احتفال مخنوق وتذمر وخوف، هكذا تحيا مراكش الأيام الأخيرة من سنة 2020 وتستعد لاستقبال السنة الجديدة بعد الإجراءات التي فرضتها الحكومة لثلاثة أسابيع لمحاصرة انفلات وبائي محتمل من حظر للتجول ابتداء من التاسعة ليلا و إغلاق المطاعم ومنع التجمعات. وخلافا لما اعتادت عليه مراكش وساكنتها في مثل هذه المناسبة، حيث تتصدر أخبار المشاهير الذين يقصدونها لقضاء ليلة رأس السنة مختلف المنابر، وتسجل الفنادق أعلى نسبة للملء وترتفع أسعار السهرات الخاصة بهذه الليلة، وتكتظ الشوارع بالزوار وتختنق حركة المرور بها بسبب الآلاف من السيارات القادمة من مدن أخرى، و تعتمد السلطات إجراءات استثنائية لضمان سيولة التحرك بها، و ينشط كراء الشقق المفروشة المنتوج المفضل لشريحة واسعة من الزوار المغاربة ويحيا الناس على وقع حماس استثنائي يشجعه الرواج الاقتصادي الطارئ الذي يرافق الاحتفال، وهي أجواء تحول مراكش في حد ذاتها إلى حدث كبير، خلافا لكل ذلك تخفي البهجة المنكسرة لهذه السنة بالمدينة الحمراء انتكاسة متشعبة في مختلف القطاعات وتعبر الحياة و الناس والمكان. في الأيام الأخيرة من سنة 2020، هذه السنة التي حولها وباء كورونا إلى نكبة عالمية جعلت الجميع يرجون رحيلها السريع، غزت الكآبة ليل مراكش. لا أشجار سابان صغيرة تزين الواجهات و لا إضاءة مفرحة و لا عروض مغرية من قبل المطاعم و لا وعود بسهرات ممتعة، و لامحلات تعرض الشوكولاط و الهدايا الصغيرة. فقط حسرة و تجهم. في السابعة مساء تشرع المحلات في إغلاق أبوابها، و بعد أقل من ساعة تتحول كل الشوارع إلى وجه مقفر بلا ملامح يغلفه الحزن. فتزداد معها حركة مسعورة في الطرق للناس الذين يفرون دفعة واحدة مسرعين إلى بيوتهم قبل أن يحين وقت الحظر فتخرج دوريات الشرطة و حملات السلطة التي تتصيد المخالفين. قرب الفنادق التي غامرت بفتح أبوابها عشرات من سيارات الأجرة التي تقف في عطالة مدمرة في انتظار يائس لنزوة زبون أو لطارئ يدفعه للمغادرة. إنهم يمنون النفس بما لن يأتي. مراكش التي نمت في العشرين سنة الأخيرة في مثل هذه السنة اقتصادا متكاملا للاحتفال يستفيد منه الجميع من بائع الحلوى إلى سائق الطاكسي إلى صاحب الفندق إلى العامل في المطعم إلى الفنان، أجبرها فيروس كورونا الذي يهدد بتفريخ سلالة جديدة أشد فتكا، على أن تحيي هذه المناسبة بإحصاء الخسائر الاقتصادية و الاجتماعية وأن تعدد الخيبات. أصحاب الفنادق بعد أن تنفسوا الصعداء إثر التخفيف النسبي على حركة الملاحة الجوية و الحصول على حجوزات معقولة من الأسواق الخارجية، عادوا لينتكسوا مرة أخرى بعدما سجلوا ما يناهز 40 بالمئة من إلغاء هذه الحجوزات من قبل السياح الذين تخلوا عن زيارة مراكش بعدما علموا بأن التجول ليلا محظور، وأنه لا خدمات ستكون مضمونة خارج أسوار الفنادق. إذ ما الذي ستكونه مراكش من دون بهجة ليلها؟ نكسة الفنادق هي نكسة العاملين بها، وهي فئة تعاني أوضاعا هشة حتى في فترات ازدهار السياحة. و كذلك الأمر بالنسبة للمطاعم التي تلقت قرار الإغلاق كضربة موجعة تنضاف إلى أسابيع طويلة من الخسارة في ظل الحجر الصحي. فهذا القطاع تلقى الضربة الأكثر قساوة مقابل الفنادق و المقاهي، لأنه ألزم بالإغلاق الكلي. يستغرب أرباب المطاعم كيف يسمح للمقاهي باستقبال زبنائها في حين أن المطاعم تحرم من ذلك. يبدو لهم هذا التمييز في الإجراءات غير منطقي و لاسيما وأن نفس الوضع تقريبا يسود هذه الفضاءات: كَراس و موائد و زبناء يُخدمون. بل إنهم يتساءلوان أي منطق في حرمانهم من مواصلة عملهم في نفس شروط مطاعم الفنادق؟ سلسلة الانتكاسة والخيبة تتواصل في مختلف القطاعات التي ترتبط بشكل وثيق بالسياحة في مقدمتها أرباب الكوتشي وسائقي الطاكسيات و الأسواق التقليدية بالمدينة العتيقة ومعهم فئة الصناع التقليديين. هؤلاء لم تتحرك أوضاعهم منذ الحجر الصحي، وغرقوا في أزمة قاتلة أضرت بهم و بأسرهم و دفعت الكثير إلى حافة الفقر والتشرد، و كانوا يعولون على مناسبة رأس السنة لتعويض نسبي من حدة الخسارة خاصة مع أخبار الرحلات التي برمجت في اتجاه مراكش من وجهات أوروبية مختلفة، لكنهم لم يحصدوا سوى الخيبة خابت لتزداد و محنتهم زادت بؤسا. أصحاب البزارات الذين ظلوا يشتكون منذ تفشي الوباء انهار نشاطهم بسبب مضاعف اجتمع فيه قلة السياح الخارجيين و تشديد القيود على التحرك في اتجاه مراكش من قبل الزوار القادمين من مدن أخرى، ليأتي قرار الحكومة لينهي تطلعهم لنهاية السنة كفرصة لاستعادة جزء من النشاط المفقود. جامع الفنا هي الأخرى تلقت ضربة موجعة، وهي الساحة التي كانت في العادة رمزا للاحتفال الذي تجعله ليلة رأس السنة ملتقى عالميا لمختلف الجنسيات، لتتحول علامة لخيبة المدينة وانتكاسة احتفالها. ساحة بدون ليل و لا حياة و لا زوار. أنهت مراكش سنة 2020 بخسائر اجتماعية و اقتصادية أملاها وباء طارئ غير حياة الناس و ملأها خوفا، متمنية أن تكون السنة الجديدة قطيعة حقيقية مع سابقتها حيث يكون الاحتفال الأكبر هو الطرد النهائي لشبح فيروس كورونا لتستعيد المدينة أنفاسها وتعود إلى بهجتها متحررة من خطر العدوى والمرض والفقر والموت.