نظم حزب التقدم والاشتراكية جامعته السنوية، حول موضوع «السياسة أولا.. لإنجاح المشروع الديموقراطي التنموي»، يوم السبت 09 نونبر 2024، بمقره الوطني بالرباط، في شكل جلسة افتتاحية تلتها جلستان تفاعليتان شاركت فيهما ثلة من القيادات الحزبية والأكاديميين والفاعلين السياسيين والإعلاميين، يتقدمهم عبد الحميد جماهري، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. اللقاء افتتحه نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، بحضور إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث أبرز في كلمته أنَّ الحزب حريص على البلورة السليمة لمضامين الدستور، وعلى اعتماد منطق الإقرار بالمكتسبات وترصيدها، والتي إنْ لم يحصل فيها تقدُّم فسيكون مصيرها التآكل. كما ذهب في اتجاه أن الأمر، اليوم، يتعلق بأزمة للعمل السياسي، من مؤشراتها: تراجع منسوب الثقة في السياسة؛ وكون المؤسسات السياسية لم تعد تضطلع بأدوارها كاملة؛ ووضعية الفراغ الذي لن يُملأ سوى بتعبيراتٍ عفوية. أزمة من مظاهرها، أيضاً: المس بحرية الإعلام والتعبير؛ والتدخل في القرار الحزبي، واستعمال المال في الفضاء الانتخابي والسياسي.أما الأسباب فأحالها على مسؤولياتٍ مشتركة بين الأحزاب، والدولة، والمواطن.ولمواجهة هذا الواقع، اقترح الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن تضع الأحزابُ الوطنية الديموقراطية أهدافاً مشتركة، لتجاوز الوضع الحالي، من خلال التفعيل السليم للدستور ، وحكومة وبرلمان بصلاحيات فعلية، ولامركزية حقيقية؛ ومجتمع مدني حيوي؛ وإعلام حر ومستقل. وأبرزَ متدخلون أن أزمة السياسة والديموقراطية، فعلاً، عالمية، لكن يتعين أن نكون في المغرب ضمن الاستثناءات الإيجابية. وأكد مساهمون أنه في ظل مؤشرات خطيرة، بالأرقام، لتراجع الثقة، فانعدام التقدم والتراكم في السياسة يعني التراجع، إذ نحن اليوم نوجد أمام نفس مطالب الكتلة الديموقراطية. فرغم المكتسبات ورغم تقدم النص الدستوري، لم يدخل المغرب بعدُ إلى «زمن الديموقراطية»، ولم يُنجز بعدُ مهمة «الانتقال الديموقراطي». ويظل جوهر الديموقراطية، لدى عدد من المتدخلين، متجسداً في ربط مسؤولية القرار بإمكانية خضوع كافة السياسات والقرارات للتقييم والنقد وللمساءلة. وفي هذا السياق طُرِحَ سؤال «ما الفائدة من الانتخابات إذا كان المنتخبون لا دور لهم؟ علماً أن الديموقراطية هي حُكم الشعب نفسَهُ بنفسه». كما توقفت آراء عند البناء الديموقراطي وما يعرفه من تعثرات في المسار، من تجلياته: سؤال التخليق؛ وسؤال الممارسة الفعلية للحكومة وللبرلمان لاختصاصاتهما. في حين أبرز تدخل أنه من أهم التغييرات في دستور 2011 إدراجُ بُعد إنتاج السياسات العمومية والقرار العمومي، أي ربط الجانب العملي والبراغماتي للسياسة بالبُعد القيمي والفكري والإيديولوجي للعملية الديموقراطية. وهو ما يطرح تحدياتٍ على الخطاب السياسي وعلى ممارسة السياسة. مساهماتٌ أخرى توقفت عند أبرز أعطاب السياسة، اليوم، من قبيل: سيادة الرأي الوحيد في الإعلام؛ وضُعف توفر الرؤية وبالأحرى القدرة على الإقناع بها؛ وتراجع البُعد الفكري والنضالي لفائدة أصحاب المال وأصحاب المعرفة التقنوية.ومن المظاهر المثيرة للقلق، أيضاً، تراجع قيم المشاركة والتطوع، علاوةً على سيادة تمثلات مجتمعية بعدم الجدوى من السياسة بصيغة التعميم. كما ذهبت آراء أخرى نحو تثمين التجربة المميَّزة لهيئة الإنصاف والمصالحة، حيث من المهم إحداث المصالحات اللازمة مع تاريخنا. والحقيقة، من زاوية النظر هذه، أننا لم نعد نعيش الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان كما كان عليه الحال سابقاً. واختتمت الجامعة على إيقاع الأمل، وإنْ تأرجَح استشرافُ الآفاق بين التفاؤل وما بين صعوبة التحلي به في ظل الحجم الكبير للتراجعات.ودعا مشاركون إلى أنه آن الأوان للعودة إلى السياسة كحجر الزاوية في المشروع الوطني الديموقراطي، مع إسناد دور الطبقة الوسطى في تنشيط الديموقراطية. في حين ركز مشاركون على أنه من أهم مقتضيات الديموقراطية: المنافسة الاقتصادية النزيهة والمشروعة، والتي تشوبها اليوم اختلالات كبيرة. بينما أكدت آراءٌ على أنه يتعين أن تكون، في مقابل سلطة التعيين، السيادةُ الشعبية مصدر الشرعية، وهو أهم ما جاء به دستور 2011، لكن هذا المبدأ لم يكن الدفاعُ عنه أولويةً لدى القوى الديموقراطية منذ 2011. وتوجهت آراءُ ووجهات نظرٍ أخرى إلى وجوب اعتبار الهاجس الوحيد لتدبير الشأن العمومي هو تحقيق العيش الكريم للإنسان، مع ضرورة مأسسة الحوار العمومي، ولُزوم احترام الدولة للاحتجاج لأنه تعبير عن الضمير الجمعي بوظيفة التنبيه. أما بالنسبة للوسائط المجتمعية، وأساساً الأحزاب، فاعتبرها الجميعُ حجر الزاوية في بناء الديموقراطية، لكن هناك حاجة مجتمعية إلى أحزاب ديموقراطية قوية، تحمل مشروعاً مجتمعياًّ، قادرة على تحديث خطابها وأدواتها، وعلى التخلي عن تمثلاها وأصولياتها السياسية لصالح إنتاج أفكار جديدة وفق التحولات المجتمعية، أحزاب تُحترَمُ استقلالية قرارها، وتغلِّبُ منطق الوحدة على التشتت، وتلتفُّ حول القضايا المشتركة الأساسية، ومنها الدفاع عن مكانة السياسة، أحزاب تنأى بنفسها عن تبرير بعض السلوكات السلبية للدولة لا سيما في مجال الحريات وحقوق الإنسان. وخلصت بعضُ وجهات النظر إلى أن خلق اتجاهٍ إيجابي في الفضاء السياسي الوطني يظل رهيناً بِلَمِّ شمل اليسار والقوى الوطنية والديموقراطية، وبالقدرة على تجميع المبادرات. كما انتهت آراءٌ معبر عنها إلى أن المطلوب هو تقوية العمل المشترك، وتوفير شروط التعايش الديموقراطي بين مختلف المشارب الفكرية والسياسية، وتخليق الحياة السياسية والحزبية والانتخابية، والدفع في اتجاه تغيير موازين القوى، بينما ذهب رأيٌ إلى المطالبة بتعديلات دستورية. وأكد تدخلات على أنه يتعين تقوية دور الدولة، لكن بالقانون والديموقراطية، كما يتعين تكريس حيادية المؤسسة الملكية إزاء الفاعلين السياسيين، والمنع المطلق لاستعمال الدين في السياسة، ومكافحة تضارب المصالح في الحقل السياسي المؤسساتي، وتجريم توظيف المال في الفضاء السياسي حتى يظل هذا الأخير مجالاً خالصاً لتنافس البرامج.