«أموات يسبحون في قبورهم» بمقبرة الغفران ! هذه ليست مزحة أو نكتة ولا أبدا رؤية أو حلم.إنها للأسف، الحقيقة المُرة والواقع المشهود الأليم ! ومقبرة الغفران، تابعة جغرافيا لتراب عمالة إقليم مديونة فوق تراب المجاطية ولاد طالب. كانت –بالأمس- بيد معمرين، وأصبحت تابعة للدولة.وعندما تم استرجاعها تمت تهيئتها كمقبرة. ومساحتها في حدود 135 هكتارا.وفي متم شهر يوليوز من عام 1989، شرعت المقبرة في احتضان الموتى. ولقد ارتفعت في السنوات الأخيرة، عدة أصوات متذمرةً من سوء تدبير مقبرة الغفران.وبالفعل كانت الآذان صاغية، وبدأت إصلاحات فيها،ولم يعد الزائرون يلاحظون»الشماكرية» و»الشفارة»، والمشردين، الذين غالبا ما يعرقلون عمليات الدفن، والمتسولين ، الذين يلحون على أخذ الصدقة عُنوة، وتمت تنقية المقبرة من الأشواك، ومن الكلاب الضالة والحشرات، وتم تخصيص ممرات وتعبيدها وترقيمها وتسميتها، وتجيير المقابرالعائلية الباهظة الثمن لوقوعها بالواجهة. لا أحدَ ينكر ما تم إنجازه بالمقبرة، لكن ما لا يمكن قبوله واستساغته، هو أن تُطل بعض الأقلام ممن يحاول إخفاء الشمس بالغربال، لتنفي جملة وتفصيلا ما خلفته الأمطار الغزيرة من أضرار قاسية بالقبور، فتتحدث عن أن ما تلوكه الألسنة حول تداعيات الأمطار على المقبرة مؤخرا، مجرد نفخ وتهويل .. ولا أساس له من الصحة ! لكن إذا زرت الغفران الساعةَ، أدهشك منظر كثير من القبور غائصة في الماء أو مدمّرة كليا أو انمحت من وجه الأرض الفلاحية، وأبصرت الزائرين يهيمون بين القبور، ينظرون يمنة ويسرة علّهم يتبينون قبرا لقريب لهم. ولعل الذين اشتروا قبورا وزلّجوها وجعلوها طبقة أو طبقتين ورخّموها ، كانوا يتوقعون صروف الزمن، لذلك قاومت الرياح والأمطار، أما باقي كثير من القبور، فضاعت شواهدها، وتضررت كثيرا، إن لم نقل أصبحت أثرا بعد عين. المثير، أن كثيرا من الناس يدفعون لِقاء دفْن قريبٍ لهم مالاً يتفاوت تفاوتا فاضحا، فالشركة التي تكفلت ببناء القبور،لايهمها -فيما يبدو- سوى الكسب.ولو تحدثنا عن تلك القبور المزلّجة، لحكى أكثر من واحد عن أن الشواهد تحمل أسماء موتى خاطئة ، فمَن لقبُه العائلي الحجاج مثلا يُكتب على الشاهد، «الحاج». ومن اسمه عبد السلام مثلا يُكتب «سلاّم» ، هكذا من غير تدقيق أو مسؤولية.ومن يدرك الخطأ من الزوار، يُطلًب منه مهلة عشرين يوما لتصويبه، ومن لم يزر ميتَه منذ دفنه، وعاد بعد فترة، لن يعرف القبر أكيد، لأنه يحمل اسما شخصيا أو عائليا خاطئا.وأما عن عملية تشييد القبر،فحدّث:تؤدي ثمن القبر، وتشترط شروط بنائه، وما يكاد يمر حول حتى يتكسر الزليج، وتحدث ثقوب غائرة بالقبر، ما يسمح بسحب الجثة من لدن مشعوذين أو وسائط لهم، الذين لا يجدون صعوبة في تخطي سياج المقبرة القصير إلى حد الساعة، أو أكلها من طرف حيوان ضال.. ولقد تناهى لبعض المشعوذين والمشعوذات والدجالين واقع مقبرة الغفران المؤسف الأخير، فحلوا بها متنكرين في صفة مجرد زائرين علهم يظفرون بعظم ميت أو جزء من كفنه.. وما أثارني شخصيا أني وجدت قرب قبر والدتي رحمها الله، حزمة ملفوفة، فتحتُها بعناية ، فقرأت بها أدعية.وربما لو بحثنا في جهة أخرى حيث القبور مهشّمة أو بها حُفْرات غائرة، لوجدنا حزمات ملفوفة قد يكون بها شيء مما يدسه أهل الشر والشعوذة من طلاسم وحروزات أو رزمات بها شعر وأجزاء من الثياب والأظافر وصور محترق نصفها أو ممزقة إلى أجزاء..من يدري؟ يقف بعض الزوار أمام البرك التي تغطي قبور الغفران مشدوهين !ولقد دعا البعض إلى أن يحضر من له ميت ، حتى يسارع لشفط الماء عن القبر وترميمه، وإعادة شاهده الذي يوثق لاسم فقيده وتاريخ وفاته. وهذه الدعوة، وهذا المطلب-مردود وعجيب طبعا، لأن للمقبرة شركة منوط بها تدبير المقابر.. ومجموعة جماعة التعاون الاجتماعي.. وكلهم مطالبون بتجفيف المقبرة، وصيانتها ، لكن هاته المرة، لايكون ذلك كيفما اتفق.لا محيص بعد أن يتحسن الطقس، من أن تستخرج الإدارة من حواسبها أسماء الموتى واحدا واحدا وحسب سنة الوفاة وتعيد كتابتها على شواهد لها كتابة واضحة وصحيحة، إن ضاع شاهد أو أتلفت الأمطار ما به من معطيات عن الفقيد، وهكذا تعيد القبور إلى نصابها. إن من حق المواطنين أن يطمئنوا على موتاهم، يؤدون ثمن القبرفحسب، ولادخل لهم في مسألة الصيانة..ولا ذنب لهم إن كانت المقبرة لم تعرف عند عملية الإعداد مخططا هندسيا يراعي قنوات الصرف تفاديا لظهور برك وضايات تغمر القبور كلما انهمرت الأمطار.قال لي جاري، وهو في إيطاليا الموبوءة اليوم بكورونا، أفضل أن أموت في مقبرة تحترم آدميتي،في مقبرة مراقبة بالكاميرات وبحراس ليل نهار وصيانة باستمرار..وأنعم بهدوء وسكينة، لا أسمع أصوات المتسولين ولا يجلس على قبري أحد، ولا أخشى حيوانا أو مشعوذا، ولاتبلل كفني الأمطار !