تعميم البروتوكول العلاجي .. نجاعة ومضاعفات الكلوروكين.. الحجر الصحي، وتوسيع دائرة الاختبارات الفيرولوجية شهدت الأيام الأخيرة الفارطة، نقاشا صاخبا، وسجالا عميقا، بين عدد من الأطباء والمختصين، كل في دائرة اختصاصه، بخصوص نجاعة البروتوكول العلاجي الرسمي الذي اعتمدته وزارة الصحة لعلاج المصابين بمرضى ” كوفيد 19 “، الذي أسال الكثير من المداد، في المغرب وفي دول أخرى. جدال اتسعت رقعته بين المهنيين، في الصالونات الخاصة بهم، وخرج أطباء بتسجيلات صوتية تتضمن ملاحظات عن هذا العلاج، مع تقديم مقترحات بديلة، وكذا الدعوة إلى تعميمه على كافة المواطنين والمواطنات، كعلاج وقائي، والتنبيه إلى تأثير طول زمن الحجر الصحي وتبعاته الاقتصادية والاجتماعية على المواطنين، في حين انبرى آخرون للدفاع عن الخطوة المعتمدة في علاج المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد تحديدا، دونا عن غيرهم، مع عدم نفي بعض الصعوبات والمضاعفات التي تدفع إلى وقف العلاج بتلك الأدوية في بعض الأحيان، وهو ما يترجم خلافا كبيرا في أوساط الأطباء والمختصين. النقاش الصاخب، رفع من مستوياته بل وحتى من حدّته، غياب وزارة الصحة، مما فسح المجال لاتساع رقعة الغموض، وهو ما جعل عددا من المتتبعين يطالبون بنقل تفاصيله بشكل شجاع وشفاف وديمقراطي للعلن، وأن تتخذ وزارة الصحة قرارا، يمكّن من تبديد الغموض، في حين دعا البعض الآخر إلى تشكيل لجنة علمية ثانية، تشكل قيمة مضافة ودعامة، تتكون من الخبراء والمختصين في الوبائيات وتدبير الكوارث والمخاطر، لتعميق التشاور والاستفادة من الخبرات، سواء تعلق الأمر بكفاءات ما تزال تمارس مهامها أو تقاعدت، بالنظر إلى أن الأمر يتعلق بمصير ومستقبل وطننا، الذي لا يمكن تقبل التعاطي معه بنوع من اللبس أو عدم الاكتراث؟ شكيب العراقي: نقاش فُصل من سياقه والدورية الوزارية الأخيرة تؤكد صواب الاقتراح أكد البروفسور شكيب العراقي، الاختصاصي في الأمراض التنفسية، والخبير في طب الشغل، في تصريح هاتفي ل ” الاتحاد الاشتراكي”، أنه يرفض الخوض في الغايات والأهداف والدوافع التي كانت وراء فصل وبتر نقاش خاص، ساهم فيه بمجموعة من الأفكار، إلى جانب عدد من الخبراء، حضرت فيه الأسئلة والاقتراحات، في مجموعة للتخاطب الفوري على تطبيق ” واتساب”، تجمع مهنيين مختصين في طب الشغل، مشددا على أنه راكم خبرة وتجربة في مجال الطب تمتد لأربعين سنة، لكنه فوجئ بأن مساهمة في نقاش حول وضع صحي وبائي استثنائي تعيشه بلادنا، يتم فصلها عن سياقها، ويتم نقلها إلى الفضاء العمومي، دون استئذان منه، ودون أن يتم ذلك بأمانة، مما أدى إلى فهم خاطئ وتكوين ردود فعل لا تتأسس على ما صرّح به فعلا. ونفى البروفسور العراقي، أن يكون قد دعا إلى تعميم العلاج بالكلوروكين على كافة المغاربة كإجراء وقائي، أو استدل على ذلك بموضوع مرض السل، مشيرا إلى أنه اقترح العمل بنفس المنهجية التي يتم التعامل بها في علاج المصابين بمرض التهاب السحايا، أي المينانجيت، ومحيطهم لمنع انتقال العدوى إليهم، مؤكدا أنه وفي إطار النقاش الدائر بين المهنيين في تلك المجموعة على تطبيق “واتساب”، أوضح أنه يمكن لمن ظهرت عليهم أعراض مرضية، كتلك التي لها صلة بالأنفلونزا الموسمية، والتي تتشارك مع أعراض فيروس كورونا المستجد، أن تتم معالجتهم بالدواء الموصى به، تفاديا لانتشار العدوى، والإصابة بمضاعفات صحية وخيمة، تهدد حياة المرضى بعد تأكد إصابتهم. وعبّر المتحدث في تصريحه ل ” الاتحاد الاشتراكي”، عن تقديره لمضمون الدورية الوزارية الأخيرة، التي سارت في نفس الاتجاه، والتي أوصت باستعمال دواء ” الكلوروكين”، لعلاج كل الحالات التي تظهر عليها أعراض الفيروس حتى قبل ظهور نتائج التحليلات الطبية، لربح الوقت وتفادي تفاقم الوضعية الصحية للمصابين، مع الدعوة إلى وقف العلاج في حالة ظهور نتيجة سلبية، أما إذا كانت النتيجة إيجابية، فيتعين استكماله لمدة 10 أيام بالنسبة للحالات المستقرة، ثم إجراء اختبار للتأكد من شفاء المصابين، خلافا للحالات التي تكون في وضعية حرجة داخل غرف الإنعاش. واختتم البروفسور العراقي، تصريحه للجريدة، بالتشديد على أهمية الحجر الصحي، كخطوة وقائية واحترازية، مبرزا أن مقترحه يهدف إلى التقليص من مدته من خلال التغلب على الوباء، باعتماد منهجية عقلانية في التعامل معه ومواجهته. زبيدة بوعياد: نساء ورجال الصحة يواجهون الوباء بكل تطوراته لإنقاذ الوطن والمواطنين من جهتها، أكدت البروفسور زبيدة بوعياد، رئيسة جمعية الإنقاذ من السل والأمراض التنفسية، بخصوص النقاش الدائر المرتبط بالبروتوكول العلاجي المتبع ونجاعته من عدمه، وفعالية تعميمه أو العكس، أن هناك لجنة تقنية علمية استشارية تتكون من كفاءات عالية، وبها خبراء لهم من المسؤولية ما يكفي، للإحاطة بكل الجوانب المتعلقة بالوضع الصحي الوبائي الذي تمر منه بلادنا، وبأن القرارات المتخذة من قبلها، تتأسس على ما هو متوفر عالميا من معطيات علمية، وباستشارة مع منظمة الصحة العالمية. وشددت البروفسور بوعياد، الخبيرة في مجال السل والأمراض التنفسية، على أن نساء ورجال الصحة، يصارعون في كل الجبهات ويواجهون كل الصعاب، ويتكبدون كل المشاقّ، في حربهم ضد الفيروس من أجل إنقاذ الوطن والمواطنين، وهم في حاجة إلى دعم كامل لهم، وإلى توفير الجو المناسب والصحي الذي يمكنهم من القيام بواجبهم على أكمل وجه. وبخصوص النقطة المتعلقة بالشكل العلاجي المتبع في حالات الإصابة بالسل، أوضحت الخبيرة، على أن العلاج لا يكون إلا بعد إجراء تحاليل مجهرية والتأكد من إصابة المريض وكذا الوقوف على مرض المقربين منه. واختتمت تصريحها بالتأكيد على أنه يتعين على جميع مهنيي الصحة احترام وتنفيذ الاستراتيجية التي تبنتها الوزارة، بما فيها الحجر الصحي، والكشف والعلاج بالأدوية المعترف بها، مشددة على أنه لا يجب مفاقمة قلق المواطنين بل يجب طمأنتهم وترسيخ الثقة بينهم وبين قطاع الصحة ككل. جعفر هيكل: توسيع دائرة الاختبارات واكتشاف الحالات خطوة لتفادي نقل العدوى والسقوط في المضاعفات بدوره، نبّه البروفسور جعفر هيكل، الخبير في الأمراض التعفنية والأوبئة، إلى أن البروتوكول العلاجي المتبع لمعالجة المرضى المصابين بفيروس كورونا المستجد، لا يمكن أن يتم خارج المراقبة الطبية، بالنظر إلى أنه يمكن أن يتسبب في عدد من المضاعفات التي قد تتطلب تدخلا طبيا آنيا للحفاظ على حياة المريض. وأشار المتحدث في تصريح خص به “الاتحاد الاشتراكي”، إلى أنه إذا كان أحد الأدوية المتبعة قد تم استعماله في علاج الملاريا منذ 60 سنة، فإن الجرعة كانت لا تتجاوز 100 ملغ، في حين أنه في حالة “كوفيد 19” يتم اعتماد ألف ملغ، وفقا لتوصيات اللجنة العلمية والتقنية الاستشارية لوزارة الصحة، ووفقا لتوجيهات منظمة الصحة العالمية، وبالتالي فاحتمال وقوع مضاعفات وارد جدا، والتي تتوزع ما بين تلك التي تطال الجهاز الهضمي والتشنجات على مستوى القلب وغيرها، منبها إلى أنه لا يمكن منح هذا الدواء لجميع المغاربة باعتباره دواء وقائيا، لأنه من جهة مكلف جدا، لأن الأمر يتعلق بكلفة تصل إلى حوالي 4.5 مليار درهم، وهو ما يمثل ربع ميزانية وزارة الصحة التي تصل إلى 18.7 مليار درهم، ولأنه من الناحية العلمية سيجعل المواطنين يعتقدون بأنهم عولجوا وتلقوا حصانة ضد الفيروس، في حين أنهم سيكونون ناقلين للعدوى. وأوضح الاختصاصي في الأمراض المعدية والطب الوقائي، أن دواء الكلوروكين لا يعطي نتيجة تصل إلى 100 في المئة، لكنه يحقق نسبة كبيرة من الفعالية في مواجهة المرض، مبرزا أن العلاج يتطلب ما بين 10 و 14 يوما، في بعض الحالات، في حين أن هناك حالات تحقق نتائج إيجابية في اليوم السادس من العلاج. وأبرز البروفسور هيكل، أنه يجب الانتباه إلى أن 80 في المئة من الحالات المصابة بالفيروس في المغرب لديها أعراض خفيفة أو بدونها، و 20 في المئة يجب أن تكون تحت المراقبة الطبية، مبرزا أن 5 في المئة من مجموع المرضى يكونون في حاجة إلى الإنعاش، وبأن نسبة الوفيات بلغت 7 في المئة، مشددا على أن الحالة الوبائية تغيرت بديناميكية جديدة وخطيرة، بفعل الحالات المحلية التي تتولد عنها حالات أخرى في الأسر والأحياء وغيرها. وأمام هذا الوضع دعا المتحدث إلى ضرورة توسيع دائرة التشخيص وفتح هذا الباب في وجه المؤسسات العمومية والخاصة لكي تقوم بأجمعها بالتحاليل المخبرية الضرورية تحت مراقبة الدولة، للوقوف على الكيفية التي تتم بها وجودتها، وذلك لاكتشاف الحالات المرضية مبكرا، من أجل محاصرة انتشار العدوى وتوفير إمكانية كبيرة لعلاج المصابين والحيلولة دون أن يتفاقم وضعهم الصحي ويتعرضوا للمضاعفات. واختتم هيكل تصريحه بالتأكيد على أنه يجب الانتباه عند تقديم تصورات لاستراتيجات تخص الوضع الوبائي، التي قد تكون لها كلفة باهظة، ليس على المستوى المادي وإنما على المستوى العلمي والوبائي، مشددا على أنه يحترم آراء كل الزملاء ويقدس حرية الرأي والتعبير، مؤكدا على أنه لحد الساعة ليست هناك أبحاث لتأكيد نجاعة البروتوكول العلاجي المعتمد بشكل كلي وتام، وبأن الأمر يتطلب وقتا لذلك، لافتا الانتباه إلى معطى آخر وهو إمكانية وقوع مضاعفات أخرى لمن سيرغبون في العلاج بشكل ذاتي، كما هو الحال لمن يخضعون لعلاج بالمهدئات ومضادات الاكتئاب، الذين تقدر نسبتهم ب 25 في المئة من مجموع المغاربة، أو يتناولون أدوية تخص الجهاز الهضمي، مبرزا أن المغرب يوجد في وضعية وبائية جادة تتطلب التعامل معها بكامل الجدية، داعيا المغاربة إلى التقيد بإجراءات الوقاية والحجر الصحي ووضع الكمامات وتفادي لمس الوجه. خبراء وتضارب للآراء النقاش الذي انطلق بسيطا في بدايته، وكان مقتصرا على مهنيين للصحة، سار مشاعا، ووصلت تفاصيله إلى الرأي العام، وباتت التسجيلات الصوتية متوفرة للعموم، يتقاسمها الجميع بكل حرية، البعض يتبنى هذا الرأي والبعض الآخر ينحاز للجهة الأخرى، وبينهما فئة عريضة لم تستوعب ما يقع. وإذا تم الترويج على أن هناك “معسكرين” لكل رأيه ووجهة نظره، فإن بعض الخبراء أكدوا ل “الاتحاد الاشتراكي” على أن كل موقف من الموقفين فيه جانب منطقي، لأنه اليوم لا يمكن تأكيد نجاعة البروتوكول العلاجي المتبع بشكل جازم لغياب أبحاث سريرية ودراسات جازمة، ويتعين استيعاب أنه وسط الأزمة وفي خضم الاستعجال والحاجة إلى إنقاذ الأرواح فإنه يمكن اللجوء إلى دواء إذا تبين على أنه يعطي أملا للعلاج وبالتالي لا يمكن تركه على الهامش، حتى وإن كانت له بعض النتائج السلبية، على اعتبار أنه لا يوجد دواء يضمن شفاء تاما بدون مضاعفات بشكل عام، وما نعيشه اليوم بخصوص هذا النقاش، يمكن أن نسقطه على ما عرفناه في التعاطي مع موضوع الكمّامات الطبية، لأن المعطيات تتغير وتتغير معها التوصيات. وشدد الخبراء الذين تواصلت معهم “الاتحاد الاشتراكي”، وفضلوا عدم ذكر أسمائهم، على أننا في مرحلة نساير مرضا جديدا، نكتشفه ونكتشف من خلاله أشياء جديدة في كل مرة، وبالتالي فليس من المفاجئ أنه يمكن بعد أسابيع من اليوم، أن تتم إعادة النظر في عدد من القرارات، مؤكدين بخصوص العلاج المعتمد، أننا في مرحلة البحث عن الفعالية والتأكد منها، ومن خلال نسبتها يمكننا آنذاك طرح النقاش حول التعميم من عدمه.