ساركوزي زار المغرب رفقة أسطول مكونا من 300 من رجال الأعمال , و خمس مذكرات بحث دولية , و عاد و في جعبته ثلاثة مليارات أورو , و صفقة طائرات" الرافال" في الطريق "" لم تكن الأيام التي حل فيها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في المغرب بالعادية . و ذلك لأنها أول زيارة دولة يقوم بها للمغرب الوارد الجديد على قصر الإليزي , الذي خلف الرئيس السابق جاك شيراك الصديق الحميم للراحل الحسن الثاني و ابنه محمد السادس .الرئيس ساركوزي الواقعي كثيرا زار المغرب رفقة أسطول مكون من 300 من رجال الأعمال الفرنسيين في شتى القطاعات, مما جعل من الملف الاقتصادي أولى الأولويات على أجندة الرئيس ساركوزي و وفده المرافق. و هكذا حل ساركوزي في يوم الإثنين 22 أكتوبر بمدينة مراكش السياحية الجذابة التي يفضلها السياح الفرنسيين كثيرا, ليجد الملك محمد السادس ووفد رسمي كبير و آخر شعبي مهيب في استقباله . أما اليوم الموالي فقد توجه الرئيس الفرنسي إلى العاصمة الرباط حيث ألقى كلمة في البرلمان, نوه فيها بما يقوم به المغرب من إصلاحات ديمقراطية و تصالح مع ماضيه.. .ليختم بخطاب ألقاه في اليوم الثالث والأخير من زيارته بقصر مارشال بمدينة طنجة المتوسطية بشر فيه بمشروعه الأورومتوسطي . بلغة الأرقام تعتبر فرنسا أول شريك تجاري للمغرب بمعدل 21 % من المبادلات الخارجية المغربية , و أول زبون للمغرب بمعدل 28 % من حجم الصادرات المغربية .كما أن قيمة الصادرات الفرنسية نحو المغرب قد وصلت 3.2 مليار دولار ,و تعتبر فرنسا المصدر الأول لرؤوس أموال المغاربة المقيمين بالخارج, إذ بلغ حجمها في 2006 المليار أورو أي بمعدل 43%.من مجموع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج .و يقدر عدد السياح الفرنسيين الوافدين على المغرب ب1.48مليون سائح أي 22.6% من إجمالي عدد السياح الوافدين على المغرب. و قد كللت زيارة الرئيس الفرنسي ساركوزي بعودته إلى قصر الإليزي و في حقيبة الوفد الاقتصادي المرافق له ما قيمته ثلاثة مليارات أورو , مجموع الصفقات التي أبرمتها الشركات الفرنسية مع المغرب , كان أبرزها الصفقة المتعلقة بمد خط القطار السريع (تي جي في) بين طنجة والدار البيضاء و المقدرة قيمتها بملياري أورو.كما ستبيع فرنسا المغرب فرقاطة متعددة الاستخدامات من نوع" فريم" وفق صفقة قدرتها الصحف المغربية بقيمة 500 مليون أورو.وأفاد مصدر قريب من ساركوزي يوم الأربعاء الماضي في مراكش أن فرنسا والمغرب سيوقعان خلال بضعة أسابيع اتفاق إطار للتعاون علي الصعيد النووي المدني.في مقابل هذا منحت فرنسا المغرب مساعدة بمبلغ 300 مليون أورو كمساعدة من حكومة بلاده لبرنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ملفات عالقة و لكن أهم ما ميز الزيارة التي وصفت بكونها كانت ناجحة و مميزة . هو الملفين العالقين اللذين أسالا الكثير من الحبر ,بدء بالملف الأول المتعلق بصفقة طائرات " رافال" الفرنسية .فحسب يومية المساء المغربية فإن خيوط الصفقة تعود إلى عدة سنوات عندما كان المغرب يريد اقتناء ما بين 14 و20 طائرة " رافال " من إحدى الشركات الفرنسية خلال عهد جاك شيراك، لكنها لم تتم بسبب تعقيدات شابت طريقة التفاوض وتعدد قنوات المباحثات بين المغرب وفرنسا، وعدم الاتفاق على صيغة للتمويل، وتقرر في الأخير تخفيض قيمة الصفقة من 2.6 مليار أورو إلى 2.1 مليار، لأن ذلك المبلغ يثقل ميزانية المغرب، ومن أجل التغلب على معضلة التمويل تم اقتراح اللجوء إلى القروض, لكن وزارة المالية الفرنسية رفضت هذا الاقتراح. وبعدما درست الصفقة على مستوى وزارة الدفاع والحكومة وقصر الإليزيه، لم يتم التوصل إلى قرار بشأنها، وصادف أن تزامنت تلك الفترة مع الاستعدادات للانتخابات الفرنسية التي جاءت بساركوزي إلى السلطة خلفا لشيراك، لتجمد الصفقة مؤقتا.و قد بقيت الصفقة في طي الكتمان إلى أن كشفت عنها أسبوعية «لكسبريس» الفرنسية قبل أشهر قليلة فقط قبيل زيارة ساركوزي إلى الجزائر وتونس، وربما كان لذلك علاقة بالسباق المغربي-الجزائري حول التسلح والرغبة في إثارة الموضوع في ذلك التوقيت المتزامن. وقد تزامنت تلك التسريبات مع تصريح أدلى به مدير شركة «داسو» للطيران" تشارلز إدلستين" لإحدى الصحف الفرنسية في يونيو الماضي، قال فيه إن المفاوضات التجارية حول شراء طائرات "رافال "من قبل المغرب قد انتهت، وأن «القضية الآن بين يدي الحكومتين»، في إشارة إلى الحكومتين المغربية والفرنسية، وكان ذلك أول تصريح من نوعه لمسؤول من الشركة حول الموضوع. وأمام المأزق الذي وصلت إليه المفاوضات المغربية-الفرنسية حول الصفقة والتأخر في الحسم. دخلت الولاياتالمتحدةالأمريكية على الخط مستغلة أجواء الخلاف بين باريس والرباط لعرقلة صفقة طائرات "رافال" وتمرير صفقة بديلة عنها مقابل مبلغ مغر وخدمات إضافية، حيث عرضت على المغرب صفقة تقضي باقتناء 24 طائرة من نوع" الإف 16 " بقيمة أقل، حددت في مليار و600 مليون دولار، مقابل التخلي نهائيا عن العرض الفرنسي، بل أكثر من ذلك عرضت واشنطن على الرباط ضمن نفس الصفقة مساعدات لوجستية موازية وتسهيلات في الأداء وتجهيزات عسكرية كنوع من الإغراء. ومن المنتظر أن تكون الأسابيع المقبلة حاسمة في تحديد مصير الصفقة . أما الملف الثاني فهو ذلك الملف الحقوقي الشائك أو ما يعرف بملف المعارض المغربي السابق المهدي بن بركة الذي اختطف من فرنسا منذ 42 سنة .و قد تزامنت زيارة ساركوزي مع إصدار القاضي الفرنسي باتريك راماييل الذي يتولى التحقيق في قضية اختفاء المعارض المغربي مهدي بن بركة ، خمس مذكرات توقيف دولية بحق مسؤولين مغاربة.وهم الجنرال حسني بنسليمان، القائد العام للدرك الملكي و أحد أقوى رجالات المؤسسة العسكرية على مدى العهدين ، والجنرال عبد القادر القادري، الرئيس السابق للإدارة العامة للدراسات والتوثيق (الاستخبارات العسكرية)، و ميلود التونسي، المعروف بالاسم المستعار العربي الشتوكي، وكان عضوا بالوحدة الخاصة بالعمليات المعروفة باسم "الكاب 1"، وبوبكر حسوني، وهو ممرض عامل في جهاز »الكاب 1«، متورط في عمليات تخدير وتعذيب المعارضين، وعبد الحق العشعاشي، وهو بدوره عميل بجهاز "الكاب 1"، ويعتبر العلبة السوداء لأسرار الجنرال أوفقير، وكان عضوا مسؤولا بالمصلحة الإدارية والمالية لجهاز "الكاب 1"، وهو شقيق محمد العشعاشي، المسؤول عن مصلحة محاربة الشغب بالجهاز المذكور، والذي يعتبر أحد المخططين الأساسيين لعمليات الاختطاف والاغتيال، التي شهدتها سنوات الرصاص. مذكرة التوقيف تطرح العديد من علامات الاستفهام خاصة تلك المتعلقة بموعد إصدارها المتزامن مع زيارة الدولة الأولى التي يقوم بها الرئيس الفرنسي للمغرب. و هو الذي أجاب عندما سئل عن مذكرة التوقيف بأنها مسألة تخص القضاء الفرنسي . و لا دخل له في هذا الشأن لأن القضاء مستقل !و لكن ماذا كان سوف يحدث لو أن مذكرة القاضي الفرنسي باتريك راماييل سبقت الرئيس الفرنسي للمغرب؟ أكيد أنها كانت ستشوش كثيرا على العلاقة ما بين البلدين مما كان سينعكس سلبا على مسارالصفقات الإقتصادية التي أبرمتها الشركات الفرنسية مع المغرب . أما لو صدرت مذكرة قاضي التحقيق الفرنسي بعد الزيارة, لأمكننا أن نعتبر أن فرنسا قد تراجعت عن بعض مواقفها الداعمة للمغرب . مع العلم أن الجار الجزائري العنيد عبر صراحة عن انزعاجه من تصريحات ساركوزي و اعتبرها مواقف منحازة و غير منصفة , كتلك التي نوه فيها الرئيس الفرنسي بالمقترح المغربي الداعي إلى منح الأقاليم الصحراوية الحكم الذاتي الموسع . زيارة ساركوزي تحت منظار جيران المغرب الجزائر تتابع الزيارة بقلق شديد ! لم تكن لزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للمغرب أن تمرمن دون أن يتحرك الجيران المغاربيين و الذين تجمعهم علاقات متينة مع الدولة الفرنسية لا تقل أهمية و متانة من نظيرتها المغربية - الفرنسية. و يتصدر الجار الجزائري العنيد لائحة الجيران المغاربيين المهتمين كثيرا بوقائع المحادثات المغربية الفرنسية. و الذي أبدى عن انزعاجه الصريح و قلقه الشديد مما أسفرت عنه الزيارة .و قد تابعت الصحافة الجزائرية عن كثب وقائع الزيارة الرسمية . و سوف أخص بالذكر يوميتي الخبر و المساء الواسعتين الانتشار.و هكذا نشرت يومية الخبرالجزائرية في اليوم الثاني من الزيارة مقالا بعنوان " القضاء الفرنسي يصدر أوامر اعتقال دولية ضد مسؤولين مغاربة لتورطهم في قضية اختفاء المعارض المغربي بن بركة , كما نشرت بتاريخ 25 أكتوبر مقالا جاء فيه " اتهمت جبهة البوليساريو , أمس , الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بتجاهل قرارات الأممالمتحدة في تصريحاته الخطيرة و غير اللائقة التي أدلى بها خلال زيارته الأخيرة للمغرب , حول إقليم الصحراء الغربية, والتي أعرب فيها عن تأييده لخطة الحكم الذاتي لإقليم الصحراء الغربية تحت السيادة المغربية , و التي اقترحتها حكومة الرباط ..." كما أننا نجد في الصفحة نفسها عنوانا مثيرا تحت عنوان " ساركوزي يدعو دول المتوسط إلى التطبيع مع إسرائيل " مشيرة إلى الخطاب الذي ألقاه ساركوزي بمدينة طنجة من أجل إنشاء اتحاد متوسطي .و دائما مع يومية الخبرالجزائرية التي نشرت يوم 30اكتوبر 2007 أي خمسة أيام بعد انتهاء الزيارة في عمود صغير تحت عنوان "إيجرويدون" و الآخرون , جاء فيه : هل تعمد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي منع الشخصيات الفرنسية ذات الأصل الجزائري من مرافقته في زيارته الأخيرة إلى المغرب ؟ ...على غرار "أرزقي إيجرويدون" , مدير شركة النقل الجوي " إيغل أزور " و مستشاري ساركوزي عبد الرحمان دحمان و رشيدة قاسي و سكرتيرة الدولة المكلفة بالمدينة فضيلة عمارة ."و حسب المصدر نفسه " فإن وزيرة العدل الفرنسية ذات الأصل المغربي هي التي كانت من وراء هذه الإقصاءات. الصفقات المبرمة ما بين المغرب و فرنسا خلال الزيارة الأخيرة لم تكن لم لتمر من دون أن تتابعها الجزائر حيث نشرت اليومية نفسها أي الخبر , في عدد الثلاثاء 30 أكتوبر مقالا بعنوان " تي جي في " سيجعل من المغرب واجهة اقتصاد المغرب العربي ". فقد صرح للخبر مدير التصاميم بالشركة الفرنسية للنقل آلستوم كزافي ألارد :" أن مراهنة المغرب على " تي جي في " كوسيلة نقل إستراتيجية, في الوقت الذي اختارت الجزائر الميترو و الترامواي ,مما يعني أن المغرب يريد تسويق صورة عن نفسه للعالم الخارجي مفادها أنه أي المغرب هو الواجهة الاقتصادية الكبرى في المغرب العربي ,و بالتالي محور الاستثمارات الكبرى و التنمية الاقتصادية الحقيقية ." يومية المساء الجزائرية لم تفوت فرصة زيارة الرئيس الفرنسي من دون أن تدلي بدلوها في الموضوع , حيث نشرت مقالا مطولا في عدد 26 أكتوبر عنونته ب :جمعيات فرنسية تدين الانحياز لأطروحات الاحتلال المغربي والحكومة الصحراوية تصف تصريحات ساركوزي بالخطيرة . ذكرت فيه بيان "الحكومة الصحراوية" المندد بالتصريحات الفرنسية عقب الزيارة الفرنسية الأخيرة للمغرب , جاء فيه "و ردا على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي ساركوزي يوم الثلاثاء بالبرلمان المغربي أكدت رئيسة الجمعية الفرنسية لأصدقاء الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"رجلين فيلمون" اندهاشها من موقف الرئيس الفرنسي!. كما ذكرت اليومية بموقف الرابطة الفرنسية لحقوق الإنسان و الحركة ضد التمييز ومن أجل الصداقة بين الشعوب وحركة السلم والجمعية الفرنسية للصداقة والتضامن مع شعوب إفريقيا الداعية إلى احترام الحقوق والحريات في الصحراء الغربية. كما نشرت أيضا في الصفحة نفسها تصريح الخبير الأمريكي المتخصص في شؤون الاستعمار"جون لامر" الذي اعتبر أن موقف ساركوزي يدعم استعمار الصحراء الغربية بتأييده الرؤية المغربية في حل أحادي الطرف ". الرئيس الموريتاني يشد الرحال إلى قصر الإليزي اختارت الجارة الجنوبية للمغرب موريتانيا مباشرة بعد أن أنهى ساركوزي زيارته للمغرب أن يشد رئيسها محمد ولد الشيخ الرحال إلى باريس جاعلا منها أول عاصمة يخصها بزيارة دولة منذ توليته رئاسة الجمهورية الموريتانية.مما يؤشر على ثقل الشريك الفرنسي و مكانته المميزة التي يحظى بها لدى الجار الموريتاني.و يكفي أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي و التجاري الأول لموريتانيا . كما تصل المساعدات الفرنسية لموريتانيا ب25 مليون دولار.و يرتقب أن تتوج الزيارة بالتوقيع على وثيقة شراكة للفترة الممتدة 2007-2011. و على العموم فحالة التشرذم و الفرقة لاتزال هي الحالة السائدة بين الجيران المغاربيين خاصة محور الرباط - الجزائر . الشيء الذي ينعكس سلبا على مستقبل مشروع المغرب العربي الموؤود.و الذي لايزال مجمدا في أروقة وزارات خارجية الدولة المغاربية . التي تعي أكثر من أي وقت مضى أن مواجهة تحديات العولمة و التكتلات الدولية و الإقليمية لا يمكن القيام به فرادى .كما أن الموقف المتعنت للجار الجزائري الشقيق من قضية الصحراء المغربية ,و إصرارها على التأييد اللامحدود للطرح الإنفصالي الذي تدعو له جبهة البوليساريو. كفيل بأن يجعل الحلم المغاربي يراوح مكانه . الشيء الذي سيسهل من مهمة فرنسا الشريك الأول لدول المغرب العربي و التي لن تفوت فرصة وجود خصومات دائمة بين الأشقاء للاستفراد بكل بلد على حدة .و إذا كانت فرنسا قد ضمنت حالة الفرقة و غياب التنسيق بين دول المغرب العربي , فإنها لا تضمن خلو الساحة المغاربية من المنافسة الدولية الشرسة من جراء تزايد التواجد الاقتصادي للعملاقين الأمريكي و الصيني بالمنطقة. رشيد شريت / صحفي من المغرب [email protected]