بعد سلسلة من الهزات التي عاشتها لبنان منذ العدوان على جنوبه، وانعكاسات ذلك على الشارع اللبناني، توالت الأحداث لتحط رحالها على حكومة الإتحاد، من موقعكم كوزير إعلام في هذه الحكومة، كيف هو الوضع الآن في ظل التطورات الحالية في منطقة الشرق الأوسط؟ لبنان الآن في حالة تضامن مع شعب غزة، ومع أهلها في فلسطين، وهناك إجماع لبناني على هذا الموضوع، وكما تعرفون فهناك انقسامات سياسية حادة في لبنان، لكن عندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبيرة يكون هناك إجماع، من هذا المنطلق فأحداث غزة استدعت إجماعا كبيراً، وفي الوقت نفسه -ولحسن الحظ- أصبح هناك إجماع على عدم إعطاء ذريعة لإسرائيل كي تعتدي على لبنان، وبتوافق كل القوى السياسية، لم يرد لبنان أن يكون ساحة تستفرد بها إسرائيل، وهذا ليس في مصلحة لا لبنان ولا أهل فلسطين، ولا العرب. ومن هنا جاءت الضرورة كي لا نسمح لإسرائيل أن تحول الأنظار عما يجري في غزة. وفيما يتعدى ذلك فلبنان بعد سنتين أو أكثر من تعطل مؤسساته السياسية، أصبح في حالة أكاد أقول طبيعية، من جهة عمل مؤسساته السياسية واستعادته وحدته التي كانت مهددة في الماضي بسبب عمق الانقسامات. واليوم لبنان مقبل على انتخابات نيابية تشريعية في شهر يونيو 2009، وهو الآن دخل في مرحلة الاستعداد للانتخابات. ونعتبر هذه المرحلة في المجتمعات التي تفتقر إلى شيء من الاستقرار، مرحلة محفوفة ببعض الاحتمالات للخروج من التنافس الديمقراطي إلى التصادم، فالتحدي أمامنا هو كيف نجري انتخابات تكون مناسبة لتنافس ديمقراطي عادي، كما هو الحال في أي بلد ديمقراطي، ونخوض معاركنا الانتخابية من دون الوقوع في فخ إثارة العداوة والكراهية بين اللبنانيين، وهذا ما تعمل حكومتنا، التي تسمى «حكومة اتحاد وطني» التي تشارك فيها كل القوى السياسية، على تحقيقه، فهي مؤهلة من حيث المبدأ أن تضمن أن تكون العملية الانتخابية عملية سلمية ديمقراطية. السيد الوزير، أنتم تعلمون أن النقطة التي أفاضت الكأس في الأزمة اللبنانية هو انفراد "حزب الله" في المواجهة مع إسرائيل، هذه النقطة التي خلفت تداعيات كبرى على المستوى العالمي وليس اللبناني فقط، ماهي خبايا الصراع داخل الحكومة نفسها بين حزب الله وباقي الفصائل السياسية المشاركة في هذه الحكومة؟ حزب الله كما ذكرتم عضو مشارك في الحكومة، وحزب الله جزء من الإجماع اللبناني السياسي الذي تحدثت عنه، والموقف من إسرائيل وضرورة الإسراع على تطبيق القرارات الدولية، لاسيما القرار 1701 الذي وضع حداً لحرب 2006 هو موضع إجماع كل القوى اللبنانية، لكن هناك وجهات نظر مختلفة فيما نسميه نحن الإستراتيجية الدفاعية، وهي عبارة تتضمن الاتفاق على مستقبل السلاح الذي يحمله حزب الله وعلاقته بسلاح الدولة الشرعي، ومتعلق أيضا بقرار الحرب والسلم، هذه القضايا لم يصل اللبنانيون بعد إلى اتفاق حولها، هناك حوار وطني يجري برعاية رئيس الجمهورية ورئاسته حول هذه القضية، وهناك تقدم، فمسألة من هذا الحجم هي مسألة كبيرة، ولايمكن أن تعالج بسرعة وبخفة، واللبنانيون تعلموا من السنوات الماضية ألاّ يسمحوا للقضايا الخلافية مهما عظم شأنها كما هي المسألة بالنسبة للسلاح أن تتحول سببا لاضطراب العلاقة بين اللبنانيين، أو لصراع مفتوح بينهم، يعني أن المسألة هي كيف نعالج خلافاتنا بالحوار السياسي، وداخل مؤسستنا السياسية وليس في الشارع. أنتم كحكومة، ولو أن حزب الله مشارك فيها، ألم تشكل لكم تصريحات نصر الله إبان القصف المكثف على المدنيين العزل بقطاع غزة من طرف العدو الإسرائيلي، أي إحراج في "التعامل المراقب" لقضية غزة؟ كما قلت في بداية حديثي، أن لبنان كان كله متضامنا مع غزة، الكل متضامن على طريقته، ولكل لغته الخاصة، وللإشارة فإن أحد ثوابت السياسة الخارجية اللبنانية فيما يخص العالم العربي، أنه منذ ميثاق الإسكندرية، فلبنان يحرص ألاّ يكون طرفا في الصراعات العربية-العربية وهذا بإجماع كل اللبنانيين، ولبنان لا ينتهج سياسة المحاور. فإذا انقسم العرب، وجعلوا من لبنان ساحة لانقسامهم فلبنان هو أكثر المتضررين، وإن توحد الموقف العربي في وجه إسرائيل في صفوف الزعماء العرب، كان لبنان في خدمة قضية العرب المشتركة، وهذه من ثوابت سياستنا،لذلك فالكثيرون من كانوا يتمنون ألاّ يقحم لبنان نفسه بلسان أي كان في الخلافات العربية-العربية، وكان رئيس الجمهورية هو الذي يعبر عن موقف لبنان الرسمي، حريصا على ألاّ يقحم لبنان في موقف ضد هذه الدولة العربية أو تلك، موقف لا يشكك ضد أحد. نحن حريصون على أن تجتمع كلمة العرب، والصراع في غزة هو صراع بين فلسطين وإسرائيل، ولم يكن بين العرب والعرب. ماذا عن العلاقة الآن مع سوريا، بعد عودة الدفء إلى هذه العلاقة، بفتح السفارة اللبنانية في سوريا، ماهو أفق العلاقة مستقبلا، وهل هناك ملفات عالقة في هذه العلاقة؟ العلاقة اللبنانية السورية تتقدم باتجاه أن تصبح علاقة طبيعية، فقد قررنا تبادل السفراء، وعيّنا سفيرا في سوريا، وجاءت الموافقة على تعيينه، لازلنا ننتظر تعيين سفير سوري في لبنان، واليوم بالذات وزير الدفاع اللبناني يزور سوريا للقاء بوزير الدفاع السوري، لكي يبحثا قضايا تهم البلدين، و تخص ضبط الحدود، ومنع التهريب بين الحدود السورية اللبنانية، بما في ذلك تهريب السلاح، وهذا الاستعداد اللبناني في التعامل مع السوريين في مسألة الحدود هو أيضا-حسب قول الحكومة اللبنانية بشكل رسمي- يستند إلى التزامنا بتطبيق القرار 1701 وهو القرار الذي أوقف الحرب الإسرائيلية على لبنان سنة 2006 . إذن نحن باختصار نسير على طريق إقامة علاقات طبيعية مع سوريا، ونحن حريصون أن تكون هذه العلاقة، علاقة جار لجاره.. علاقات طبيعية لكنها قائمة على التكافؤ، على المساواة، وليست قائمة على التبعية كما كانت في الماضي، ولا على العداء. فما من لبناني يريد أن يعادي سوريا لكن لبنان دولة مستقلة شأنه شأن كل الدول العربية، ويريد أن تكون علاقته مع سوريا قائمة على احترام الاستقلال المتبادل، وأن تكون علاقة قائمة بين دولة ودولة وألاّ تكون علاقة بين سوريا وأطراف حزبية لبنانية على حساب العلاقة مع الدولة اللبنانية. السيد الوزير، هل هناك تنسيق على مستوى دول الطوق، بالنسبة للقضية الفلسطينية، خصوصا بعد دخول تركيا على خط الصراع العربي-الفلسطيني؟ لسوء الحظ في الفترة الأخيرة، كما شاهدت في اجتماع الدوحة وقمة الكويت، كان التنسيق بين العرب ضعيفاً جداً، والجزء الكبير من طاقة العرب السياسية والدبلوماسية والإعلامية يهدر في الصراع العربي-العربي، ويكاد البعض يعتقد أنه لو جاء مشاهد من كوكب آخر لزيارة المنطقة العربية أثناء حرب إسرائيل العدوانية على غزة، لظن أن الحرب الدائرة في غزة هي حرب بين العرب والعرب، بل بين المسلمين والمسلمين، وليست اعتداء إسرائيليا على أهل فلسطين، يعني أنه لسوء الحظ الحالة العربية على درجة كبيرة من الشرذمة والانقسام، بحيث أن القضايا الكبيرة التي تجمعنا تغيب أحيانا على أنظارنا، وتحجبها حساباتنا الصغيرة ومصالحنا الفئوية و الجهوية، لكن يجب ألاّ يدفعنا ذلك لليأس من إمكانية التنسيق. لبنان كان يطالب دائما بأن تكون سياستنا اتجاه إسرائيل في الحرب والسلم، في الدفاع أو المبادرة، سياسة منسقة، لذلك لبنان مثلا هو متمسك بمبادرة السلام العربية التي أطلقت في بيروت عام 2002 بغض النظر على محتواها فهي محاولة لتسوية تاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي، لكن بقطع النظر على هذا، فأهم ما فيها أنها عربية، أي تجمع كل العرب، فلا تترك أمر العلاقة مع إسرائيل لكل دولة بمفردها فهي تفترض وجود سياسة مشتركة متناغمة منسقة... أمام هذا التفتت العربي، هناك مشاريع أخرى تنمو، كالإتحاد من أجل المتوسط، كيف تقرأون هذا المشروع الآن في أفق أزمة غزة؟ الإتحاد من أجل المتوسط، هو إطار للتعاون، ولم يضع لنفسه على الصعيد السياسي هدفا واضحا. والهدف من هذا الإتحاد هو متابعة مسار برشلونة وتعزيزه في مشاريع يغلب على الكثير منها قضايا التنمية الاقتصادية، هذا هو طابع الإتحاد بشكل عام. لم يتحول الإتحاد من أجل المتوسط لمنتدى يستطيع التعبير على مجريات الحياة السياسية ولا التدخل في قضايا الشرق الأوسط، ولا في الصراع العربي الإسرائيلي. لكن نحن دائما نأسف لأن علاقتنا بأوروبا في سياق الأورو متوسطي مهما نمت تبقى قاصرة دون تمكيننا من الدعوة على الصعيد السياسي، وأوروبا رغم نفوذها الاقتصادي وقربها منا لا تمتلك بشكل كاف القدرة على ممارسة دور سياسي كبير في حل قضايانا، وأعتقد أن هذا الدور يكمن في الضغط على اسرائيل من أجل الالتزام بالقرارات الدولية، والاعتراف بالحقوق الشرعية لشعب فلسطين، وأحيانا تعطينا أوروبا إشارات مزعجة كالإشارة التي أعطت منذ فترة برفع العلاقة بين الإتحاد الأوربي وإسرائيل إلى مستوى أعلى من التنسيق، لكن هذا الأمر الآن أصبح موضع تساؤل حتى في أوربا بسبب العدوان على غزة، ولعل هذا تطور إيجابي، فالبرلمان الأوروبي أصدر توصية يمنع فيها رفع هذه العلاقة بين إسرائيل وأوروبا إلى وضع متقدم.