تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا. بالنسبة لطبيعة العلاقة بين الدرقاوية الالغية والتجانية فقد كانتا “روح واحدة وعقارب لنفس الساعة” وهذا راجع الى اقتسام كل منهما لمجال واحد هو بسيط الغ دوكادير، حيث الزاوية الدرقاوية والمدرسة الالغية التجانية التي تأسست سنة (1879م) قبل الزاوية الدرقاوية الالغية. وللإشارة فقد ورد على الحسن التمكديشتي (شيخ الناصرية بتمكديشت) سؤال تقدم به مريدي الناصرية إلى الشيخ يستفسرون فيه عن أدبيات الطريقة التجانية، والركائز التي تقوم عليها (من ختم شيخها للأولياء وطريقته للطرق، وعن منعه زيارة الأضرحة…) ومدى شرعيتها، فكان رد التمكديشتي:”… يا أهل السلسلة الناصرية الشاذلية، أما بعد، فعليكم بعيوب أنفسكم وتغافلوا عن عيوب غيركم” كناش الرملي الأول: 15، نقلا عن السعيدي أحمد، سوس: التاريخ والثقافة والمجتمع، إفريقيا الشرق، الطبعة الأولى 2011،ص157. وبالرجوع الى نص الجواب الذي دونه المختار السوسي في معسوله السادس (صص299-300) يتضح أن الحسن التمكديشتي قدم جوابا مقنعا للسائلين عن مصداقية الورد التجاني على اعتبار أن كل أدبيات الطريقة التجانية لها سند مع السلف كالختمية والمنديل الأبيض وعدم الجمع بين المشاييخ والطرق…مبرهنا على ذلك من خلال امثلة تاريخية تعود الى فترة الرسول (ص) وفترة أقطاب الصوفية الكبار، وهو ما يوضح أن التجانية حققت نصرا ثانيا بسوس خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بواسطة قطبها الحاج الحسين الإفراني من خلال مناظرة غير معلنة ربما تحاشى الطرف الناصري أن يظهر منهزما أمام العلماء وشيوخ الطرق فاكتفى بتقديم جواب مسكت للناصريين ومقنع للتجانيين أو الذين يفكرون في خلعهم غطاء الناصرية ولبس غطاء التجانية دون إثارة الرأي العام الصوفي بالمجتمع السوسي. وبالعودة إلى بداية القرن التاسع عشر، سنجد ان احمد التجاني حقق هذا النصر في عدة مناظرات انتهت بانخراط المعادين له في الطريقة التجانية. وتجدر الإشارة إلى أن الزاوية الدرقاوية لم تكن لتظهر في إلغ لولا إرادة وعزيمة “محمد بن عبد لله الإلغي” (أنظر ترجمته في المعسول، ج1، من الصفحة 160 إلى الصفحة 183.)الذي أشترى الأرض ووهبها لصهره الإلغي، يقول السوسي بهذا الصدد:”وفي الثاني من شوال 1302ه (15يويليوز1885) ابتدأ في جلب مواد بناء الزاوية الإلغية ثم جمع بعض الفقراء ورجال الأسرة يرتأون محلا لبناء الزاوية، فاختار الشيخ أن يبتعد بالزاوية من القرية قليلا، فأعانه الفقيه سيدي محمد بن عبد لله في ذلك. فأراه المحل الذي وضع فيه الحجر الأساسي للزاوية، وقد كان لامرأة تسمى (تابوريشت) فاشتراه الفقيه من عندها، فوهبه للشيخ.” (السوسي محمد المختار، الترياق المداوي في اخبار الشيخ سيدي الحاج علي السوسي الدرقاوي، المطبعة المهدية، 1960/1380، تطوان، ص:24.). كما لعب عامل المصاهرة دوره في توطيد العلاقة بين الحاج علي الدرقاوي ومحمد بن عبد لله الالغي شيخ مدرسة الغ مما ساهم في القطيعة مع الصراع الكلاسيكي الذي ميز الدرقاوية والتجانية في شمال المغرب. وباستحضار عنصر آخر يتعلق بدور الحاج الحسين الافراني في دعم محمد بن عبد لله الالغي لبناء مدرسته بإلغ سنة (1879م)، ونظرا لمكانة الإفراني في الأوساط المخزنية وثقله داخل مجتمع سوس، فقد تصدر لعملية الإفتاء ومواجهة الخصوم (الناصريين والعلماء الأدوزيين المنكرين لشرعية سيدي أحمد التجاني) واستطاع أن يتقرب من الدرقاوية لضرب الناصرية ومواجهتها وبالفعل فقد تحقق مبتغاه عندما شد المريدون الأوائل رحالهم من الناصرية إلى إحدى الطرق الحديثة العهد بسوس، يتعلق الأمر بالدرقاوية والتجانية التي قال عنهما المختار السوسي: “روح واحدة وعقارب لنفس الساعة”. في إشارة منه الى حميميتهما وتجانسهما داخل مجال “إلغ دوكادير” .