الوزير قيوح يدشن منصة لوجيستيكية من الجيل الجديد بالدار البيضاء    حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمة والمشروع السياسي

«الأمة الحديثة مشروع سياسي متفرد. وظيفتها ادماج واشراك كل واحد في حياة مجموعة سياسية والدفاع عن الأخيرة على الصعيد الدولي. هذه الأمة تتطلع إلى أن تكون مجموعة مثالية أو نموذجية لمواطنين، من ثم فإن الأمة الحديثة مرتبطة بالديمقراطية ولا تنفصل عنها. تشكل الأمة الديمقراطية في نفس الوقت مبدأ الشرعية السياسية ومصدر الآصرة الاجتماعية».
هذا بعض مما جاء في مقدمة كتاب (1) تضمن العديد من المحاور بخصوص الأمة والديمقراطية، السياسة والعلاقة الاجتماعية، الديمقراطية ضد الأمة؟ إلخ ... من هذا الكتاب نعرض لبعض الخلاصات.
تقتضي خصوصية الأمة الحديثة ادماج جميع الساكنات في جماعة من المواطنين واعطاء المشروعية لعمل الدولة بواسطة هذه المجموعة - التي هي أداة للدولة - يتجه المسار الداخلي للديمقراطيات - حيث تبدو الحياة الجماعية مرتكزة على انتاج الشروط وتوزيعها - إلى خدم الفكرة السياسية التي كانت الأصل في وجود الأمم. بحيث انه يبدو من المستحيل للديمقراطيات أن تفرض على مواطنيها الدفاع عنها بالتضحية بحياتهم. فالديمقراطية الحديثة ولدت في شكل وطني. في كل أمة ديمقراطية يؤسس السياسي الاجتماعي. لم تكن المواطنة فقط صفة قانونية وسياسية في المعنى الضيق للكلمة. كانت الوسيلة المضمونة لاكتساب وضعية اجتماعية، الشرط الأساسي - رغم أنه لم يكف كاف بالملموس - لكي يتمكن الفرد من ان يعترف به بصفة كاملة كفاعل في الحياة الجماعية. نحن نبرر الديمقراطية بشكل أقل بالقيم التي أسست للمشروع السياسي للديمقرطيات الكبرى ،نبررها بكونها تجعل جميع أعضائها يستفيدون من حسنات الثروة الجماعية. فالبعد الاقتصادي والاجتماعي للحياة الجماعية يفرض نفسه اليوم على حساب المشروع السياسي.
الأمة إيديولوجية ومنظومة سياسية
إن الروابط والتبادلات التي تقيمها المشاركة في النشاط الاقتصادي، نقل الثروات وتدخلات الدولة في النظام الاجتماعي، ليست من نفس طبيعة الآصرة الوطنية، التي كانت سياسية أساسا، لو أن الرابطة الاجتماعية اختزلت في مجرد تعاون مفروض بواسطة العمل الجماعي، في مجرد تضامن موضوعي يخلقه نظام إعادة التوزيع، وفي إدماج الطبقات المهمشة بواسطة سياسة التدخل الاجتماعي، الا يضعف واقع وهدف الموطنين الى حد تهديد ما أسماه دور كايم التماسك الاجتماعي؟ ألا يخشى أن يفضي اضعاف الأمة السياسية الى اضعاف الآصرة الاجتماعية؟
لقد استهان علماء الاجتماع - مهما كانت اتجاهاتهم - بكون ان الآصرة الاجتماعية، في المجتمع الحديث، كانت سياسية بالأساس، بمعنى انها وطنية. وهم الآن لديهم تحفظ شبه مهني للتصور السياسي أو تأمله. قبل كل شيء يجب تحليل الأمة بصيغ سياسية بتخصيص مكان في نفس الآن للتمثيليات وللمؤسسات التي بواسطتها تقوم الأمة وتستمر قائمة. فقد حلل ايميل دوركايم الروح الوطنية بصيغ اخلاقية: «لا تتوفر جميع المجتمعات التي ينتمي أو يمكن أن ينتمي اليها الإنسان على قيمة أخلاقية مماثلة. بيد أن هناك قيمة واحدة تتفوق عن جميع القيم الأخرى تفوقا حقيقيا، إنه المجتمع السياسي، الوطن، شريطة أن يتصور هذا المجتمع لا كشخصية انانية بشكل جشع، همه فقط هو الاتساع والتمدد على حساب شخصيات مماثلة، بل كأحد الأعضاء المتعددة حيث يكون التعاون ضروري بالتحقيق تدريجي لفكرة الإنسانية». مع ذلك فإنه إذا كان لا يتجاهل بالطبع التمييز بين المجتمع السياسي والدولة. فإن عالم الاجتماع دور كايم قد انتقل من التأمل في الأمة الى تحليل المجتمع «باعتباره منظومة للمعايير». ان نكتب أنه «يتوجب» على المواطن احترام القانون، فهذا لا يقتضي نصيحة أو أمرا باسم الاخلاق المواطنية والسياسية، بل ان نبين أن السلوك يندرج ضمن منطق سير الأمة الديمقراطية. فمثل الديمقراطية نفسها، فإن الأمة هي في نفس الآن ايديولوجية ومنظومة سياسية. الأمة شكل خاص لوحدة سياسية يكون ملائما تحليل خصوصياتها انطلاقا من تعريفات دقيقة - دون أن ننسى أن كل تعريف يعتبر نظرية - «تحدد الأمة، على غرار كل وحدة سياسية، بسيادتها التي تمارس في الداخل، لادماج الساكنات التي تضمها إليها، وفي الخارج، لتأكيد الذات كفكرة تاريخية داخل نظام عالمي عائم علي الوجود والعلاقات بين أمم / وحدات سياسية. لكن خصوصيتها هي انها تدمج الساكنات في مجموعة من المواطنين، بحيث يعطي وجودهم مشروعية للفعل الداخلي والخارجي للدولة».
الأمة وحدة سياسية
الدولة هي في نفس الآن - باعتبارها مجموعة من المؤسسات ووسائل المراقبة والردع - التعبير والأداة لكل وحدة سياسية حديثة. فهي التي تميز جميع الأمم / الوحدات السياسية عن باقي اشكال الجماعات. إذا كنا غالبا ما نماثل الأمة مع الدولة، فهذا لأن كل دولة تتطلع إلى أن تكون التعبير عن أمة ديمقراطية. يعود التباس مصطلح الأمة في الحياة الاجتماعية الى كونه مرتبطا بطريقة ضرورية بمبدأ حديث للمشروعية السياسية ولأساس الآصرة الاجتماعية. لهذا السبب تظل الأمة الديمقراطية اليوم نموذجا ضمنيا تحال اليه ولو رمزيا.
هل بالإمكان الحديث عن أمة سياسية، إذا لم تتوفر على دولة ذات سيادة تماما؟ ليست الأمة فقط مجموعة من المواطنين، انها كذلك وحدة سياسية. فمثل كل وحدة سياسية، ليست الأمة فقط، «مبدأ روحيا» إنها تتضمن نصيبا
من الاكراه. فهي توزع السلطة، تتجسد في المؤسسات.
اذا كان يجب تمييز الدولة عن الأمة تحليليا، واذا لم يكن هناك تطابق عبارة بعبارة بين هذه وتلك، يبقى انه لا توجد امة الا اذا كانت تتجسد في اشكال اجتماعية موضوعية. عندما نعرف الامة كمصدر للشرعية، الاداة المفضلة للوفاء الجماعي واساس التضامن السياسي، يتوجب ان تكون هناك مؤسسات لكي تتم بالفعل ممارسة السلطة القائمة على هذه المشروعية. وان يتم ويستمر هذا الوفاء وهذا التضامن.
اليوم تتحدث أغلب الامم الديمقراطية عن نفس قيم المساواة والفعالية، غير ان تلك القيم، داخل كل وحدة وطنية، تتجسد بطريقة مختلفة ضمن الاشكال الموضوعية للحياة الجماعية. في كل امة، ولد المشروع السياسي من خلال تاريخ متفرد، في الغالب في اعقاب احداث عنيفة، حروب وثورات في تراب معين.
إذ تمت صياغته وتنفيذه بواسطة مجموعة او عدة مجموعات اجتماعية خاصة. تتمايز الامم الديمقراطية بعضها عن البعض بالطريقة التي يسعى بها مشروع سياسي في بعده المزدوج للافكار، الى تجاوز الاختلافات الموضوعية بين الساكنات والى خلق جماعة مواطنين. مصدر شرعية الامة / الوحدة السياسية. بحيث ان الافكار والقيم تتجسد، بطريقة متفردة في الحياة الاجتماعية. فما يمكن تسميته القدرة الادماجية للامة، يتحدد بالعلاقة بين المشروع السياسي وخصوصيات الساكنات المنتظمة في امة بواسطة الدولة.
لن تصبح وحدة محلية مستقلة امة الا اذا ترافق استقلالها باحداث سياسية مؤثرة ومستدامة، قادرة على منحها الاحساس بالتفرد وفرض احترام محيطها الخارجي. فابتكار تشكل سياسي جديد يشكل بالفعل احد تلك الاحداث السياسية المؤثرة والمستدامة. مثل هذه الاحداث عرفتها انجلترا، حيث ولدت الفكرة الوطنية والنظام البرلماني. منذ القرن الخامس عشر، يجني البريطانيون الزهو بالتمتع بحرية فريدة في العالم بخصوص الاشخاص والصحافة. كان ذلك في صلب المشروع السياسي الانجليزي. من جانبهم يفتخر الامريكيون بكونهم «ابتكروا اول امة جديدة في التاريخ»، كذلك من الاحداث المؤثرة ابتكر الامريكيون الديمقراطية التمثيلية. وكما كتب ولخص الامر فيليب راينو: «قام الامريكيون بدمقرطة النظرية الانجليزية للتمثيلية، لقد اعطوا للدستور الانجليزي الطابع الجمهوري» فقد اندرج المشروع ضمن التقليد السياسي الانجليزي. فالاعلان عن الاستقلال الامريكي لم يحدث اي قطيعة عنيفة داخل البنية المؤسستية ولا في تنظيم الدولة.
ليس الابتكار السياسي هو المصدر الوحيد للمشروع السياسي. اذا كان المجتمع الديمقراطي يستتبع ان ثمة فضاء اتصالي وذاتي داخلي، حيث يمكن للمواطنين، لرجال السياسة، وللخبراء ان يتذاكروا فيما بينهم، ان يتفاهمو وان يسعو الى اقناع بعضهم البعض لمعالجة مشاكل الحياة الجماعية، فانها لا يمكن ان تكون موجودة اذا كان جميع الاعضاء لا يتقاسمون كلاما ولغة. ثقافة معينة، وعلى الاقل، بعض القيم المشتركة. والا كيف يمكن اقامة هذا الفضاء التواصلي؟
لا يمكن ان يكون كل شعور بالانتماء، كل فكرة جماعية نتاج تاريخ مشترك طويل، على الرغم من انه يكون، في الغالب، مبتكرا او جزئيا او كليا. لن يكون بوسع الانخراط الفكري في مبادئ تجريدية - حقوق الانسان، احترام دولة لقانون - ان يقوم مقام، على الاقل في المستقبل المتوقع، التعبئة السياسية والعاطفية التي يثيرها استبطان التقليد الوطني. أليس وهميا التفكير انه بالامكان -على الاقل في مستقبل قريب - ان توجد ارادة سياسية تمليها المصالح المادية وحدها او القناعات وحدها القائمة على العقل التجريدي، سياسة لا تأخذ معينها من مجموع قيم، تقاليد ومؤسسات خصوصية تحدد امة؟ فلا يمكن ان يستهين التنظيم السياسي بالاجابة عما يسميه الناس الرغبة العاطفية للمجتمع البشري.
الامة نتيجة تاريخ طويل
ليست الامة فقط ارتقاء بواسطة المجتمع السياسي التجريدي، بل كذلك واقعا اجتماعيا متدرجا في الزمان والمكان، انها نتاج تجاوز الانتماءات والهويات بواسطة السياسي، ترابط المجتمع المواطني التجريدي والواقع الملموس للمؤسسات الجماعية و الدولة. ففكرة الامة - في المعنى التحليلي - هي ان تكون فكرة ومؤسسات في نفس الآن. فلا يمكن اهمال طموح الارتقاء السياسي، ولا الحدود الجوهرية الارتقاء، بتعبير آخر الشروط الملموسة لوجود الامة التي تبرزها السوسيولوجيا. اخذت الامة الديمقراطية الحديثة لا عن المؤسسات، بل عن فكرة المجتمع السياسي نفسها وعن قيم الديمقراطية التي تمت صياغتها في صور سابقة.
اتخذ الارتقاء بواسطة السياسي اشكالا تاريخية مختلفة. فقد تولدت الديمقراطية الانجليزية عن فكرة ضمان الحريات بخلق سلطات مضادة، متأنية من التمثيلية السياسية الى القوى الاجتماعية، يقوم التقليد البريطاني على فكرة انه يتوجب - لضمان تنوع الانتماءات والارتباطات الخاصة . وكما يقول بورك داخل اسرنا تبدأ احاسيسنا السياسية، وبالامكان القول ان انسانا ليس لديه احساس بأواصر القرابة لن يكون ابدا مواطنا يهب نفسه لبلده، لا يمكن ان تكون الامة الا نتيجة لتاريخ طويل.
المواطنة، مثل الامة كل لا يتجزأ. يجب ان تنظم وتكون مضمونة بواسطة دولة مركزية، تعبيرا عن ارادة جماعية، منتجة لمجتمع. قد يكون بامكاننا ان نطبق على الامة ما قاله بيرغسون بخصوص الديمقراطية: «مجهود باتجاه معاكس للطبيعة» هي كذلك وهم في معناه عند مانهايم، بمعنى فكر قطيعة مع النظام الموجود في افق تغييره.
يعطي وجود تجمع المواطنة الشرعية للقواعد التي وفقا لها يرتقي الحكام الى السلطة ويساهمون في توزيع المنافع التجارية (عائدات، الاموال، الخدمات) واللامادية (الامن، الصحة، التربية، استخدام الخدمات العمومية) تسوية النزاعات التي لا يمر هذا التوزيع دون اثارتها، هذا يفترض ان يحترم الموطنون القوانين و الدستوري، بمعنى احترام القواعد التي تحكم سير المجال العمومي. في المعنى الواسع للكلمة. صراع من اجل الوصول الى السلطة وممارستها - ولكن كذلك احترام مجموع القواعد التي تحكم العلاقات بين الافراد.
ليس للتصويت الديمقراطي دائما كوظائف وحيدة اختيار للحكام، تمكين الناخبين من فرصة لاظهار ثقتهم او ريبتهم تجاه السياسة التي سار عليها الحكام وضبط العلائق بين المجتمع والسلطة. التصويت هو كذلك رمز للمقدس الجديد، أي مقدس المجتمع السياسي نفسه، الذي يضمن الروابط الاجتماعية ويخطط للمصير الجماعي. فالتصويت اذن هو اظهار اننا ننتمي للمجموعة السياسية الوطنية، بغض النظر عن تكريس الآصرة الاجتماعية، يظهر التصويت الديمقراطي بالملموس وجود فضاء سياسي تجريدي، يكون داخله كل مواطن مثيل لمواطن آخر تعطي الاحزاب للحياة الديمقراطية شكلها الملموس.
يفترض في بناء أمة ان يكون هناك قبول من طرف اعضائها لمنظومة قوانين ومعايير مشتركة تعطي ما اسماه ايدوار شيل «روح التوافق». اما موس فيؤكد ان «الامة، هم المواطنون الذين يحركهم توافق». التوافق يعني ان المواطنين يقبلون بالقواعد الظاهرة والباطنة التي تمكن من حل صراعاتهم بطريقة غير عنيفة، بالنقاش، بالتراضي والاحالة الى مصلحة عامة.
تتكون الامة الديمقراطية في مبدئها من افراد / مواطنين، عير محددين الا باحترام تعاقد سياسي. الامة في كل مكان هي بناء تاريخي. ليس بالامكان بناء مجتمع سياسي انطلاقا من أي شروط اجتماعية. اصبح المجتمع الديمقراطي ملموسا بما انه مصدر هوية، اخلاق، نزوعات وسلوكات جماعية ، داخل الامة الديمقراطية يتوجب على كل واحد احترام - اذا كان يتصرف تبعا لمنطق فكرة الامة الديمقراطية - كأسبقي، قواعد اشتغال المجتمع السياسي، سيما القواعد التي تضمن المساواة المنظمة والقانونية للافراد، تلك المساواة المؤسسة للنظام السياسي، الا انه من الطبيعي ان الاشكال الملموسة للمواطنة ليست ابدا ولم تكن ابدا مطابقة للطموح العقلاني للمواطنة، بشكل ملموس يجب ان يفهم المواطنون ويحترموا القواعد التي يشتغل وفقا لها ماهو سياسي، انه تجاه الشروط الثلاث التي يجب ان تخضع لها - حسب جان لوكا - المواطنة الحديثة: الايمان بمعقولية العالم السياسي، معرفة الغير التي تسمح بالتفاوض والتباحث والتشاور، اللباقة التي تمكن من تدبير «التوثر بين التمايز الاجتماعي والانتماء المشترك».
الدولة تشكل الامة
مهما تكن خصوصيات - الموضوعية والاسطورة اللامنفصمة - ولادة الامة، فإنها سوف لن تكون كافية للتأسيس لسيرورة الادماج، اذا لم يتم تجديد المشروع السياسي الاصلي، من جيل لآخر، بواسطة مؤسسات مشتركة. لن يكون بإمكان عمل الدولة ان يكون له كطموح الا اذا خلق شروط اشتغال المجتمع السياسي وارساء الخصوصية الوطنية التي تؤسس الانخراط المواطني، فالمؤسسات، بدوامها واستقرارها، في استقلال عن الافراد، تحقق وتمدد ماكان هو المشروع السياسي الاصلي.
تدخل الدولة الامة في المجال: فالامة وحدة سياسية في انتماء فعلي لتراب، تكون جميع الحدود اعتباطية، غير ان هذا الاعتباط، الموروث بواسطة التاريخ، يكون مؤقلما، بمعنى انه يعتبر على أنه طبيعي، مندرج في طبيعة الاشياء، بمعنى انه مقبول : فالحدود الجيدة هي تلك المسلم بها من طرف الامم التي تفصل بينها. كذلك، فالدور الرمزي للتراب لن يكون بالوسع الاستهانة به، الدولة تشكل الامة، في المعنى الكامل، بإعطائها جسما وبتنسيق النظام الاجتماعي حولها.
يجب ان تحدد الدولة الساكنة المشاركة في الفضاء القانوني والسياسي المشترك، من هنا دور ومعنى حق الجنسية، في معناها العملي والرمزي المزدوج، فكل امة ديمقراطية تحدد المعايير القانونية للجنسية وتبادل الى أن بإمكان الاجانب الحصول عليها، غير أن الشروط المفروضة على المرشحين اليها تتغير وفقا للحاجيات الاقتصادية والديمغرافية للبلد. كذلك ضعف المشروع السياسي في بعده الداخلي، بواسطة التدرج الخاص للعصر الديمقراطي ، الذي طرحت خصوصياته، كما هي، تحد للامة، فالشرعية الديمقراطية الحديثة تقوم على فكرة ان المواطنين يجب ان يكونوا قادرين على ممارسة بالملموس لحقوقهم، وعلى الطموح في ضمان المساواة الفعلية، من ثم فإن تدخل الدولة في النظام الاقتصادي الاجتماعي والثقافي يعتبر نتيجة ضرورية لمنطق الامة الديمقراطية.
تبدو الحقوق الاجتماعية، وهي تتزايد، كمعادل للحقوق السياسية و«المواطنة الاقتصادية والاجتماعية». اذا كانت الشرعية الديمقراطية الحديثة تقوم على كونية حقوق المواطنين وعلى منافع الدولة الرزاقة، فإن الافراد دائما توجه الى تفضيل الجانب الثاني على الجانب الاول، فالمنافسة الاقتصادية تحدث انقساما بين الناس، تغذي الصراعات بين المجموعات التي يسعي المشروع السياسي الى توحيدها، من ثم فإن تجريد المشروع من طابعه السياسي يكون تهديدا دائما للامم الديمقراطية.
بالنسبة لماكس ويبير بدأت الامة كمرحلة وكتجسيد لعقلنة العالم. تتطلب الديمقراطية مثلا عليا - ضمان المساواة بين الجميع - تكذبها معاينة الواقع الملموس. تؤكد طموحا للمساواة، لكنها لاتستطيع استئصال الفوارق بين الناس نظرا للنظام الاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من سعيها الى الحد منها على الاقل.
هامش:
(1) كتاب la communaute des citoyensلمؤلفه دومينيك اشنابير، 813 صفحة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.