أثار "النداء" الذي أطلقته ثلة من المثقفين والكتاب والفاعلين السياسيين والحقوقيين، يوم الخميس 15 شتنبر 2016، على بعد أيام قليلة من انطلاق فعاليات الاقتراع التشريعي – جملة من المسائل الحيوية تتصل بواقع البناء الديمقراطي والمؤسساتي في بلادنا، وذلك بغية إثارة الانتباه إلى ضرورة ترشيد مساره، وتقويم مؤسساته . وتروم هذه الندوة، اليوم، إجراء "حوار في النداء" بقصد استجلاء منطلقاته، واستبيان أهدافه، في اتجاه تعبيد الطريق إلى انخراط أوسع للفاعلين في المجتمع السياسي وللنشطاء في المجتمع المدني، في مناقشة القضايا التي طرحها، و استدماج التوجهات التي نوه بها، بلوغا إلى تعزيز وترسيخ "الخيار الديمقراطي" الذي انخرطت فيه بلادنا، وإلى ترشيد مؤسساته، و تخليق ممارساته . و تساهم هذه المداخلة في استجلاء مقاصد "النداء" عبر التوقف عند ثلاثة محاور : - يجري المحور الأول قراءة فاحصة في روافع البناء الديمقراطي و المؤسساتي ، - و يستبطن المحور الثاني اشكالية المشهد السياسي الراهن ، - ويحاول المحور الثالث استشراف ملامح المستقبل الديمقراطي .
اولا : في روافع البناء الديمقراطي و المؤسساتي : تستند فكرة وممارسة الديمقراطية، بأبعادها القيمة والمؤسساتية والتنظيمية، إلى روافع سوسيو-سياسية ثلاث : أولها: وجود مجتمع سياسي فاعل ، حامل لمشاريع مجتمعية ناضجة، فكرية وتنموية وسياسية، مستوعبة للتحولات المجتمعية الجارية، مستشرفة للافاق المستقبلية الواعدة، ومستملكة للقدرات الذاتية، الفكرية والتنظيمية، لتأطير المجتمع المدني واستجذاب فعالياته الحية، وتفجير طاقاته النضالية، واستدماج قواه المنتجة، المبدعة في نسق المجهود الوطني العام . وفي سياق هذا المنظور الحداثي لدور المجتمع السياسي، تندرج التوجهات التي أقرها دستور البلاد، في صياغته لدور الأحزاب، وفي تنصيصه على حقوق المعارضة، وفي إعلائه من شأن الفاعل السياسي بصفة عامة . وتمثل مسالة "الديمقراطية التمثيلية" إطارا وممارسة، المجال الحيوي لفعل ونضالية الحزب السياسي في اتجاه تمثل قيمها وترشيد مؤسساتها، وتفعيل آلياتها، وتعزيز صدقيتها، لكي تجسد إرادة الأمة، و تعبر عن مصالحها ومطامحها. ثانية الروافع: وجود مجتمع مدني نشيط ، مندمج في البناء الديمقراطي، مفعل لحق المواطنين والمواطنات في صنع القرار الوطني، ومبلور لمساهمتهم في الشأن العام على قاعدة "استقلالية" دورهم، كما يذهب إلى ذلك بعض المفكرين الذين يقاربون المجتمع المدني من زاوية اعتباره "تشكيلة اجتماعية وثقافية وسياسية" من المواطنين والمواطنات، لا تخضع لأي تنظيم، أو هي بالأحرى "خارجة" عن منظمات النخب السياسية والكيانات الحزبية التي تقع تحت مسمى "المجتمع السياسي". وتشكل "الديمقراطية التشاورية" و"الديمقراطية التشاركية" آليتين هامتين لتفعيل دور وتدخل "المجتمع المدني" للمساهمة البناءة في الشأن العمومي . ثالثة الروافع: وجود دولة مواطنة، مجسدة للحق والقانون، حاملة لمشروع مجتمعي حداثي، ديمقراطي، نهضوي، تتقاطع توجهاته ومراميه مع تطلعات ومطامح الأمة، وتتموقع في دينامية مسلسل انجازه مختلف القوى الحية الفاعلة في حظيرة المجتمع السياسي والمدني . ولقد قطعت بلادنا أشواطا معتبرة في التواصل بهذا المسلسل الديمقراطي ، بمختلف روافعه الدولتية والمجتمعية ، منذ بداية الألفية الثانية )2000( عموما، و في إطار دستور يوليوز 2011 ، بصفة خاصة – وهو الدستور الذي احدث طفرة غير مسبوقة في بنية النظام السياسي، كما في مجال ممارسة الحريات والحقوق، وعلى صعيد إرساء مؤسسات المراقبة والضبط والحكامة في تدبير الشأن العام . ولا مراء، فإن هناك إقرارا جازما لدى الأغلبية العظمى من النخب المغربية، ولدى الرأي العام بأن دستور 2011 قد أحدث تحولا ديمقراطيا حاسما ، سواء على صعيد الخيارات الديمقراطية، السياسية والحقوقية ، أو على مستوى الارتقاء بدور الفاعل المجتمعي، الحزبي والمدني، أو على مستوى تكييف المزاجية العامة ، السياسية والثقافية، مع الخيارات الأساسية المعتمدة . وتقوم فعالية وإنتاجية الحكم الديمقراطي في كل زمان ومكان ، على قيام شراكة سياسية، واعية، مندمجة بين أطراف مجتمعية متوافقة، و متكاثفة : طرف الدولة المواطنة الرائدة ، المنخرطة في الخيار الديمقراطي وبناء مؤسساته الوطنية، وطرف المجتمع السياسي الملتزم، المضطلع بالتاطير السياسي والفكري لفئات المجتمع من أجل تأصيل القيم الديقراطية، و تكريس ممارستها في الحياة السياسية، وطرف المجتمع المدني الذي ينمو ويتطور في اتجاه توسيع و تعزيز مجال انخراطه في الشأن العام ، في ظل احترام "استقلالية فضائه". بيد أن شراكة المجتمع المدني مع المجتمع السياسي في بناء الصرح الديمقراطي، لا تعني تشاركا جمعيا، ميكانيكيا في الفضاء العمومي، بل تعني تشاركا جدليا، يضطلع في سياقه المجتمع المدني عبر مؤسساته الجمعوية والنقابية والمهنية النشيطة، بدور النقد أو المعارضة في القضايا والمواقف التي تستدعي موضوعيا ذلك، مما يحد من ميل السلطات الحاكمة نحو ممارسة سياسة الاستئتار أو التعسف، ويساهم بالتالي في إرساء توازن ضروري بين مركز السلطة وفضاء المجتمع . ويشكل هذا التوازن بين "الحكم" و"الحكم المضاد" إحدى شروط وروافع البناء الديمقراطي الناجز.ولذلك أصبح من المسلم به النظر إلى المواقف النقدية أو المعارضة التي يتخذها المجتمع المدني في الفضاء السياسي أو الاجتماعي العموميين، باعتبارهما إحدى أسس البناء الديمقراطي في دولة الحق والقانون .
ثانيا : في تهافتات المشهد السياسي الراهن : بالاستناد إلى الإطار المرجعي السابق في مقاربة وقراءة المشهد السياسي ببلادنا، تنتصب أمام النظر التحليلي لهذا المشهد ثلاث معضلات سوسيو-سياسية مقلقة، أضحت مربكة للعلاقات التفاعلية مابين أطراف معادلة التحول الديمقراطي المنشود، أي المجتمع السياسي، والمجتمع المدني، ودولة الحق والقانون. أولى هذه المعضلات تتصل بواقع التراجع الحاصل في قدرة المجتمع السياسي على التعاطي مع شروط ومتطلبات التحول الديمقراطي الجاري. كما تتصل بمحدودية التدخل الفاعل، الناضج الذي يمارسه المجتمع المدني في الفضاء العمومي. • ففي الغالب الأعم، شابت تعاطي المجتمع السياسي مع المقتضيات الدستورية الجديدة تهافتات واختلالات أضحت تنعكس سليا على التأويل القويم، والتنزيل السليم لروح الدستور ومقتضياته. وتكمن محددات هذه المفارقة الماثلة في تباطئ وثيرة تكيف الفاعل السياسي في المجتمع مع حقيقة وبنية المعمار الدستوري الجديد من جانب، وفي طغيان الهاجس الظرفي إزاء التحديات والرهانات الضاغطة على المنظور المستقبلي بما يتطلبه من تضحيات، ويستوجبه من نكران الذات من جانب آخر . وقد ساهمت جملة من المتغيرات الطارئة على المشهد السياسي، منذ مستهل القرن الجديد، في استفحال هذه المفارقة . أول هذه المتغيرات: يتمثل في انفراط عقد " الكتلة الديمقراطية" التي ضمت أحزابا وطنية، ديمقراطية عتيدة، وشكلت تحالفا وطنيا قاد حكومة "التناوب التوافقي" الذي شكل منعطفا حاسما في المسلسل الديمقراطي ببلادنا. وقد ترتب عن انفراط عقد هذا التحالف الوطني ميلاد دينامية جديدة، في اتجاه إعادة تشكل جديد للمشهد السياسي المغربي، مازال مفعولها متواصلا إلى اليوم . ثاني هذه المتغيرات: يتمثل في تبلور أغلبية سياسية جديدة، في أعقاب الانتخابات التشريعية الأولى، في ظل دستور 2011 – بقيادة "حزب العدالة والتنمية". واعتبارا لشروط الظرف الاستثنائي، الجهوي والوطني، الذي أنجب هذه الأغلبية السياسية الجديدة، ذات الرؤية والمرجعية المحافظتين، في ظل دستور يكرس مقومات الحداثة، وفي مناح سياسي يتسم بتصاعد التوترات الاجتماعية، وتنامي الاحتجاجات المطلبية، واحتداد المنازعات الفكرية، فقد طغى البعد الظرفي وهيمن الهاجس الانتخابي على اهتمام وفعل هذه الأغلبية . ثالث المتغيرات: وهو محصلة المتغيرين السابقين، ينصب على معمار النظام السياسي كما صاغه الدستور الجديد، وهو المعمار الذي يخول لرئيس الحكومة صلاحيات تنفيذية وتنظيمية غير مسبوقة، كما يوسع الصلاحيات التشريعية و الرقابية للبرلمان بغرفتيه... وهو تطور ديمقراطي، وارتقاء مؤسساتي باتا يفرضان مواصفات محددة، وممارسات معينة على مستوى فعل وممارسة السلط الدستورية، وفي مقدمها السلطة التنفيذية الحكومية، مواصفات وممارسات قوامها الشفافية والفعالية والمسؤولية، سواء على مستوى الخطاب السياسي، أو على مستوى العلاقة بالسلط الدستورية المقابلة، أو على المستوى العلاقة التفاعلية – التواصلية مع المواطنين والمواطنات بصفة عامة. وقد ترتب عن هذه الشروط الموضوعية والذاتية التي أحاطت بتجربة الأغلبية السياسية الجديدة، وكيفت، إلى حد كبير، حصيلة "التناوب الديمقراطي" الجديد، ثلاثة اختلالات لافتة : أولها : افتقار التحالف الحكومي إلى عنصر التماسك السياسي من جانب، والى عنصر التجانس أو التقاطع الإيديولوجي من جانب آخر، وهو الاختلال الذي تسبب في نشوب أزمات في بنية التحالف، وتوترات في ممارسته، ثاني الاختلالات : يتعلق بتشكل معارضة جديدة أفرزتها طبيعة ونوعية الأغلبية الحكومية الجديدة، فنشأت معارضة ذات طابع ظرفي، تجمع بين كيانات حزبية، متباعدة الرؤية والعقيدة: ليبرالية ومحافظة و يسارية، لا تستطيع مكوناتها الانصهار في بوثقة مشروع مجتمعي مندمج، ولا تتمكن من استجماع مقومات تحالف سياسي مستدام . وقد ترتب عن الاختلالين السابقين تبلور ما يشبه قطبية حزبية ثنائية في الفضاء السياسي، تخترق معسكري الأغلبية والمعارضة معا، وهي ثنائية قطبية لا تعكس بالضرورة الواقع السوسيولوجي بالبلاد، وبالتالي فإنها لا تلبث أن تشيع نوعا من الغموض حول تمثيلية ودور الفئات والقوى الشعبية التي تتموقع في معسكر اليسار . الاختلال الثالث : وينصب على تعذر انجاز حصيلة مكتملة من قبل الائتلاف الحكومي في سياق "التناوب الجديد"، حصيلة تتجاوب والانشغالات الحادة في مجالات حيوية، مؤسساتية واقتصادية واجتماعية. فقد تحكم الاختلالان السابقان في وثيرة العمل الحكومي برمته بالرغم من جهود الائتلاف الحكومي، سواء تعلق الأمر باحترام الأجل الدستوري في تنزيل القوانين التنظيمية المفعلة للدستور )الفصل86(، أو تعلق بانجاز فعلي ممنهج للبرنامج الحكومي المعلن عنه في تصريح الحكومة أمام البرلمان. • ومن جهة أخرى، فإن دور وفعالة المجتمع المدني في هيكلة الفضاء العمومي، وتوسيع الانخراط الضروري للمواطنين والمواطنات في مسؤولية النهوض بالشأن العام، وترشيد الممارسة الميدانية لتكون أكثر تمسكا بحقوق وواجبات المواطنة- ما يزالان في حاجة ماسة إلى التنمية والترقية، خاصة في ظل ما تعرفه التنظيمات النقابية والمهنية من تراجع، وفي ظل ما يتسم به الفضاء الجمعوي من محدودية في الفعالية.
ثالثا : في استتشراف المستقبل الديمقراطي : أمام المعطيات المكرو-سياسية السابقة، تحتد الانشغالات المشروعة، وتتناسل التساؤلات الهادفة حول مستقبل المسلسل الديمقراطي ببلادنا. I - واعتبارا لما يمثله دور المجتمع السياسي من أهمية بالغة في تعزيز "الخيار الديمقراطي"، وتسريع مساره، فإن مساءلة المنظومة الحزبية ببلادنا في مجال إصلاح الذات، وترشيد الفعل، وتجديد المشروع، وتثوير المقاربة، تصبح ذات موضوع ، خاصة وأن المغرب على عتبة ولاية تشريعية جديدة في ظل الدستور الجديد . وتدل مختلف تجارب التحولات الديمقراطية الرائدة في عالمنا المعاصر على أن مسؤولية المجتمع السياسي في إنجاز الانتقال الديمقراطي لا تقل أهمية عن مسؤولية الدولة، بل بمثل الطرفان في هذا المجال فرسي رهان في حلبة السباق الديمقراطي، يستثير السابق منهما عزيمة اللاحق، في سياق جدلية بناءة تكون محصلتها النهائية إرساء صرح الديمقراطية . ومن تم، فإن مسألة إصلاح الحقل السياسي في اتجاه ترشيد تعدديته، وتوسيع قاعدته، وتخليق مقارباته، ودمقرطة ممارساته، وترسيخ قيم الوطنية والمواطنة والتقدم والتسامح والانفتاح، لتتأصل في صميم نسيجه الفكري ومنزعه الثقافي – إنما تشكل شرطا لا غنى عنه في سبيل تأهيل المجتمع السياسي للاضطلاع بمسؤوليته كاملة، على طريق انجاز التحول الديمقراطي المنشود. ويشكل هذا الانشغال المشروع إزاء واقع ومستقبل المجتمع السياسي ببلادنا، أحد أسباب ومقاصد نزول " النداء" الذي أطلقته ثلة من الشخصيات الوطنية والفكرية و الثقافية و الحقوقية والإعلامية و السياسية يوم 15 شتنبر 2016 . II - أما الانشغال الثاني الذي تستبطنه مبادرة إطلاق "النداء"، فهو الانشغال الذي يطال مسألة ترشيد وتعزيز المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي في المغرب. وفي هذا الصدد، فإن تعزيز جهد الدولة في ترسيخ احترام الحريات الفردية والجماعية، وفق مقتضيات القانون، وحماية التعددية الحزبية، والتداولية الديمقراطية على السلطة الحكومية وفق نتائج الاقتراع التشريعي، وتعزيز منظومة الضمانات القانونية والقضائية والإدارية، لصيانة حرمة الاقتراع، وضمان نزاهته وسلامته – تشكل مرتكزات أساسية وإجراءات ضرورية لتعزيز الخيار الديمقراطي وحماية مساره. ومن جهة أخرى، ينبغي أن تحظى مسألة تعزيز البعد الاجتماعي في برامج ومشاريع وخطط التنمية الشاملة بأهمية بالغة، مما يتطلب إرساء نماذج فاعلة، مبدعة، وازنة في مجالات التكوين والتشغيل ومحاربة الفقر و التهميش و الهشاشة . و في هذا المضمار فان تكريس الاقتران التلازمي بين التوازنات الاقتصادية والتوازنات الاجتماعية في مضمار التنمية، ينبغي أن يشكل حجر الزاوية في مسلسل التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد . إذ أن ذلك يشكل آلية فعالة من آليات تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يظل الرهان الأعظم للسياسات العمومية للبلاد . واعتبارا لما تمثله قضايا تحصين هيبة الدولة، وتعزيز سلطة القانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة والسلطة بالمشروعية، من أهمية فائقة في تمتين كيان الدولة، وترسيخ تماسك المجتمع – فإن التزام مكونات الحقل السياسي، وانخراط فعاليات المجتمع المدني، في التمسك الصارم بهذه المبادئ المؤطرة لتعايش وتلاحم واستقرار الجماعة الوطنية ، إنما يجسدان إحدى الأسس المتينة في بنيان الدولة الديمقراطية الحديثة . III - وأخيرا فان العمل على تعزيز و تنمية دور المجتمع المدني، باعتباره الإطار الأوسع والمجال الأرحب لممارسة المواطنين والمواطنات لدورهم، وتحقيق مواطنتهم، ليمثل حلقة مفصلية في منظومة المؤسسات الديمقراطية. وفي هذا الصدد فإن تنمية الديمقراطية التشاركية والديمقراطية التشاورية ليشكل ضرورة ملحاحة في هذا الاتجاه. ذلك إن تجدر "النموذج الديمقراطي" في فكر ومزاجية وسلوكية المجتمع لا يتأتى، بكل تأكيد، إلا إذا تمكن المجتمع المدني من فرص رجحان دوره في الفضاء العمومي، واستملاك آليات ووسائط مساهمته في صياغة وصنع مستقبله. وغني عن البيان، أن النظام الديمقراطي لا يكون ممكنا إلا إذا تم تبنيه من قبل أغلبية الفئات الاجتماعية والمجموعات المجتمعية التي لها مصلحة حيوية في ذلك. ومن تم فإن دور النخب الفكرية والثقافية والمجتمعية المناضلة في تأطير فعاليات المجتمع المدني، بغية ترشيد خياراته وتطوير ممارساته، على قاعدة التقيد الحازم بالمرجعيات والثوابت الوطنية المشتركة من جهة، وفي اتجاه الارتقاء بدوره في الفضاء العمومي، وإثراء تفاعلاته الجدلية مع شركائه في المسار الديمقراطي من جهة أخرى، ليشكل في نظرنا مهمة حيوية في سياق الانتقال الديمقراطي . إنها مسؤولية تضاهي في أهميتها مسؤولية المجتمع السياسي في تقويم الوضع الديمقراطي للبلاد .
خاتمة : إن إطلاق مبادرة "النداء" في هذا الظرف السياسي الدقيق، ليكتسي طابعا بالغ الدلالة، إنه نداء المسؤولية الفكرية، وعنوان الإرادة النضالية والجدارة السياسية من أجل استلهام روح الدستور وتمثل مقتضياته الرامية إلى تعزيز دمقرطة النظام السياسي، ومأسسة المجتمع المدني، وتعزيز دور ومصداقية المؤسسات الوطنية، وضمنها الأحزاب السياسية والهيئات المجتمعية، واستشراف ملامح مستقبل المغرب، دولة ومجتمعا، وهو ينعم في بحبوحة من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي والمدني . إن بلدنا يتمتع، بحمد الله، بحظوظ سوسيو- سياسية لا تقدر بثمن: فهو ينعم بالاستقرار السياسي ، والوئام المدني، وينخرط في دينامية الإصلاح الهيكلي، الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي. كما يحظى بإرادة سياسية متجددة في السير قدما نحو مزيد من التأصيل الديمقراطي والتحديث المدني، والنهوض الحضاري. وجدير بهذه المؤهلات والانجازات أن تجعل منه نموذجا دوليا يحتدى، وقطبا جيو-سياسيا يقتدى. وتشكل ظاهرة الانجذاب الإفريقي نحو النموذج المغربي في الدمقرطة والتنمية، ومظاهر الاعتراف الدولي بواقع النهوض المغربي – مؤشرات دالة على ما تعرفه بلادنا من تحولات وتطورات وانجازات تواكب و تتفاعل مع الأجندات الأممية الرائدة، الواعدة في مجالات التنمية المستدامة )أهداف الالفية للتنمية(، والحماية البيئية )كوب 22( والسلامة الأمنية )المنتدى العالمي لمحاربة الإرهاب( .