رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الحركة النقابية الحرة بالمغرب (3/1)

يوم الأحد 20 مارس 1955، تأسست أول مركزية نقابية مغربية "الإتحاد المغربي للشغل"، بمنزل رئيس اللجنة التحضيرية الطيب بن بوعزة، وبحضور 57 مناضلا نقابيا مغربيا من الذين سبق لهم أن نشطوا في فروع المركزيات النقابية الفرنسية التي كانت موجودة في المغرب، حيث صوت المؤتمرون على أعضاء اللجنة الإدارية، ثم أعضاء المكتب الوطني. فانتخب الطيب بن بوعزة أمينا عاما والمحجوب بن الصديق نائبا له، وقد اعتبر الأمين العام هذا اليوم "صفحة مجيدة في تاريخ الحركة النقابية" [1] .
غير أن الواقع كان لم يكن كذلك، فقد روى محمد الصديق، وهو من مؤسسي للاتحاد المغربي للشغل وعضو في أول مكتب وطني، "أن المحجوب بن الصديق انتقد قرار اللجنة الإدارية وأكد أحقيته بمنصب الكاتب العام بدعوى علاقاته الخارجية، فاضطرت اللجنة الإدارية إلى عرض الأمر على المؤتمرين الذين زكوا الطيب بن بوعزة من جديد في منصب الأمين العام بأغلبية ساحقة"[2]. فعمد المحجوب بن الصديق إلى تغيير النتيجة بعد تكليفه بإرسال التقرير إلى وكالة الأخبار برفقة محمد الصديق الذي يضيف قائلا "لكن المفاجأة كانت عظمى ونزل الخبر كالصاعقة حينما نشرت وكالات الأخبار والصحافة الدولية في اليوم الموالي الخبر الذي ورد فيه أن المحجوب بن الصديق أمين عام عوض الطيب بن بوعزة. لقد عم القلق والغضب أوساط النقابيين الذين قرروا ما قرروه في جو حر وديمقراطي"[3]. وبعد الضجة القوية التي نتجت عما اعتبر تزويرا لجأ المحجوب إلى "أسلوب المساومة والشانطاج فهدد بفضح المؤتمرين لدى سلطات الحماية إن لم يغلقوا ملف الأمانة العامة»..
في إطار مواكبة موقع الكفاح النقابي للذكرى الخامسة والخمسين لتأسيس نقابة الإتحاد المغربي للشغل ننشر نصا كتبه الطيب بن بوعزة أول كاتب عام لهذه النقابة ،النص يتضمن تأريخا جيدا وذاكرة للحركة النقابية في بداياتها وحجم القمع والتضحيات التي قدمها الجيل الجيل الأول لتأسيس النقابة بالمغرب "فوسفاطيون -منجميون -شيالة- معامل السكر..."لكنه يتضمن رأي المؤسسين للاستقلال ولطبيعة تحالفات المرحلة من زاوية نظر أحد مؤسسي نقابة الاتحاد المغربي للشغل، ننشر هذا النص للإطلاع والمعرفة وليس من موقع مشاطرته أفكاره.
إذا تناول كتاب آخرون بالبحث المرحلة السابقة على تاريخ الحركة النقابية العمالية، فإن المؤلف ارتأى الدخول مباشرة في صلب الموضوع.
فالمعلوم أنه في عهد الحماية الفرنسية كانت هناك أقلية محظوظة من العمال الأوربيين تتمتع وحدها بممارسة الحق النقابي.
فالأوربيون كان لهم حق تنظيم وتسيير النقابات طبقا للظهير الصادر في شهر ديسمبر/كانون الاول 1936.
ولم تتردد الإقامة العامة في منع المغاربة من الانخراط في النقابات بمرسوم 24 يونيو/حزيران 1938 متذرعة بأحداث وقعت في مناجم الفوسفاط.
وتبعا لهذا المرسوم، فإن انخراط المغربي في إحدى النقابات يعد جناية يعاقب عليها القانون لا المنخرط وحده، بل وأيضا الفرنسي الذي يكون قد حرضه أو ساعده على الانتماء. وبقي العمل ساريا بهذا المرسوم إلى غاية سنة 1950. ولم يكن إلغاؤه اعترافا صريحا بالحق النقابي للمغاربة، هذا الحق لم ينتزع عمليا إلا في 12 سبتمبر/أيلول 1955 لفائدة المأجورين والعمال الزراعيين، أي بعد تأسس الاتحاد المغربي للشغل.
فالمسألة بالنسبة للمغاربة الرازحين في الاستغلال والمعرضين للعسف لا تتعدى تسامحا فقط موجها ومفرغا من كل محتوى كما سيتضح ذلك في السطور اللاحقة.
فمن الواضح أن المنظمات النقابية الأجنبية، التي كانت تدافع عن العمال الأوربيين، لم يكن بإمكانها القيام سوى بنشاط نسبي ينحصر أساسا في السهر على تطبيق القوانين والبروتوكولات التي بموجبها تضمن الإقامة العامة للموظفين وأعوان الخدمة العمومية بالمغرب، نفس شروط العمل والأجور والامتيازات ومن ضمنها علاوة 38% التي قد وقع خفضها سنة 1944 إلى 33% لتتساوى مع تلك الممنوحة بالجزائر وتونس (1).
إلا أن الكونفدرالية العامة للشغل (C.G.T) كانت توفر للمغاربة إطارا من شأنه أن يسمح لهم بممارسة العمل المطلبي.
وفي هذا الأفق صمم المناضلون المغاربة غير الشيوعيين، وكان الأوائل منهم قد اندمجوا في الكفاح النقابي السري منذ سنة 1945، على تحقيق الأهداف التالية:
أ-خوض النضال الاجتماعي لصالح الجماهير الخاضعة للاستغلال الاستعماري.
ب-إقامة الدليل على أن الطبقة الكادحة لم تكن تحت تأثير الشيوعية.
ج-تمكين الأطر المغربية من التمرن وإعداد المجال لمركزية نقابية وطنية حرة.
د-النضال بفعالية لقلب النظام الاستعماري بصفته مصدر جميع المصائب، ويمثل الحاجز المانع لكل انعتاق وطني.
وكان اتحاد النقابات للمغرب، وهو فرع من (C.G.T)، أول منظمة نقابية نشأت بالمغرب وانخرط فيها العمال المغاربة.
وقد بدأ هذا الاتحاد نشاطه بعد تحرير أفريقيا الشمالية من الاحتلال الألماني في بداية 1943. وحظي بمساندة ?فرنسا المكافحة? والحكومات التي شاركت فيها أحزاب اليسار، واستفاد في بداياته من تساهل إدارة الحماية. ورغم مرسوم 1938 الذي يحرم على المغاربة الانتماء إلى النقابات، ويعاقب الفرنسيين الذين يشجعونهم على الانخراط فإن س.ج.ت (C.G.T) فتحت أبوابها على مصراعيها أما المغاربة ضدا على مقتضيات القانون الذي كان يستحيل تطبيقه والشيوعيون مشاركون في الحكم.
ورغم انعدام الحريات النقابية، فإن قادة الحزب الشيوعي المغربي ومنظمة س.ج.ت (C.G.T) قاموا بنشاط مركز في المدن والبوادي. وهو الشيء الذي أقلق الوطنيين الذين سبق لهم أن طالبوا بالحق النقابي للمغاربة في برنامج الإصلاحات سنة 1934.
ونتيجة للخوف الذي اعتراهم من أن تصغي الجماهير المغربية للأفكار الشيوعية، قرر الوطنيون مقاطعة س.ج.ت (C.G.T)، ومضاعفة الجهود من أجل الاعتراف بالحريات النقابية التي تسمح للمغاربة بتنظيم نقابات حرة. وكان هذا موقفا سلبيا اتضح فيما بعد أنه عديم الفعالية.
فالنقابة كانت تمارس جاذبية لا تقاوم على العمال الجوعى المتروكين عرضة للاستغلال الوحشي، فيما كان المناضلون النقابيون متعطشين للكفاح.
ومع ذلك كان بعض القادة الاستقلاليين يحثون سريا على الانخراط في النقابات. ولم يتخذ حزب الاستقلال موقفا مساندا إلا في سنة 1948.
وينبغي التأكيد على موقف بعض قادة الحزب الجهويين مثل السيد بوشتى الجامعي الذي صرح سنة 1948 للطيب، بعد أن قدم إلى الدار البيضاء مطرودا من ناحية وجدة، بأن النقابات هي مركز للشيوعية، وضرب له المثل بعلي يعتة الذي بدأ ? كما قال - بالانخراط في نقابة المعلمين مع ميشيل مازيلا، قبل أن يجعل منه هذا الأخير مسيرا مقتنعا بالشيوعية.
وبعد ذلك طلب الجامعي من المرحوم بن المكي، وكان عاملا في شركة كوزيما ومقاوما كبيرا، أن يرافق الطيب إلى الفندق، وهو الاسم الذي كان يطلق على منزل الشهيد إبراهيم الروداني.
وهناك مكث الطيب حتى حصل على سكن وعمل بمساعدة عبد الرحمان اليوسفي وبناصر حركات.
ولم تتدفق جماهير العمال إلا في سنة 1946، إذ وفدت من مختلف المهن، الموانئ، البناء، السكك الحديدية، الأوراش العسكرية التابعة للطيران، السدود، المناجم وغيرها.
واستفادت الحركة النقابية من وصول المقيم العام الفرنسي الجديد ايريك لابون الذي تقمص الليبرالية (2)، وبرزت تعمل في واضحة النهار.
وفي المؤتمر المنعقد بمراكش يومي 30 نوفمبر/تشرين الثاني و1 ديسمبر/كانون الأول 1946 أصبح اتحاد نقابات س.ج.ت (C.G.T) يحمل اسم الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب.
ولأول مرة تم تعيين مغربي في شخص امحمد الطاهر (شيوعي) أمينا عاما إلى جانب كاتب عام فرنسي.
وفي مناجم جرادة سهل التذمر العام للمنجميين مهمة المسؤولين النقابيين الذين كانت جماعة منهم تلتقي سريا منذ 1945، وقرروا الجهر علنيا بنشاطاتهم مع اتخاذ بعض الاحتياطات اللازمة.
وبالفعل شهدت إحدى ليالي رمضان أول تجمع عمالي على بعد كيلومترين من مركز القرية المنجمية ضم حوالي 800 عامل، وكان ذلك في شهر أغسطس/آب 1946.
وبعد يومين التأم الجمع الثاني تحت جناح الظلام حضره حوالي ألف شخص، وتلاه اللقاء الثالث في عطلة يوم الأحد، وتحت شمس لافحة شارك فيه جميع العمال تقريبا. وحضره القائد الزكرواي الذي كان ابناه أحمد وعمار عضوين في حزب الاستقلال.
وتناول الكلمة في التجمعات المناضلون محمد بن علي، علي بلقاسم المدعو كوسكوس، أمحمد أومجوض المكنى حمو السوسي، أحمد المعطاوي، محمد جبارة، الطيب بن بوعزة.
وأهاب المتحدثون بالعمال إلى الاتحاد المنظم داخل مركزية نقابية وطنية مستقلة.
وفي اليوم التالي وجه السيد بولان مدير شركة فحم جرادة استدعاء إلى النقابيين محمد بن علي، محمد جبارة والطيب بن وبعزة واستقبلهم كل على حدة. وحاول حملهم على التخلي عما يعتزمونه، واعدا إياهم بتحسين أوضاعهم الشخصية.
والجدير بالإشارة إلى أن بروز هذه النقابة دفع إدارة الحماية إلى التعجيل بتنصيب المدعو شينيبو على رأس دائرة وجدة ? الضاحية نظرا لحساسيتها، وهو الذي اشتهر بالمكائد والتآمر حينما كان على رأس ?المكتب المغربي للشغل? بالدار البيضاء.
وعبثا حاول شينيبو إقناع المسؤولين النقابيين بالانتساب إلى إحدى المركزيتين الفرنسيتين (س.ج.ت أو س.ف.ت.س) كطريق وحيد ? كما قال - يسمح للمغاربة بالنشاط النقابي، غير أن النقابيين أصروا على تشكيل مركزية نقابية مستقلة عن النقابات الأجنبية (3).
كان إذن عام 1946 هو تاريخ ميلاد نقابة مناجم جرادة، وفيها تمرس النقابيون على العمل النقابي، وتوفقوا في الحصول على عدة مكاسب مهنية.
وانتشرت الحركة المطلبية، وخلال بضعة أشهر أصبح لكل مناجم المغرب الشرقي نقاباتها.
وتم الاتصال بعمال مناجم الفوسفاط بخريبكة حيث نظم الحسن بن المعطي ماهر ورفقاؤه النقابة المحلية لفروع خريبكة، بولنوار وبوجنيبة.
وبعد مرور مدة وجيزة تبعتهم اليوسفية وآيت عمار. وتوفرت الشروط لعقد مؤتمر تأسيسي لعمال باطن الأرض في نوفمبر/ تشرين الثاني 1946 بجرادة. وأصبح لحسن بن المعطي كاتبا عاما بالنيابة، وعلال البشير (4) أمينا للصندوق، والطيب كاتبا عاما.
وسيكون من غير الإنصاف عدم الإشارة إلى الدعم الفعال الذي قدمته لنا نقابة س.ج.ت (C.G.T)، فقد كانت بمثابة مدرسة حقيقية لتكوين الأطر النقابية الأولى. وأظهر قادتها مثل بريدوم، عياش، اليسو، جان لوي، كولونا وغيرهم كثيرا من الشجاعة والإخلاص (5)، لكن خلفاءهم حاولوا فيما بعد عرقلة المسيرة الصاعدة نحو تكريس الحركة النقابية المغربية المستقلة.
فشل مهمة المقيم العام لابون:
جاء المقيم الفرنسي العام ايريك لابون إلى الرباط من أجل تطبيق «الإصلاحات» وإدماج المغرب في الاتحاد الفرنسي. وكان يهدف إلى الحصول عن طريق الدبلوماسية على ما فشل في تحقيقه سابقوه بواسطة القوة.
فمن وجهة النظر الاقتصادية، أراد ربط الاقتصاد المغربي إلى الأبد بالاقتصاد الفرنسي، وكان يأمل أن يكون عمله مشابها لما قام به الماريشال ليوطي في الميدان السياسي.
وفيما يخص الحق النقابي، كان يوافق على منحه للعمال المتخصصين في المؤسسات الكبرى لا غير، ويستبعد باقي العمال اليدويين والزراعيين من أي انتماء.
ولأن إيريك لابون أتى لرفض مبدأ السيادة المشتركة، ودعم الهيمنة الفرنسية على ثروات البلاد، فإن تجربته باءت بالفشل.
ولم تعمل فترة حكمه القصيرة إلا على تأجيج شغف المغاربة لمعانقة الحرية والاستقلال.
فالكل يتذكر الخطاب التاريخي لجلالة الملك محمد الخامس بطنجة يوم 9 أبريل/نيسان 1947 الذي طالب فيه بحق المغرب في وحدته الترابية، وفي التمتع بالاستقلال، والتمسك بانتمائه إلى العالم العربي، وذلك رغم المعارضة الاستعمارية التي اقترفت، ليلة الزيارة الملكية، مجازر رهيبة بالدار البيضاء خلفت أزيد من ألف قتيل في وسط السكان الكادحين في بن مسيك ودرب الكبير.
لقد كانت زيارة صاحب الجلالة إلى المنطقة الشمالية ناجحة. وكان التعبير عن الولاء الذي لقيه في المناطق الثلاث (الفرنسية، الاسبانية، الدولية) المنفصلة اصطناعيا، يمثل استفتاء حقيقيا لقائد الأمة الأعلى.
وتجلى مغزى هذا الحدث، الذي أكد تطلع الشعب المغربي إلى استقلاله ووحدته الترابية، في الاهتمام الإعلامي الذي واكبه في فرنسا وعبر العالم.
وصول الجنرال جوان على المغرب:
بلغ الغضب في الأوساط الاستعمارية قمته بعد الخطاب الملكي بطنجة، ولم يكن إرسال الجنرال جوان إلى المغرب إلا لتهدئة المخاوف. وتصادف فرار عبد الكريم الخطابي وأخيه امحمد وإقامتهما بالقاهرة مع العهد الجديد لسياسة القوة التي دشنها الجنرال جوان.
وهكذا، فإن الحركة الوطنية التي تقوى جانبها لمتابعة الكفاح، استعدت بشكل أفضل لمجابهة مكائد الاستعمار.
وجاءت ذكرى عيد العرش ليوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 ليؤكد صاحب الجلالة في خطابه على حقوق المغاربة الشرعية، وعلى أمل الشعب في أن يصبح أمة إسلامية تتبوأ مكانتها بين الشعوب الحرة.
ولم يتأخر رد فعل الإقامة العامة بإقالات تعسفية وتعيينات اعتباطية في صفوف القواد والموظفين التابعين لحكومة المخزن بدون استشارة القصر.
وقد تناول مؤلفون آخرون بما فيه الكفاية رسائل الاحتجاج الكثيرة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية ضد تصرفات الجنرال جوان، الذي لم يعد يحترم حتى نصوص معاهدة الحماية، وتأكيدات صاحب الجلالة على حق المغرب في الاستقلال وحق المغاربة في المطالبة به، على غرار كافة شعوب الدنيا، لذلك فإن المؤلف لن يتطرق لهذه المواضيع.
القمع في المناجم:
شن العمال إضرابا شاملا يوم 22 أبريل/نيسان 1948 في مناجم الفوسفاط بخريبكة واليوسفية، وفي منشآت الشحن بآسفي والدار البيضاء تحت شعار: تحسين ظروف العمل ووقف القمع.
وكان ذلك مبررا لإدارة الفوسفاط والسلطة لتسليط الإرهاب على العمال المضربين بجلدهم، والرمي بهم في السجون، واعتقال زوجات المتمكنين من الهرب منهم، وبفرض عزلة كاملة على الأحياء العمالية، وقطع الماء والتيار الكهربائي والمؤن عنها.
ولم يعد بإمكان مناضلي جامعة باطن الأرض ومسؤولي الاتحاد العام للنقابات المتحدة بالمغرب الدخول إلى المراكز المنجمية عبر الطرق العادية بسبب الحواجز وعمليات التفتيش التي تقوم بها الشرطة والدرك.
لكننا كنا نتسلل إلى داخل المدن والقرى بامتطاء قطارات شحن الفوسفاط، وذلك بمساعدة رفاقنا من عمال السكك الحديدية.
وبعد صمود دام شهرا كاملا في ظروف قاسية تمكنت السلطة من تكسير الإضراب. وكان لابد من البحث عن أشكال أخرى من العمل تسمح باستئناف الشغل من طرف الجميع وفي أحسن الظروف الممكنة.
ولهذه الغاية اتفق عدد من أعضاء لجنة الإضراب على الالتقاء بشكل سري في مكان يدعى "البراكة الحمراء"، يوجد بين بولنوار وبوجنيبة.
وبعد الاجتماع الذي انعقد في فجر منتصف شهر مايو، سلط الطيب، المتنكر في زي فلاح، طريقا يؤدي إلى بولنوار. وبعد لحظات سمع وراءه ضجيجا صادرا عن حوافر خيل يمتطيها ستة مخازنية ما لبثوا أن اعتقلوه واقتادوه، وفي الطريق لحق بهم في سيارة جيب المراقب المدني والقائد الكبير بن البصير(6)، وبعد أن خاطباه بكلمات ساخرة، نقلوه إلى مكتب المراقب المدني ومنه إلى إدارة الشرطة بخريبكة، وطال انتظار التعليمات من الدار البيضاء إلى آخر الليل حيث نقلوه مرة أخرى إلى بن احمد وهناك أطلقوا سراحه.
هكذا كان جو الرعب الذي ساد الأجواء قبيل انفجار الأحداث الدامية في شهر يونيو/حزيران بجرادة
استفزازات شهر يونيو/
حزيران 1948 الدامية:
أوحى قيام الدولة الصهيونية سنة 1948 والأحداث التي رافقتها إلى خبراء الاستعمار باختلاق استفزازات جهنمية، وبما أن الرأي العام المغربي كان شديد الحساسية لكل ما يجري بالشرق الأوسط، وحريص على التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي سلبت منه أرضه، فإنه كان من السهل على عملاء إدارة الحماية الفرنسية إثارة الاضطرابات.
فقد أشاعوا في وجدة وجرادة أخبارا مفادها أن اليهود قاموا بمجازر ضد المسلمين، وأحرقوا المساجد. وأدى ذلك إلى اندلاع أحداث يوم 7 يونيو/حزيران 1948 أودت بحياة 44 من الأبرياء في جرادة.
وفي نفس مساء اليوم وقف المراقب المدني سينيبو يتباهى بنغمة النصر، وينفخ في راحة كفيه قائلا إنه سيحول النقابيين إلى حفنة من الغبار.
وكذا ألقى بجميع المسؤولين النقابيين في السجن وتعرض أغلبهم لتعذيب فظيع رغم أنهم ساهموا بشكل واسع في إنقاذ حياة بعض اليهود.
وانتقل الجنرال جوان بنفسه إلى وجدة وألقى بها خطابا ناريا أعلن فيه أنه سيضع الأغلال الحمراء في أقدام المحرضين على الشغب.
وبدأت المسرحية المألوفة بتحميل مسؤولية الأحداث لنقابيي جرادة ولمناضلي حزب الاستقلال بوجدة التي سقط فيها أيضا خمسة قتلى، وبحبك خيوط المؤامرة بالادعاء أن الارتباط موجود بين نقابيي جرادة وحزب الاستقلال في وجدة والذي انخرط فيه الطيب سنة 1944 (7).
وقد حاول المراقب المدني شينيبو إرغام بعض المعتقلين على الإدلاء باعترافات حول استلام رسالة صادرة عن اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال موقعة من طرف أحمد بلافريج تعطي الأمر بتدبير الفتنة. ويدعي شينيبو أن الرسالة حملها من وجدة بوحميدة الكاتب العام لنقابة جرادة، وقرأ الطيب محتواها على المسيرين النقابيين آمرا إياهم بالقيام بالمذبحة.
وكانت تلك الادعاءات الباطلة من وحي الخيال، وهو ما ردده عدد من المعتقلين مرات عديدة أمام المحكمة لكن دون جدوى.
وبعد حوالي شهرين من البحث والاستنطاق في المحكمة العسكرية، أطلق سراح 13 نقابيا من ضمنهم الطيب.
وتقع مسؤولية المذبحة على عاتق رئيس منطقة وجدة برونيل (8) والمراقب المدني شينيبو. وهذا الأخير لفق الاتهامات في حق النقابيين ورفض أن يمثل أمام المحكمة رغم إلحاح الدفاع مبررا غيابه بأسباب صحية.
وأمام المحكمة العسكرية بالدار البيضاء أدلى الطيب بشهادته من أجل تبرئة ساحة إخوانه العمال. لكن بوحميدة وعشرة نقابيين آخرين صدرت في حقهم أحكام بالأشغال الشاقة المؤبدة ولم يطلق سراحهم إلا بعد الاستقلال.
محمد اليازغي ينعي الطيب بنبوعزة ويصفه بالرجل من العيار الثقيل
ارتقى إلى جوار ربه أول أمس، المناضل النقابي الطيب بن بوعزة بعد مرض عضال لم ينفع معه علاج، وبفقدان الطيب تفقد الذاكرة النقابية المغربية أحد مؤسسيها الأوائل، حيث انخرط الراحل في العمل النقابي - نقابة «السيجتي» الفرنسية، حيث كان المنع يطال النقابيين المغاربة، وعن الراحل قال صديقه محمد اليازغي، الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تصريح- شهادة في حق الفقيد، «كانت لي به علاقة خاصة وقوية جدا». وأضاف اليازغي، الذي بدا متأثرا جدا «لقد قمت بتقديم كتابه الهام حول تجربته النقابية» وهو «مرجع هام في العمل النقابي»، يضيف اليازغي الذي أشار إلى أن الفقيد «انخرط مبكرا في العمل النقابي في نقابة الفرنسيين التي كان مسموحا لها وحدها بالعمل وارتقى في المهام والمسؤوليات نظرا لتفانيه وإخلاصه ووفائه للعمال والعاملات»، وتحمل الراحل مهام بالسكرتارية الوطنية لسيجيتي.
وأوضح اليازغي، في نفس الشهادة، أن المرحوم «هو من انتخب أول أمين عام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل في مارس 1955»، لكن يضيف اليازغي أن المرحوم المحجوب بن الصديق لم يعجبه الأمر، ورأى في نفسه الأحق بالأمانة العامة، فكان أن تم الضغط على قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية التي طلبت من الأخ الطيب التنازل، وكان الأمر كذلك، وظل الطيب نائب الأمين العام.
وأشاد اليازغي بالدور الهام الذي لعبه المرحوم في السلك الدبلوماسي المغربي في يوغسلافيا والسويد، حيث كان له أداء متميز في الدفاع عن المغرب والمغاربة المقيمين في الخارج.
وأضاف اليازغي أن" الرجل من مؤسسي العمل النقابي وجسد عمق الطبقة العاملة سواء في مواجهة المستعمر الفرنسي، وكذلك بناء دولة الاستقلال، حيث كانت النقابة جماهيرية ومتسعة للجميع .. فرحمة الله عليه"
وختم سي محمد كلامه بالقول «وإني أتالم لرحيل رجل من العيار الثقيل».
هي واحدة من صفحات رجالات الوطنية وصانعي المجد التاريخي في القرن الماضي تطوى، لكن ذاكرة التاريخ تحفظ لكل ما فعلت يداه من فعل إنساني، حيث يخلد الصادقون حقا في سجلات الوفاء والبقاء.
ورقة تعريفية
انخرط الطيب بن بوعزة في النضال النقابي منذ بداية شبابه، وكان مقتنعا بدور الصراع الاجتماعي في مجال الكفاح الوطني وتعرض للاعتقال في سنوات 1945 1948 و1952 . وساهم الطيب في الوضع الأساسي للنقابة المغربية .
تحمل عدة مسؤوليات، عمل سفيرا سابقا في الدول الإسكندنافية وفي غانا والبرتغال ويوغوسلافيا، كما مثل المغرب في مختلف المؤتمرات والهيئات الدولية .
بن بوعزة من مواليد بركان سنة 1923 أنهى تعليمه الابتدائي وتابع دراسته بثانوية مولاي يوسف بالرباط .
يقيم منذ سنوات في ضواحي استوكهولم، يتابع أخبار المغرب عبر الوسائل الحديثة يزور المغرب مرة في السنة. حاصل على وسام العرش من درجة ضابط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.