آنخيل سانتشيث، أحد أبرز الأدباء الإسبان في جزر الكناري، شاعر ومترجم وروائي وكاتب مقالات وباحث أنثروبولوجي. فاز بجائزة الأدب الكناري في نسختها الأخيرة (2018). درَس في خمس جامعات بكل من جزر الكناري، إسبانيا، فرنسا وألمانيا. حصل على الدكتوراه في الأدب والعلوم الإنسانية من جامعة السوربون – باريس. صدر له أكثر من (32) كتاباً بينها (19) ديواناً شعريّاً يندرج أغلبها في إطار الشعر البصري. تأثّر بالشعراء الألمان وترجم أعمالهم إلى اللغة الإسبانية. إنه من أولئك الأدباء الملتزمين الذين يتّخذون من الكلمة سلاحاً لكشف الحقيقة والجمال من أجل نشر الوعي داخل الأرخبيل الكناري وخارجه. ماذا تعني لك جائزة الأدب الكناري ككاتب وكشخص؟ ككاتب، تعني مكافأة للسنوات العديدة التي أمضيتها في الكتابة والمعرفة ونشر الخصوصية الكنارية من خلال جميع المظاهر التي درستها والأجناس التي عالجتها: الشعر، الرواية، المقال، النقد… وكشخص، فالجائزة، من دون شك، تُمثِّل مفتاحاً من أجل تحقيق الانتشار، خصوصاً في شبه الجزيرة الإيبيرية (إسبانيا)، لكنها وقبل كل شيء تعني دفعة جديدة لكي أتقرّب من القراء. وهذا هو المهم لأنني _وكما قلت في مناسبات عديدة_ لا أريد الجوائز، ما أريده هو القراء. في رأيك، هل من الضروري الحصول على الجوائز لكي تجد لك موطئ قدم في «السوق الأدبي»؟ يبدو بأن الأمر كذلك، رغم أني أعتقد بأن الناس يجدون موطئ قدم لهم حين يمتلكون الموهبة، ويُفترض بأن الجوائز تُمنح للناس الذين يمتلكون الموهبة. إن الجوائز تزيد المبيعات. هل تُنقذ الجوائز من النسيان؟ لا يُنقذ من النسيان إلا الزمان… ماذا يستوجب في أعمالك أن تكون جزيريّاً (من جزر الكناري)؟ للوهلة الأولى سأقول بأن ذلك يستوجب الانعزال، بمعنى أنْ تكون مُحاطا بالمياه وفي بلد حيث توجد نسبة قليلة من القراءة، فمن الواضح أنّ العيش في جزيرة يستوجب الانعزال. ثم إنّ هناك عناصر أخرى خاصة بالمجال الجزيري مثل الطبيعة والبحر وحالة تمازج الأعراق. يوجد لدينا في جزر الكناري تأثيرات أوروبية وإفريقية وأمريكية، نحن أناس مُركَّزون جدّاً ونتعاطى أسلوب الشعر الغنائي على وجه الخصوص، رغم أنني شخصيا أهتمُّ أكثر بالمظهر الاجتماعي للأدب. لقد أقحمتُ نفسي في معارك كثيرة منذ بداياتي ككاتب وأنا أُسائل الفوضى العالمية. كانت أبياتي الشعرية الأولى التي كتبتها في صلمنقة عام (1967) ضد حرب الفيتنام. ما دمت قد أثرت هذا المظهر من الكتابة، هل يجب على الكاتب في نظرك أن يقوم بالنقد الاجتماعي من خلال نصوصه؟ يجب على الكاتب أن يُؤسِّس عمله على نوع من الوعي الذي يَعرِض حقوق الإنسان الأساسية على المجتمع الذي يقرأ له، أي أنه يجب علينا _من خلال ما نكتبه_ أن نحاول تربية الوعي وخلقه عند الناس حول حقوقهم. في عهد الديكتاتورية لم تكن لنا حقوق، بل واجبات فقط. كنتُ محظوظاً حينها بالذهاب إلى فرنسا وهناك التزمتُ بمجال الكتابة التي يغلب عليها الطابع الاجتماعي والسياسي. هكذا إذن يجب على الكاتب أن يكون ملتزماً كما فعل ذلك من قبل آخرون كُثُر: والت ويتمان، تولستوي، إيتالو كالفينو، ساراماغو… زد على ذلك أن إمكانية الكتابة وأن يُقرأ ما تكتبُه هما أمران يُحوِّلان أدبك إلى سلاح، الأدب باعتباره سلاحاً… نعم، طبعاً، الكتابة مثل الكلاشنيكوف، إنّها سلاحُ مَنْ يكتبُ من أجل كشف الحقيقة والجمال والقيم حسب الأسلوب والجنس الأدبي وطريقة التفكير الخاصة بكل كاتب ملتزم بقضايا العصر الذي يعيش فيه. أعتقد بأنه يجب علينا إشباع ما نكتبه بفكر نقدي؛ على الأقل، هذا ما أسعى إليه في نصوصي. لمن يكتب آنخيل سانتشيث؟ للجمهور طبعا، لكنني قبل كل شيء، أكتب لأعرف نفسي وأعرف الآخرين. أكتب لأنني كنت قارئاً كبيراً منذ طفولتي. من حسن حظي أن والدَيَّ كانا يمتلكان مكتبة رائعة بمنزلنا في حي «القبطان كيسادا» في بلدة غالدار (جزيرة كناريا الكبرى)، كانا يشتغلان معلمين بالمدرسة، وكانا من خِرِّيجي «المؤسسة الحرة للتعليم». كنتُ أقرأ بصفة إجبارية منذ صغري. لقد اقتنيت أول كتاب منذ سن الثالثة عشرة، وأتذكّرُ بأنّي طلبته عبر البريد ودفعت مقابله بيسيتا وربع (1.25) ويتعلق الأمر برواية «ألعاب ممنوعة» للكاتب فرانسوا بوايِّي؛ بعدها قرأت «ألف ليلة وليلة» وقرأت أيضا لتولستوي، بلاسكو إبانييث، غالدوس… وفي الشعر، كانت أمي تقرأ علينا قصائد روبين داريّو، إسبرونثيدا… أي أننا كنا نقرأ ما نقدر عليه. كان «الشعاع الذي لا يزول» أول كتاب محظور أقرأه وهو للشاعر ميغيل إيرنانديث. كان عمري حين قرأته ست عشرة سنة فانبهرت به. إنه واحد من الشعراء المُفضّلين لديّ. لكي تكون كاتباً جيّداً هل يتطلّب ذلك أن تكون قارئاً جيّداً؟ نعم، طبعاً، يجب أن يقرأ المرء كثيراً. يجب تعلُّم تغيير المقاييس والموضوعات… المرء هو خلاصةُ كلِّ ما يقرأه ويعيشه. حين تبدأ في الكتابة، يمكنك أن تتشبّه بكاتب آخر، لكن بعدها، يجب أن تتخلّص تدريجياً من تأثيره إلى أن يكون لك صوتك الخاص. إنه نسقٌ يجب أنْ يَخرُج بطريقة طبيعية، دون البحث عنه. ما الذي يجعل نصّاً ما نصّاً جيّداً؟ إنه الابتكار قبل كل شيء، أن يكون خلقاً (Poiesis)، أن يخرج من العدم وأن يكون له عمق وإيقاع ووضوح وأن يصل، بالتأكيد، أن يكون قابلا للتقاسم. بمعنى أن يُحسّ المرءُ بما يقرأه. الشعر أو النثر؟ أنا الآن مع النثر. أما في الشعر فلم أعد أكتب سوى قصائد بصرية. ما هو الشعر البصري؟ الشعر البصري هو تعبير ظهر مع الطباعة وفن الخط الذي نشأ في اليونان القديمة وقد اكتسب هذا التعبير منذ أبولينير وكاليغراماته أهمية كبيرة بانفتاحه على التيارات الإبداعية لذلك العصر مثل السريالية والدادائية إلى أن تم إدخال الصورة. باختصار، إنه مزيج بين الأدب والجمال الخطّي. على القصيدة البصرية أن تنفذ إلى دواخلك كتمثيل ولا يجب أن تبحث لها عن معنى. ما هو الشعر؟ بحثٌ عن الكائن الحي، في الذات وفي الطبيعة. من ماذا يُنقذ الشعرُ الشاعرَ آنخيل سانتشيث؟ من كل شيء سيء في العالم، من الشر، من الظلم، من سوء المعاملة… ويُنقذني أيضاً من العزلة. إنّ الشعر يُغذِّيني. إنّه روتيني وطريقتي في العيش. بيتٌ شعريٌّ يستحقُّ التكرار؟ «كلُّ ملاكٍ هو مُرعب»، للشاعر ريلكه. كتابٌ يجب أن يكون في كل المكتبات؟ هناك الكثير! لكن لو أردت ذكر بعضها، «دون كيشوت» لثيربانتس، «النشيد الروحي» للقديس يوحنا الصليبي، «بيدرو بارامو» لرولفو، «إميل» لروسو… لكنّني أُشدِّدُ على أنّ هناك الكثير. قبل الختام، يتملّكني الفضول… لو أتيحت لك إمكانية الحديث عن الأدب مع أحد الكُتّاب، مع من كنت ستتحدّث؟ مع جورج تراكل من دون شك، إنّه الشاعر الذي درسته أكثر؛ في الواقع، لقد ترجمتُ كل أعماله تقريباً. وأيضاً مع والت ويتمان وليثاما ليما، من بين آخرين. موقع «دراغاريا»، المجلة الكنارية للأدب