ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الحركة النقابية الحرة بالمغرب (3/2) : تاريخ الحركة العمالية داخل الحدود

يوم الأحد 20 مارس 1955، تأسست أول مركزية نقابية مغربية "الإتحاد المغربي للشغل"، بمنزل رئيس اللجنة التحضيرية الطيب بن بوعزة، وبحضور 57 مناضلا نقابيا مغربيا من الذين سبق لهم أن نشطوا في فروع المركزيات النقابية الفرنسية التي كانت موجودة في المغرب، حيث صوت المؤتمرون على أعضاء اللجنة الإدارية، ثم أعضاء المكتب الوطني. فانتخب الطيب بن بوعزة أمينا عاما والمحجوب بن الصديق نائبا له، وقد اعتبر الأمين العام هذا اليوم "صفحة مجيدة في تاريخ الحركة النقابية" [1] .
غير أن الواقع كان لم يكن كذلك، فقد روى محمد الصديق، وهو من مؤسسي للاتحاد المغربي للشغل وعضو في أول مكتب وطني، "أن المحجوب بن الصديق انتقد قرار اللجنة الإدارية وأكد أحقيته بمنصب الكاتب العام بدعوى علاقاته الخارجية، فاضطرت اللجنة الإدارية إلى عرض الأمر على المؤتمرين الذين زكوا الطيب بن بوعزة من جديد في منصب الأمين العام بأغلبية ساحقة"[2]. فعمد المحجوب بن الصديق إلى تغيير النتيجة بعد تكليفه بإرسال التقرير إلى وكالة الأخبار برفقة محمد الصديق الذي يضيف قائلا "لكن المفاجأة كانت عظمى ونزل الخبر كالصاعقة حينما نشرت وكالات الأخبار والصحافة الدولية في اليوم الموالي الخبر الذي ورد فيه أن المحجوب بن الصديق أمين عام عوض الطيب بن بوعزة. لقد عم القلق والغضب أوساط النقابيين الذين قرروا ما قرروه في جو حر وديمقراطي"[3]. وبعد الضجة القوية التي نتجت عما اعتبر تزويرا لجأ المحجوب إلى "أسلوب المساومة والشانطاج فهدد بفضح المؤتمرين لدى سلطات الحماية إن لم يغلقوا ملف الأمانة العامة»..
ومع أنه لم يثبت أي شيء ضد هؤلاء المناضلين، فقد صدرت في حقهم أحكام قاسية، لأن تبرئة ساحتهم كانت تعني إدانة للذين اتهموهم. وهذا ما عبرت عنه صحيفة الجيش آنذاك ?أنباء المغرب? عندما كتبت أنه أمام انعدام المسؤولين، كان لابد من معاقبة بوحميدة ليكون عبرة للآخرين.
وقد ألقى القبض على مئات المنجميين في أعقاب هذه الأحداث، ومنع النقابيون الذين لم يلق عليهم القبض من الإقامة في منطقة وجدة. وأصيبت النقابات المنجمية مؤقتا بالشلل، وعاد كثير من النقابيين إلى مساقط رؤوسهم سيرا على الأقدام يسوقهم مخازنية يتناوبون على حراستهم من مركز إلى آخر، وكان على بعضهم مثل العربي الروداني، حمو السوسي، والحسين إيخيش أن يسيروا على الأقدام أكثر من شهر ليقطعوا المسافة الفاصلة بين جرادة، في المغرب الشرقي، ومدينة أكادير في الجنوب. ومرت هذه الاستفزازات الخطيرة دون أن ينتبه إليها الرأي العام العالمي، ولم تثر خارج الحدود ضجيجا يذكر باستثناء الاحتجاجات التي عبرت عنها صحافة س.ج.ت (C.G.T) والحزب الشيوعي الفرنسي والمنددة بتلك الجرائم الشنيعة.
وكانت الدار البيضاء ملاذا لأولئك الممنوعين من الإقامة في مساقط رؤوسهم حيث جعلوا منها مقرا مناسبا لمتابعة نشاطهم النقابي (9)
أما العمال الذين لم يلتحقوا بعد بالتنظيم النقابي، فقد كانوا مجندين داخل اللجان الاجتماعية التي كانت تعتبر حلقات للعمل الفعال في المؤسسات الكبرى مثل معمل السكر (كوزيما)، والميناء، ومصانع كارنو، والاسمنت، والتعدين وغيرها.
وهنا لابد من التوقف برهة للإشادة بالأخ عبد الرحمان اليوسفي إعجابا وتقديرا بالمجهود الذي بذله في مجال العمل البناء على حساب صحته. فقد كان اليوسفي مستخدما ثانويا في معمل السكر، لكنه كرس نفسه ليل نهار لتوعية العمال وتحسيسهم بشروط عملهم، ودعوتهم إلى ضرورة الاتحاد (10). والكل يعرف الدور الأساسي الذي لعبه اليوسفي في تنظيم الكشفية والمقاومة المسلحة، ومازال يقوم به لحد الآن من أعمال في قيادة اتحاد المحامين العرب في سبيل القضية الفلسطينية. وبمساعدة الأخ بناصر حركات، المسؤول عن حزب الاستقلال بالدار البيضاء، تمكن الطيب من الحصول على عمل في تعاونية البحارة الصيادين التي حولها إلى نقابة قائمة بذاتها. ومكنته عدة جولات في مدن آسفي، الصويرة وأكادير من تأسيسي جامعة البحارة الصيادين بتعاون مع إبراهيم المسفوي، امحمد البركة، سعيد البوشتاوي، عبد السلام وآخرين.
ولا تخفي الإضرابات والنضالات التي خاض غمارها الصيادون ولمدة طويلة من أجل انتزاع حقوقهم وجعل حد للاضطهاد والقمع.
ومن جانب آخر تشكلت جامعة عمال باطن الأرض يومي 27 و28 شتنبر 1948. وأعيد انتخاب لحسن ماهر نائبا للكاتب العام، والطيب كاتبا عاما، وأصبح محمد البغدادي أمينا للصندوق. وانتقل مقر الجامعة من جرادة إلى الدار البيضاء. وانضم إليها بعد ذلك عمال المناجم البعيدة في ايميني، بوعازر، ميبلادن الموجودة في أماكن موصوفة بأنها غير آمنة (11).
وكان منزل المناضل الكبير إبراهيم الروداني بالدار البيضاء هو مكان لقاءاتنا. إذ هناك نظمنا وتوفقنا في السيطرة على قيادة الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب (U.G.S.C.M).
اهتمام الملك المرحوم محمد الخامس بالطبقة العاملة:
إن امتناع صاحب الجلالة عن تزكية "الإصلاحات" التي تتعارض مع الحقوق الوطنية، أطلق لسان الإقامة العامة بالادعاء أن القصر الملكي هو الذي يعارض ممارسة الحريات النقابية.
ونظرا لكوننا كنا، على عكس ذلك، مقتنعين من أن الإقامة العامة هي التي ترفض الاعتراف بالحق النقابي، تكوَّن وفد نقابي مغربي بهدف تبديد أي غموض بهذا الشأن، وتم استقباله من طرف صاحب الجلالة محمد الخامس بقصره بفاس يوم 30 أبريل 1949 (12).
وكان صاحب الجلالة على علم كامل بالحياة النقابية. واطلع الوفد على مشروع الإقامة العامة الذي يقيد الحركة العمالية وعلى المشروع المضاد الذي تقدم به جلالته.
ومما قاله صاحب الجلالة بإيجاز: "إن النقابة هي حركة لانعتاق الطبقة العاملة، وهي التي تمثل الأغلبية الأكثر أهمية في الشعب المغربي، ولأن مصير هذه الطبقة هو موضوع اهتمامنا وعطفنا. لكن النقابة لا يمكن أن تتطور وتعطي ثمارها السليمة إلا في تمتيع العمال بالحرية. إذ يجب تمكينهم جميعا من اختيار مسيريهم بكيفية ديمقراطية. وهذه الحرية هي الشيء الوحيد الذي نطالب به". وبعد أن عبر عن أسفه لرؤية جميع العمال المغاربة مضطرين إلى الانضمام لنقابة س.ج.ت (C.G.T) الفرنسية من أجل تحسين شروط معيشتهم، أبلغ صاحب الجلالة الوفد النقابي بأنه لن يدخر جهدا لإصدار قانون الحق النقابي، ولم يفته لفت الانتباه إلى "الأفكار الوخيمة للشيوعية".
وقامت الرقابة بحذف محضر المقابلة في جريدة "العلم" ولكنه في اليوم التالي الذي صادف فاتح مايو/أيار، استطاع المندوبون النقابيون تناول الكلمة في المهرجانات العمالية بالمدن وأوضحوا للرأي العام الأهمية التي تكتسيها الحريات النقابية. وأكثر من ذلك فإن محتوى حديث صاحب الجلالة للوفد النقابي تم تأكيده عدة مرات في خطاب العرش.
وبذلك زال الغموض وتحقق الجميع من أن وجود العمال المغاربة داخل الاتحاد العام للنقابات المتحدة لا يستند إلى أسباب سياسية، وإنما يتوخى فقط الدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، وأن الإقامة العامة هي وحدها التي ترفض الاعتراف بالحق النقابي ولا تسمح للعمال بتأسيس نقابات حرة.
لم يبق بعد كل هذا إذن مجال للشك، ولم يكن هناك ما يمنع من متابعة عملية التسلل والتسرب داخل التنظيمات النقابية الأجنبية التي ستنتهي بمغربة الاتحاد العام لنقابات المتحدة.
وهذه المرحلة لم تشكل صعوبة كبيرة لأن اللعبة الديمقراطية النقابية كانت كافية لقلب الإدارة، وتغيير القمة لتتخذ لنفسها صورة القاعدة.
المجلس العام ليونيو/حزيران 1950
في بداية سنة 1950 كانت النقابات قوية، وكان العمل المطلبي فعالا، غير أن عدد المنخرطين في الاتحاد العام لم يكن يعكس هذه القوة.
وخلال انعقاد الجمع العام في يونيو 1950 لبحث مسألة تقوية النقابات، أوضح المندوبون المغاربة أنه في حالة عدم تجديد اللجان الإدارية، فإن العمال سيستمرون في التوقف عن تسديد اشتراكاتهم.
وهكذا فرض التغيير نفسه، وتحدد شهر نوفمبر/تشرين الثاني 1950 كموعد لانعقاد المؤتمر. وفي انتظار ذلك، صعد إلى مكتب الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب ثلاثة أعضاء جدد غير شيوعيين وهم: الطيب بن بوعزة، محمد التيباري، والفرنسي ليونيتي. إلا أن هذا الأخير عاد بعد بضعة أيام ليعتذر عن عدم استعداداه لتحمل المسؤولية، وهو موقف يحتمل أن يكون ناتجا عن ضغط الإقامة العامة التي يهمها أن تثبت أطروحتها القائلة بالتواطؤ القائلة بالتواطؤ الوطني-الشيوعي.
ومن المعروف أن الإدارة كانت تتحكم في موظفيها الذين كانوا يكونون أغلبية الأعضاء الفرنسيين المنخرطين في الاتحاد العام للنقابات.
مؤتمر نوفمبر/تشرين الثاني 1950
بتنبيه مبدأ تأسيس مركزية مستقلة، اكتسى مؤتمر 1950 طابعا مغربيا صرفا رغم أنه كان من الناحية النظرية والرسمية تابعا للكونفدرالية العامة للشغل س.ج.ت (C.G.T).
فالمندوبون المغاربة بأغلبيتهم العددية أظهروا ليونة واضحة، ووعدوا المندوبين الفرنسيين بأنهم لن يطبقوا قانون العدد الأكبر في تشكيل الأجهزة الإدارية النقابية. وأعلنوا عن رغبتهم في البقاء مع النقابيين الفرنسيين داخل الاتحاد العام لنقابات المتحدة. لأن هدف الاتحاد العام، من الناحية القانونية، يتشخص في الدفاع عن مصالح العمال الفرنسيين المادية والمعنوية، أما المغربة فلم يُقبلوا بداخله إلا من باب التسامح. وفيما إذا انسحب الفرنسيون وبقي المغاربة وحدهم داخل منظمة أجنبية، فتستفقد شرعية وجودها، وبالتالي يتم حلها ومنعها.
وقد انضم إلى المكتب الجديد المحجوب بن الصديق وصالح المسكيني إلى جانب التيباري محمد والطيب بن بوعزة. وأصبح هذا الأخير هو وأندري لوروا كاتبين عامين للاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب.
وفي اليوم الموالي للمؤتمر كتبت "العلم" بأن الاتحاد النقابي أصبح يسيره كاتبان عامان أندري لوروا يمثل الفرنسيين، والطيب بن بوعزة يمثل المغاربة.
نتائج مغربة النقابات: قمع عنيف ضد العمال وتصاعد كفاح الشغيلة
جوابا على مغربة النقابات، اتخذت الإدارة تدابير معادية للعمل النقابي، وكانت المطالبة بتطبيق قانون الشغل تواجه بالرفض المتزايد.
فكل الحركات المطلبية بدون استثناء قوبلت بقمع شرس. ولتوضيح الصورة التي كان يدور في أجوائها النشاط النقابي بالمغرب نسوق الأمثلة التالية:
في سنة 1950، تقدم عمال النسيج بالمحمدية بدفتر المطالب للإدارة، فكان جواب رب العمل هو تسريح كاتب النقابة التهامي، فرد العمال بدورهم على هذا الإجراء الزجري بشن إضراب عام. ولكسر الإضراب تدخلت الشرطة لإرغام العمال على الالتحاق بالمعامل، واعتقلت مسيرا نقابيا وحكم عليه بثلاثة أشهر سجنا.
واستمرت حركة الإضراب مع ذلك بضعة أيام. وفي محاولة للتشويش على حركة الإضراب وتحطيمها التجأت السلطة إلى منع الطيب بن بوعزة، الكاتب العام للاتحاد، من الإقامة في المحمدية، وطردت العمال بشكل جماعي.
وفي الدار البيضاء تم تسريح أربعة مكاتب نقابية بالتتابع من معمل السكر كوزيما (13)، إما بسبب النشاط النقابي، أو عقب إضراب عن العمل.
وكان أدنى تظلم من جانب تظلم من جانب العمال أو تقديم مطالب معينة كيفما كانت، مناسبة تستغلها الإدارة لطرد المسؤولين النقابيين وكذا العمال النشيطين ومنهم من قضى عشرين سنة من العمل ومصاب في حوادث الشغل، ويرغم المطرودون على إفراغ المساكن التي يقطنونها.
وبالدار البيضاء أيضا، وأثناء إضراب معامل التعدين، استدعت إدارة ?وتران الشرطة واعتقلت في عين المكان كاتب النقابة عبد السلام، واستفزت العمال، ولولا رباطة جأش الكادحين لوقعت مصادمات وخيمة العواقب.
ونفس الأسلوب مورس في حق مستخدمي معمل لاسكيف. وهنا أيضا تدخلت الشرطة المسلحة بالبنادق الرشاشة لترغم العمال على استيناف العمل، وحالت مرة أخرى يقظة وتبصر العمال دون إراقة الدماء. ونتج عن هذه التحرشات القمعية طرد ثمانية مسؤولين نقابيين، وإصدار أحكام في حقهم بالسجن تتراوح ما بين ثلاثة وستة أشهر نافذة.
وفي مدينة الرباط شن عمال النسيج الإضراب مطالبين باحترام القانون كمنح بطاقة الشغل، والعطلة المقررة للنساء الحوامل، والزيادة القانونية في الأجور.
واستمر الإضراب 44 يوما استنجدت خلالها الإدارة بكل وسائل القمع، واحتلت الشرطة المعمل، واعتقل العديد من العمال، وزج بهم في السجن ومن بينهم طفل، كما قضت امرأة عاملة أربعة أيام في الاعتقال. وعند استئناف العمل تم طرد المسؤولين النقابيين ومعهم أكثر من مائة عامل.
وفي مدينة آسفي، أقدمت الإدارة على إصدار حكم على الكاتبين المحليين للاتحاد بسنتين سجنا بمناسبة عيد فاتح مايو/أيار 1952، وسرحت من العمل جميع المسؤولين النقابيين.
وكانت نتيجة النضال النقابي في المغرب هو الطرد بالجملة، والاعتقالات، ونفي المسؤولين النقابيين.
ففي سنة 1951 حكم على المحجوب بن الصديق، عضو مكتب الاتحاد العام للنقابات، وعلى محمد البيرش، كاتب الاتحاد المحلي بالرباط، بسنتين سجنا من طرف محكمة الباشا، ثم خفض الحكم إلى سنة نافذة. بينما أبعد إلى المنفى بالجنوب كل من كاتبي الاتحاد بمكناس خالد والعلمي، وكاتب الاتحاد بسلا المرحوم عمر الجديدي، وكاتب الاتحاد المحلي بالدار البيضاء وعضو مكتب الاتحاد العام للنقابات المتحدة صالح المسكيني الغالمي (14).
وأكثر من ذلك كان البوليس يحضر الاجتماعات النقابية للإنصات إلى المتحدثين ومراقبة مداخلاتهم.
وعلى اثر اجتماع انعقد في مقر الاتحاد المحلي بمكناس، وحضره بالقوة مفتشو الشرطة، استدعى قاضي التحقيق الطيب بن بوعزة شاهدا. وطلب منه إعادة ترديد العبارات المنددة بالحماية الفرنسية التي فاه بها.
ورفض الطيب بشهادته ضد نفسه إلا إذا وجهت إليه التهمة صراحة. فما كان من القاضي إلا أن حكم عليه بأداء غرامة 12 ألف فرنك.
ومن جهة أخرى كان النقابيون يمثلون أمام المحاكم إذا هم تجرؤوا على تقديم دفتر المطالب، وهذا ما حصل في معمل الزيوت وفي مصنع الكارتون الخ...
النضال ضد نظام الحماية ومن أجل الاستقلال الوطني:
وبالتدريج ازداد العمال وعيا بأن النضال من أجل تحسين أوضاعهم لا يجدي نفعا ما دام نظام الحماية قائما.
وهكذا كانت الحركات المطلبية تمنحهم الفرصة لاستخفاف بالحماية الفرنسية، والمطالبة بإلغائها.
وكما هو معلوم فإن زيارة صاحب الجلالة سنة 1950 إلى فرنسا تلبية لدعوة من الرئيس فانسان أوريول، لم تسفر عن أي نتيجة. ورفضت الحكومة الفرنسية المذكرة الملكية المعبرة عن إرادة الشعب المغربي للتخلص من وصاية الحماية.
واندفعت الجماهير في مظاهرات شعبية ضخمة لاستقبال صاحب الجلالة لدى عودته إلى البلاد، مؤكدة له مساندتها الجماعية لتطلعاته الوطنية.
والكل يتذكر كيف باءت بالفشل، سنة 1951، تلك الحملة المسعورة التي قامت بها الإدارة الفرنسية للنيل من العائلة المالكة، والدور المخزي الذي قام به الباشا الكلاوي والكتاني وباقي أذناب الاستعمار للتحضير لنفي صاحب الجلالة. وإذا فشلت المؤامرة في عهد الجنرال جوان، فقد نفذها خلفه الجنرال كيوم يوم 20 أغسطس/آب 1953.
وفي نفس الظروف المتسمة باشتداد القمع الاستعماري من جهة، وتصعيد الكفاح العمالي من جهة أخرى، شهد مجلس الحكومة أحداثا انتهت بطرد الغزاوي، مقرر ميزانية الأشغال العمومية، وأعلن الأعضاء الوطنيون تضامنهم معه لكونه كشف الأهداف الكامنة في إعطاء الأولوية للتجهيز الاقتصادي بغاية تمكين المعمرين الأوربيين من جميع موارد البلاد المادية والبشرية.
وسارع صاحب الجلالة إلى استقبال أعضاء المجلس، وعبر لهم عن دعمه ومساندته المطلقة (15).
وقد كان لهذه الأحداث الأثر الايجابي على القضية الوطنية، وأضحى الري العام الدولي منتبها لكفاح الشعب المغربي، وتقدمت بعض الدول بمبادرة لتسجيل المسألة المغربية في جدول أعمال الدورة السادسة للأمم المتحدة.
واقتناعها منهم باستحالة التفاوض مع الاستعمار، فقد بدأ بعض مناضلي القاعدة يفكرون جديا في اللجوء إلى استعمال القوة، ونظموا خلايا سرية مسلحة، وشن المقاومون سنة 1952 هجومات على عدد من العملاء بالدار البيضاء، وفجروا قنابل في منزل الخائن عبد العالي الإدريسي، وفي مقر صحيفة "العزيمة" التابعة للإقامة العامة.
وكانت التجمعات العمالية في مايو/أيار 1951 مناسبة للتنديد بانتهاك السيادة الوطنية والمطالبة بإلغاء معاهدة الحماية كطريق وحيد يستجيب لمطالب العمال وتحقيق الاستقلال الوطني.
وتميز مهرجان الدار البيضاء المنظم في ملعب فيليب بالحضور المكثف للعمال الذين تجاوز عددهم ثلاثين ألفا، أقدمت السلطة على تطويقهم بأكثر من عشرة آلاف من الجنود والدركيين ورجال الشرطة (16).
وترأس المهرجان صالح المسكيني الذي كان كاتبا عاما للاتحاد المحلي بالدار البيضاء، وتناول الكلمة الطيب بن بوعزة وأندري لوروا باسم الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب، بينما تكلم عبد الرحيم بوعبيد باسم حزب الاستقلال، ووزع منشورا يحمل توقيعه وعنوانه بمدينة سلا، شجب فيه نظام الحماية وطالب باستقلال المغرب (17).
أما ممثل الحزب الشيوعي فقد قوبل بالصفير والصياح من طرف الجماهير ولم يتمكن من إلقاء كلمته.
وبعد نهاية التجمع اتخذت الإقامة العامة قرارا بإبعاد أندري لوروا عن المغرب. وفي القنيطرة تحدث المحجوب بن الصديق.
وفي السنة الموالية قامت السلطة بمنع كل التظاهرات المقرر تنظيمها بمناسبة فاتح مايو/أيار 1952.
ولاية المقيم العام الجنرال كيوم
إن تعيين الجنرال كيوم يوم 20 سبتمبر/أيلول 1951 خلفا للجنرال جوان لم يغير شيئا من سلوك الإقامة العامة. وبقي التلويح ببرنامج الإصلاحات الشهير متواصلا إلى جانب متابعة سياسة القوة الهادفة إلى تصفية السيادة المغربية.
ويمكن تلخيص نوايا المقيم العام الجديد في تصريحات غربية مثل: "الكفاح هو مهمتي. الشتم أعرف كيف أغسله. سأطعم التبن للأعداء الخ...". وبعد وصوله بمدة وجيزة، شرع في "انتخاب" أعضاء المكاتب الاستشارية للغرف التجارية والصناعية. وكانت النتيجة المباشرة لهذه المهزلة، التي قاطعها الوطنيون، سقوط ثمانية قتلى وثمانين جريحا بالدار البيضاء. وسالت الدماء من جديد يوم 17 فبراير/شباط 1952 أثناء زيارة وفد أممي متركب من 15 مندوبا من أمريكا الجنوبية لدى منظمة الأمم المتحدة.
فقد خرجت الجماهير في مراكش، وبني ملال، وفاس، ومكناس، والدار البيضاء في مظاهرات لتعبر لممثلي المنتظم الدولي عن إرادة المغاربة في نيل الاستقلال.
وبالدار البيضاء خرج عمال الميناء المنضوون تحت لواء الاتحاد العام للنقابات المتحدة وجماهير السكان لتأكيد إصرارهم على التحرر من طغيان الحكم الاستعماري.
فانطلقت نيران البنادق الرشاشة، وسقط خمسة قتلى والعديد من الجرحى،
مذبحة يومي 7 و8 ديسمبر/كانون الأول 1952
وألقي القبض على الكثير من المواطنين.
كانت الإقامة العامة تترصد الوقت الملائم لتدبير مؤامرة بغية عزل صاحب الجلالة ليتسنى لها بعد ذلك خلعه عن العرش، على أمل توجيه ضربة مميتة إلى حركة التحرر الوطني.
وكان اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد فرصة لتنفيذ المؤامرة الاستعمارية. وكما لا يخفي فإن فرحات أسس منذ سنة 1945 الاتحاد العام للعمال التونسيين انطلاقا من نقابات مستقلة تكونت أول الأمر بمدينة صفاقس.
وفي هذا الموضوع كتب دانييل كَيران (18) في كتابه: "في خدمة المستعمَرين" ما يلي: "كان فرحات حشاد يأمل من كل الأعماق أن تجد صيغة التنظيم النقابي التي طبقها في بلاده رجالا يقتادون بها في بلدان المغرب العربي الأخرى. وقد عبر لي، في أعقاب محادثات جرت بيننا، عن غبطته لكون حزب الاستقلال المغربي تخلى عن مخططه العقيم المبني على أسلوب المقاطعة، واصدر إلى منخرطيه التعليمات للدخول بكثافة إلى نقابات س.ج.ت (C.G.T) التي ستصبح في النهاية تحت الإدارة المباشرة لطيب بن بوعزة. فقد قال لي في شهر أكتوبر/تشرين الأول بالدار البيضاء إن العمال المغاربة محرومون من الحق النقابي، وأن انخراطهم في س.ج.ت (C.G.T) هو فقط مجرد "تسامح" من قبل الإدارة، وأن تأسيس مركزية نقابية حقيقية ظل يصطدم بمعارضة مزدوجة من طرف الإقامة العامة والشيوعيين".
وفي أثناء الأحداث الناتجة عن اغتيال حشاد، كانت علاقات الاتحاد العام لنقابات المتحدة مع س.ج.ت (C.G.T) عمليا مقطوعة ولم يكن تحول هذه المنظمة إلى مركزية حرة شبيهة بالاتحاد العام للنقابات التونسية إلا مسألة شكلية، وتقرر حسمها في المؤتمر الذي تم تحديد موعد انعقاده في شهر فبراير/شباط 1953. وكان الطيب قد أعد التقرير الأدبي الذي سيقدمه إلى المؤتمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.