«حقوق كاملة للنساء من أجل مواطنة كاملة» هو موضوع الندوة التي نظمتها بمراكش، مساء السبت 11 مارس 2023، الكتابة الجهوية لمنظمة النساء الاتحاديات لجهة مراكشآسفي، مشكلة فضاء لتقديم مطارحات حول أشكال التمييز ضد المرأة وسبل الإصلاح اللازمة على مختلف الأصعدة التشريعية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أجل إحقاق المساواة الكاملة وتمكين المرأة من المشاركة على قدم المساواة مع الرجل في صنع القرار. الندوة التي حفلت بحضور مهم لأعضاء من المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي ولنائبات ونواب برلمانيين وأعضاء الكتابة الجهوية وكتاب الأقاليم وجمهور غفير من مختلف أقاليم الجهة جلهم من النساء، سلطت الضوء من خلال المداخلات الوازنة للمشاركين فيها على مختلف المداخل التي ينبغي الترافع من أجلها بغاية الوصول إلى مواطنة كاملة بدون تمييز. فكما قالت الأستاذة ميلودة حازب التي سيرت الندوة، في كلمتها التقديمية، فالنساء والرجال متساوون في الواجبات، لكنهم ليسوا كذلك في الحقوق، والدليل على ذلك ما تحفل به التشريعات المغربية من أشكال التمييز كما هو الأمر في قانون الأسرة والقانون الجنائي وقانون الشغل، إضافة إلى غياب تكافؤ الفرص، كما أن الكوطا المخصصة للنساء ليس لها أي تأثير على الحضور السياسي للنساء وتأثيرهن في صنع القرار. مؤكدة أنه من دون مشاركة فعالة ومؤثرة في القرار فإن المواطنة تظل ناقصة. حنان رحاب، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي والكاتبة الوطنية لمنظمة النساء الاتحاديات، أكدت في مداخلتها أنه ليس هناك من حق كامل للنساء من دون شجاعة للمشرع المغربي، مضيفة أن إقلاع الحق السياسي للمرأة معرقل داخل المؤسسات السياسية سواء البرلمان أوالأحزاب. واعتبرت رحاب أن أي تشريع حقيقي يجب أن يمر عبر تطبيق مقتضيات الدستور الذي يقر بالمساواة والمناصفة، مبرزة في هذا الصدد الحاجة الملحة لإعادة النظر في القانون التنظيمي للأحزاب السياسية والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية، والقانون التنظيمي لمجلس النواب ومجلس المستشارين. لأنه من أجل تجاوز الثلث والوصول إلى النصف كحق للنساء للمساهمة في الحياة السياسية، يجب أن تكون هناك قوانين ملزمة. وأكدت حنان رحاب أنه لتحقيق الإقلاع الحقوقي للنساء ببلادنا، لا ينبغي أن تكون هناك نخب سياسية متخلفة عن الدستور، وتفتقد للشجاعة لإقرار حقوق المرأة. موضحة أنه بدون هذه الشجاعة داخل المؤسسات السياسية، لا يمكن إحداث تغيير جوهري في القوانين كمدونة الأسرة والقانون الجنائي وقانون الجنسية وغيرها. مشددة في ذات السياق على أنه لا ينبغي الحديث عن التقدم في حقوق الإنسان مع وجود تعثر في مجال إقرار الحقوق الكاملة للنساء، وفي مقدمتها الحقوق السياسية. وخلصت رحاب في مداخلتها إلى أن الكرة توجد الآن في ملعب الأحزاب السياسية، داعية إلى الدخول في دينامية مجتمعية للتحضير لسنة 2026 بنفَس يحقق الكرامة للنساء. ومن جهتها دعت الفاعلة السياسية والوزيرة السابقة نزهة الصقلي إلى تغيير الرؤية بخصوص قضية الحقوق السياسية للمرأة وعدم الاقتصار على المشاركة والكوطا، مؤكدة على ضرورة التركيز على تقاسم السلطة بين النساء والرجال اعتمادا على مبدأ المناصفة. ونبهت الصقلي إلى أن مطلب تقاسم السلطة بين النساء والرجال لا يعني أن كل شيء في المنظومة السياسية على ما يرام، إذ ينبغي الاعتراف أن هناك أزمة وفقدانا للثقة في المؤسسات المنتخبة وعزوفا عن المشاركة السياسية، معتبرة أن هناك فرصة للديمقراطية في حل هذه المشاكل بإعطاء جزء من السلطة للنساء للمساهمة في استرجاع الثقة. وسجلت المتحدثة أنه عندما غابت النساء في المؤسسات، غابت أيضا حقوقهن، ملاحظة أنه بفضل حضورهن السياسي أصبح هناك حوار أقوى بخصوص حقوقهن، وقضايا لم تكن تُثار من قبل كالعنف ضد المرأة وغيرها من القضايا. واعتبرت في هذا الصدد أن الرهان الأساسي هو إسماع صوت النساء وتحقيق المساواة من خلال مجموعة من القوانين كتلك الخاصة بالأسرة والاستفادة من السياسات العمومية، حيث ينبغي لورش الحماية الاجتماعية أن يأخذ في الاعتبار النساء في تنوع أوضاعهن. وفي السياق نفسه، أكدت الصقلي على ضرورة مراعاة كل أنواع الأسرة، التي ينظر إليها المشرع على أنها مشكلة من الأب والأم والأطفال، في حين هناك أنواع أخرى ينبغي الاعتراف بها كالأرملة، والمطلقة، والمعلقة بين الزواج والطلاق، والمتزوجة عرفيا ينكر زوجها ذلك…منبهة أن التعويضات العائلية ودعم المعوزين (كما حدث في زمن الجائحة) والإعانات، تقدم لرب الأسرة، وهو ما يؤدي لتفقير النساء. وشددت نزهة الصقلي على ضرورة تقاسم الثروات بالمناصفة، مبرزة أن دخل الرجال يفوق أربع مرات دخل النساء بالمغرب، وهو ما يؤثر على مؤشرات التنمية البشرية، مسجلة أن عدم استقرار الأسر المغربية ناتج عن الظلم والتمييز الذي يطال المرأة، بما في ذلك مسألة الإرث. لتخلص إلى أنه لكي يصير المغرب بلد التقدم والعدالة والمساواة، يجب تقاسم السلطة والقدرة على صنع القرار بين الرجال والنساء. وبدوره أثار محمد الغالي، عميد كلية العلوم القانونية بقلعة السراغنة، مجموعة من الإشكالات التي يؤججها مفهوم المواطنة الكاملة، ومن ضمنها مفهوم الولاء الذي أضحى مشحونا بعدد من المشاكل في ظل الثورة التكنولوجية. وبعد استحضار مفهوم «العبودية المختارة» للابويسييه محذرا من السقوط فيه، أكد أن حقوق المرأة مرتبطة بمفهومين أساسيين هما الحرية والعدالة، منبها في هذا الصدد إلى أن موضوع المرأة لا ينبغي إخضاعه لمنطق التوافق، وهو من القضايا التي ينبغي أن تكون موضوع صراع اجتماعي لأنها لا تقرأ من زاوية وحيدة، والإجماع فيها يكون مضرا وغير صحي. وشدد الغالي على أنه بالنظر إلى مجموعة من العوامل فموضوع المرأة يجب أن يكون صريحا وواضحا على مستوى الصياغة التشريعية بعيدا عن فتح الباب واسعا لكثرة التفسيرات. وأكد محمد الغالي أن الحرية كمقوم لحقوق المرأة تتحقق بتوفر ثلاثة عناصر هي المعرفة الواعية والقدرة على الاختيار والقدرة على تنفيذ هذا الاختيار. مؤكدا في هذا الصدد على العلاقة الجدلية بين الحرية والعدالة، فعندما يكون هناك اختلال على مستوى العدالة يكون هناك مشكل على مستوى الحرية. وشدد الغالي كثيرا على أهمية الورش الثقافي، مؤكدا أن الإقلاع الحقوقي للمرأة يستدعي إقلاعا ثقافيا بتغيير التصورات السلبية تجاه المرأة، التي تعطل على أرض الواقع كل مجهود يبذل أو إصلاح ينجز. وأشار إلى العائق الذي تمثله العقلية الذكورية، وتأثيرها على تطبيق القوانين وإفراغ الإصلاحات من جوهرها، ليخلص إلى أن السلطة التقديرية الممنوحة للقضاة تقتضي التشبع بثقافة المساواة، لأن القاعدة القانونية في معناها الجدلي هي تعبير مكثف عن الثقافة السائدة داخل الجماعة المعنية. وفي مداخلتها أكدت الفاعلة الحقوقية زهرة صديق على أهمية أن تتحلى الأحزاب السياسية بالجرأة اللازمة في تناول قضايا المرأة، مشددة على ضرورة حضور النخب في الترافع عن المساواة الكاملة بين الجنسين. وبعد تأكيدها أن الحداثة تقتضي الاعتراف بالمساواة وتطبيقها من دون إنقاص، أبرزت صديق مظاهر التمييز التي يعرفها الجانب التشريعي، كما هو الحال في مجال قانون الأسرة، وتكريس التمييز بين الأطفال المولودين في إطار علاقة الزواج والذين ولدوا خارج هذه العلاقة، وكذا زواج المغربية بغير المسلم، والإرث وتزويج القاصرات، مضيفة أن القانون الجنائي محكوم بنفس العقلية المحافظة والتمييزية، كما يظهر ذلك في قضايا الاغتصاب وما يعرفه من تمييز بين المتزوجة وغير المتزوجة، وكذا عدم تجريم الاغتصاب الزوجي، وتجريم عدد من الحقوق كالعلاقات الرضائية بين الراشدين، وتجريم الإجهاض الطبي الآمن، وعدم توفر القوانين على الحماية الكاملة للنساء من العنف. كما وقفت صديق عند مجموعة من مظاهر التمييز واللامساواة التي تطال المرأة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وضعف اعتماد مقاربة النوع في السياسات العمومية، لتخلص إلى مجموعة من التوصيات بخصوص المشاركة السياسية للنساء، أكدت فيها أنه ينبغي الانتباه إلى أن المشكل ليس فقط في القوانين ولكنه كامن أيضا في الأحزاب السياسية، التي ينبغي أن تلتزم بتفعيل الفصل 19 من الدستور، داعية إلى الحسم مع ازدواج المرجعية بوضوح وشجاعة. وشددت صديق في توصياتها على ضرورة تجاوز مسألة الكوطا، والذهاب إلى أساليب أخرى مثل اعتماد لائحة رجل وامرأة في الاقتراع، ومقياس الكفاءة للجنسين معا لا أن يطبق على النساء لوحدهن، لتستنتج أن تناول قضايا التنمية غير ممكن دون التأسيس للمساواة بين الجنسين في مختلف المجالات. أما الأكاديمية فاطمة الزهراء إفلاحن فقد وجهت في مداخلتها نقدا لاذعا لفكرة التمكين التي اعتبرت أن وقتها قد فات، لأن هذه الفكرة تنبني على تصور وكأنما النساء ينتظرن في وضعية قصور مَن يأتي لمنحهن القدرة والإمكانية، في حين أن الأمر يتعلق بحقوق ثابتة ومشروعة. ونبهت إفلاحن إلى أن موضوع الحقوق الكاملة للنساء ليس ترفا ولا نقاشا موسميا مرتبطا بموعد ثامن مارس، الذي هو موعد لتحديد الوضعية الحقوقية للنساء وليس احتفالا، بل هو نقاش دائم، ونضال مستمر من أجل تمكين الجميع من حقوقه. مؤكدة أن الأمر يتعلق بمطلب العدالة الاجتماعية، وحق من حقوق المواطنة، وبعد من أبعاد تدبير حقوق الإنسان. وشددت المتحدثة على أن المواطنة ليست معطى قانونيا فقط، وإنما تحتاج إلى التثبيت على أرض الواقع، لذلك فالأمر يتعلق بالأساس بمشروع مجتمعي، لتنصرف إلى ذكر مجموعة من مظاهر الاختلال التي تخص حضور المرأة في موقع التسيير بالجامعة التي من المفروض أن يتصرف الفاعلون فيها كنخبة. فخلال 45 سنة من عمر جامعة القاضي عياض لم ترأسها أبدا امرأة، ومن أصل 15 مؤسسة تابعة لها ثلاث مؤسسات فقط يوجد على رأسها نساء، وفي 57 مختبرا ثلاثة فقط منها التي يدرنها نساء، وفي مجال التكوين فالفتيات يظهرن نتائج متفوقة على الذكور في المرحلة الجامعية الأساسية، لكن في مرحلة التخصص (الماستر والدكتوراه) يقل عددهن. وفي مجال الطب، رغم تفوق النساء إلا أن أغلبهن ينصرفن إلى الطب العام أو طب التوليد وطب الأطفال. واعتبرت أن هذه المظاهر تسائل الجميع، وتعبر عن الحاجة الماسة لإرادة سياسية صادقة. وأكدت فاطمة الزهراء إفلاحن أن ثقافة المساواة تغير الممارسات وليس فقط التمثلات، موضحة أن الأمر في حقوق النساء يتعلق بصراع اجتماعي، وكجميع الصراعات السياسية فهو يدخل في دينامية القوى. مشددة على دور التعليم والتأهيل الثقافي للمجتمع بشكل عام وللنساء بشكل أخص، لأنه لا يمكن النضال من أجل حقوق نجهلها، وهي حقوق لا ينبغي أن تتجزأ، لتخلص إلى أن ما نصنعه اليوم يحدد ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. وعرفت الندوة نقاشا مستفيضا لجوانب مختلفة متعلقة بقضية الحقوق الكاملة للنساء وتثبيت المساواة وتغيير العقليات والجبهات التي ينبغي أن يدار الصراع على أساسها.