الحديث مع سعيد موسكير يكشف أنك تقف أمام فنان يعي جيدا ماذا بفعل، ماذا يقدم، وماذا يضمن في رسائل في أغانيه التي دخلت قلوب الكثيرين من المغاربة وغير المغاربة.. منذ انطلاقته الفنية راهن على التجديد في الشكل و الجوهر الموسيقي بالشكل الذي يعتقده أنه يتناسب الذائقة الفنية لجمهور، غالبا الشبابي، ومع العصر .. فركب موجة التحدي بتوظيف أنماط موسيقية متعددة لم تغفل الجانب التراثي المغربي ، فيها فلقي ذلك النجاح و الانتشار.. «الاتحاد الاشتراكي» تفتح صفحتها الفنية لابن « درب السلطان» بالدار البيضاء، ليكشف عن العديد من قناعاته ومواقفه للأشياء المتعلقة بالجانب الفني ? الموسيقي بالمغرب ، التي أبرزت ان موسكير من الفنانين المشبعين فنيا وموسيقيا والمولعين بتراثهم الموسيقي الذي نجد الكثير من بصماته في أعماله الغنائية الناحجة.. o موسكير الفنان .. حدثنا عن بداياته ؟ n بدأت تجربتي الفنية منذ سنة 1989، حيث أصدرت أول ألبوم يحمل عنوان «غيتوني»، وهذا الألبوم كان ثمرة عمل مجموعة من الأصدقاء ، وهو من كلماتي ومن إنتاج الفنان مالك، الذي تعرفت عليه في تلك الفترة وبدأنا العمل سويا . اشتغلنا على مجموعة من الأغاني المشتركة لقيت صدى طيبا لدى الجمهور، مثل أغنية «باغتيغ»،»ديما كاين» ،»كيا» وغيرها ، كما اشتغلنا مع فنانين آخرين من بينهم حميد بوشناق، غاني ، يونس ميكري، محمود ميكري، مصطفى بوركون ، نادية أيوب، نجاة عتابو وآخرين، حيث لقيت هذه الأعمال مثل «براءة» نجاحا واسعا وحصلنا بها على المراتب الأولى في ترتيب الأغاني، وكذلك أغنية لذوي الاحتياجات الخاصة والسيدا وغيرها من المناسبات، إذ أننا كنا من الأوائل الذين جمعوا بين اللغتين العربية والفرنسية في الأغاني . o العديد من المتتبعين والمهتمين بالشأن الموسيقي يرون أن الأغاني الحالية تطغى عليها الصبغة التجارية ..، ماذا صحة هذا القول، و هل تشكل تهديدا للذوق الفني؟ وما الذي يمكن عمله للتوفيق بين إرضاء السوق وبين إرضاء الفنان لنفسه من خلال رسالته التي يريد أن يوصلها للآخرين؟ n الفنان أحيانا يكون مضطرا للتعاقد مع شركات الإنتاج التجارية على أساس أن هذا هو المتوفر، ولكنه يستطيع بذكائه أن يضمن ألبوماته أعمالا هادفة يؤدي من خلالها رسالة نبيلة. o ما هي المشاكل التي تواجه الفنان عامة في الميدان الفني؟ n المشكل الكبير الذي يواجه كل فنان كبيرا أو صغيرا في المغرب هو الإنتاج، الذي أصبح ضعيفا بسبب القرصنة التي رجعت بالأغنية المغربية للوراء، و الإنتاج أصبح يكاد منعدما. اليوم، بدأ المنتجون ينسحبون الواحد تلو الآخر، ومنهم من استبدل حرفة الإنتاج بأخرى . وأصبح الفنانون يواجهون مشاكل مادية لعدم وجود شركات الإنتاج و كذا عدم توفر المساعدين المحترفين في ميدان التلفزيون والإذاعة والصحافة المكتوبة. o الغناء موهبة فنية بالدرجة الأولى.. ما أهمية تلقين مبادئه و أسسه علميا ؟ n في رأيي الخاص أعتقد أن ممارسة أي نشاط فني يعتمد أولا على موهبة الشخص و التي يجب أن يرافقها دوما الفعل و التطبيق .. فإن كنا لا نريد أن نبقى مجرد هواة و نتحلى بالمهنية في العمل، أظن أن التطور في هذا المجال سبيله الوحيد هو التعلم و تلقين المبادئ و الأسس على مستوى الموسيقى وفن الأداء... o « الراي» طابع فنية - موسيقي ولجه شباب كثر ، يتميز بغزارة الإنتاج، لكن قليلون فقط من خلاله استطاعوا ولوج النجومية العالمية .. إلام تعزو السبب ؟ n يكمن الإشكال في المقام الأول في اللغة العربية وبالضبط اللهجة المحلية، فهي لغة ليست رائجة على المستوى العالمي بشكل كبير و كتابة الكلمات أيضا دوما يجب أن تكون بسيطة إلى الحد الأدنى حتى يستوعبها المستمع ، ضف إلى ذلك أن أغلبية المغنيين في الوقت الحالي لا زالوا يستخدمون وسائل بسيطة، حيث وصل الأمر إلى حد استبدال و تعويض الباتري مثلا و كل الآلات الموسيقية بسانتيتيزور ، و في هذه الحالة من الطبيعي جدا أن لا يكون الإنتاج راقيا، و من غير المعقول أن يكون بمستوى عالمي . o ما مدى اختلاف «الراي» الشبابي عن أصناف الغناء الأخرى؟ وما هي أوجه الاختلاف بينهما؟ n «الراي» هو غناء مغربي أصيل. ويختلف عن أساليب غنائية أخرى. وفي العموم تتناول كل أغنية قصة شبابية أو غرامية باللغة اليومية المتدوالة بين الناس. وكلماته تلقائية وموضوعاته الغنائية وأنغامه تتجدر في تقليد موسيقي وقصص تقترب بشدة من ما يعيشه الناس في حياتهم اليومية. ويبقى الأهم من ذلك كله هو أن كل أغنية تحمل في طياتها رسالة ما. ويختلف «الراي» عن أصناف الغناء الأخرى بأنغامه وكلماته، وهو ما يجعله أكثر رواجا. أما الكلمات فتعكس فعلا مشاعر المرء، أحيانا بجهر وأحيانا بصوت خافت. ويستخدم «الراي» الكلمات التي يتداولها الناس، وأنغامه تجعل القلب يرتعش. وفضلا عن قصص الشباب يتناول «الراي» الموضوعات السياسية والاجتماعية. ويتلخص مجمله في لغة قريبة كل القرب من أفئدة جمهور المغرب العربي والعرب في كل مكان. ولا يتم انتقاء الكلمات لابتكار الأنغام فحسب، وإنما لمنح الناس شعورا بالسرور أو الأسى أو الإحباط أو الحب، وهو شكل من أشكال التعبير التي يفهمها ويشعر بها الجميع. o الملحن يغني ويألف.. فلماذا هذه الإزدواجية ؟ هل يعني هذا خلو الساحة الفنية من الشعراء والملحنين؟ n هذا سؤال مهم جدا..لأن بعض الممارسين في الميدان اضطروا للقيام بكل شيء بأنفسهم نظرا لغياب الدعم، وأنا أؤمن دائما بالتخصص. بالنسبة لسؤالك أنا أيضا لا أحب الأشخاص الذين يكونون يغنون بدرجة أولى، ثم بعد ذلك يتطفلون على الكتابة أو التلحين.. وحتما من يقوم بذلك فإن عمله أكيد سيكون ضعيفا. أفضل أن يبقى كل واحد في تخصصه الذي يتقنه، ونحن -الحمد لله- نجد في بلادنا العديد من المواهب سواء في الكتابة أو التلحين أو التوزيع. وصراحة هذه الفوضى التي أصبحنا نجدها في مجال الفن هي التي جعلتنا نرى أعمالا رديئة بالمجال. o ما رؤيتك للمشهد الموسيقي في المغرب؟ n المشهد الموسيقي المغربي لا يزال في حالة مخاض، إنه يميل إلى الطابع المهني برفق، ولكن الإشارة الحقيقية يجب أن تأتي من الدولة، في غياب نمط صناعي للموسيقى، يتوجٌب على وزارة الثقافة أن تتكفل الأعمال والمشاريع التي أثبتت عن جدارتها وخاصة تلك التي تتوفر على رؤية مستدامة ! o هل الفنان المغربي مثقف ولديه فكرة عن مجمل قضايا وطنه ؟ n الفنان المغربي فنان وطني مثقف يحمل بين ثنايا قلبه هاجس الوطنية والأصالة، بل والغيرة في أغلب الأحيان. في بداية مشواري الفني، تطرقت إلى المواضيع الاجتماعية، فكيف لي أن لا أكون على دراية بقضايا وطنية. o ما موقفك في مسألة تعرض الأعمال الفنية للقرصنة بالمغرب؟ n إن القرصنة تعرض الفنانين لخسارة مالية وتضر بمصالحهم، والأهم أنها كانت و ما زالت السبب الرئيسي في إقفال أبواب الشركات الإنتاج و عزوفها عن المساعدة. o بعض الفنانين يساندون القرصنة لأنها تسهم في انتشارهم على نطاق واسع بين الناس، ما رأيك في ذلك؟ n من يقول هذا الكلام ليس فنانا. ولعلمك فالتوزيع بطريقة غير قانونية يشجع على الفساد. والفنان يجب أن ينجح ألبومه بنفسه لا أن يقول إن القرصنة تساعد على انتشاره، بل بالعكس، القرصنة، تجعله رخيصا، ومبتذلا. o هل للشهرة ثمن ؟ n الشهرة تسبب احيانا متاعب كثيرة وسلبيات متنوعة.. ومن شأنها تقييد تحركات الفنان وتحصي أنفاسه حتى لا يكاد يتململ .. وهو يضع في حسبانه أن الكاميرا شاعلة. صحيح أن الشهرة تمنحك فرصة لقاء الناس على أكثر من صعيد ومستوى، وقد تفتح لك أبواب الغنى كما تفتح لك أبواب قلوبهم، لكن قد تكون كل هذه الأمور على حساب حياتك الخاصة والعادية. o لكل رسالة تجاه العالم والناس، بل وتجاه نفسه ..ترى ما رسالتك؟ n رسالتي أن تكون هناك التفاتة حقيقية فنية ثقافية اجتماعية سياسية تخدم بوجه خاص الأطفال وكبار السن والمرضى.. ومن جهتي، فإني أعمل على إيصال الرسالة من خلال الكلمة الملتزمة، التي تعبر عن قضايا ومشاغل المواطن المغربي وتغرس في دواخله القيم النبيلة من صدق ووفاء وإخلاص وتضحية ونكران ذات، وكمثال على ذلك التحسيس بخطورة ظاهرة الشغب التي اكتسحت كل الأحياء و الدروب وأثرها السلبي في مجتمعنا. o كيف ترى واقع الفنان المغربي حاليا؟ n الفنان المغربي لحد الساعة لم يجد مكانه بين الفنانين العرب ولا الغربيين، فهناك إكراهات أثرت سلبا على مردود يته وطموحاته كفنان يريد أن يساير الركب الفني والتطورات الحديثة الفنية، وأول هذه الإكراهات الإعلام .. نحن نفتقر إلى قنوات تبرز إنتاجات الفنانين وتساهم في تسويقها وانتشارها على غرار باقي القنوات الفضائية الشرقية والخليجية ..نفتقر إلى شركات إنتاج ..نفتقر إلى الدعم والذي يقتصر - للأسف-على بعض الفنانين لغياب للنزاهة والشفافية.. وعليه فالفنان أمسى يطرق أبوابا أخرى كالفنادق والكباريهات كي لا ينسى أو لا يودع في سلة المهملات. o ما الحال الذي آلت إليه الأغنية المغربية،هل مازالت وفية للتراث أم مرتمية في أحضان الأغنية العصرية الغربية؟ n من المعروف أن الإقبال على الأغنية التي تمجد التراث أصبح قليلا، إذ أمسى الاهتمام منصبا على الأغنية العصرية الحديثة. ولهذا وفي خضم الغزو الأوربي على الذوق المغربي بدأنا نرى أغنية مغربية جديدة تحاول التخلص من التراث القديم والارتماء في ما هو جديد غربي . وبالتالي ولادة أغنية لقيطة ما هي مغربية أصيلة ولا هي بأغنية غربية تتجلى فيها مقومات الطرب بالنكهة المغربية العريقة التي تعودنا عليها. وبالنسبة لي، فأنا أغني بشكل خاص، أؤلف بين بين، كلمات أصيلة و موسيقى معاصرة، لكن العمق التراثي والإحساس الوطني الصادق بترنيم حديث، كلها متضمنة في عملي الفني. وما يساعدني مادياً ومعنوياً هم الأشخاص القريبون مني: أهلي وأصدقائي وزملائي يدعموني مؤمنين بى وبرسالتى 100 % لأننا لدينا نفس الرؤية والهدف الذى نعمل على إيصاله معاً للناس، وأنا الحمد لله سعيد جداً بعملي معهم. o ما تقييمك في ظاهرة المهرجانات والسياسات المتبعة فيها؟ n ظاهرة المهرجانات هي ظاهرة صحية، حبذا لو تعطى فيها الفرصة للفنانين المحليين بدل إنفاق ميزانيات ضخمة على فنانين أجانب لا يتفوقون على نظرائهم المحليين إلا بلقب أجنبي. بالإضافة أن ظاهرة المهرجانات ما هي إلا نوع من الاستعراض لما يقدمه السوق المحلي من إبداعات، وفي غياب منتوجات أسواقنا الفنية المحلية، التجأنا إلى الأسواق الغربية والشرقية حتى نسد الثغرات .. لن تزيد تحفيزا لواقعنا المغربي بل ستزيده مرارة، وتبين الفرق الشاسع بيننا وبين باقي البلدان الأخرى، إنتاجاتنا ضئيلة ويغلب عليها طابع المنافسة وهذا يتجلى أيضا في اغلب القطاعات. إن السياسة المتبعة في المهرجانات، يجب أن تراعي الذوق العام للنهوض بالفن المغربي، والسياحة أيضا لجلب العملة وتبادل الأفكار فيما قد يفيد مشروعا تنمويا واعدا. إن المهم في تنظيم مهرجان ما أن يكون نوعيا ومثمرا على مستوى الذوق الفني وكذا على المستوى المادي. o ماذا عن مسألة المفاضلة بين الأجيال الفنية الشابة والأخرى الرائدة؟ n اسمع، لكل جيل وظروفه وشروطه التاريخية مع الأغنية، أداء ولحنا وكلمات. جيل الرواد لا يمكن إلا أن نحييه تحية إكبار من هذا المنبر، لأنه شق وعبد الطريق الوعر من أجل أغنية سليمة وجيدة، وجيل الشباب، جيل مثقف، نهل من عدة مناهل فنية تراثية وغربية وسعى ويسعى لتضمين ثقافته الفنية في أداء يرفع من شأن الأغنية المغربية بل وإبرازها في البلاد العربية. لكن لابد من التوضيح أن شبابا يظهرون فعلا موهوبين، لهم ملكات وإلهام وحناجر ذهبية تدفع بالأغنية المغربية قدما، لكن يعوزهم الدعم والتشجيع والوساطة من هذه الجهة أو تلك، وهذا ما يفسر مسألة الهجرة إلى البلاد العربية الأخرى . وثمة شباب، أقولها بالدارجة»معدي «على الأغنية المغربية، يريد أن يغرد بصوت مبحوح ومقاطع من كلمات غير سائغة ولحن غير مستوي، يريد أن «يطلع» فوق الخشبة أو على الشاشة، بأي ثمن. فهذا المجال الفني أصبح، للأسف، لدى البعض مهنة من لا مهنة له، ومسلكا وحيدا نحو الشهرة والمال. o من هم أصدقاؤك المقربون في الوسط الفني؟ n هناك أصدقاء كثر من الوسط الفني كالفنان غاني، فنحن على تواصل دائم ، و الفنان حميد بوشناق ومصطفى بوركون و سعد التسولي و عبد الله الداودي ورشيد باطما ويوسف الجندي وطارق الخالدي ومصطفى هنيني، وكذلك الفنان هشام بهلول فهو من أعز أصدقاني، وفعلا افتقدناه كثيرا في الفريق الكروي ونتمنى له الشفاء العاجل و ننتظره بفارغ الصبر . o موسكير ماذا عن جديده؟ n ما أري قوله أنني في عملي لا أكل ولا أتعب. أشتغل كل لحظة بتفان واستعداد وحماس من أجل أن أعطي الجديد. مؤخرا انتهيت من تسجيل عملين جديدين: الأول رفقة المغنية الرومانية «ليا» و «ديدجي أمين» و يلقى هذا العمل حاليا نجاحا كبيرا في أوروبا، والعمل الثاني هو على شكل سينغل رفقة الفنان «باري» تحت عنوان «الله يهديك». وسنقوم معا بتصويره على شكل الفيديو كليب ، كما أشتغل على سينغل آخر مع «ديدجي زاد» و»حميد الدوسي».