"TGV" القنيطرة – مراكش سيربط 59 % من الساكنة الوطنية وسيخلق آلاف مناصب الشغل    الملك يقيم مأدبة عشاء على شرف المدعوين والمشاركين في الدورة ال 17 للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    كاتبة الدولة الدريوش تؤكد من أبيدجان إلتزام المملكة المغربية الراسخ بدعم التعاون الإفريقي في مجال الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    الجزائر.. منظمة العفو الدولية تدين "تصعيد القمع" واعتقالات "تعسفية" وملاحقات "جائرة"    رفضا للإبادة في غزة.. إسبانيا تلغي صفقة تسلح مع شركة إسرائيلية    جرادة.. ضابط شرطة يطلق النار لتتوقيف ممبحوث عنه واجه الأمن بالكلاب الشرسة    إنزكان… توقيف شخص للاشتباه في تورطه في قضية تتعلق بالضرب والجرح باستعمال أداة راضة    الزلزولي يعود للتهديف ويقود بيتيس نحو دوري الأبطال    قبل 3 جولات من النهاية.. صراع محتدم بين عدة فرق لضمان البقاء وتجنب خوض مباراتي السد    عادل السايح: التأهل إلى نصف نهائي كأس أمم إفريقيا للفوتسال سيدات ليس وليد الصدفة    الصين تنفي وجود مفاوضات تجارية مع واشنطن: لا مشاورات ولا اتفاق في الأفق    انهيار.. ثلاثة عناصر من "البوليساريو" يفرّون ويسلمون أنفسهم للقوات المسلحة الملكية    هذه توقعات الأرصاد الجوية اليوم الجمعة    حين يصنع النظام الجزائري أزماته: من "هاشتاغ" عابر إلى تصفية حسابات داخلية باسم السيادة    رواد سفينة الفضاء "شنتشو-20" يدخلون محطة الفضاء الصينية    المديرة العامة لصندوق النقد الدولي: المغرب نموذج للثقة الدولية والاستقرار الاقتصادي    من قبة البرلمان الجزائر: نائب برلماني يدعو إلى إعدام المخنثين    الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية يشكل خارطة طريق عملية لفائدة قضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية    الشيخ بنكيران إلى ولاية رابعة على رأس "زاوية المصباح"    "الإيسيسكو" تقدم الدبلوماسية الحضارية كمفهوم جديد في معرض الكتاب    الوقاية المدنية تنظم دورة تكوينية في التواصل للمرشحين من السباحين المنقذين الموسميين بشواطئ إقليم العرائش    أكاديمية المملكة المغربية تسلّم شارات أربعة أعضاء جدد دوليّين    "بوكر" تتوّج رواية "صلاة القلق"    القرض الفلاحي يعزز التزامه برقمنة وتحديث المنظومة الفلاحية من خلال شراكات استراتيجية جديدة    الرباط …توقيع ديوان مدن الأحلام للشاعر بوشعيب خلدون بالمعرض الدولي النشر والكتاب    الخط فائق السرعة القنيطرة-مراكش سيجعل المغرب ضمن البلدان التي تتوفر على أطول الشبكات فائقة السرعة (الخليع)    "اللبؤات" يبلغن نصف نهائي "الكان"    الحكومة تعتزم رفع الحد الأدنى للأجور الى 4500 درهم    بعثة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة تصل إلى القاهرة للمشاركة في كأس إفريقيا    إحباط محاولة لتهرييب المفرقعات والشهب النارية ميناء طنجة المتوسط    مهرجان "السينما والمدرسة" يعود إلى طنجة في دورته الثانية لتعزيز الإبداع والنقد لدى الشباب    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    الأخضر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    97.6 % من الأسر المغربية تصرح إن أسعار المواد الغذائية عرفت ارتفاعا!    هل يُطْوى ملفّ النزاع حول الصحراء في‮ ‬ذكراه الخمسين؟    السجن لشرطيين اتهما ب"تعذيب وقتل" شاب في مخفر الأمن    رفع قيمة تعويض الأخطار المهنية للممرضين والإداريين والتقنيين.. وإقراره لأول مرة للأساتذة الباحثين بالصحة    واتساب تطلق ميزة الخصوصية المتقدمة للدردشة    الوداد ينفصل عن موكوينا ويفسح المجال لبنهاشم حتى نهاية الموسم    جماعة بوزنيقة تؤجل جلسة كريمين    نبيل باها: الأطر المغربية تثبت الكفاءة    قادة وملوك في وداع البابا فرنسيس    كردية أشجع من دول عربية 3من3    دراسة: النوم المبكر يعزز القدرات العقلية والإدراكية للمراهقين    روبي تحيي أولى حفلاتها في المغرب ضمن مهرجان موازين 2025    الصين تنفي التفاوض مع إدارة ترامب    الدورة الخامسة للمهرجان الدولي للفيديوهات التوعوية: منصة للإبداع المجتمعي تحت شعار "مواطنة مستدامة لعالم يتنامى"    وعي بالقضية يتجدد.. إقبال على الكتاب الفلسطيني بمعرض الرباط الدولي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين أطبع الديوان لا أستريح..أمشي في الطريق وأنا أقرأ وأكتب
نشر في بيان اليوم يوم 15 - 05 - 2015


الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال
يؤكد الشاعر المغربي عبد الكريم الطبال في هذا الحوار الخاص ببيان اليوم، على أن مشكل الإنتاج الشعري اليوم، يكمن في أن أصحابه يكتبون كثيرا ويقرأون قليلا. فالكتابة في نظره تحتاج إلى سقي، تحتاج إلى هواء، تحتاج إلى ماء. السقي هو القراءة. الماء والهواء والبدر والرعاية والشمس هي القراءة، فمن لا يقرأ لا يكتب. وحين يقرأ، ينبغي أن يقرأ الواقع، أن يتأمل فيه، في مجرياته، في تحولاته، وأن يقرأ الكتب.
ويجيب عبد الكريم الطبال -الذي يمكن أن نلقبه بناسك سفشاون- في هذا الحوار كذلك عن العديد من التساؤلات المرتبطة بتجربته الشعرية وبنظرته الخاصة إلى الحياة بمختلف أبعادها.
بعد مسيرة حافلة بالكتابة الشعرية والسردية أيضا، ماذا تعني لك الكتابة؟
هذا السؤال يعود بي إلى زمن موغل في القدم، أتذكر وأنا طالب في الثانوي بدأت بالكتابة، كانت هذه البداية هي نتيجة لعلاقاتي الحميمة مع الطبيعة، وامتداد كذلك لقراءاتي المتعددة في التجارب الشعرية الجديدة وقتذاك، وكانت التجارب الشعرية الجديدة وقتذاك يمكن أن أقول عنها كانت كلها لا تخرج عن دائرة ما يسمى بالشعرية الرومانسية. وفي هذا الصدد أتذكر أن أول كتاب شعري قرأته كان هو "دمعة وابتسامة" لجبران خليل جبران، ورغم أنه مكتوب نثرا، فقد وجدت فيه شعرا. هذا الكتاب أحببته وقرأته مرات ثم حاولت أن أتابع كل ما كان يكتبه جبران وقتذاك من كتب: النبي، رمل وزبد وأخريات،ومن خلال جبران، تعلقت بشعراء المهجر جميعا؛ ميخائيل نعيمة وآخرين. ثم تعلقت بشعراء المهجر الذين كان مقرهم في البرازيل، مثل: شفيق معلول وآخرين. وخلال هذه المرحلة في التعليم الثانوي كنت أقرأ الشعر العباسي في الكتب المدرسية والشعر الأموي والشعر الأندلسي، كان هناك نسيج من الإمدادات بين حديث وقديم. ولست أدري كيف بدأت. نعم بدأت وأنا في السنة الرابعة من الثانوي. وكنت وقتذاك ذا جرأة فوق قدرتي. القصيدة الأولى التي كتبتها أرسلتها إلى مجلة أدبية كانت تصدر في تطوان اسمها "مجلة الأنيس"، وحينما نشرت، الدنيا كلها صغرت وكأنها وضعت في يدي، كانت هذه اللحظة هي أجمل اللحظات التي عشتها في حياتي الدراسية، كانت هذه هي البذرة، ثم توالت بعدها بذرات وكتابات متواصلة. المرحلة هذه امتدت إلى آخر الخمسنيات بعد الاستقلال. وكنت أكتب وقت ذاك شعرا عموديا. ومن حسن الصدف هذه الأيام أن أستاذة بكلية الآداب بتطوان جمعت تلك القصائد القديمة العمودية التي كنت أنشرها وقت ذاك، وجعلت منها ديوانا أسميته "أشعار أولى" وقد صدر منذ شهور قليلة بعد الاستقلال.
هذا التيار، تيار الرومانسي بدأ يأفل شيئا فشيئا، أو يصمت شيئا فشيئا. لماذا؟
بعد الاستقلال كانت هناك ايديولوجيات قادمة من خارج المغرب. كانت هناك ثقافات أخرى بالنسبة إلينا كانت جديدة. وكان الشعر المغربي لا بد أن يتأثر بالمعطيات الثقافية الجديدة الوافدة. بعد الاستقلال تأثر الشعر المغربي بالشعر العربي أولا وبثقافات أخرى؛ الشعر الإسباني والشعر الروسي خاصة. بعد الاستقلال كانت حركة الشعر الحر قد ظهرت في العراق على يد نازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وآخرين. هذه الحركة قويت في الشرق العربي وكان المغربي عينه عليها. كنا هنا في المغرب نقرأ كل ما كان يصدر هناك وكان يصل إلى المغرب فكنا نقرأه. لا شك أننا تأثرنا به كما كان يتأثر به الآخرون في المشرق. وقد انعكست هذه القراءات في شعرنا المغربي، خاصة في فترة بعد الاستقلال. مؤثرات في الشعر المغربي وقت ذاك، يمكن أن نقول إنها ثلاثة: الشعر الحر: الذي نشأ في الشرق العربي، ترجمات الأدب العالمي، الواقع المغربي.
كنا في المغرب، نتوهم أن الاستقلال سيكون استقلالا، وإذا به كان تبعية. المغرب لم يستقل، استقل في الأوراق ولم يستقل في الواقع، الصحراء المغربية بقيت تحت يد اسبانيا، سبتة ومليلية تحت يد اسبانيا إلى الآن. الجزر الجعفرية إلى الآن تحت يد اسبانيا. ويمكن إذا زرت مدينة الحسيمة أن تراها. جزيرة ملتصقة بالحسيمة فيها العلم الاسباني. كان الإنسان المغربي بعد الاستقلال صدم، ولذلك الشعر المغربي دخل إلى الميدان. رفع صوته ضد هذا الواقع، ولهذا يمكن أن نقول بأن الشعر الستيني كله شعر هجاء للواقع. كله استشراف لمغرب آخر، لمستقبل آخر.
هذه المرحلة الثانية، إذا من الرومانسية إلى الواقعية، حينما نقول الواقعية لا يعني أن الرومانسية انقرضت، داخل الواقعية هناك رومانسية. هناك حلم. الرمانسية حلم بواقع أجمل.
هناك لقاء بين الرمانسية والواقعية. في السبعينيات وما بعد. كواحد من الشعراء المغاربة ربما يئسنا، ربما اعترانا نوع من الإحباط. ماذا فعلنا فارتددنا إلى ذواتنا، دخلنا في أعماقنا. وبدأنا نكتب شعرا ذاتيا، شعرا صوفيا. شعرا تأمليا. إلى حد الآن ما نزال في هذا الخط الشعري. الآن، إذا أخذت أي قصيدة في الشعر المغربي وقرأتها ستجد أن الشاعر يتحدث عن ذاته، عن دواخله. يتحدث عن الأشياء الصغيرة في الواقع، وفي الحياة، عن مقهى، عن كرسي، عن كذا وكذا. ولكنه على أي حال شعر عميق. شعر اهتدى إلى مسكنه، اهتدى إلى بيته. بيت الشعر الحقيقي هو أعماق الشاعر وليس الواقع. أعماقه هي بيته الحقيقي. ولذلك إذا قرأت أي شاعر في المغرب أو خارج المغرب وبالأخص الشعراء الكبار، سوف تجده يتحدث عن الحياة في أعماقها، عن الذات في أعماقها، عن الزمن في أعماقه. وليس عن الصبح، وليس عن الظاهر.
من هنا كان الميل الآن إلى الشعر الصوفي واضحا في المغرب. حتى عند الذين يدعون أنهم ليسوا صوفيين، تجد التصوف في شعرههم.
بدأتكم بكتابة القصيدة العمودية ثم ما لبثتم أن انتقلتم إلى الشعر الحر. ما سر هذا الانتقال؟ هل هو استجابة طبيعية لثورة الشعر الحر أم أن القصيدة العمودية لم تعد قادرة على التعبير عن راهن العصر آنذاك؟
هناك جوابان اثنان؛ أولا: حينما ظهرت ثورة الشعر الحر، كان لابد أن نتأثر بها، فالمغرب هو المشرق، والمغرب الثقافي هو المشرق الثقافي. تراثنا واحد، حضارتنا واحدة، كان لابد أن نتأثر، ثم إن الشعر ليس شيئا واقفا ثابتا، هو كأي كائن يتحول يتطور، فالشعر العمودي انتقل من العمودية إلى التفعيلي، يوجد هناك تحول، وحتى في الشعر العربي القديم، هناك تحولات، ظهر الموشح، وهذا تحول في الشعر. الأرجوزة تحول في الشعر العمودي. هذا شيء، ثم هناك شيء آخر هو أن الشعر العمودي عادة هو محدود في أغراض معينة، هناك أغراض هي شريعته؛ المدح: زمننا ليس زمن المدح. الفخر إذا تأملت فيه غير أخلاقي، الهجاء فن غير أخلاقي. الشعر إنساني. الشعر كوني، ولذلك فالشعراء المعاصرون لا أظن أن أحدا منهم يمدح أحدا. لماذا سأمدح سلطانا أو أميرا، وليكن ما يكون، هو مجرد إنسان مثلي ومثلك، يفعل الخير ويفعل الشر، وله محاسن وله معايب. شعر المدح شعر ممجوج في ثقافتنا الحالية. وأظن أن حتى الأمراء الآن لا يقبلون أن يمدحهم أحد، لا يقبلون، لأن المدح معناه كذب، حينما يقول الشاعر: أنت بحر. يكذب. حينما يقول النابغة الذبياني: فإنك شمس والملوك كواكب. يكذب. هذا ليس شعرا إنسانيا، ليس شعرا روحيا. هو شعر مصطنع، ولذلك انتهى هذا الاتجاه. هذا عالم آخر، مهما قلت الشعر فإني كأي شيء. الآن عندنا قصيدة النثر، ويمكن أن يظهر شكل آخر، ليس ببعيد.
ما هي أهم الروافد الأساسية التي غذت التجربة الطبالية خاصة في بداياتها؟
كما قلت من قبل، هناك الأدب الرومانسي عموما، هناك الأدب العربي عموما، وبالأخص الأدب العباسي والأدب الأندلسي، ثم الرافد الأساسي عندي الآن هو التراث الصوفي، ابن عربي، الحلاج، إلى آخره. ثم الرافد الثالث هو الأدب الأجنبي أو العالمي، ويمكنني أن أقول بأنني على صلة وثيقة بكل ما يترجم من الشعر العالمي، الشعر الاسباني، الشعر الفرنسي، الشعر الألماني. أقرأ لكل شعراء العالم، وحينما تأتيني الفرصة، أكون على صلة عميقة مع هؤلاء قراءة. هذه هي الروافد: الأدب العربي القديم، الأدب الحديث، والأدب العالمي. وفي مقدمة الأدب العربي، الأدب الصوفي.
تعتبرون أن الرومانسية هي الملح لكل شعر، وأنه لا يمكن أن يكون هناك شعر ليست فيه رومانسية. دعني أسأل هنا إلى أي حد تستطيع الرومانسية التعبير عن مجموع القضايا الفكرية والجمالية التي تشغل فكر الشاعر من جهة والمجتمع من جهة ثانية؟
الرومانسية في الشعر هي الحديث عن الذات، حديث عن الحلم، والشاعر أي شاعر لا يمكن أن يخرج عن هذا، ليكن شعرا إيديولوجيا أو شعرا فلسفيا أو شعرا صوفيا، فالذات في شعره حاضرة، الحديث عنها حاضر، الحديث عن الحلم حاضر، الحديث عن الخيال حاضر. والحزن أيضا الذي هو من سمات الرومانسية حاضر. ولذلك قرأت قبل قليل في مقدمة أحد الدواوين بأن الإنسان ناقص، لذلك فهو حزين، يريد أن يكمل. ويجد الكمال في الطبيعة، يمتزج فيها، يدخل فيها. حينما يدخل فيها، لا يزول النقص، يريد أن يكمل، فيحاول أن يتحد بالروح العليا، بالأولوهية. وهذا ما اهتدى إليه الصوفية.
قفزوا من الطبيعة إلى الألوهية.
المتتبع لشعركم، يلحظ الاشتغال على تيمة أساسية حاضرة بقوة في قصائدكم، وهي تيمة الماء، حتى أن هناك من النقاد من ذهب إلى تلقيبكم "بشاعر عرشه على ماء". كيف تفسرون حضور الماء في شعركم؟ وهل هو مرتبط بالطبيعة الشفشاونية؟
حضور الماء في شعري ليس مقصودا عندي. أولا المدينة مدينة ماء، وأنا ولدت في حومة، كان بيتي فيها قريب إلى النهر، وكنت أنهض كل صباح وأذهب إلى ذلك النهر لأسبح مع أصدقائي فيه. حينما كبرت وجدت في قلب المدينة رأس الماء، حينما هبطت إلى باب المدينة وجدت باب العين. كانت هناك ساقية. إذن جغرافية المدينة جغرافية مائية. ثم الماء هو أصل الحياة، وأول الحياة الماء. ثم إن الماء لا شيء في الطبيعة أصفى منه، والروح أية روح كانت تحلم أن تكون صافية، فلم تحلم إلا بالماء. وقديما قال النقاد في العصر العباسي حينما كانوا يريدون أن يمدحوا شعرا، يقولون: شعر كالماء، لغته كالماء. صفاء، وسلاسة وعذوبة وحياة.
يلاحظ كذلك حضور الاتجاه الصوفي في شعركم بكثرة، وأنت القائل: " أحمل وجه الصوفي الغائب في الصدر وفي الورد، الحاضر في الجهر وفي الوصل"، ما دلالة التصوف في شعركم؟ وهل هو اختيار أم ضرورة؟
هو ليس بالاختيار ولا بالضرورة، أنا في الوقت الذي بدأت فيه حياتي، وربما قبل سن السادسة، كانت والدتي رحمها الله وهي تغزل تذكر الله، حينما ذهبت إلى الكتاب وأنا في سن السادسة كان القرآن حاضرا معي، علي أن أحفظه، علي أن أسمعه، علي أن أتلوه. فاستمررت معه سنينا. وعندما ذهبت إلى القرويين كان القرآن فيها حاضرا، القرويين ليس جامعة للعلم، لكنها جامعة للعبادة وللصلاة. كنا في الحلقة ونرى أحدا يصلي هنا وآخر يصلي هناك. ثم فيما بعد التقيت بابن عربي، التقيت بأبي حيان، التقيت بالحلاج، التقيت برابعة العدوية. هؤلاء أخذوا بيدي وقالوا لي:
إلى أين؟ هيا معنا. فذهبت معهم. وأخيرا التقيت بجلال الدين الرومي الذي قال لي: إلى أين؟ وأخذني معه. وأنا معه إلى الآن. وإن كنت في الخلف.
من خلال عملية إحصائية بسيطة وبالنظر إلى تواريخ صدور دواوينكم الشعرية، يظهر أن لكم نفسا شعريا طويلا ومتواصلا. إذ نجد ديوان "الطريق إلى الإنسان" في 71، "الأشياء المنكسرة" 74، "البستان" في 88، "عابر سبيل" في 93، "آخر المساء" في 94، "شجرة البياض" في 95، بالإضافة إلى دواوين عديدة، وصولا إلى ديوان من كتاب الرمل، وأيها البراق، وعلى حافة القصيدة، ثم ديوانان الآن قيد الطبع، يتعلق الأمر بديوان"حديقة صغيرة" وديوان "منمنمات". كيف نفسر هذا النفس الشعري الطويل والمتواصل عند الشاعر عبد الكريم الطبال؟
نفس الشعر الطويل هو نفس الحياة، أنا أقرأ وأكتب، هذه هي مهمتي، وليس لدي مهمة أخرى. قد أطبع وقد لا أطبع، الآن عندي مجموعات وليس مجموعة واحدة، تنتظر، عندي مجموعتان الآن في المطبعة. واحدة في تطوان وواحدة في طنجة، قد يصدران قريبا.
وعندي أعمال أخرى موضوعة، ومعنى ذلك أنني حين أطبع الديوان لا أستريح، أمشي في الطريق ولست أجلس. وأنا أمشي في الطريق أقرأ وأكتب. ولعلك إذا كنت تتصفح شذراتي، أنني في كل صباح أكتب. أحيانا قد أكون ما كتبت راضيا عليه، وأحيانا قد أراجعه ولا أكون راضيا عليه. ولكنني أكتب. تلك هي مهمتي، ولذلك أقول في شذرة: أصابعي تشم وردا ليس في المكان.
لماذا اختار الشاعر عبد الكريم الطبال الكتابة في الشعر وعدم الكتابة في الأجناس الأخرى كالرواية والقصة القصيرة مثلا؟
أظن أن قدرتي هي هذه، أنا تعلمت صنعة واحدة، (يضحك)، أخاف إذا حاولت أن أصنع شيئا آخر غير ما أصنع أن أفشل. (يضحك مرة أخرى) فليس لي وقت لأتعلم صنعة أخرى. الوقت كله مع هذه التي لا تشبع.* نريد أن نعرف ما هي الأوقات التي تكتبون فيها، متى يأتيك الإلهام الشعري؟ ثم ما هي الأماكن التي تلهمكم أيضا؟* مسألة طقوس الكتابة، في الغالب أكتب في ليلا، وأحيانا أكتب وأنا أمشي في الطريق. أنا أمشي في الطريق والكلمات تتوارد، تتواصل. وحينما أصل إلى البيت أنقلها من تحت اللسان وأضعها في كلمات. كثيرا ما يحدث لي هذا في الطريق. حينما أكون لوحدي أمشي. قد يراني أحد فيحسبني قد جننت. وكما يقول النحاة: هكذا أيّ خُلقت. أما المكان فهو المدينة ككل، وهناك مكان آخر هو البحر، البحر دائما رجل كريم.* كيف تنظرون إلى الشعر المغربي المعاصر بكل تلاوينه؟- حركة الشعر في المغرب حركة ذات قوة، هناك الآن شعراء شباب يستحقون التمجيد وليس الإشهار فقط، هناك شعراء متميزون في المغرب، لا يقلون تميزا عن الشعراء في المشرق، سواء أكانوا شعراء أو شاعرات. هناك حركة مزدهرة في المغرب.* كيف تقيمون عمل النقد، وهل يواكب في المغرب الشعر؟- لا يستطيع النقد أن يواكب الشعر. الإصدارات يوميا تقريبا. ماذا سيفعل الناقد حينما يجد أمامه عشرة دواوين تصدر في الشهر الواحد. أين يبدأ وأين ينتهي؟ هناك نقد حاضر ولكنه لا يكفي. ينبغي أن يكون هناك نقاد بعدد الشعراء. هناك نقاد كبار في المغرب، ولكنهم قليلون إذا قيسوا مع الشعراء. لقد كثر الشعراء كثيرا، والطبع فتح الباب للجميع، للشعراء ولغير الشعراء، أجد عددا من الدواوين لا أستطيع أن أقرأها، ولكن هناك دواوين تستحق القراءة.
ما دور الشعر في نظركم، هل هدفه الأساسي هو التغيير أم أن دوره في ذاته، هو غاية في ذاته؟
الشعر له غايتان: الغاية الأولى في ذاته، الشعر تطهير، تطهير للنفس كما يقول أرسطو. وله غاية أخرى هي التغيير، ولكن على المدى البعيد. فالثورة الفرنسية كانت نتيجة لأعمال شعراء ومفكرين وكتاب سابقين. فعل الشعر في التغيير فعل بطيء، فعل ولكنه مستمر ويؤتي ثماره في الأخير. شعر محمود درويش يفعل فعله، ستظهر ثماره في المستقبل، لم يمت شعر درويش، بقي حيا. إقرأ كتابات الشباب اليوم ستجد شعر درويش حاضرا في شعرهم ونثرهم. معنى ذلك أنه يفعل فيهم، كما يفعل في المجتمع. إذا الشعر له غايتان: غاية داخلية وغاية خارجية، الخارجية بعيدة قليلا وتحتاج للوقت.
كسؤال أخير، ما هي أهم النصائح التي تقدمونها للشعراء الشباب؟-
النصائح التي أقدمها للشباب ينبغي أن أقدمها إلي، (يضحك) أذكر أن الشاعر "راينر ماريا " له كتاب صغير سماه "إلى شاعر ناشئ"، وفيه النصائح. إقرأه.
لكننا نريد أن نسمع منكم؟
نصيحتي إلى الشاعر الناشئ هي نصيحة إلي: أن يقرأ كثيرا ويكتب قليلا، وليس العكس. المشكل هو أن الشباب يكتبون كثيرا ويقرأون قليلا. الكتابة تحتاج إلى سقي، تحتاج إلى هواء، تحتاج إلى ماء. السقي هو القراءة. الماء والهواء والبدر والرعاية والشمس هي القراءة. فمن لا يقرأ لا يكتب. وحين يقرأ، ينبغي أن يقرأ الواقع، أن يتأمل فيه، في مجرياته، في تحولاته، وأن يقرأ الكتب. إذن ليست الكتب فقط بل حتى الواقع، أن يقرأ التراث، أن يقرأ الكتابات، وأن يقرأ ذاته، أن يتأمل فيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.