ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماجدوى الشعر في عالم اليوم؟ ولماذا يهجره الشعراء الى السرد؟


أيها الذاهبون عن القصيدة
من يجرحُ النايَ بعد اليوم
خذوا أشرعتكم ولا تنصرفوا
للشعر مكان لا يبرحه
في وجه أمي الحزين، وفي وردة تقاوم الذبول
وفي صباح ندي مثل جبين رضيع
من يسأل عن جدوى الشعر اليوم، كمن يسأل عن حاجة العطش للماء وعن حاجة الحياة إلى... الشرايين. عن حاجة الحبيب إلى قبلة من حبيبته..
لن يغير الشعر وجه العالم، لكنه يفضح وحشيته
لن يطعم الجائعين واللاجئين والواقفين على تخوم المنافي
لن يوقف الحروب التي تخاض بأسماء عديدة ، والضحية واحدة
لكنه يحلم بالخلاص من كل هذا الجنون وهذه الفوضى التي بقدر ما تتسع رقعتها اليوم، تضيق رئة الشعر بدون أن يفقد نفَسه.
قدر الشعر أن يقاوم الألم
وقدر الشعراء ألا يقاوموا سطوة الشعر
قدرهم أن يحرسوا الحديقة بعد أن اشتعلت الحرائق في كل مكان
وأن يتأبطوا قصائدهم وسط هذا الخراب
بريئين مثل أطفال يحلمون بسوبرمان ينقذهم من التتار الجدد.
الشعر باق في أرضه، ولو هجر الغاوون
وضرع القصيدة لن يجف
ما دامت الأحاسيس يانعة
والشعراءُ ، مهووسين بنبيذ اللغة، مفتتنين بلذاذة الصورة، وعابرين على سرير الفرح والحزن، ليسوا معنيين أبدا بهذا السؤال.
في هذا الملف، الذي خصصناه للحديث عن جدوى الشعر اليوم في زمن يصطخب عبثا وعنفا وعتمة، بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يصادف يوم الاثنين 21 مارس من كل سنة، يؤكد شعراؤنا وشاعراتنا أن الشعر في مملكته مازال يقاوم ، وأنه غير مستعد للرحيل.
السؤال ليس هو ما دور الشعر، ولكن أين هو الشعر؟ وأين هم الشعراء؟
سهام بوهلال
يحلو لي أكثر أن أكتب الشعر أو أقرأ لشعرائي المفضلين الأبديين وأنفر من الحديث المطلق عن الشعر أو الفحوى منه أو الدور الذي يلعبه في هذا العصر أو ذاك كأنه برنامج سياسي لحزب قادم. هل الشعر كفيل بأن يعيد لسوريا هدنتها ولبغداد رونقها ويعطي لليبيا وتونس ومصر مستقبلا آخرا؟ هل يمكنه أن يضع حذاء في رجل الطفل والكهل والمرأة والرجل، واللقمة في فم الجائع في المغرب و غيره؟ هل لليوم العالمي للشعر أو لكل يوم خصص لقضية ما جدوى؟ ربما كان الجواب نعم لو صادفت الكلمة الشديدة الأذن الصاغية والعزيمة الكافية والرغبة في تغيير الأشياء بل وحملها على الأكتاف. الكلمة تشحن الحشود ولكن أين هي الكلمة التي توعي الحشود وتنقي عقولها من الجهل والرجوع للقرون الغابرة الظلامية؟
إذا كان الشعر لا ينقذ إلا صاحبه وبعض البصائر المتنورة فهو منذ القدم ولازال يقتل، يولج أصحابه السجون، وما جدوى اليوم العالمي للشعر إذا لم نحتج جميعا على كل شاعر مسجون منتظر لقتله أو هؤلاء الذين أعطوا حياتهم في أنحاء العالم؟
السؤال بالنسبة لي ليس هو ما دور الشعر ولكن أين هو الشعر؟ و أين هم الشعراء؟
سؤالكم الثاني متعلق بالأول. ربما لأنني أعيش بعيدا رغم اطلاعي عن الساحة المغربية. إحساسي بالتكرار في مجال الرواية، ونتحدث طبعا عن اللغات المتداولة بالمغرب وبعض الملل. لا أدري إن كان عزوفا عن الشعر نحو الرواية و لكن يبدو أن من يكتب الشعر هو من يكتب الرواية، وللشعر أزمته العالمية وليس فقط المغاربة الذين يتراوحون بين الكتابتين الشعرية والروائية، حتى سمعت من بعضهم نكتب شعرا ونسميها رواية لأن القارئ للشعر قليل، وتظل المسألة تجارية نوعا ما وأنا من أصحاب الرأي الذي يقول أكتب شعرا وأدافع عنه كشعر. كتبت مؤخرا رواية ولكن لم تكن أول عمل نثري لي فوجدت فيها لذة أخرى وانفتاحا آخر لخبايا في وأبعاد كونية أخرى، ولكني مستمرة بكتابة الشعر و ملتزمة إلى حد ما بموضوع الحب، لأن الحب بالنسبة لي صار مفقودا بين الناس فلذا عزفوا عن بعضهم البعض، عن الآخرين ومشاكلهم، أغمضوا أعينهم أو تعاموا عن المسكين والجائع والعريان والمقهور.
مضمرات التساؤل عن الحاجة إلى الشعر الآن
رضوان أفندي
- القيمة:
يبدو السؤال بصيغة انبهارية كهذه (ما الحاجة إلى الشعر في عصر العولمة وتعملق ميتافيزيقا الإنسان في صورتها التكنولوجية الجبارة ؟) سؤالا يفترض غير قليل من التشكيك في قيمة الشعر كقيمة مطلقة، والتسليم احتمالا بأن تقدير القيمة بوصفها نسبية ومتغيرة قد يرتفع منسوبه أو ينخفض تبعا لتبدل الأحوال و أنماط العيش و سياقات التاريخ . أي أن القيمة محكومة بظروف تحيط بها.
- الظرفية:
يترتب عن الإطاحة بالقيمة المطلقة للشعر، أو على الأقل التشكيك فيها، إقرار بظرفيتها كقيمة مؤقتة، ما يتعارض مع قول تروتسكي الذي يصبح مجرد ادعاء بأن كل إنسان يحتاج إلى توفر نصيبه من الشعر مثلما يحتاج توفر نصيبه من الخبز. لكن الأمر لا يخلو من التباس. فهل الظرفية تتعلق بالشعر تجريدا كفن قول، أم تعني متونا بعينها ذات حمولات - أغراض - نوعية ؟ هل تنسب ظرفية القيمة إلى الشعر كفاعلية إبداعية، أم إلى أشعار محددة كما و نوعا ؟ إن وصف القيمة بالظرفية يعني من بين ما يعنيه أن للشعر وظيفة يتعين على الشاعر أن ينهض بها.
- الوظيفة :
شاعر الجاهلية كان ينطق بصوت القبيلة، أو بالأحرى صوت القبيلة هو ما كان ينطق فيه. و شاعر الإسلام دأب على التغني بانتمائه العقائدي... وشاعر الربيع العربي أعاد بعث القصيدة المحملة برسالة Poème à thèse ، ليتراجع إلى حين مد التجريب الذي انخرط فيه بعض شعرائنا بإملاء من حداثة مفترضة، ما يغري بالاعتقاد في الطابع النفعي للشعر. غير أن الشعر لا يكون كذلك ما لم يكن ممتعا. و يرى إيرفين باروفسكي بأن المتعة ليست غاية وحيدة للفن، إلا أن الإدراك الجمالي هو غاية الفن الأولى، بما أن الجمال يقع في ماهية الفن.
-الماهية:
من اليسير أن نربط ماهية الشعر/ الفن بالقدرة على تجسيد الإيحاء كتجاوز للمحاكاة الأرسطية. ومن اليسير أيضا أن نتبنى تصور يوهان هويزينكا للشعر كفضاء لعبي - نسبة إلى اللعب - . أو نظرة نزار قباني للقريض كخلق للدهشة، أو كإرجاع للغة إلى بداءتها مع سعدي يوسف، أو كاستقبال طفولي للوجود... غير أن الإمتاع ليس مجرد أثر من آثار الشعر، وإنما هو شرطه المتلازم معه بوصفه فنا. و ذلك ما انتبه إليه ابن رشيق (الشعر ما أطرب).
- مجرد اعتقاد:
ربما لا يوجد ما يمنع المرء في أن يعتقد بأن شعرا رفيعا لا يدين بقيمته لوظيفة مسبقة، أو ظرفية خاصة، أو استجابة لتوصيف نظري قبلي،،، هو شعر يرجح أن يكون كفيلا بتعميق الحاجة إلى الشعر لدى مستقبليه، متذوقيه، متفاعلين معه.
بيان استعجالي: الشعر
في مواجهة القتلة
رشيد المومني
بدءا، ينبغي التنويه إلى أن تاريخ التلقي الشعري، يظل بحاجة ماسة إلى غير قليل من التصحيح، والتصويب، كي نتمكن نسبيا من تفنيد تلك الأوهام، التي كانت تلح ولعدة قرون، على إقناعنا، بأكذوبة الحضور الباذخ للقصيدة في حياتنا الثقافية والاجتماعية، والذي أمسى خلسة ‘‘مهددا بالزوال والانقراض‘‘. حيث يؤكد واقع الحال، على أن هذا الحضور، لم يكن أبدا يتجاوز حدود تلك الدائرة الضيقة، التي يتواجد الشعراء داخلها، بمعية ممدوحيهم-بالنسبة للشعراء العرب-، وحسادهم، إلى جانب ثلة محدودة من الغاوين، ومجانين اللغة، والنقد الأدبي، المفتونين عادة بالبحث عن قول أخر، يتخلل لغة غير اللغة المتداولة. وهي الحقيقة التي رسختها لدينا، شهادات صديقة، أتيحت لها فرص معايشة الكثير من الرموز الشعرية العالمية، بفعل تمرسها الاستثنائي، بالسفر المعرفي، في ربوع الأزمنة، القديمة منها والحديثة على السواء. رموزٌ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، علقمة الفحل، المتنبي، المعري، ودانتي، وإزرا باوند، فضلا عن بودلير، و مالارميه، الخ... حيث لا وجود لهاته النخبة المتميزة من الشعراء، أو لنصوصها الشعرية، خارج هذه الدائرة الضيقة جدا من المهتمين. وهي إشارة ضمنية، إلى الخصوصية الاستثنائية التي تتميز بها الكتابة الشعرية، والتي تظل مقيدة بشروطها، التي لا تسمح بتاتا باتساع رقعة تلقيها، إلا ضمن قواعدها الشائكة والمتشابكة.
غير أن أهم ما يعنينا في هذا السياق، وقد يكون الأكثر إثارة للجدل، ليس هو الخوض في سؤال ‘‘كارثة !!‘‘ الرحيل التدريجي للشعر، عن المشهد الثقافي والإبداعي، بل هو التساؤل الإنكاري، عن دلالة النوايا الثاوية في خلفية تصنيع ‘‘المسلمات‘‘، أو بالأحرى، مسلَّمةِ ما يتحول في نهاية المطاف إلى قانون، معزز بصرامته المفتعلة، وبقطْعية تمويهية لا مجال للدفع فيها بأي طعن أو تشكيك، بل الأدهى من ذلك، أن مسأليَّة تداول هذه المسلمة/الأكذوبة تصبح واجبا حتميا، ملزما للجميع. علما بأنها مسلمة، تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية، لأنها شبيهة، بتلك التفاحة التي يمكن أن تقع في أية لحظة، على رأس السيد القرد، كي يصاب بمس ‘‘فكري أو نظري !!‘‘ تتقاذفه بموجبه، تُرع الغابة و حافاتها، شرق الحق، وغرب الباطل، علما بأن طقس إعداد هذا الواجب، يمر عبر لعبة استمزاجية، تهدف إلى استقطاب زمرة من المأجورين الرمزيين، الذين يمتلكون في دواخلهم جرثومة تبني هذه‘‘المسلمات !!‘‘ ، الصادرة في العمق، عن نزعة تدميرية وقاتلة، تطول كل ما من شأنه إضفاء نسبة معينة من الجمال على كينونة الكائن، أو إضاءة مساراته، بأنوار الأسئلة الشعرية الكبرى، التي تستمد منها الخطابات الفكرية والفلسفية ثراءها، وعمقها الرؤيوي والمعرفي، حيث لن يفوتنا في هذا السياق، التذكير بالمكائد التي دأبت الأجهزة المتسلطة، على تدبيرها عبر التاريخ، ضد الشعر والشعراء.
إن هذه النزعة التدميرية، حينما تتظاهر بإعلائها من شأن زمن الرواية، على حساب تسليمها بأفول زمن الشعر، فإنما تفعل ذلك فقط، من أجل صرف الانتباه عن نواياها الخبيثة، التي لن يسلم من أذاها الشعر وحده، بل سيتعداها حتما إلى الرواية، وإلى كافة المجالات التي لها صلة ما، بالإبداع الإنساني الخلاق، من أجل إكراهنا على الاكتفاء بكل عابر و مؤقت، قابل للاستهلاك السريع والزائل. ذلك أن الأمر يتعلق برؤية مخزنية، ومخزية في آن، للمشهد الثقافي والإبداعي. إنها النزعة الإفسادية الخالصة، التي توكل تدبير مهامِّها لمنشطين قتلة، يمتلكون إمكانيات عالية في تقنيات الترويج المشبوه، دون أن تتوافر لديهم بالضرورة أية قناعات فكرية، أو نظرية بطبيعة المادة المستهدفة بعملية الإفساد. لكن وفي قلب الدائرة الضيقة ذاتها، سيظل الشعر قادرا على تجديد خبراته الجمالية والفكرية، في مواجهة كل المكائد المحتملة، و الهادفة عبثا، إلى تحجيم إنسانية الكائن. ذاك هو البيان الأول والأخير، الذي على اليوم العالمي للشعر أن يتبناه.
الشعر يعبر الجسد كي يرتجل جدوى
احساين بنزبير
إذا كان الجسم أو الجسد حيز أفكار، وخصوصا حين يكون مجذوبا بجمل تحاول تطويق حالات العالم، ووحده هذا الأخير يستمر ليلون ملحمة سلبية. هنا بالذات، تضحى الكتابة من طبيعة الحالة طبيعية. كل شيء يمر عبر الجسد. الكتابة تحدث فيه ثقبا. السياسة تصير قربا. إنها سياسة الجسد عبر الكتابة. الشعر يعبر الجسد كي يرتجل جدوى. إنها رجة اللسان في الشعر تتوتر. ثم كل الأجساد انبجست في العالم. ثم تبقى الجملة الشعرية وحدها لأنها ليست وحيدة. الجدوى تترسخ في طراوة فكر يخرج من شقوق الكتابة.
أترون؟ في آخر المطاف، الشعر حاجة تقليدية حضاريا. حين نكتب الشعر، نسعى وراء شبح أو سيمولاكر يحاول قول العالم. ثم في القول تكون الجدوى في عالم ليس بخير. لكن، كيف نكتبه رمزيا حتى لا نركع؟ كيف نتمثله حتى لا نسقط في البساطة؟ إلخ. يبقى على كل شاعر أن يحدد هذة المسألة عبر جمل ما. هذه الأخير تتحمل حب ذات تذوب عبر المشترك والمختلف!
الشعر آفة غبر معاقب عليها: الجدوى فيه تكون كي تصير وتتحول كي لا يموت. الشعر تربية جسد في يوم نهار عاطفي عبر جمل تحاول احتواء العالم.
الجدوى في الشعر تكون، أيضا، في كيف نكتب العالم اليوم والبارحة أيضا. ثم أن نفكر ونتكلم ونكتب عبر الجمل في القصيدة كي نسيح في الجسد الذي ينكتب. الجدوى أيضا تجد مشروعيتها في «ما يكون في مخنا» وما «تراه العين في العالم». أسئلة متعددة تعبرني وأنا أجيب أو أحاول الإجابة على جدوى الشعر: تمتمة اللسان بامتياز.
ثم في ما يتعلق بالرواية والشعر: عدوان مزيفان. الانتقال يكون مهما، حين الرواية تكتب النثر والشعر يكتب قصيدة محتملة. لكل لسان يحرث إشكالية ما. ولما يوما، حين الرواية تكف أن تكون شاعرية، تحقق نثريتها الروائية. و لما يوما ما، الشعر يعفو على نثريته، تنبلج القصيدة أهم.
عموما، أكره النثر في الشعر. كما أكره الشعر في الرواية. الجدوى تجد مشروعيتها في المسافة مع نثر العالم.
الشعر كان محارباً دائما، منذ جمهورية أفلاطون إلى ظهور آخر الأديان
أحمد بنميمون
o ما جدوى الشعر في عالم اليوم؟
n الحقيقة أن في فصل الشعر عن أنواع الكتابة الأخرى تضليلاً يبعدنا عن حقيقة ما تعانيه الثقافة، كل الثقافة في مجتمع اليوم، فما هو ملاحظ أن هناك عزوفاً عن القراءة، وحينما يوجد القارئ ، فلا شيء يَحُدُّ من حريته، فهو يقرأ ما يشاء،
الشعر منذ البدء كان فن النخبة، لا يرقى إلى أجوائه إلا من أوتي مستوى رفيعاً من الذوق والثقافة ،أي أن الملاحظ أن الشعر لارتباطه بالحلم والثورة على السائد والتجاوز والتخطي كان محارباً دائما، منذ جمهورية أفلاطون إلى ظهور آخر الأديان السماوية .
فالشعر ضد كل خنوع، والتنظيمات على أنواعها، قانونية بشرية أم دينية سماوية، رأت في الشعر دائماً فنا مشاغباً، يدعو باستمرارٍ إلى الخروج واعتناق الحرية. فكان أن رحبت به بعض المذاهب الدنيوية التي استقلت عن أن يكون لها أي ارتباط بما يحد من حريات الكائن الإنسان وحاربته، وضايقته إلى حد المصادرة تشريعات بشرية وأخرى دينية، والحقيقة أن موقف الدين من الشعر لا يخص إلا نوعاً واحداً منه، فنحن نعلم أن الإسلام رحب بشعر الذين آمنوا به، وانتصروا من بعد ما ظلموا، إلا أن موقف السخط والمصادرة شمل جميع الفنون التي اختارت ان تنتصر للحرية.
الشعر فن الذات الفردية، والتنظيمات والأديان ألغت الفرد، فكان طبيعياً أن تلغي كل إمكانيات التعبير عن الذات الفردية، وهكذا وجدنا ، عبر العصور، أن كل شاعر اختار أن يكون صوت ذاته قد حورب، وأسطع مثال على ذلك: أبو العلاء المعري وشعراء الصوفية الذين قل منهم من نجا من الصلب والقتل. وما زلنا إلى يوم الناس هذا نجد أن من يريد أن يكون شعره وسيلته الخاصة لقول العالم بلغة رؤيوية ذاتية خاصة يعاني، رغم ما أصبح يعلو من أصوات تتسامح مع النزعات الفردية في أكثر من فن.
محنة القصيدة الغنائية في مجتمع لا يقرأ محنة مضاعفة، فمع سيادة الجهل، ووقوف أنظمة الحكم ضد الإبداع، يسهل تطويق الأصوات الإبداعية الخالصة.
ومع غياب المعرفة الأدبية العميقة باللغة والتوجهات الفنية في الشعر، يصبح الشاعر في وسطه كالمجنون، بل كثيرا ما نُعِتَ الشعرُ بذلك حتى ينصرف عنه الجاهلون.
o لماذا يترك الشعراء المغاربة الشعر في اتجاه الرواية؟
n أن يكتب الشاعر أو الكاتب عموماً في أي نوع من الكتابة مسألة تتعلق بحريته الخاصة، وما يشيعه بعضهم من أننا نعيش مرحلة أصبحت معها الرواية (ديوان العرب الحديث) أو أن إغراء الجوائز من وراء هجرة الشعراء إلى السرد ، وغير ذلك من التقليعات الصحفية العابرة، هي مجرد تأويلات، لمسألة أصبحت بالفعل تشكل ظاهرة ملحوظة، لكن لماذا تَعمى الأبصار عما يجري في الآداب الأخرى؟ فإننا نجد الآلاف من الشعراء كتبوا الرواية والشعر وقصص الأطفال والمسرح، دون أن يثار حولهم ما يثار في أيامنا هذه حول عدد غير كثير من الشعراء عندنا شدوا الرحال إلى السرد، رغم أن من بينهم من لم ينقطع عن الشعر، وبالنسبة لي فقد كتبت ثلاث مجموعات قصصية، أثارت انتباه بعض الأصدقاء، ممن لم ينتبهوا إلى أنني في السنوات الأربع الأخيرة كتبت أزيد من مائة قصيدة.
أنا لدي إجابة بسيطة: فقد اتجه الشعراء إلى السرد، لأن هذا هو الأمر الوحيد الممكن، حيث لا يستطيع كتاب الرواية أو النثر عموما أن يتجهوا، مع كبر سنهم، إلى كتابة الشعر. فتلك ميزة لا يقدر عليها الذين اختاروا الرواية من البدء، حيث أمكن للشاعرين حسن نجمي ومحمد الأشعري أن يكتبا الرواية، ولم يكن ممكناً لروائيين كبارمثل عبد الكريم غلاب ومحمد برادة ومبارك ربيع أن يكتبوا شعراً لأسباب يطول شرحها..
رغم أن الأمر غير جديد، فقديما كتب الشاعر عبد المجيد بن جلون شعراً ثم كتب من بعده سيرة ذاتية اعتبرت من أوائل النصوص الروائية المغربية، وكتب قصصا قصيرة.
الرواية أفق أوسع للتفصيل في ما يعمل الشعر على تكثيفه
جمال الموساوي
الشعر ضرورة، من وجهة نظر الشاعر. إنه يحاول من خلاله أن يمنح لوجوده معنى، وأن يساهم في البناء الجمالي للعالم وفي صناعة الدهشة التي تزرع الوردة فوق أنقاض الدمار المتنامي وتحاصر نزعة التدمير التي باتت تسكن البشر. بمعنى آخر، وكما اعتدنا أن نقرأ، ليست هناك حياة للشاعر بدون قصيدته. الكلمات وهي تتناوب وتتكاثف في النص فكأنها تمطط عمر الشاعر وتجعل قامته أطول قليلا من الناس.
والشعر من وجهة نظر الناس عامتهم ترفٌ. ودعنا نختصر الأمر في حالتنا الخاصة فوق هذه البقعة من الأرض. القارئ منشغل بما يعتقد أنه أهَمّ ربما من كلمات مرصوفة في أسطر غير مكتملة وطولها متفاوت، ومن صور يتوهم الشاعر أنه لم يُخلق مثلها من قبلُ. في قرارته، يسخر «القارئ» من شخص مثل هذا، ويستلقي على قفاه ليتابع أخبار الدم وهو يسيح أنهارا أنهارا، كما في الأغنية.
هنا يطرح القارئ سؤاله المستفزّ: ما جدوى أن تؤسس، أيها الشاعر، وجودك على الشعر إذا كان العالمُ يكرس، بكل ثبات، الدمار والبؤس والقبحَ؟
للمفارقة، عندما يسعى الشاعر لتأسيس وجوده على الشعر، فهو يمد هواجسهُ في الأفق الكوني، لكنه عندما ينظر إلى نفسه في الواقع الفعلي، في رقعته الصغيرة التي ينتمي إليها، تلك التي يوجد فيها قارئه المفترض، فهو يبتلع خيبته مع لسانه: إن وجودي مرتبط بوجود ذلك القارئ الذي يا للأسف غير موجود.
الشاعر أنانيّ. «أنا موجود» ودليله تلك القصائد المبثوثة في تلك المطبوعة أو الموقع أو الكتب، «لكن القارئ غير موجود». فيبني حكمه على فشل النظام التعليمي، وعلى الوضع الاقتصادي غير المشجع على اقتناء الكتاب، وعلى غياب إستراتيجية لتنمية صناعة الكتاب وتشجيع القراءة وتوفير البنيات التحتية.
القارئ، للمفارقة، أضحى متطلبا. القارئ المحدود عدديا سيتضاءل إذا لم يستجب الشاعر لمتطلباته الإبداعية الجمالية والفكرية. إنه ينتقي ما يقرأ كما ينتقي ما يأكلُ. «أنا موجود أيها الشاعرُ، إذن لا تؤسس وجودك على ضرورتك، وعلى غيابي».
جدوى الشعر، كما قانون السوق، لا يمكن الحديث عنها خارج تواطؤ القارئ مع الشاعر. ودون هذا التواطؤ لا يمكن للشاعر أن يتنفس بسبب أنانيته، ولا يمكن للقارئ، بسبب «تعنته» أن يصيبه من عبق الشعر نصيب.
لتكن هذه الفقرة جسرا إلى السؤال الآخر. إنها تصبّ فيه مباشرة. إن غياب هذا التواطؤ مدعاة للهجرة نحو آفاق أخرى. لا أريد القول إن الشعر سلعة راكدة، لكن مادام الواقع كما نرى، فالشاعر يبحثُ عن تنويع «منتوجاته»، انطلاقا من فكرة الضرورة التي يتأسس عليه وجوده. ضرورة الكتابة وليس الشعر !
إن انحسار استهلاك الشعر يفرض بشكل ما المغامرة في أراض جديدة، مثل الرواية مادامت تتمتع بامتيازات مقارنة. قارئها موجود إلى حدّ ما، ناشرها، ناقدها. وأيضا موجودة جوائزها الكثيرة المجزية. بيد أن هذا وجهٌ واحد للقضية. الوجه الآخرُ، وهو الذي يجعل التحول ناجحا، يتمثل في القناعة الإبداعية بأن الرواية أفق أوسع للتفصيل في ما يعمل الشعر على تكثيفه.
«هل للطيور أسرار خارج أعشاشها؟»
إكرام عبدي
لا شيء سوى لمعة في العين وهذا البياض، ولذة وغبطة ولمحة ولحظة المابين، وبذخ الصمت، وهذا الجسد الخفيف المنسرب بين أناملي كحبات الرمل، وحياة حرة تتخلق من جديد مغتسلة من ذاكرتها، بروح متوهجة تصل بين كل الأزمان، بين الوجود والعدم، بين الماضي والحاضر، بين الملائكة والشياطين، وبقوى سحرية انزياحية لعوب مدهشة مبهمة مواربة، فاردة جناحاها في فضاء بلا حدود، لتشحذ وتؤجج حواسنا، بخفة الكائن المحتمل.
أي عبئ يضعه هذا الكائن الهش الخفيف على حياة هو صنو لها، حتى نعلن زواله في زمن التيئيس الشعري؟
وهل توأم الحياة يموت؟
ومن عساه يلملم حيواتنا المطفأه وهمومنا الصغيرة، بعد تفحم الأحلام الكبيرة، واشتعال حرائق الكره والضغينة والحرب نكاية بكل ما هو جميل على هذه الأرض؟.
نحدق في هذا الخلاء والشح الروحيين، ترتطم أرواحنا بصخرة اليومي الجبار والعولمة الموحشة، ننقاد برغبة مشبوبة نحو نداء الأغوار الذي يلتمع فجأة في دواخلنا كإشراقة الضوء الاولى، يأوينا ويمنحنا البراءة والطمأنينة والسكينة، وروح متوهجة تتجدد فينا وبالقصيدة .
ولأن الشعر أبى إلا أن يفترش الجمال والحرية والخيال. . . سعيا للانهائية جسورة رحبة بمثل شساعة القصيدة، ولأنه من الصعب على هذا الكون الشعري أن ينقر دائما باب رغبات طائشة مستعجلة أو يذعن إلى جحيم الاديولوجيا والشعارات، فهم يبكون اندثاره، بحجة وهنه ولاجدواه وتكومه في فراغ الزمن.
ولأنه يخذلك هذا البوار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يضج به عالم اليوم، فإنك تلوذ بأرض القصيدة ملسوعا بهذيانها، فتينع فوق مهادها أغصانا سكرانة ولهى بتيهها المحموم.
هو لم يرتكب سوى جريرة وهم تغيير العالم، فتماهى ونخبوية سلالات شعرية، وجدد نخب سموقه في كل الأزمان، ولم يسمح لضجيج الزمن وغوغائيته أن يندس بين شقوق القصيدة أو يؤرق خلوته وعزلته.
لكن هناك من الشعراء من كتموا حبا قد أبرى جسدهم، وولههم هذا، لم يثنهم عن شق عصا الطاعة على الشعر، مهاجرين إلى غابة الرواية التخيلية المتشعبة بتعبير أمبرتو إيكو، تشحذهم أعطاب المرحلة ومراراتها، مفتونين بالجوائز ومهووسين بشهرة مرتقبة، زاجين بنصوصهم الروائية في معتقل سري لا يخلو من جلادين وحراس وامزجة وتصنيفات وتراتبية، لكن معلنين في الآن نفسه، زوال الحدود بين الاجناس الفنية التعبيرية، ووفائهم لروح الشاعر المقيم في أغوارهم، صادحين بأعلى صوتهم بما همس به أدونيس ذات شعر:» هل للطيور أسرار خارج أعشاشها ؟.
ولكن، هل للقصيدة لمعة خارج ضوئها؟.
الشعر ضروري للحياة والهواء
عبدالحق بن رحمون
o ما جدوى الشعر في عالم اليوم؟
n من وجهة نظري الشعر في عالم اليوم حالة ضرورية، من أجل التعبير الجمالي بالرغم من أننا أمام عالم متسارع، لا نحبس فيه أنفاسنا، لنعيد الصور المتسارعة التي نراها، أو ننتظر بما تجود به البصيرة والبصر، من نعم الجمال المحيطة حولنا، أمام قوة استهلاكية مرعبة، وجبارة لا ترحم أبداً، تُعد فيها الحياة بالثواني، وبأجزاء دقيقة، من أجل الربح المادي.
إننا في مواجهة حرب عالم استغنى عن العواطف والأحاسيس الإنسانية، عالم مضغوط جدا.
لذا الشعر كما أؤكد دائما ضروري للحياة والهواء.
إن الشعر في هذه الحالة بالنسبة للانسان هو المنبه لقيم الجمال والأخلاق وللسلم والتسامح.
ولا أعتقد أن ما يحيط بنا اليوم من أشياء مادية، هي خالية من الشعر، فحتى الأجهزة الالكترونية والهواتف والحواسيب الذكية والحدائق الأندلسية هي فيها لمسات ودفقات شعرية، لأنه ليس من الضروري أن الشعر مجسد في المكتوب أو المسموع، فحتى البصري والحياة اليومية هي قصيدة شعر، تشبه «السّالف» بصيغة جمع المؤنث.
لكن حينما ننبه إلى أن الشعر ضروري من أجل البقاء والصفاء على الروح المتجسدة في استمرار الكائن الحر، هذا الإنسان الذي أسئلته وحيرته وقلقه وأفكاره تنبني وتتجسد مع الشعر، وهنا من المفارقات الجميلة أن الشعر بمستطاعه أن يلملم الحزن والفرح والسعادة والشقاء في الحياة في بضع سطور وشذرات قصائد نتنفس هواءها، ونستنشق حروفها، ونعزف على نايها.
ولهذا الشعر كائن فينيقي وُجد في كلّ الأزمنة والحضارات، وبكل اللغات، وقد كانت بدايته قبل اكتشاف النار، أي في اللحظة التي تساءل فيها آدم عن أسرار الشجرة المحرمة، آنئذ نزل من السماء إلى الأرض، لأنه لمس الشجرة المعلومة.
وحكمة بقاء الشعر على مدى العصور أنه يتجدد ويقاوم ليستمر، وأيضا لأن لغة الإنسان ولسانه الذي منقسم إلى شطرين وعلى على ضفاف لسان مزدوج ومتعدد، وأول خفاياه حينما نزل الإنسان من السماء إلى الأرض، وظل أمله مشتبثا بالعودة في يوم ما إلى أشواق فردوسه، وكانت هذه الأشواق هي قصائد الحب والغناء وهي الشعر المصفى وهكذا دواليك، حينما تكلم آدم، وتكلم زرادشت، وتكلم لقمان الحكيم، وسليمان الحكيم بلغة الطير.
o لماذا يهجر الشعراء المغاربة الشعر في اتجاه الرواية؟
n الشعراء يشبهون طائر السنونو، حتى لو هاجروه سوف يعودون إلى مواطن دفء القصيدة.
ولا يخفى على أحد في كون الرواية استفادت من تدفقات شعرية، ولم تعد الرواية مجرد تقارير إخبارية جافة لسير واقعية أو خيالية.
وتجربة الشعراء، وتحديدا بالمغرب في كتابة الرواية، تجربة جميلة ومميزة. أولا فالشعراء الذين كتبوا الرواية أكدوا أنهم فعلا كتاب وأدباء، وبمستطاعهم أن يبدعوا في أجناس إبداعية مختلفة، ونحن نعلم أن كتابة الرواية هو عمل مضني ومتعب جداً، وحينما جاء الشعراء ليكتبوا الرواية كتبوها بحس إنساني جميل، ومرهف، متضمن لتجربتهم، وحرصهم على الدقة في سرد التفاصيل الصغيرة واليومية. فضلا عن ذلك لم ينافسوا أو انتزعوا شيئا من الكتاب الروائيين المتخصصين في هذا الجنس الأدبي، بل على العكس الشعراء فتحوا شرفات على أفق سردي مغربي أغنى الخزانة المغربية، وبدليل صار للرواية المغربية كعب عال، يشبه كعب الغزال أقصد « كعب غزال اللوز « في الساحة العربية من خلال ما يحصده الأدباء والشعراء المغاربة من جوائز ذات قيمة مهمة.
الشعر..الفن و سؤال الجدوى !
محمد بودويك
إن التساؤل عن جدوى الشعر ?اليوم- كان طُرِحَ في أزمنة سابقة، إلى درجة وصول المقول إلى حدود التشنيع على الشعر والشعراء، واعتبارهم فضلات، وديدانا زائدة، ما يعني أن شعرهم أضغاث، وهذيان، ونافلة، ونشاز.
وفي الرؤية هذه ما يشي بالرغبة في جر الشعر والفن بعامة، إلى الوظيفة التواصلية والتوصيلية المادية الباردة، والخدمة الاجتماعية الفورية، وإلى إعلان العصيان، والدفع بجهوريته، ومنبريته، وتقريريته، وصراخه، إلى الثورة، أي إلى إعادته إلى سابق «دوره»، و»مجده» !.
قلة تداول الشعر في وطننا، وفي البلاد العربية، وفي غيرها من بلدان العالم، حقيقة «مفزعة» لا جدال فيها، وواقع عنيد لا يرتفع. وعدم إقبال القارئ على اقتناء الكتاب الشعري، واستثقاله، والنفور منه، حقيقة أخرى، جاءت من الشعر نفسه لأنه أصبح عصيا على القبض، زئبقيا على الفهم والاستيعاب، والمعاشرة. وجاءت، ثانيا- من الناشرين في جملتهم الذين بخسوا جنس الشعر، وأذاعوا في المبدعين، وفي الناس، بأن طباعتهم للأعمال الشعرية، هي مضيعة للوقت، والجهد، والمال، هي الخسران المبين !!. ومن ثمَّ، رُوِّجَ للرواية من حيث هي «ديوان» العرب في العصر الحاضر، ومن حيث إن القراء يقبلون على اقتنائها، وقراءتها. يحدث كل هذا، في غياب شبه كلي عن استقراء علمي، واستمزاج دراسي سوسيولوجي، وميداني لسوق القراءة والقراء، حتى تتبين الحقيقة من الرجم بالغيب.
أما الحقيقة الحقة ففي مكان آخر، وهي تتصل أساسا ?في تقديري- بالعزوف العام عن قراءة الأدب والإبداع، والفكر، والفلسفة، وعدم زيارة معارض الفنون التشكيلية، والإحجام عن الذهاب إلى المسرح الحي على الركح الحي.
وتتصل ?ثانيا- بالأزمة الشاملة التي يعانيها العرب الذين خرجوا من «التاريخ»، ومن «الإنتاج»، ومن «الحضارة»، ومن «الإضافة»، إضافة جملة مفيدة من فعل وفاعل ومفعول، في كتاب الكون !
وهذه «اللاجدوى»، تنسحب ?جملة وتفصيلا- على السينما التي ضمر عشاقها بضمور وتناقص قاعاتها، ومنافسة الأنترنت، ووسائط تكنولوجية أخرى لها. كما تنسحب على المسرح الذي تقلص رواده ومحبوه، ومتتبعوه، وعلى معارض الفنون التشكيلية، والقصة والرواية والموسيقى. لأن هذه الفنون، لا تقدم طعاما للجائع، ولا ماء للعطشان، ولا رداء وغطاء للمشرد العريان، ولا راتبا شهريا للموظف «الغلبان» !.
ولكنها تقدم ? في المقابل- كما أشرت، للروح بلسما وترياقا، وللإنسان آدمية، وحسا، وحدسا، ووجدانا، وعقلا، إذ تخاطب فيه الحواس، وتنشط في النفس جوهرها، فيخفق القلب، وتتوفز عضلاته وجوارحه الداخلية، أو ترتخي نشدانا للسكينة، وتدير دورته الدموية التي جمدتها صفاقة العيش، وشظفه، واللهاث وراء الرغيف، وما يؤمن الوجود الحاجِّي والمادي للحياة.
أما لماذا التجأ كثير من الشعراء إلى الرواية، فذاك اختيار جمالي، ووجودي، وتعبيري ذاتي، بحيث إن جل الشعراء الذين أصبحوا روائيين، أو ظلوا على مزاوجتهم بين الجنسين، وهم قلة على كل حال، في عرض العالم العربي، وطوله ? رأوا في فن الرواية ما يطلق رحابة أخيلتهم، وأفكارهم، ورؤاهم، ومواقفهم، وهو ما يعجز عنه الشعر الذي يأخذه بالتماعة، وومضة، و»ضربة» معلم، ونار متبجسة بوذية سريعة.
لكن، هناك من الشعراء من انتحى ناحية السرد الروائي، طمعا في جائزة ?وهذا حقه، وأَيْمُ الله ! ? لما رأى أن أكثر الجوائز العربية ذات الرنين العالي، إنما تذهب لأكثر الروايات، فتكون من نصيب الساردين لا الشاعرين.
لكن، مرة أخرى أقول : إن أكثر الروايات التي نقرأ، لا رواية فيها، لا إبداع، ولا إمتاع، ولا ماء، ولا شعرية، ولا عوالم، ولا تخييل، ولا بناء، ولا إضافة. فيها سرد ثقيل على القلب لماجريات وقائع تاريخية معينة، واستدعاء لسياقات اجتماعية محددة، وتكرار ممل، وتجريب مخادع هدام، وعقم معرفي، وتهافت واستسهال، في الأول والأخير.
إنه الاستسهال عينه، الذي ما فتئت ألفت النظر إليه، وأثيره في كل مناسبة، الذي يطول الشعر في كل الأقطار العربية، وهو وجه آخر من أزمة اجتماعية وثقافية عامة، نعيشها بحدة، وبتفاوت بطبيعة الحال.
لنعد إلى سؤال الجدوى ونقول: هل الشعر جمال؟، هل نحن في حاجة إلى الجمال؟، أثمة نفع في الجمال، وفائدة ترتجى منه؟
نعم، الشعر مفيد دائما كسائر الفنون الرفيعة لأنه جميل..لأنها جميلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.