عن عمر الثامنة والثمانين سنة رحل المحجوب بن الصديق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، بأحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس بعدما قضى أكثر من نصف قرن على رأس المركزية النقابية الأولى في المغرب. وبرحيله يفقد المغرب والعالم أكبر معمر على رأس مركزية نقابية. ازداد الراحل في 20 فبراير 1922 بمدينة مكناس، نشأ في أسرة برجوازية صغيرة وهو ما مكنه من التسجيل بمدرسة أبناء الأعيان التي تابع بها دراسته الابتدائية، ولم يستطع إنهاء المرحلة الثانوية، حيث غادر صفوف الدراسة ليلتحق بالعمل في السكك الحديدية. وكان عصاميا في تكوين نفسه. بدأ مشوراه المهني عاملا بالسكك الحديدية، ثم رئيس محطة قطار. انخرط في العمل النقابي في سنة 1946 في صفوف الاتحاد العام للنقابات المتحدة في المغرب المنضوي تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل، وكان حينها منخرطا في حزب الاستقلال، وتولى مهمة الناطق الرسمي، حيث انتخب فيما بعد عضوا باللجنة التنفيذية، ثم بالأمانة العامة للاتحاد سنة 1950 . خلال مساره النقابي انتخب المحجوب بن الصديق أمينا عاما لفدرالية عمال سكك الحديد في سنة 1951، وهي السنة التي سيتم اعتقاله فيها، وخلال مقامه بالسجن سيشرف على التحضير لتأسيس مركزية نقابية ستحمل فيما بعد اسم «الاتحاد المغربي للشغل». ومنذ تأسيس النقابة قبل 55 سنة ونيف خلت، انتخب الراحل أمينا عاما إلى أن وافته المنية يوم الجمعة الأخير. ومنذ بداية نشاطه النقابي أثار الراحل انتباه العديد من القادة البارزين بحزب الاستقلال آنذاك، خصوصا ذوي التوجهات اليسارية من أجل قطع حبل الصرة مع الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية وتأسيس نقابة مستقلة. ومن هنا سيبرز نجم المحجوب بن الصديق في المضي في هذا الاتجاه. ارتبط الراحل في بداية مشواره النقابي والنضالي بما كان يسمى في تلك الفترة «اليسار الاستقلالي»، الذي كان من بين أعمدته المهدي بنبركة وعبد الله إبراهيم على وجه الخصوص. وفي 20 مارس 1955، سيجتمع حوالي 40 نقابيا بشكل سري بمنزل الطيب بن بوعزة بالدارالبيضاء، يمثلون نحو 20 اتحادا محليا، من الدارالبيضاء والرباط وسلا وأسفي والقنيطرة ومكناس. خلال هذا الاجتماع سيعلن عن تأسيس الاتحاد المغربي للشغل. حيث اختير المضيف الطيب بن بوعزة أمينا عاما ووضعت لائحة اللجنة المركزية، إلا أن المحجوب بن الصديق الذي كلف آنذاك بكتابة بلاغ للصحافة سيضع نفسه أمينا عاما بدل ما اتفق عليه، والطيب بن بوعزة نائبا له. رغم الشكاية التي تقدم بها الأخير آنذاك إلى اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ثم لمجلس المقاومة. وفي ديسمبر 1955سيعقد الاتحاد المغربي للشغل أول مؤتمر له، بعد أن وصل عدد منخرطيه ما يناهز 180 ألف منخرطا، وسرعان ما انتقل إلى ما يناهز 560 ألف منخرطا في السنة الموالية، يمثلون تقريبا كل الهيئات الاجتماعية والفروع والتنظيمات المهنية. وسيصبح القوة النقابية الأولى في مغرب ما بعد الاستقلال. منذ توليه الأمانة العامة للاتحاد المغربي للشغل، ارتبط اسمه بها إلى درجة التشخيص، يعرف متى يرفع من إيقاعها، ومتى يخفض الإيقاع ليتماشى مع الظروف التي عرفها المغرب في مختلف مراحله، بعد الاستقلال. وفي ظل استئثاره بزمام الأمور داخل النقابة، وتشكيل تنظيمات موازية أخرى، بدأت تتولد من رحم الاتحاد المغربي للشغل مختلف التنظيمات النقابية المعروفة الآن على الساحة. وكانت البداية بتأسيس الاتحاد العام للشغالين بالمغرب 1960، النقابة الموالية لحزب الاستقلال، التي جاءت كرد فعل مباشر لارتباط الاتحاد المغربي للشغل بالمنشقين عن الحزب، ثم فيما بعد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، سنة 1978 بعد أن زاغ المحجوب بن الصديق عن تأييده للاشتراكيين. ورغم تناسل المنشقين عن النقابة الأم إلا أن المحجوب بن الصديق ظل متمسكا بزمام وزعامة النقابة، بفضل قوة شخصيته ورصيد نضاله النقابي، وأيضا بفضل إصراره على أن يبقى الاتحاد مستقلا عن أي حزب من الأحزاب، والحفاظ على ما يشبه «الاستقلالية» في العمل النقابي. وبوفاته يكون المحجوب بن الصديق، الذي خلد في منصب قيادة الاتحاد المغربي للشغل لخمسة عقود ونصف كاملة، آخر الزعماء النقابيين المعمرين في العالم.