محمد الأشعري، واحد من الشعراء المغاربة الذين راكموا تجربة شعرية نوعيةً. فهو، برغم انتمائه، زمنياً، لجيل السبعينيات، ظل حاضراً، خارج هذا التاريخ نفسه، ومستمراً في الكتابة، وفي اختراق تجربته ذاتها، بما سيضفيه عليها من صور، وإيقاعات، كان للسرد فيها، دور مهم، أضاف إليها خصوصية نوعية، ميَّزت نصوصه الأخيرة، بشكل خاص. لم يعد الهم الأيديولجي، حاضراً، بشكله السافر الذي كان عليه في مراحل سابقة، وهو ما اقتضته مرحلة تاريخية، كان فيها الشعر، إلى جانب غيره من الأنواع التعبيرية الأخرى، مشاركاً في الاحتجاج، وفي لعب دور »الشهادة« على ما كان يجري من احتقان، ومواجهات، وصلت إلى مستوًى من العنف، لا مثيل له، بل إنَّ الذات، استوفتْ شرطها الجمالي، وخرجت من دمها هذا، لتعود إلى ماء الشِّعر، وإلى أفقه الجمالي، الذي سينخرط فيه، كل الشعراء الذين لم يخرجوا من وعدهم الشِّعري، والأشعري، كان بين هؤلاء. لا بُد أن نُعيد الإنصات لتجربة محمد الأشعري، ولا بُدّ أن نقرأ هذه التجربة، في سياق التحولات التي حدثت في الشعر المغربي، والذي لعبت فيها الأجيال اللاحقة، دوراً مهما، وفاعلاً، وأصبح النهر فيها يسير بأكثر من مجرًى، وبأكثر من نبع. تعددت المصادر والمراجع، وتعددت الثقافات واللغات، ولم يعد الشِّعر يتكلم بلسانٍ واحد، أو بنفس الصور التي كانت تكتفي بتعابير، ربما كانت ذات ماء مشترك، أو خرجت، بالأحرى، من بين نفس الشقوق والتصدُّعات. لا داعي لننظر للشعر المغربي اليوم، بنفس العين التي نظرنا بها لهذا الشعر، حين كان يتلمَّس طريقه نحو نفسه، أي نحو شعريته، وتوقيعه الخاص. الشعر المغربي شَبَّ عن الطوق، وأصبح كفيلاً برعاية نفسه بنفسه، دون وساطات، أو حاجة حتى لذلك النقد الذي يتكلم عن النص في غيابه، أو يُفَصِّل الأحكام على مقاس الشخوص، لا النصوص. والأشعري، هو بين من نحتاج لنقرأهم بهذا المعنى، بالنظر إلى النص، لا الشخص، حتى لا يأكلنا ضباب الماضي الذي يبدو أن الشِّعر أكبر منه. لن ننسى جرأة الأشعري في خوض مغامرة السرد. من يقرأ شعره سيكتشف أنَّه، قبل أن يحكي في رواياته، فهو حَكَى في شعره. منذ ديوانه الأول »صهيل الخيل الجريحة«، بدا أنَّ السرد، هو أحد مكونات الكتابة الشعرية عند الأشعري. ولعل »سيرة المطر«، في نسيجها العام، كانت سرداً شعرياً، وهو ما سيتبلور بشكل واضح، في ما صدر للأشعري من أعمال سردية، تُتيح متعة الكتابة والقراءة معاً. لعل القاريء، مطالَب بالبحث عن ماء الشِّعر في روايات الأشعري، أو عن السياق الجمالي الذي يجعل من الحدث ذريعةً، لإعادة كتابة الوقائع، أو الأحداث، بلسان الشاعر، الذي يحبك السرد، أو يغزله، وليس بنفس طريقة الروائي، الذي يتبع خيوط »المعنى«، وينسى أن في لغة الحكي غواية، الشاعرُ وحده من يستطيع استدراجها، حتى وهو يكتب الرواية لا الشعر. «ملتقى الثقافات والفنون بالمحمدية»