ثمة أسئلة قديمة ودائمة تتعلق بالإبداع الأدبي تتم إثارتها بين حين وآخر، أو يتم طرحها على الأجيال المتعاقبة من الكتاب وفي مختلف أنحاء العالم، ومنها: لماذا نكتب؟ لمن نكتب؟. والسؤال الآخر الذي أعاد إثارته الملحق الثقافي لصحيفة (الموندو) الإسبانية هو: أيهما أكثر أهمية للإبداع، وبشكل خاص للشعراء: التجربة الثقافية أم التجربة الحياتية اليومية؟. سؤال تم طرحه على نخبة من الأسماء المهمة في الساحة الشعرية الإسبانية، باعتبار أن سؤالاً كهذا كان ولا زال يشغل الشعراء منذ انتهاء الحرب الأهلية الإسبانية سنة 1939 ويمس قضية جوهرية تؤثر على كل ميدان الشعر الإسباني. حيث راح الشعر يتراجع بعد أن كان فاعلاً ومتفاعلاً مع الأحداث، فيما يقل عدد قرائه الآن بشكل كبير، ومقابل ذلك تأخذ الرواية الاهتمام الأول من قبل القراء، الأمر الذي سبب قلقاً لدى عدد غفير من الشعراء لصدود القراء عنهم، فيضعهم أمام السؤال: أيهما أكثر أهمية للشعر: الحياة أم الثقافة؟. والمقصود هنا يشمل التجربة الحياتية الشخصية للشاعر كإنسان فرد وكجزء من مجتمع وتجربة هذا المجتمع، ومن جهة أخرى تجربته الثقافية الفردية كقارئ وككاتب ومن ثم كجزء من مجموع أسماء ومنتجي الأدب في الوسط الثقافي. ونعتقد بأن سؤالاً كهذا يعد ضرورياً ليتوقف عنده الشعراء العرب أيضاً ويعيدون طرحه على أنفسهم وللنقاش. هنا ننقل إجابات بعض أهم الشعراء الذين شاركوا في ذلك الاستفتاء إضافة إلى آخرين قمنا بطرح السؤال عليهم مباشرة، وبشكل خاص لصالح «الاتحاد الثقافي»: تهميش الخصوصية يقول الشاعر لويس جارثيا مونتيرو Luis García Montero: «لا أستطيع التصديق بأن هناك وجودا لأي كاتب حقيقي يحاول الفصل بين الكتب والحياة، بين التجربة الثقافية والتجربة الشخصية. فأنا كشاعر قد عشت في الكتب وقرأت في الحياة. وأغلب أفكاري عن الحب، الكراهية، الخوف والكآبة تعلمتها مع قصيدة أو رواية بين يدي، مستمتعاً أو مكابداً تلك الموجة من هذه الحياة المشحونة التي تتمخض عن أدب جيد. الكتب بالنسبة للقراء هي جزء مهم من تجربتهم الحياتية، فالحياة تدخل معلَّبة في الكتب، مثيرة لانفعالات، أفكار، شكوك، حيرات. حتى تؤسس في صفحاتها تفاصيل أكثر الذكريات خصوصية. إن الرغبة بإيضاح تنوع الأساليب الشعرية الأوربية عبر الفصل بين الكتب والحياة، بين الأشعار التي تلد من الواقع والأشعار التي تلد من الثقافة. أمر يبدو لي ضرب من السذاجة والتسطيح. فالشعر الإسباني مثلاً قد هجر، ومنذ زمن، هذا النوع من العبث وهمّش تلك الخصوصية التي لا تجب مناقشتها. فالعلاقة المعقدة بين ثقافة وحياة تكون منعكسة حتماً على (أنا) السيرة، الشخصية الأدبية، الصناعة اللغوية، وعلى الشعر كجنس من الخيال». مفتاح المعرفة أما الشاعر تشيلو كانديل Xelo Candel فيقول: «أنا أعتقد بأن التجربة الثقافية هي الأهم. يجب على الشاعر أن يعرف التقاليد الأدبية التي تم توارثها، ولذا فأنا لا أثق بالشعراء، ولا سيما الشباب، الذين يتبجحون بقطيعتهم وبعدم معرفتهم لما سبقهم من شعر، لأنني لا أعتقد بوجود العبقرية الشعرية الفطرية التي تولد وتنمو بمفردها في الفراغ المطلق. إن الكاتب والشاعر ملزَم بأن يعرف جيداً شعراء آخرين سبقوه أكبر منه سناً وتجربة وكذلك معرفة معاصريه من أجل إيجاد خط أو أسلوب جمالي معين أو رفضه، عليه أن يعرف التقاليد الموروثة جيداً كي لا يرتكب خطأ الاعتقاد بأن ما يفعله أصيلاً وهو في الحقيقة ليس كذلك. في إسبانيا أسمع شباباً يتحدثون عن مواصفات شعرية طليعية وكأنها من اختراعهم، مثل: (التشظي، تفكيك الذات، القطيعة مع المعنى. إلخ). صحيح أن على الشاعر ألا يكرر ما سبق قوله ولكن الالتزام بوضع التقاليد لا يعني قول ما قاله غيرك دون إيجاد خصوصيتك الشخصية ورؤيتك الخاصة للعالم، وهنا يمكننا الاستعانة بتجربتنا الحياتية الخاصة وشخصيتنا وطريقتنا في رؤية الواقع. أما الشاعر الذي يحكي حياته فقط، فسيتحول إلى مراهق جاهل لا يطاق، والشاعر الذي يتبع خطاً أو أسلوباً جمالياً واحداً سيتحول إلى شاعر بلا روح. إن المفتاح يكمن بالمعرفة الجيدة لأدوات العمل وتوظيفها بمهارة المحترف، فإن لم يكن الشعر هو حرفتك وحياتك وعشقك فمن الأفضل أن تنساه». إجابة الإبداع ويقول الشاعر كلاوديو جين Claudio Guillén: «لا توجد حياة أصيلة وقوية بلا ثقافة. وعلى الرغم من أننا جميعاً علمانيون إلا أننا بشكل أو بآخر مسيحيون. والجهد الذي يستطيع بذله الشاعر في سبيل علاقته مع نفسه ومن أجل الإجابة بطزاجة وإخلاص على الحياة، هو بحد ذاته إبداع ثقافي أيضاً، وهو مدين بذلك لكل الوسائل التي استعملها أو اغتصبها من أسلافه». تجربتان ضروريتان ويعتبر الشاعر فرانثيسكو بيرينيس Francisco Brines: «كِلا التجربتين هما ضروريتان ولا غنى عنهما. الإبداع الشعري هو دائماً فعل ثقافي ودافعه الأول وتعلمه وصلا إلينا عبر القراءة. فهو يُكتب انطلاقاً من الحياة، ومن أجل أن يُمنح إليها، حاملاً للجوهر بواسطة الكلمات ومفعماً بالانفعالات أو بمعرفة جديدة. إضافة إلى أن لهذه المعرفة الثقافية مكانتها الضرورية في الحياة اليومية. وهكذا إذاً فإن ظهور تجربة ما، أكثر أو أقل ستعتمد على طبيعة النص وحسب القصيدة التي تتم كتابتها. يحدث أيضاً أن بعض الشعراء يميلون نحو المحتوى الموضوعي للقصيدة فيطغى على نصوصهم، ولكن تبقى نوعية النص هي الوحيدة التي تنصف الإبداع الشعري وهي التجربة الوحيدة التي تهم القارئ. وإن كان الشاعر أيضاً له الحق بالتفضيل بين النصوص، ولكن ليس بالضرورة أن تكون هي نفسها التي تنتج الانفعال الجمالي الذي يبحث عنه». كنز الشعر وتقول الشاعرة يولاندا آلدون Yolanda Aldóm: «بصراحة، إن الشاعر يولَد شاعراً، أي أنه شاعر بالفطرة. فجدي كان بناءً وأبي كان بناءً أيضاً وبعد عودتهما إلى البيت من أعمال البناء بأيدي معفرة بالجبس كانا يكتبان، وإن كانت النصوص التي يكتبانها فيها أخطاء إملائية وقواعدية، إلا أنها كانت قصائد. أبي كان يخبئها في صندوق كي لا يراها أحد، وكان ذلك المحرّم علي يثير فضولي كثيراً لذا سعيت إلى أن أفتح ذلك الصندوق سراً، فوجدت ذلك الكنز: إنه الشِعر. وهكذا صرت أرى أن الحياة، ما هو يومي والتجربة الحياتية، هي كل شيء من أجل الإبداع الشعري وجلاء الرؤية، ومن البديهي أن تكون القراءة والدراسة مهمة كأهمية الفِطرة، ولكن، مع ذلك، فإن الشاعر الذي يفتقر إلى الموهبة لن يصبح شاعراً مهما قرأ واختلط بالوسط الثقافي أو نال من شهادات الدكتوراه». اختلاف المقاييس أما الشاعر بيير خيمفيرير Pere Gimferrer فيقول: «هل أن التجربة الحياتية اليومية لا تحتوي ضمنياً على التجربة الثقافية؟ أليست الثقافة هي جزء من التجربة الحياتية؟. وبشكل آخر: هل ثمة تجربة حياتية مبلورة في قصيدة لا يمكن اعتبارها تجربة ثقافية؟. فمنذ النظرة الأولى قد يعتقد القارئ العادي أو غير المحترف بأن قصيدة مثل (لويس يستمع لهينغرين) للشاعر لويس ثرنودا، بأنها تشير إلى تجربة ثقافية، وأن قصيدة مثل (بعد موت خايمه دي بيدما) للشاعر خايمه دي بيدما بأنها تشير إلى تجربة حياتية. وفي الحقيقة أن كلا القصيدتين تتناول تجربة ثقافية وكلاهما تتناول تجربة حياتية. ولنأخذ مثالاً آخر للشاعرين كي نستطيع التمييز بين ما توحي به القصيدة عبر النظرة الأولى وبين ما تتناوله حقيقة. مثلاً: إن قصيدة (العائلة) للويس ثرنودا تبدو بأنها تتناول تجربة حياتية بينما هي تشير في حقيقتها إلى وهم أو هم روحي فردي خالص. وقصيدة مثل (انهيارات الرايخ الثالث) للشاعر خايمه بيدما لا يمكن اعتبارها قصيدة تاريخية لأنها في الحقيقة تتناول التربية العاطفية الخاصة لمؤلفها نفسه. وهكذا فوفق مقاييس معينة يمكن اعتبار قصيدة ما منتسبة إلى التجربة الحياتية، ووفق مقاييس أخرى يمكن اعتبار القصيدة ذاتها منتسبة إلى التجربة الثقافية، وذلك لأن الثقافة ليست بشيء منفصل عن حياتنا الخاصة. أما عن خرافة ما يسمى بالشعر التلقائي فهي بعيدة كل البعد عن اشتغال القصيدة كآلية أدبية». انتهاك التقاليد ويقول الشاعر خايمه سيليس Jaime Siles: «إن الشعراء الذين أُطلقت عليهم خطأً تسمية (شعراء التجربة) كانوا قد مزجوا بين الضمير القواعدي (أنا) وبين ذواتهم الخاصة، وليس وفق لعبة الأقنعة الموجودة في الحياة والأدب. وهم بفعلهم هذا لم يتجاهلوا التحكم بالإشارة اللغوية فقط وإنما قد انتهكوا التقاليد الأدبية نفسها. فهم يصفون ذلك خطأً أو تجاهلاً بإعادة التقديم. ولنتذكر بأن كلمة (ماء) لا تُبلل حتى الآن. وأن كافافس، ثرنودا، بيسوا، بورخس وخايمه بيدما على سبيل المثال هم شعراء قد لجأوا إلى ذلك، وهم ليسوا بمجرد مثقفين إنما علماء يرون في الثقافة نظاماً معرفياً وإعادة تقديم للواقع. إن إحدى كبريات مشاكل الكائن البشري هي أن عليه أن يتخيل لكي يفهم نفسه، ولكي يعرف نفسه لا بد أن يقوم بتأويلها، ومن أجل أن يكون. عليه أن يقوم بإعادة تقديم نفسه. إن الأنا هي مسرح ولذلك فإن العالم مسرح أيضاً. والثقافة كانت وما زالت هي ليست مجرد متحفاً متخيلاً، وإنما هي عرضاً كبيراً للأقنعة، وتقليل قيمة ذلك أو تجاهله هو بمثابة تراجع». الشعر المنقذ وتقول الشاعرة إستريا كوادرادو مورجادا Estrella Cuadrado Morgado: «أعتقد، وبلا شك، بأن التجربة الشخصية الحياتية واليومية للشاعر هي الأهم، بكل ما تنطوي عليه وما تحركه فينا من مشاعر وأحاسيس بما يقود إلى تأمل مسألة معنى الوجود ذاتها. وها أنا الآن مثلاً أشعر مباشرة بما يحدث في العالم من مآس كما في غزة وسوريا والعراق، فكتبت وأكتب عنه، وكلما تزايد عدد القتلى الأبرياء هناك، أشعر بأن شيئاً مني كإنسانة يموت أيضاً. وفيما يتعلق بحالتي وظروفي الشخصية، فأنا، وكوني ابنة بلدة صغيرة، لم أكن محظوظة بما فيه الكفاية من حيث تأثير التجربة الثقافية والأوساط الأدبية، فبالكاد ذهبت إلى المدرسة والتي لم أستمر فيها سوى حتى الحادية عشرة من عمري، ولكن جاء الشعر ليدخل في حياتي مبكراً وينقذني، وكنت أدرك من حينها بأنه سيستمر معي طوال حياتي. لم تكن الكتب متوفرة في متناولي، ولم أجد من يوجه قراءاتي أو ينصحني بالكتابة لكنني كنت ولازلت أقرأ وأكتب وأتابع باستمرار بجهد ذاتي، وإلى جانب هذا الشغف بالكتابة فأنا حريصة دائماً على التعرف عما يشعر ويفكر به وما يكتبه غيري من الشعراء، وأعتقد بأن القراءة هي شكل آخر من أشكال عيش تجارب الآخرين أيضاً. لكن تجربتي الحياتية كانت ولاتزال هي الأهم بالنسبة لي كمصدر لتجربتي الشعرية». التهجين والانسجام ويقول الشاعر فيكتور جوميث بالينتينوس Viktor Gomez Valentinos: «أعتقد بأنه ليس هناك فرق بين الشعور والتفكير والتجسيد العملي. وهكذا فإن القراءة هي مسألة أساسية بالنسبة للشاعر، والقراءة لا تقتصر على المقالات والنصوص والكتب، وإنما هي طريقة ما للوجود في هذا العالم، هي الانتباه والاهتمام والإصغاء، «إن الاهتمام هو الصلاة الطبيعية للروح» كما يقول بول سيلان. لذا فإن الكتب والسفر والتحدث بعدة لغات، تشكل جزءاً من الحدث نفسه. إن الاصغاء والانتباه والتفاعل أعتبره ضرورياً من أجل أن تكون مبدعاً سواء أكنت شاعراً أم فنانا، لذا أرى أن الفصل بين الحياة الخاصة والحياة العامة، أو بين الحياة الفكرية والحياة العاطفية أو بين الحياة الثقافية والحياة العملية سيؤدي إلى نوع من العمى، أو مثل طائر له أجنحة ويستطيع الطيران لكنه أعمى، وعليه فإن التجربة الأهم تكون في القدرة على التهجين بين ما هو تجريدي والخيال، بين البحيرة والحب، وإيجاد تعايش مشترك لحل النزاعات الحياتية الروتينية. إن إمكانية إيجاد هذا الانسجام هو الذي يثري ويعزز قيمة العمل الشعري من حيث الأهمية والبقاء والجمال. فالشعر الذي يفتقر إلى الحساسية تجاه تاريخ الألم والمعاناة والمخاوف والقلق والتناقضات، ما هو إلا مجرد كتابة فقيرة. لأن الشعر يجب أن يكون متنفس الكائن التواق للتحرر من قوى التسلط والجهل واليأس وحتى من الموت. وعليه فإنه عندما يقرأ المرء أو يكتب إنما هو يعيش ويشعر ويفكر بكثافة كبيرة رابطاً ما يمكن أن يكون بين الحقيقة والجمال، بين التفكير والفعل، بين الثقافة والطبيعة وبين الذات والآخر». أعتقد أن الشعر القابل للديمومة والانتشار عالمياً هو ذلك الذي يحث على الحب واحترام الحياة والطبيعة، وإعطاء الأولوية لخير الصالح العام وتأشير الكثير من الاشكاليات التي تراكمت مع مرور الوقت على كاهل الإنسان. ليس على الشاعر أن يختار بين تجربتيّ الثقافة أو الحياة، وإنما النظر إليها من حيث علاقتها بالفقر والكرامة وإلى مقدار ما فيها لصالح الإنسانية والعدالة والسعادة لكل الكائنات الحية التي تعيش على هذه الأرض. « الانفعال شعر ويعتبر الشاعر خوسيه آنخل بالينته José ?ngel Valente: «إن مجرد طرح هذه القضية بهذا الشكل المبسط سيعطي تصوراً بتأخر أو تخلف الجهة الطارحة لها. فمنذ زمن بعيد قد أوضح مؤسسو الحداثة الشعرية هذا الموضوع لمرة واحدة وإلى الأبد: «إنه لشعر ذلك الانفعال الذي يتم تذكره في لحظات الهدوء والسكينة». كما كتب وردسورث منذ سنة 1800 أي أن التجربة المتجسدة في الآلية المرهفة للذاكرة تعتبر شعراً. وبعد ذلك بقرن وفي المقطع الثالث من قصيدة (The dry Savages) كتب ت. س. أليوت: «مررنا بالتجربة لكننا فقدنا الإحساس، والاقتراب من الإحساس يشكل التجربة». بالنسبة لأليوت فإن هذه التجربة المتجسدة في الإحساس ليست هي نتيجة لمجرد حياة واحدة، وإنما هي متأتية من حياة أجيال عديدة. إنه الإحساس بأن الذاكرة أو القصيدة تقترب مارة عبر نسيج من الحواس التي تنتج الكلمة الشعرية. ومن المؤكد سيكون من الأفضل للشعراء الذين تغرقهم قضية عادية كهذه أن يبدءوا بالذهاب إلى المدرسة». التغيير والتواصل ويقول الشاعر جسوس بونيا Gsús Bonilla: «يبدو السؤال بسيطاً وأن الإجابة عليه سهلة لو لم يندرج تحت ما هو ذاتي، ولكن، وبشكل عام، أعتقد أن الإجابة عليه هي مزيج من كل شيء، ولكن بقدر تعلق الأمر بي، أي بشعري، فإن مستوى الأهمية تكمن بالقدرة على الاندهاش التي ترافقني في كل لحظة، وفي ممارستي الشعرية أحاول أن أفهم الماضي في الحاضر، وإن كنت لا أدري حتى الآن لماذا، فبشكل ما تريد التعبير من خلال ما هو غير مفهوم عن الذي تجهله وتكتشفه، وفي هذه الصعوبة المتعلقة بفهم الشعر تتاح لك لغة خاصة وفريدة من أجل «التعبير» عما تفكر وتشعر به. كل هذا النوع من «التواصل» يستحسن القيام به بأقصى قدر من الاتساق والصدق ووفقاً لطبيعة تفكيرك وطبيعة تجربتك الحياتية». مصفى التجربة أما الشاعر آلبيرت توريس جارثيا Albert Torés García فيقول: «لست ممن يقتنعون بإجابة واحدة على سؤال واحد على الإطلاق ولا بتلك التفسيرات والتصريحات التي تعتمد الأحادية بالتشخيص، مع ذلك، وبلا أدنى شك، فأنا هنا أقول بأن التجربة الحياتية هي الأساس وهي ذاتها يمكننا تحسينها من خلال تمريرها عبر مصفى التجربة الثقافية والأدبية، وعلى هذا النحو تصبح التجربة الثقافية امتداداً ومكملاً للتجربة الحياتية دون وجود فصل واضح بينهما».