القضاء يقول كلمته: الحكم في قضية "مجموعة الخير"، أكبر عملية نصب في تاريخ طنجة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في لقاء مفتوح مع الشاعر والروائي محمد الاشعري .; هناك نوع من التزييف يتهدد المجال الثقافي

نظم «ملتقى الثقافات والفنون» حوارا مفتوحا مع الشاعر والروائي محمد الاشعري حول تجربته الابداعية. وقد أدار هذا الحوار الناقد مصطفى النحال والشاعر صلاح بوسريف.
ونظرا لقيمة هذا اللقاء نقوم بنشره
صلاح بوسريف:
محمد الأشعري، واحد من الشعراء المغاربة الذين راكموا تجربة شعرية نوعية. فهو، برغم انتمائه، زمنياً، لجيل السبعينيات، ظل حاضراً، خارج هذا التاريخ نفسه، ومستمراً في الكتابة، وفي اختراق تجربته ذاتها، بما سيضفيه عليها من صور، وإيقاعات كان للسرد فيها دور مهم أضاف إليها خصوصية نوعية، ميَّزت نصوصه الأخيرة بشكل خاص.
لم يعد الهم الايديولوجي حاضراً بشكله السافر الذي كان عليه في مراحل سابقة، وهو ما اقتضته مرحلة تاريخية، كان فيها الشعر، إلى جانب غيره من الأنواع التعبيرية الأخرى، مشاركاً في الاحتجاج، وفي لعب دور «الشهادة» على ما كان يجري من احتقان ومواجهات وصلت إلى مستوى من العنف، لا مثيل له، بل إن الذات، استوفت شرطها الجمالي، وخرجت من دمها هذا، لتعود إلى ماء الشعر، وإلى أفقه الجمالي، الذي سينخرط فيه، كل الشعراء الذين لم يخرجوا من وعدهم الشعري، والأشعري كان بين هؤلاء.
لابد أن نُعيد الإنصات لتجربة محمد الأشعري، ولابد أن نقرأ هذه التجربة، في سياق التحولات التي حدثت في الشعر المغربي، والذي لعبت فيها الأجيال اللاحقة، دوراً مهماً وفاعلاً، وأصبح النهر فيها يسير بأكثر من مجرى، وبأكثر من نبع. تعددت المصادر والمراجع، وتعددت الثقافات واللغات، ولم يعد الشعر يتكلم بلسان واحد، أو بنفس الصور التي كانت تكتفي بتعابير، ربما كانت ذات ماء مشترك أو خرجت بالأحرى، من بين نفس الشقوق والتصدُّعات. لا داعي لننظر للشعر المغربي اليوم، بنفس العين التي نظرنا بها لهذا الشعر، حين كان يلتمَّس طريقه نحو نفسه، أي نحو شعريته وتوقيعه الخاص. الشعر المغربي شَبَّ عن الطوق، وأصبح كفيلا برعاية نفسه بنفسه، دون وساطات، أو حاجة حتى لذلك النقد الذي يتكلم عن النص في غيابه، أو يُفَصِّل الأحكام على مقاس الشخوص، لا النصوص. والأشعري هو بين من نحتاج لنقرأهم بهذا المعنى، بالنظر إلى النص، لا الشخص، حتى لا يأكلنا ضباب الماضي الذي يبدو أن الشعر أكبر منه.
لن ننسى جرأة الأشعري في خوض مغامرة السرد. من يقرأ شعره سيكتشف أنَّه، قبل أن يحكي في رواياته، فهو حكى في شعره. منذ ديوانه الأول. صهيل الخيل الجريحة، بدا أن السرد، هو أحد مكونات الكتابة الشعرية عند الأشعري. ولعل «سيرة المطر»، في نسيجها العام، كانت سرداً شعرياً، وهو ما سيتبلور بشكل واضح، في ما صدر للأشعري من أعمال سردية، تُتيح متعة الكتابة والقراءة معاً.
لعل القارىء، مطالَب بالبحث عن ماء الشعر في روايات الأشعري، أو عن السياق الجمالي الذي يجعل من الحدث ذريعة، لإعادة كتابة الوقائع، أو الأحداث، بلسان الشاعر، الذي يحبك السرد، أو يغزله، وليس بنفس طريقة الروائي، الذي يتبع خيوط «المعنى»، وينسى أن في لغة الحكي غواية، الشاعرُ وحده من يستطيع استدراجها، حتى وهو يكتب الرواية لا الشعر.
محمد الاشعري:
كان شعراء المغاربة الفصحاء فقهاءٌ، ولم تكن هناك أي رصيد أو مرجعية يمكن أن نبني عليها تطوير شعرنا المغربي. كانت القصيدة المشرقية، التي تطرح على الشاعر المغربي تحد من نوع آخر، وهو أن كون صدى مستنبت لتجربة هذه القصيدة في التربة المغربية، وفي نفس الوقت قابل لتجاوزها ومحاورتها بنوع من الندية، ولا ننسى أن المشارقة ينظرون للمغرب بصفة عامة من منطلق المقولة الشهيرة «هذه بضاعتنا ردت إلينا».
في هذا المناخ يبقى الشعرالمغربي قريبا من مناخ القصيدة المغربية على العموم والقصيدة الأمازيغية، هذا هو الشعر المحلي، وهذا فيه تحد آخر، ويجب أن ينظر إليه.. وفي الواقع أعتبر أن الشعراء في السبعينيات ضلموا وحشروا في زاوية ضيقة ... أما البحث الحقيقي الذي انكب على الشعر الحديث فهو محاولة استنبات القصيدة الشعرية في التربة المغربية بلغة عربية فصيحة ولها علاقة نسب مع الشعريات العامية في المغرب، وأيضا لها علاقات مع حوار القصيدة.. أظن أن شعراء كثر في المغرب جربوا ذلك، ومنهم على سبيل المثال عبد الله راجع ومحمد بنيس اللذين قدما عملا أساسيا لهذه التجربة. وبصفة عامة قام بهذا الهمل هؤلاء الذين عاشوا القلق الشعري وأحسوا في فترة بأن القصيدة المغربية أصبحت في مواجهة مأزق ذاتي يجب أن تتغلب عليه، بطرح الأسئلة الضرورية. وفعلا من استطاعوا الإصغاء اهذه التجربة استمروا، ومن لم يستطعوا توقفوا أو بقوا في نفس النسق بالرغم من أنهم ظلوا يكتبون إلى اليوم بنفس النسق. لقد كان العمل النظري والشعري الذي قام به شعراء السبعينات عملا مؤسسا، خصوصا وأنه كان مفتوحا على أجناس وإبداعات أخرى داعمة، وعلى سبيل المثال لاحظنا أن هناك تواطؤا بين شعراء وتشكيلين أو سينمائين، و هذه علاقات مخصبة للشعر المغربي. وأظن اليوم أن هناك ضرورة ثقافية للعودة إلى هذه التجربة وقراءتها بنوع من الموضوعية، لأن القراءة الشعرية في السبعينات أثرت أحيانا وإن لاعتبارات غير ثقافية. يجب أن نعود إلى هذه التجربة، وعموما الان نحن في حاجة إلى حوار حقيقي حول الشعر المغربي.
صلاح بوسريف
أعود إلى الدراسات التي أنجزت في الشعر. هناك دراسات كثيرة، خصوصا في السبعينيات، لعبد الله راجع ومحمد بنيس. الشعر المعاصر، انطلق من الوضع الشعري السبعيني، أي من شعر الهزيمة أو الاحباط إلى ذاك الذي أسس لشعر البناء والمواجهة والتأسيس، ثم أضاف راجع إلى قيمة الشعر السبعيني «الشهادة والاستشهاد». هذا عن الانتماء الايديولوجي .. في حين أن الشاعر احمد المعداوي اشتغل في أفق آخر سيميائيا على نص التجربة وبيلغورافيا الشعر المغربي. وهناك عزيز الحسيني الذي قدم دراسة في نقد الشعر المغربي.. وهناك دراسات أخرى، لكن للأسف رغم أنها دراسات خرجت من الجامعة إلا أنها لم تكن مؤطرة للوعي المعرفي ومجردة من الذات. وبدا أن الشعر الوحيد الموجود في المغرب هو شعر السبعينيات. اليوم يتأكد العكس، أي أن الشعر استفاد من ما أتى من بعده وليس مما كان قبله، وبالتالي، فإن دراسة عبد الله راجع ومحمد بنيس تجاهلت الكثير من الشعراء ، أتساءل مثلا أين نضع شاعرا مثل حسن العمراني ..هذه الدراسات انتقت شعراء وبنيت على صرح هوى، وهي الآن في حاجة إلى مراجعة، والسؤال هو: هل التجربة الشعرية في السبعينيات قابلة لمراجعة دراساتها ووفق أي رؤية وفي أي تصور؟
محمد الاشعري
في الواقع، لما نشاهد الخريطة الشعرية في المغرب نجد أن السمة الغالبة عليها هو النفي، نفي الشعر والمدرسة. وأنا لما أدعو إلى قراءة الشعر المغربي، فالغرض هو استعادته من هذا المنفى المتعدد واسترجاعه. أما بالنسبة للقراءات التي همت الشعر في السبعينات، فقد كان الكثير من الشعراء طرف في هذه المغامرة، وكانت هناك فوائد بدون شك، حيث وقع نوع من التوثيق للشعر الحديث في المغرب، ولكن هاته القراءات كلها كانت موضوع قناعات فكرية ومبدئية مسبقة، الشيء الذي ترك الدارسين أمام اختيارات. وهاته الاختيارات وقع، في جزء منها، إقصاء لبعض التجارب، مثلا محمد بنيس اختار محمد الخمار الكنوني مع وجود أحمد المجاطي الذي لم ينل نصيبا من الاهتمام. وقد سألت محمد بنيس مباشرة، فاعتبر أن المجاطي كان تقليديا وأن بنية القصيدة في شعر محمد الخمار أكثر حداثة من تجربة المجاطي. من الممكن احترام هذا الرأي، ولكن المؤكد أنه يطرح أكثر من علامة الاستفهام.
الآن نحن بعيدون عن الأجواء التي سبقت ويجب أن نعود الى هذا المتن الشعري بدون أوهام وبدون أي نوع من التقديس. كانت هناك في السبعينات أصوات شعرية حقيقية وهناك أصوات عابرة، ولا يجب نخشى أن ننعتها بالعابرة وأن نحتفظ بالاساسي الذي لا ينبغي أيضا أن يتحول الى ذاكرة محنطة في كتب الدراسات، ويجب أن يكون نصا متداولا في المدرسة والجامعة. كيف يعقل اليوم أن لا يوجد درس جامعي حول الشعر المغربي الحديث وتأطير الظاهرة بالبحث والمتابعة والتوثيق؟ كم استغرقت المدة التي توفي فيها عبد الله راجع؟ إلى اليوم ليست هناك أي استعادة لهاته التجربة بما يليق بها، أولا كتجربة، وأيضا بما يفيد التجربة الشعرية بالمغرب عموما. لهذا دعوت إلى قراءة الشعر المغربي الحديث لتصحيح أشياء سبق أن أنجزت، ولاستعادة الشعر من الغياب الذي فرض عليه. الابداع المغربي في القصة أو الرواية أو الشعر يعيش حصارا مفجعا. فصحيح مثلا أن هناك فرنسين يلتقطون، من حين لآخر، أقلاما تكتب بالفرنسية هنا وهناك ثم سرعان ما تصبح تلك الأقلام محط اهتمام ومتابعة. والحلال أن هناك نصوص شعرية صدرت في الوقت الراهن ولم يتم الاهتمام بها وبعضها لن تجد طريقها إلى الاستهلاك الواسع. كل هذا مطروح على الشعراء في المغرب. نعم عندنا «بيت الشعر» وجمعيات أخرى تهتم بالشعر، لكن للأسف الشديد ليس هناك، حتى اليوم، حوار حقيقي..
عبد الدين حمروش
استحضر الآن حوارا مع الطيب لعلج قال فيه ما مفاده: «أنا أعطيت للمسرح الشيء الكثير ولم أعط للأغنية إلا الفتات. غير أن ما منحته لي الأغنية اكثر مما منحه لي المسرح». الاخ الاشعري، ألا تعتقد أن الرواية الآن أعطتك أكثر مما اعطاه الشعر لك، أي أن الاشعري أصبح ينتمي إلى أفق واسع ومقروءا مغربيا بل عربيا. أريد أن أعرف العلاقة بين الأشعري الشاعر وبين الأشعري القاص والروائي ؟
محمد الاشعري
لا أريد أن أقوم بأي مقارنة مع المرحوم الطيب لعلج، أنا أكتب فقط .. بالنسبة لجائزة البوكر العربية، ربما أعطت للنص الروائي مقروئية أفضل ، أما بالنسبة للشعر، فجل ما نشرت هناك، إلى حدود النص الرابع الذي نشر في المغرب ، أعتقد أن قراءتي الشعرية في حدودها الدنيا كانت متوفرة نوعا ما. أما تعدد الكتابة المختلفة فيفيد بعضها البعض. وأعتقد أن المشرق انتبه إلى تجربتي الشعرية أكثر من الروائية. بل لاحظت عدة مرات أن بعض القراء والنقاد والصحفيين المشرق العربي انتبه إلى تجربتي الشعرية بعد انتشار الاعمال الروائية.
إذا عدنا إلى المغرب، فالأمور معقدة، لأن القراءة بصفة عامة محدودة بالرغم من وصول الرواية الى الطبعة الخامسة. وهذا يعني أن تداولها كان خارج المغرب، حيث نجد أنه لم يتداول من الرواية في المغرب غير 10 في المئة. المقروئية في المغرب محدودة جدا. وإذا أردت أن أقارن مبيعات الرواية في نادي القراءة في دبي، مثلا، مع المبيعات بالمغرب أجدها أكثر على مستوى سنة واحدة فقط، بل إن ما بيع في إيطاليا من الرواية بعد ترجمتها يفوق ما بيع من خمس طبعات عربية في المغرب. مسألة انتشار القراءة لا تخضع لمقاييس موضوعية مع وجود سوق معقد .
صلاح بوسريف
أعطي الكلمة لشاعر آخر، فهو شاعر قبل أن تكون له مهام أخرى، عبد الحميد جماهري، ليطرح سؤال حول تجربة الشاعر محمد الاشعري..
عبد الحميد جماهري
في الحقيقة لن أطرح سؤال في الشعر ولا في الرواية، دائما عندي سؤال خاص في الجوار لما كنا نقتسم المهام، كيف كان السي محمد في غالب كتاباته يحصن نصوصه سواء الشعرية أو الروائية من سخريته المتداولة والمسترسلة وكتاباته المفكرة فيها. فهذه القدرة ليضع " فيلتر" بين الاسترسال اليومي والكتابة جزء من تمييز الشاعر والروائي عن الانسان في ممارسته ...
محمد الاشعري
أنت تعرف أخي عبد الحميد أن أخطر ما يتهدد الكتابة هو أن تصبح مجرد ترجمة للكاتب أو تعبير عنه في حياته اليومية وفي خصائصه الانسانية. الأشياء التي أتمنى أن يلتفت إليها هي الكتابة باعتبارها جهدا. العمل على الرواية والصور وعلى الإبداع والحكي لا يمكن أن يكون عملا سهلا ومستهسلا. وعلى الكاتب دائما أن يضع مجموعة من ال"فيلترات " بينه وبين غضبه ومشاعره العابرة وميولاته التعبيرية اليومية او السائدة. لا يجب أن يخضع نفسه للرقابة، بل أن يتعامل مع الكتابة كتمرين ذكي وجهد انساني حقيقي. أخاف كثيرا من السهولة في الكتابة وفي الحياة كذلك، واعتبر السهولة تهدد ما هو أعمق في الابداع. وهذا هو التباعد بين ما أقول وبين ما أكتب.
صلاح بوسريف
أصدرت روايتك الاخيرة «علبة الءسماء» (أقرأها دائما «لعبة الاسماء»)، فأي لعبة حقيقية للأسماء داخل الرواية، وهل هناك ديوان شعري في الطريق، وفي أي أفق جمالي وفكري؟
محمد الاشعري
هناك عمل شعري أعده للنشر ، ابتداء من مرحلة في حياة كاتب لم يعد يبحث عن آفاق جديدة. إن الاستقرار في آفاق قديمة ، أي العودة الى المرحلة الأولى والأحاسيس ومساءلة الأولى للاشياء دائما تعيدنا إلى السطح بطريقة أو بأخرى، انا في الكتابة مثل ذلك الذي يعود الى مسرح الجريمة، والاستمرار في الحياة الأولى للكتابة.
شفيق الزكاري
انا أريد أن أسأل عن حضور الجانب التشكيلي في أعمال محمد الاشعري. ما مدى حضور التشكيل في الكتابة الشعرية، نعرف أن كتاباتك مرئية ونحس أن في دواوينك نفس تشكيلي؟
محمد الاشعري
بالفعل، أنا أميل إلى الكتابة البصرية في الشعر. وهذا راجع لكوني أتوفر على رأي في الموضوع، أي يجب اخراج الكتابة الشعرية من البلاغة التقليدية وتوضيفها بطريقة أخرى، وذلك باستعمال بلاغة فوق لغوية إذا صح هذا التعبير. وأعتقد أن التشكيل مدرسة حقيقية. شخصيا ارتبطت كثيرا بالتشكيل، وكتبت عنه وقدمت عددا من المعارض، وفي كل مرة اقتربت من التشكيل المغربي وجدت أن اللوحة تقدم كثير من الشعر. ومن المؤكد أن هناك تشكيلا في القصيدة الشعرية، وأنه تأسس وتوطد على يد فنانين تشكيليين مغاربة .. ولحسن الحظ أن الحركة التشكيلية في المغرب كان لديها حرية أكبر وجرأة أكثر في طرح بعض القضايا الجمالية. ومن النقط المضيئة في الثقافة المغربية هو التقاء الفنانين التشكليين مع بعض التجارب الشعرية في المغرب، أيضا مع التجارب النقدية، ولا ينبغي أن ننسى العلاقة التي ربطت المشهد العميق بين الخطيبي والعديد من التشكيلين، وأيضا بين محمد بنيس وعدد من التشكليين المغاربة، فضلا عن شعراء كحسن نجمي ورشيد المومني وعبد الله زريقة.. هذه العلاقة شخصيا استفذت منها كثيرا بحكم ارتباطي بصداقات عميقة مع الفنانين كلهم. كنا نتناقش كثيرا وكنت ألاحظ أن الحديث مع هؤلاء الفنانين في التجربة الابداعية يعطيني بعض الأجوبة لم أجدها في الحديث مع الشعراء والكتاب. لذا أنا مؤمن بأننا حين نطارد الشعر قد نجده في اللوحة والسينما والرواية. والشعر، أولا وقبل كل شيء، هو الحياة. وربما من بين أسباب الازمة التي نعيشها اليوم في كثير من التجارب الابداعية المغربية في التشكيل أو الشعر، غياب الحوارات العميقة والمتقاطعة. ذلك أن الابداع، اليوم، يعيش نوع من العزلة العميقة، عزلة المبدعين فيما بينهم وعزلتهم عن المجتمع. وهذه العزلة كثيرة ومتعددة، وهي في حقيقة الأمر سلسلة من المعازل، أنا مؤمن بأن يجب أن نقوم بتفكير جماعي ، إذ لا بد من حركة قوية في المغرب لاستعادة الحوار واستعادة النصوص والنقد، فلا يعقل اليوم مثلا أن لا يوجد نقد مصاحب للإبداع بصفة شبه كلية. هناك نوع من التزييف الثقافي يستقر في هذا الصمت، وهو أخطر ما يتهدد المجال الثقافي .
مصطفى النحال
هل هناك مشروعية لهجرة الشاعر الى الرواية ، وهل يمكن أن يكون المبدع في الرواية أو الشعر مبدعا في جنس آخر. هذا المرور من التجربة الشعرية إلى التجربة الروائية لا يمر بدون آثار. لما كتب الاستاذ الأشعري في الرواية لم ينسلخ تماما من الشاعر، فكيف استطاع أن ينسلخ عن الشعر وهو يكتب روايته؟
محمد الاشعري
في البداية لم أكن أعي هذا السؤال، أي كيف انتقلت من الشعر إلى الرواية. إحساسي الداخلي أننس لم انتقل. لدي هاجس ذاتي هو الهاجس الشعري، سواء أكتبت في الرواية أو المقالة السياسية. أبحث بالأساس عن تلك الوردة الشعرية التي تنقل القارئ إلى مكان لا يتوقعه. هذا طبعا لا يمنع أن لكل جنس تاريخه الأدبي وتقنياته. لا يمكن أن نتجاهل هذه الاشياء، وربما مشروعية هذا السؤال جاءت من واقعة، وهي أنه خلال العشرين سنة الاخيرة كثير من الشعراء كتبوا الرواية، لكن أغلب الحالات لم تكن ناجحة، وهي روايات طغت فيها النبرة اللغوية والبلاغة والترجيع ونوع من الاحزان المبالغ فيها، كما لا يوجد فيها إبداع أو شخصيات وبنية حكائية، فطغى نوع من الرأي أن الشعراء فشلوا في الرواية. لهذا أعتقد أنه يجب التعامل مع الرواية كرواية ، وأن لا نلتمس الاعذار للشاعر إذا كتب رواية فاشلة ، كما لا يمكن ان نلتمس الاعذار للروائي إن انتقل الى كتابة الشعر وأخفق في ذلك. مثلا الشاعر باستر شاعر جيد ولما كتب رواية واحدة عصفت به ومحت له قصائده الشعرية الجيدة..
هذا السؤال في الأمم الأخرى لم يعد يطرح. فالكاتب يكتب في القصة والرواية والشعر والمقالة ، وغير مطلوب منه أن يدلي بجواز السفر للانتقال من جنس إلى آخر أو فيزا من الرواية إلى الشعر..
مصطفى النحال
سأنتقل معك الاستاذ الاشعري الى اللعبة السائدة في كتاباتك السردية. نلاحظ أن رواياتك الثلاث بصدد لعبة هي لعبة التذكر والاسترجاع، هناك دائما أوصاف وأسماء واسترجاع للامكنة، هل مشروع كتاباتك يدخل في أفق الاسترجاع، نشعر ونحن نقرأ أن هناك تناقضا وجدانيا ما بين البحث عن الهوية التاريخية وتشويه هذه الهوية للبحث عن التحديث، هل هناك خوف من هذه الهوية الماضوية ؟
محمد الاشعري
أولا، أنا لم يكن لدي مشروع روائي، ولا اعرف ماذا سأكتب ولا أدعي ذلك. من ناحية اخرى هناك أسئلة تشغلني ، مثلا سؤال التحول والأشياء التي تخلقه، ومشاعر الناس وأفكارهم وعلاقاتهم الاجتماعية وعائلاتهم، لان الحظوظ التي كانت عندنا كجيل السبعينات في الانسجة الحضارية، هل كانت حركة تمدنية أو حضرية؟ لا ينبغي أن ننسى أنه في جيلنا كان أكثر من 60 في المئة من المغاربة قرويين، والآن اكثر من 50 في المئة حضريين.ولما نقول سكانا حضرين، فهناك حواضر كثيرة بنيت ولكن لم يتحقق بها شرط التمدن، أي تلك القيم المدينية في التعايش والعلاقات الاجتماعية، وفي انتاج الجمال بالمدينة، أي تلك القيم المختلفة على علاقات البدونة. هناك أشياء كثيرة أريد أن أعرفها وأفهمها. والرواية تساعدني على رسم شخصيات تعيش هاته التحولات والامكنة. هذا ما كتبته في رواية «جنوب الروح» و«القوس والفراشة» وفي «لعبة الاسماء»، وهذا يعنى أنني لا أكتب من باب التذكر، بل من باب مساءلة واقع اليوم. رواياتي مكتوبة بواقع اليوم وليس بالتذكر. وفي قلب هذا السؤال هناك سؤال آخر، مثلما حين تفتح علبة فتجد علبة أخرى، مثل سؤال الحداثة: لماذا فشلت كل تجارب التحديث في المغرب، سواء أكانت شخصية أو فردية أو تجارب مؤسساتية؟ هذا العطب للحداثة في المغرب هو سؤال محير، وأحاول ان أستقرئه من خلال محكيات ومسارات الشخصيات التي أستدعيها في الرواية. أيضا، هناك سؤال السلطة لماذا هذه العلاقة الوطيدة بين الاستقرار والتحكم في المغرب، فالتحكم هو الذي يؤدي إلى الاستقرار وليس الحرية؟ ولماذا ديناميكية السلطة دائما دينميكية متحايلة وتسلطية وتوهم بأنها تنسحب إلى الوراء بخطوة، لكنها تغرس الأنياب والأظافر في قلب المجتمع؟ شخصيا أتساءل: لماذا هذا التمثل للسلطة في ذهن المغربي: «يخاف ولا يحشم». إن علاقة التحكم هذه ليس مرتبطة فقط بالبنية السلطوية بل بكافة البنيات: الثقافية، الحزبية، المؤسسية، كما لو أن النزعة التحكمية عملة رائجة على مستويات متعددة في المغرب. هذا سؤال بالنسبة لي محط تفكير في الدراسات الاجتماعية والانتروبولوجية، وأعتقد أن محاولة الجواب عليه يمكن ان تكون مفيدة. إنني أعمل على بنية حكائية تقدم شخصيات ووقائع، وهذا ربما يساعد على فهم الأمر بطريقة أفضل.
على العموم، أعتقد أن الرواية عمل سياسي، بالرغم من أنها إبداع، ولاتوجد رواية غير سياسية، وأنا بطريقة مختلفة أواصل العمل السياسي في الرواية.
مصطفى النحال
الملاحظ في الرواية الاخيرة أن هناك " صنعة " أكثر. هل يعود هذا إلى أن هناك تفكيرا في الأمر أم أنك اكتسبت حرفية أكثر أم أن المسألة تعود إلى الجهد التوثيقي؟
هناك حضور لتجربة الاعتقال السياسي، أي اعتقال الأستاذ الأشعري في سجن لعلو. فبرغم من أن التجربة حاضرة روائيا وتخييليا، هناك أيضا بعد تسجيلي. كيف دبرت هذا الأمر وهل نصدق الكاتب حينما يقول بأني لم اكتب سيرة سجنية ولم أستحضر تجربة الاعتقال، وإنما دخلت في افق تخيلي؟
محمد الاشعري
حينما تكون هناك صنعة يكون هناك مجهود. هذا عمل قضيت فيه ثلاث سنوات، وكنت أشتغل يوميا. فإن كانت هناك حرفة فهي العمل الدؤوب. ولا أخفي بأنني كنت أمام تحد، ذلك أنه لما خلفت الرواية السابقة «القوس والفراشة» صدى طيبا، كنت مطالبا بأن لا أقدم عملا أقل قيمة، وهذه مسألة طبيعية. ليس لي طموح الاستقرار في ذهن الرأي العام وليس لي سباق من أجل النشر. خرجت بهذه الرواية بنفس جديد ومختلف عن الرواية السابقة. رواية «علبة الأسماء» اشتغلت عليها بصنعة وحرفية لا غبار عليها .
أما في ما يخص التجربة السجنية، فقد بذلت مجهودا كبيرا حتى لا اسقط في هذا، لأن هناك تجربة سابقة في كتابة أدب الاعتقالات. وحتى أوضح، فأنا لدي نفور كبير لهذا الصنف بالرغم من نبله، وبرغم تعرضي لتجربة السجن التي خبرتها سنوات. من حين لآخر، كنت أحاول أن أرجع لها ولكن دائما أكتب عن تجربتي. حاولت أن أبعد ذاتي من هذا الموضوع. لذلك ذكَّرت بحياة السجن والاشخاص الموجودين داخلها وقوة المكان القاسي والشرس، والقوة التي تعيش فيها الحياة كذلك، والقدرة على الانخراط في الحياة بالرغم من شراسة المكان، وحاولت أن أكتب عن الاشخاص والأماكن وما يحيط بالسجن من أشياء، دون أن أكون أنا جزء من هذه الكتابة. ولهذا ستلاحظ بأنني قمت بتكسير تلك القاعدة التي تميز بين السجين السياسي وسجين الحق العام. فالسجين السياسي دائما هو سجين نبيل ويحاط بالكثير من العناية، لأنه محاط برفاقه ، في حين أن سجين الحق العام هو انسان عادي في السجن بدون حماية كأنه في غابة كثيفة. هذا السجين العادي هو الذي أعطيته الاسبقية في الحكي وفي تشكيل الشخصيات وعوالم السجن.
مصطفى النحال
هناك علاقة، في ما تكتبه، بين التخيل وكتابة التاريخ. هناك روائيون يقولون إنهم لا يكتبون التاريخ، ولكنهم يستحضرون التاريخ كأحداث، ونحن لاحظنا أن روايتك الأخيرة فيها أحداث وأمكنة وأشخاص وشخصيات واقعية تحمل أسماء أخرى، كيف تحل المشكلة التاريخية والتخيل السردي؟
محمد الاشعري
إذا قرأ المؤرخ الحقيقي روايتي، لن يجد سوى الترهات، لأنني لم أكن أبحث عن الحقيقة التاريخية، ولكني استعنت بالتاريخ. من الممكن الآن تأريخ الخيال، فمثلا إذا رجعنا إلى الوثائق في الرواية، فإنها تتحدث عن حالة أحداث 1984 في الناضور والقصر الكبير ومراكش. في الوثائق التاريخية، وقعت هذه الأحداث بعد الزيادة في الرسوم وفي بعض الأثمنة الغذائية، فكانت الانتفاضة، وتحدث الناس عن عدد القتلى ومدافن جماعية وجاءت هيئة الانصاف والمصالحة وقالت بالفعل إن هناك مقبرة جماعية وحصلت على نفس الرقم الذي قالته بلاغ الوزارة الأولى بعد ان وقع الذي وقع وهو16 قتيلا. أما أنا فعدت إليها من زاوية أخرى، وهي زاوية العنصر العبثي في القمع، ابتداء من اللفظ كما جاء في خطاب الملك «الاوباش» إلى القمع الجسدي والسجني، والحال أنها كانت أول انتفاضة في المغرب تلقائية. ولم يؤطرها لا يسار ولا أحزاب ولا نقابات، بسبب قساوة التقويم الهيكلي. وأعتقد أن التاريخ الرسمي المدرسي لم يكن ليكتب عن ذلك القمع الذي تعرض له المتظاهرون، ولا عن نتائجه المرتبطة بالظاهرة كلها.
هناك أيضا أكثر من 20 كتابا عن مسجد الحسن الثاني، وفي الرواية، تحدثت عن المسجد كأحد تجليات القهر والتناقض في تاريخ المغر. ففي الوقت التي كانت السلطة تبني إسلاما مزوقا إلى أبعد الحدود، كان الظلاميون يبنون تحت الماء ظلاما لا علاقة له بقيم التسامح. هذا التناقض لم يستطع التاريخ أن ينظر إليه، ولكن تأتى ذلك في الرواية عن طريق السخرية وإدخال شخصيات غير متوقعة.
ولا بد أن أشير إلى أنني حينما كنت أجمع وثائق عن التعمير بالرباط وجدت تقريبا 15 أطروحة جامعية وكتب عن التاريخ وكل مؤرخي الرباط كتبوا عنها تقريبا. لكن هناك القليل من الناس والباحثين فقط من اطلع على هاته الكتب والأبحاث. إلا أنه بعد نشر الرواية اكتشف الكثير من الأشخاص مدينتهم بأزقتها ودروبها. نعم بإمكان الروائي أن يملأ ثقوب التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.