تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا. يبدو من خلال تتبع تراجم مريدي الشيخ “أحمد بن عبد الله المراكشي”، أن أغلبهم أخفقوا في حمل شعلة الدرقاوية بسوس والوصول بها إلى الدرجة التي وصلت إليها في شمال المغرب، باستثناء “سيدي سعيد بن همو المعدري”(ت.1300ه-1882م) الذي حقق هذه الآمال من خلال مريده النجيب “علي الإلغي” وإن كانت وفاة هذا الأخير قد خسفت بالمشروع الدرقاوي بعد أن زحزحه محمد الخليفة (أحد أبناء الشيخ علي الدرقاوي خلفه على مشيخة الزاوية الإلغية كما تولى القيادة في الفترة الكولونيالية على قبيلة أيت عبد الله اوسعيد فاتهم بالتواطؤ مع سلطات الاستعمار وقد وجد المختار السوسي نفسه محرجا أثناء ترجمته للأخ .)عن أصوله ودعائمه التي قام عليها خلال فترة الحماية الفرنسية. وقد ساهم المعطى الجينيالوجي لسعيد بن همو المعدري(تحدث المختار السوسي بإسهاب عن هذه الشخصية الصوفية وكان لابد له أن يطنب في الحديث عنها، ولما لا ، وهو الشيخ الروحي لأبيه علي الدرقاوي. للمزيد من المعطيات حول شخصية سعيد بن همو المعدري نحيل القارئ إلى الجزء الرابع من المعسول، صص:306 – 342. انظر كذلك الجيلالي كريم،مدرسة سوس في التيار الصوفي الدرقاوي …مرجع سابق، صص:127إلى.163) والذي اكتسبه بانتمائه إلى أسرة “آل همو السملالية” الشريفة في تسهيل عملية نشر طريقته وجلبه للأتباع. ورغم كون الرجل كان أميا، فهذا لم يمنعه من استمالة العديد من النجباء الذين ذاع صيتهم بسوس، وقد كان في مقدمتهم الحاج علي الإلغي الذي سيصبح فيما بعد قطب الطريقة الدرقاوية في الجنوب المغربي (تحدث المختار السوسي بإسهاب عن هذه الشخصية الصوفية وكان لابد له أن يطنب في الحديث عنها، ولما لا ، وهو الشيخ الروحي لأبيه علي الدرقاوي. للمزيد من المعطيات حول شخصية سعيد بن همو المعدري نحيل القارئ إلى الجزء الرابع من المعسول، صص:306 – 342. انظر كذلك الجيلالي كريم،مدرسة سوس في التيار الصوفي الدرقاوي …مرجع سابق، صص:127إلى.163). استطاع سعيد بن همو المعدري بفضل إمكانياته البسيطة أن يجعل من شخصه قطبا، ومن زاويته مركزا لجذب الأتباع، خاصة أولئك الذين انخرطوا في سلك الناصرية. وقد كان في مقدمتهم “علي الدرقاوي”، الذي خلع عن نفسه لباس الناصرية ناسيا بذلك ما تلقنه من أستاذه “العربي الأدوزي” ومغامرا بنتائج تأويلات الناس لهذا التحول على شخصيته . فقد جلب -في نظر الأسرة- العار والخزي لها، لما ظهر للناس بمظهر الأحمق وأنه سائر في طريق الجنون، وأن شيخه سلبه من أسرته التي خاب ظنها فيه بعد أن كانت تتمنى أن يكون عالما مثله مثل أبناء عمومته من (الإلغيين). لقد استطاعت الدرقاوية بفضل شيخها” سعيد بن همو المعدري” أن تستقطب إليها ناصريين اعتنقوا الناصرية لعقود من الزمن تجاوزت الأربعة. وهو ما يجعلنا نستفسر عن السر الجلي الذي تميزت به الطريقة الدرقاوية دون غيرها من الطرق والذي يفسر الإقبال عليها بهذه السرعة، وهو ما سنتعرف على مكامنه عند معرض حديثنا عن القطب “علي الدرقاوي “. فقد استطاع الشيخ ” سعيد بن همو المعدري” بواسطة “كراماته الخارقة” والتي أبهرت مريديه، أن ينتزعه من دراسته ويزج به في الزاوية، ومع ذلك فشهرة الشيخ لم تصل إلى مستوى شهرة المريد، إذ حجب عنا المريد شيخه، مما يعني أن “سعيد بن همو المعدري ” قد رسخ المبادئ الأولى للصوفية الدرقاوية خلال سقف زمني حدد في خمسين سنة، إذ انتقل إلى جوار ربه سنة 1300ه/1882م. والجدير بالذكر أن المعارضين لهذه الطريقة قد دخلوا إليها عن طريق مريديه وفي مقدمتهم “علي الدرقاوي” و “محمد بن إبراهيم التامنارتي” ومن بين هؤلاء “مولاي أحمد الوادنوني”(ت1349ه-م1931) شيخ زاوية ” ثلات نترعمت” ، وهو ما يعني أن طريقة واستراتيجية إيصال الأوراد واستقطاب الأتباع، اختلفت بين الشيخ والمريد، وأن هذا الأخير حقق ما لم يحققه الأول. توفي شيخ وقطب الطائفة الدرقاوية المعدرية دون أن يترك وريثا شرعيا يخلفه، في حين كانت الأنظار متجهة صوب “الحاج علي الدرقاوي” الذي كان مميزا عن بقية المريدين، ومباشرة بعد دفن جثمانه تمت إعادة تمثيل واقعة مبايعة “أبي بكر الصديق” في “سقيفة بني ساعدة”، حيث رجح المريدون متنافسانعلى المشيخة هما “علي الدرقاوي الإلغي ” و”الحسن التاموديزتي” (أنظر ترجمته في الجزء التاسع عشر من المعسول، صص :5-32.) في زاوية بني زروال بنواحي تاونات.