فرنسا لم تفتح نقاشا مثل هذا، فالسبب يعود إلى كون البيض والسود لم يعيشوا معا جغرافيا بها بعد نهاية عهد العبودية. } هل أنت مستعد للانخراط في العمل السياسي؟ > ليس الآن. } حسب المعلومات المتوفرة لدينا، فقد طلب منك نيكولا ساركوزي الالتحاق بالحكومة في فبراير 2008؟ > هذا صحيح. لقد التقيت بنيكولا ساركوزي وكلود غيون (الكاتب العام للرئاسة الفرنسية)، واقترحا علي منصب وزير التعددية. دام الحوار بيننا طويلا، لكنه لم يمكنني سوى الرفض نظرا لأسباب واضحة. السياسة عمل جد شريف لا يقبل في سياقه الفعل غير المكتمل. من الواجب، في البدء، تلقن الأمور، وهو ما أفعله حاليا عبر اللقاء بأشخاص ذوي اهتمامات مختلفة. ربما ألج المعترك السياسي لاحقا. } جئت فرنسا القارية قبل حوالي ثلاثين سنة، فهل تطورت أم تراها تراجعت في مجال العنصرية؟ > هناك تقدم نسبي، هذا واقع جلي، لكن اللازم إنجازه يظل كبيرا! بمناسبة محاضرات في إطار المؤسسة التي أسستها (التربية ضد العنصرية)، ألاحظ أن أغلبية الحاضرين، سواء كانوا أطفالا أو كانوا بالغين، يعتقدون إلى حدود الآن في وجود عدة أجناس. ولذا، فعلينا الانطلاق من البداية ربما، أي تلقين الأطفال معطيين اثنين: لا يوجد سوى جنس واحد هو الإنسان، ولكل البشرية ذات الأسلاف الذين ينحدرون جميعهم من إفريقيا. لو أقدمنا على هذا، فأنا متأكد أن الأمر سيساهم كثيرا في حل مشكلة العنصرية.