سؤال برلماني لوزير الداخلية حول مساعدات جمعية "جود" المقربة من الأحرار باستعمال ممتلكات الدولة    كيوسك الخميس | المغرب يرتقي إلى المرتبة 21 عالميا في مؤشر حرية الاستثمار    الحسيمة: احتفالية رمضانية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة    حاملة رسالة خطية إلى الملك محمد السادس.. بوريطة يستقبل وزيرة خارجية جمهورية إفريقيا الوسطى    ارتفاع أسعار الذهب    المغرب يسجل تقدما لافتا في مؤشر حرية الاستثمار لعام 2025    لعيوب صناعية.. شركات في كوريا تسحب أكثر من 15 ألف سيارة    مصر تعرب عن تقديرها لتصريحات ترامب بشأن عدم مطالبة سكان قطاع غزة بمغادرته وحماس تشيد ب"تراجعه"    دوري أبطال أوروبا.. سيميوني يشكك بقرار إلغاء ركلة ألفاريس الترجيحية    بوعدي لاعب ليل لازال حائرا بين المنتخبين المغربي والفرنسي    أمطار رعدية مرتقبة اليوم الخميس بعدة مناطق بالمملكة    التساقطات المطرية بجهة الدار البيضاء – سطات.. تعبئة عامة للشركة الجهوية متعددة الخدمات بأزيد من 800 عامل و 180 مضخة وشاحنة للتنقية المائية    حموني يحذر أن تكون إعفاءات الوزير برادة تنطوي على شطط في استعمال السلطة    اعتقال تجار مسلحين للمخدرات في طنجة    دراسة: الوجبات السريعة تؤدي إلى تسريع الشيخوخة البيولوجية    المضيق-الفنيدق: حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية الفاسدة    الأمم المتحدة.. ابن يحيى تترأس بنيويورك اجتماعا حول التمكين الاقتصادي للنساء    رسميًا الزمالك المصري يعلن تفعيل بند شراء محمود بنتايك    الصين: بكين تطلق دفعة أولى من 30 قاعدة تعليمية لممارسة الابتكار    بوحموش: "الدم المشروك" يعكس واقع المجتمع ببصمة مغربية خالصة    أوراق من برلين .. قصة امرأة كردية تعيش حياة مليئة بالتناقضات    التساقطات المطرية الأخيرة تنعش آمال الفلاحين بموسم فلاحي جيد    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    الطالبي العلمي يعلن اقتراب عقد المؤتمر الإقليمي لتجديد هياكل حزب الأحرار بتطوان    تعميم المنصة الرقمية زيارة على كل المؤسسات السجنية في المغرب    هذا ما صرح به الهيلالي للصحافة الإسبانية: رفضت البارصا مرتين و « سأكون أسعد شخص في العالم إذا تلقيت دعوة اللعب مع المغرب »    الفيفا … الاتحاد الذي لا يعرف الأزمات … !    الأمم المتحدة تحذر من موت الملايين من الناس جراء نضوب المساعدات الأمريكية    دوري أبطال أوروبا لكرة القدم.. ريال مدريد يبلغ ربع النهائي على حساب جاره أتلتيكو    الدوحة… التأكيد في اجتماع اللجنة الخماسية والمبعوث الأمريكي ويتكوف على مواصلة التشاور بشأن خطة إعادة إعمار غزة    ترامب يتراجع: لا أحد سيقوم بطرد أي فلسطينيين من غزة    ناصر بوريطة يستقبل وزيرة خارجية إفريقيا الوسطى حاملة رسالة إلى الملك من رئيس الجمهورية    الإعلام الموريتاني: بدعم مغربي.. موريتانيا تحقق إنجازًا تاريخيًا وتظفر بعضوية مجلس الفيفا لأول مرة    مدير إقليمي يرد على وزير التعليم بعد إعفائه: قراركم مليء بالمغالطات ولم تزرنا أي لجنة للتفتيش    ارتفاع المداخيل الجمركية إلى 14.7 مليار درهم    نشرة انذارية : أمطار قوية وتساقطات ثلجية بعدد من مناطق المملكة    من الخليج إلى المحيط… المَلكيات هي الحلّ؟    وزارة الثقافة تفرج عن نتائج جائزة المغرب للكتاب    موتسيبي يشيد بشعبية فوزي لقجع    انطلاق دوري الشطرنج ضمن رمضانيات طنجة الكبرى بمشاركة واسعة وأجواء تنافسية    علماء روس يطورون أول دواء مزدوج لعلاج سرطان البروستات    حجز أزيد من 640 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    في مؤتمر صحفي بالفجيرة.. إعلان رسمي عن أكبر دورات مهرجان المونودراما    مؤسسة لالة زهرة اليملاحي للتنمية العادلة وإحياء الثرات تعلن عن تنظيم رمضانيات ليكسوس لإحياء الثرات    مصطفى بنرامل ل"رسالة 24″ : نسبة ملء السدود بلغت 34 ,30 بالمائة بفضل التساقطات المطرية الأخيرة    13 مليون مشاهد خلال الإفطار.. تفاعل قوي للمغاربة مع برامج رمضان للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    الشرقاوي: وكالة بيت مال القدس نفذت أزيد من 200 مشروع كبير لفائدة المقدسيين    يسار يقدم "لمهيب" في الدار البيضاء    دراسة: التغذية غير الصحية للحامل تزيد خطر إصابة المولود بالتوحد    استئناف المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا وموسكو لا تستبعد التواصل مع واشنطن بشأن اقتراح الهدنة    أطعمة يفضل الابتعاد عنها في السحور لصيام صحي    تصوير الأنشطة الملكية.. ضعف الأداء يسيء للصورة والمقام    بنكيران .. القرار الملكي لا يدخل ضمن الأمور الدينية وإنما رفع للحرج    تناول السمك يتيح تطور الشخصية الاجتماعية عند الأطفال    ملخص كتاب الإرث الرقمي -مقاربة تشريعي قضائية فقهية- للدكتور جمال الخمار    "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ..؟" !!(1)    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العبقرية والنبوغ: سمتان لمغربيات رائدات بين الأمس واليوم

لمسات المغربيات الرائدات عبر التاريخ ليست وليدة اليوم والماضي القريب فقط، بل هي حزمة ضوئية ضاربة في القدم، ومستوطنة جذور التاريخ منذ أن ظهر الإنسان على سطح البسيطة. وسأحاول من خلال هذا المقال مقاربة ظاهرة المغربيات الرائدات والمتألقات عبر التاريخ في قالب يجمع بين الماضي والحاضر ويتطلع إلى غذ واعد للمرأة التي شرعت برباطة جأش أن تقوض صرح التراتبية الهرمية للهيمنة الرجالية على مجالات كانت إلى حدود الأمس القريب حكرا على الرجل، واستطاعت إلى حد لا بأس به أن تقلص الفجوة الحقوقية بينها وبين الرجل، وتبدد قناعات السائد والمسود، التي كانت تعشش في فكر الذكور من صناع القرار. فقد حان الأوان للتفكير عالميا والحفاظ مع توابثنا الوطنية والعقائدية، والتصرف محليا سعيا إلى تحقيق عدالة اجتماعية بين الجنسين، تنبني على الديمقراطية التشاركية، وتتماشى وفلسفة مقاربة النوع وفق ما تناضل من أجله المنظرات النسويات، تصب معظمها إن لم أقل جلها في مصالح النساء.
المرأة المغربية هي ذلك الطود الأشم الصامد في وجه عوائد الدهر، وهي الجامعة في آن واحد بين الواجب والمسؤولية والتضحية والمثابرة حينا، ونكران الذات وخدمة الصالح العام حينا آخر، استطاعت بجدارة واستحقاق أن تحجز لها موقعا محترما في مربع الكبار وتتموقع في المربع الذهبي لنخب المجتمع. فلا غرو أن ينحني العالم قاطبة للمغربيات المتألقات اللواتي سطع نجمهن في سماء الشهرة والتألق والتميز، فطال صيتهن مشارق الأرض ومغاربها وهن يعطين نموذجا خلاقا للمرأة في مجالات شتى، استطعن فيها إثبات الذات والوقوف جنبا إلى جنب مع الرجل حينا، ومنافسته والتفوق عليه حينا آخر.
لمسات المغربيات الرائدات عبر التاريخ ليست وليدة اليوم والماضي القريب فقط، بل هي حزمة ضوئية ضاربة في القدم، ومستوطنة جذور التاريخ منذ أن ظهر الإنسان على سطح البسيطة. وسأحاول من خلال هذا المقال مقاربة ظاهرة المغربيات الرائدات والمتألقات عبر التاريخ في قالب يجمع بين الماضي والحاضر ويتطلع إلى غذ واعد للمرأة التي شرعت برباطة جأش أن تقوض صرح التراتبية الهرمية للهيمنة الرجالية على مجالات كانت إلى حدود الأمس القريب حكرا على الرجل، واستطاعت إلى حد لا بأس به أن تقلص الفجوة الحقوقية بينها وبين الرجل، وتبدد قناعات السائد والمسود، التي كانت تعشش في فكر الذكور من صناع القرار. فقد حان الأوان للتفكير عالميا والحفاظ مع توابثنا الوطنية والعقائدية، والتصرف محليا سعيا إلى تحقيق عدالة اجتماعية بين الجنسين، تنبني على الديمقراطية التشاركية، وتتماشى وفلسفة مقاربة النوع وفق ما تناضل من أجله المنظرات النسويات، تصب معظمها إن لم أقل جلها في مصالح النساء.
أستهل سلسلة النساء الرائدات ذوات الأصول المغربية بالسيدة الأمازيغية " كنزة الأوربية " ابنة زعيم قبيلة أوربة الأمازيغية التي تزوجت من إدريس الأول العلوي الفار من بطش العباسيين. وقد لعبت هذه المرأة دورا هاما في إرساء قواعد الدولة الإدريسية خاصة بعد وفاة زوجها إدريس الأول حيث أظهرت تفوقا كبيرا في حسن الإعداد لولدها إدريس الثاني ليتحمل عبء الدولة، بل سيمتد نصحها وحكمتها إلى التدخل في الحالات الحرجة .
نسخة المرأة القوية النافذة نجدها كذلك في شخص " زينب النفزاوية " زوجة الملوك وحليلة يوسف بن تاشفين أمير المرابطين، وإحدى أشهر النساء في تاريخ المغرب، والتي قال في حقها صاحب الاستقصاء وهو يصف علاقتها بيوسف بن تاشفين : كانت عنوان سعده، والقائمة بملكه، والمدبرة لأمره، والفاتحة عليه بحسن سياستها لأكثر بلاد المغرب ، فزينب النفزاوية كان لها دور كبير في إرساء دعائم دولة المرابطين، وفي تألق نجم زوجها يوسف بن تاشفين. فإذا كان كل عظيم وراءه امرأة، فأمير الملثمين كانت النفزاوية سنده القوي بلا منازع.
أقحوانة أخرى من باقة الشخصيات النسائية المرموقة أستحضر اسم " السيدة الحرة " المولودة سنة ( 900ه - 1493م ) وهي ابنة أمير شفشاون علي بن موسى بن راشد بن علي بن سعيد ابن عبد الوهاب بن علال بن عبد السلام بن مشيش العلمي الإدريسي الحسني حفيد الرسول صلعم ، وهي الأخت الشقيقة للوزير أبي سالم الأمير إبراهيم بن راشد، وزوجة قائد تطوان محمد المنظري، وحاكمة تطوان لأزيد من ثلاثة عقود، وزوجة السلطان أحمد الوطاسي... وقد اهتمت السيدة الحرة بتدبير شؤون المدينة بشكل يوافق ما هو معروف في الحواضر الكبرى، كما أولت اهتماما كبيرا بالجانب العسكري لعلاقته بالجهاد البري والبحري، (حيث كانت تتوفر على أسطول بمرتيل متأهب دائما للقيام بغارات ضد الإيبريين)، فكانت للمدينة حراسة دائمة في أبراجها بسبب التهديد البرتغالي والإسباني الدائمين لها.
في نفس السياق، لا تزال الذاكرة المغربية تحتفظ باسم لا يشق له غبار ولا يقل شأنا عن سابقاته من اللامعات، إنها " اخناتة بنت بكار " العالمة والفقيهة والأديبة والسياسية، وهي أول امرأة تتولى الوزارة في المغرب، وتجيد القراءات السبع، وتعد منبعا ثرّا في علوم الفقه والحديث والتصوف. هي باقتضاب شديد زوجة من كان يتخذ صهوة جواده عرشا، السلطان العلوي المولى إسماعيل، ووالدة السلطان عبد الله بن إسماعيل ، ومربية نجله السلطان محمد بن عبد الله.
وللنساء المغربيات دور مهم في مقاومة المستعمر عبر مجموع التراب الوطني من شماله إلى جنوبه إلى شرقه وغربه. هن سيدات مناضلات دافعن باستماتة مشهودة عن الوطن، فاحترفن المقاومة والجهاد وهن يجمعن بين عمل البيت وعمل مناهضة المعمر الغاشم. فمنهن من التحقن بالحركة الوطنية منذ انطلاقتها وتمردن ضد سياسة القهر والاستبداد من أجل نيل الحرية والاستقلال، استشهد منهن عدد كبير ممن قضين نحبهن، ومنهن من أمهلهن الأجل ليشهدن على مغرب يحيى عهدا جديدا تحت السيادة الوطنية.
فمن بين الخدمات التي كانت تقدمها المرأة المقاومة : الإسعاف والتمريض وتوفير المؤونة والملجإ، ونقل السلاح والمعلومات، فتارة مساهمة بمالها ورأيها ومشورتها، وتارة أخرى فاعلة نشيطة في الميدان، غير مكثرتة باضطهادات المستعمر ولا بعقوباته القاسية.
ولا يزال أعضاء المقاومة وجيش التحرير المجايلين لهذه الحقبة التاريخية الحرجة يتذكرون جيدا مناضلة معروفة في أوساطهم، اشتهرت باسم " رحمة البهلولية " التي كان منزلها مقرا سريا يؤوي المناضلين الذين كانوا يعقدون فيه اجتماعاتهم. وما قدمته لهم من مساعدات في نقل الأسلحة التي كان يغنمها المقاومون من الغارات التي كانوا يشنونها على الثكنات العسكرية.
فمنذ بداية القرن العشرين ظهرت نساء أمازيغيات على مستوى الأحداث، وخاصة أولئك المقاومات للقوات الغازية واللواتي تصدين لها بكل بسالة وشجاعة ومن أمثلتهن:
يطو زوجة موحا أوحمو الزياني، هذه السيدة التي غيرت زوجها من خاضع للقوات الفرنسية إلى بطل شرس قهر الفرنسيين وانتصر عليهم في معركة " الهري " الشهيرة.
عدجوموح نموذج المرأة العطاوية التي شاركت بفعالية في معركة "بوكافر" بجبال صفرو فقاومت الجيوش الفرنسية سنة 1933 وقاتلت ببسالة حتى استشهدت.
أخت البطل محمد الحراز التي شاركت في قتال الاسبان بالريف وتمكنت من اغتيال ضابط إسباني سنة 1927 .
أتناول اسما آخر، ويتعلق بمليكة الفاسي، المتعلمة المتنورة التي تزعمت حركة النهوض بالمرأة المغربية، وطالبت بإدماج المرأة المغربية في الحياة العصرية. شخصية كمليكة كانت رمزا من رموز النضال النسائي المتعدد الأوجه، ورائدة الصحافة والكتابة النسائية بامتياز..كما كانت تلعب دور الوسيط بين الملك الراحل محمد الخامس والحركة الوطنية. وهي المرأة الوحيدة التي حظيت بشرف التوقيع على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 إلى جانب شخصيات وطنية بارزة.
في المقام ذاته أستحضر وجها آخر من الوجوه اللامعة في تاريخ المقاومة النسائية بالمغرب، كوجه ثريا الشاوي التي تعرضت للاعتقال وعمرها لا يتعدى سبع سنوات بعدما لفق لها المستعمر الفرنسي تهمة تحريض التلاميذ على مقاطعة الدراسة احتجاجا على أحداث العنف التي وقعت سنة 1944. عبقرية ثريا اللافتة للأنظار جعلتها تحرز الرتبة الأولى في صفها الدراسي بمدرسة الطيران بتيط مليل نواحي البيضاء، المدرسة التي كانت حكرا على الفرنسيين، والتي حصلت على شهادتها سنة 1951، فكانت بذلك أول امرأة عربية تقود طائرة في سماء المغرب. وعندما عاد السلطان الراحل محمد الخامس والأسرة الملكية من المنفى، كانت طائرتها ترمي المناشير فوق سماء العدوتين الرباط وسلا مرحبة بمقدم الملك. ثريا التي طالتها أيادي الغدر الفرنسي وأطفأت شمعة حياتها وهي لا تزال في عمر الزهور يوم الفاتح من مارس 1956، كانت يومها تستعد لحضور أول اجتماع للإعلان عن تأسيس النادي الملكي للطيران. وكعرفان على نبوغها اللافح ، قام على شاهد قبرها مؤبنوها بكتابة العبارة التالية : " الآنسة ثريا الشاوي شهيدة الوطن ".
لن أقف عند هذا الحد في سرد أسماء الشخصيات النسائية المغربية على مر العصور والأجيال، قبل أن أقف إجلالا واحتراما وتقديرا للأرواح الطاهرة للمقاومات اللواتي لم يشملهن التاريخ باهتمامه، منهن من آثرن السرية على الشهرة، ومنهن من تناقلت أخبارهن بين الناس كالنار في الهشيم، وأخريات سليلات شخصيات كبيرة. هؤلاء النسوة اللائي أدَّين واجبهن حيال عقيدتهن وثوابتهن ووطنيتهن حبا في بلدهن، ورغبة أكيدة منهن على تحريره من يد المعمر ونيل حريته واستقلاله.
من بين باقة هؤلاء العظيمات، انتقيت شخصية أخرى تعد مضرب المثل في التضحية والنضال الوطني في مواجهة الاستعمار الاسباني في شمال المغرب بتطوان، والفرنسي بالجنوب، والدولي في طنجة. إنها المقاومة " فاما "، التي انتقلت من المقاومة في سبيل الوطن إلى الانخراط في العمل السياسي بعد الاستقلال. المغربية التي رزئت في أشقائها السبعة على يد المعمر الذي أذاقها ورفاق دربها في النضال والمقاومة صنوف التعذيب، وهي تثور على استبداد الاستعمار وعلى الجهل وإقصاء المرأة من الانخراط في النضال والمقاومة.
فهذه السيدة القوية واحدة من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، شاركت في المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي في يناير من نفس السنة. كما ساهمت في تأسيس القطاع النسائي الاتحادي، وشاركت في التجارب الانتخابية سنتي 1976 و 1977، لتغير مسار أنشطتها إلى العمل الجمعوي دفاعا عن حقوق المرأة في الجمعيات النسائية، فكانت بذلك نموذجا للمرأة المناضلة رمز القوة والصلابة والعمل الإنساني والملتزمة بمبادئ حقوق الإنسان.
وارتباطا بالمقاومة ومناهضة المستعمر، أجعل مسك ختام محور المقاومة النسوية بالمغرب اسما سطر مساره بماء الذهب في سجل التاريخ الحديث، يتعلق الأمر بالأميرة لالة عائشة كريمة السلطان محمد الخامس وشقيقة الراحل الحسن الثاني، البارعة في فن الخطابة منذ أول إشراقة لشمسها في سماء طنجة سنة 1947، حينما سمع المغاربة حنجرتها وهي تصدح بالتعبير عن رغبة الشعب في الاستقلال، وهي تضع أولى لبنات عملها الحركي من أجل النهوض بأوضاع المرأة المغربية.
فالأميرة الزعيمة تولت قيادة النهضة النسوية، وخوض معركة تحرير المرأة بإيعاز من مححر المغرب جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه . أميرة القرب التي جسرت سبل تواصل حداثي فعال مع الفتيات المغربيات، وهي التي ما فتئت تبادرهن بالنصح والتوجيه حول مسألة تحرير المرأة وضرورة مشاركتها إلى جانب الرجل ندا لند.. بعد حصول المغرب على الاستقلال.
شاركت أميرة الشعب " لالة عائشة " في الحملة التي أطرتها العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، في سياق الحملة النسائية، سواء وهي تدشن المدارس أو تضع الحجر الأساس لبناء مؤسسات خيرية، أو رئاستها لمجلس مؤسسة التعاون الوطني الذي أسسه سنة 1957 والدها السلطان الراحل محمد الخامس طيب الله ثراه، فضلا عن حركيتها داخل المغرب وخارجه.
من جهة أخرى، كانت الأميرة حريصة كل الحرص على تلميع صورة المغرب والتعريف به وبتاريخه وبتطلعات أبنائه. تلك إذن هي الأميرة الراحلة لالة عائشة التي عينها الملك الراحل الحسن الثاني سفيرة للمملكة بلندن من مارس 1965 إلى دجنبر 1968، جاعلا منها أول امرأة عربية مسلمة وأميرة تشغل هذا المنصب. كما عينت سفيرة ما بين سنتي 1969 و 1972 بالعاصمة روما، لتفيض روحها سنة 2011، وقد خلفت وراءها انجازات كبيرة جعلت منها المرأة الأجدر بين نساء مغرب القرن العشرين. وسيظل التاريخ المغربي يمتن لها بعطاءاتها الرائدة، إذ أنه لولا نضال الأميرة لالة عائشة المتواصل لما تأتى للمرأة المغربية أن تطوي الزمن وتحصل على حقوقها وتحررها بسرعة فاقت بكثير معظم الدول العربية التي لا يزال العنصر النسائي فيها يعاني من تقزيم لهامش حريته، وتبخيص لنبوغه وتفوقه وكفاءاته.
ويبقى المغرب الحداثي الذي خطا مراحل جد متقدمة في مسار الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاربة النوع، المستمد قوته من جذوره التاريخية ومرجعياته العربية والإسلامية، وانفتاحه على ثقافات وحضارات الشعوب، صرحا متميزا استثار باهتمام وإعجاب مختلف بقاع المعمور وصفق لإنجازاته الخصم قبل الصديق. لكنه ورغم كل ما تحقق من مكتسبات بخصوص المرأة المغربية، فلا يزال شيء من حتى يحز في نفس حواء المملكة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.